على الرغم من توقيعها غالبية الاتفاقيات واللوائح الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وعمل المجتمع المدني، تستمر حكومة غزة متمثلةً بشخصياتها ودوائرها وأوساطها في العمل على أساس الانغلاق على الذات، ورفض التعاون الحقيقي مع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، إذ تنظر بعين الشك والقلق لتلك المؤسسات بذريعة أنها تتلقى الدعم من "كيانات دولية خارجية مشبوهة".
وعليه، فإنها ستمرر قيماً وأفكاراً لا تتناسب مع "الموروث الثقافي" لسكان غزة. ولكن في واقع الأمر ليس هناك أيَ مسوغٍ لحالة العداوة والحذر بين حكومة غزة ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني سوى أن "النظام الحاكم" في غزة يسعى للتفرد بالمجتمع الغزي والسيطرة على الوعي الجمعي ومنعه من رؤية أكثر مما يتيحه النظام، من أجل قولبة سكان القطاع في إطار واحد من يخرج عنه يدخل في تصنيف "الفلسطيني المشبوه، أو الفلسطيني غير الصالح".
أما عن آخر مضايقات الأجهزة الأمنية غير المبررة وغير القانونية في سير عمل مؤسسات المجتمع المدني في قطاع غزة فكانت من نصيب مؤسسة "فلسطينيات"، التي مُنعت صباح الثلاثاء 17 كانون الثاني/ يناير 2023 من تنفيذ جلسة حوارية لمناقشة نتائج تقرير استقصائي بعنوان: "أكاديميون" خانوا الأمانة... "خفايا" من قلب الحرم! كان قد نُشر على شبكة نوى –التابعة لمؤسسة فلسطينيات- في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2022.
آخر مضايقات الأجهزة الأمنية غير المبررة وغير القانونية في سير عمل مؤسسات المجتمع المدني في قطاع غزة فكانت من نصيب مؤسسة "فلسطينيات"، التي مُنعت صباح الثلاثاء 17 كانون الثاني/ يناير 2023 من تنفيذ جلسة حوارية
الجدير بالذكر أنه قد سبقَ منع مباحث المؤسسات "لمؤسسة فلسطينيات" من تنفيذ الحوارية استدعاءٌ لمُعدات التقرير حول التحرش في المؤسسات الأكاديمية: مرح الوادية، وإسلام الأسطل بتاريخ 29 كانون الأوّل/ ديسمبر 2022 ، وذلك من أجل التحقيق معهما بتهمة إثارة قضايا حساسة مع الافتقار للأدلة الكافية، على الرغم من أن التقرير المنشور قائمٌ على استطلاع آراء طالبات جامعيات وموظفات أكاديميات تعرضن للتحرش، أو شهدن حوادث تحرش. وبالطبع الاستدعاء إلى المباحث يعني أنك ستُعامل كمجرم يهدد أمن المدينة وإن كان الاستدعاء على خلفية تقرير استقصائي قانوني!
قضايا حساسة، وجلسة حوارية مختلطة بين الرجال والنساء... هذا لا يجوز!
تعدّ "فلسطينيات" واحدة من المؤسسات الأهلية الإعلامية المرخصة في فلسطين، والتي تسعى عبر مكاتبها في المدن الفلسطينية لدعم المشاركة الحقيقية والفاعلة للنساء والشباب الفلسطيني، كما تهدف إلى تقديم خطاب إعلامي وسياسي بديل يحترم النوع الاجتماعي ووجهة نظر الجيل الشاب عبر التدخل الإيجابي من أجل التغيير.
وبناءً على ذلك، كانت حوارية "آليات الحماية من التحرش في المؤسسات الأكاديمية" من النشاطات التي تجريها المؤسسة ضمن إطار عملها لتحقيق أهدافها التي ترتبط بطبيعتها بحل المشكلات المجتمعية، أو الحد من بعض الظواهر.
ودعت "فلسطينيات" لحضور الجلسة الحوارية ممثلين عن الجامعات الفلسطينية ووزارة التربية والتعليم وجهاز الشرطة الفلسطينية ومدير عام الشرطة الفلسطينية ومراقب عام وزارة الداخلية، واللجنة القانونية في المجلس التشريعي، من أجل وضع نتائج التقرير الاستقصائي الذي أعدته الوادية والأسطل موضع المناقشة والتحليل للخروج بحلول عملية تضمن الحماية من التحرش في الجامعات.
وفوجئت بعد ذلك منى خضر، منسقة برامج مؤسسة فلسطينيات في قطاع غزة، باتصالٍ من مباحث المؤسسات قبل انعقاد الجلسة الحوارية بساعتين، إذ أُبلغت بأن الجلسة المقرر تنفيذها لم يتم إبلاغ مباحث المؤسسات بها، وبذلك فهي غير شرعية ويمنع عقدها، خاصةً أن فيها اختلاطاً بين الرجال والنساء. ولأن ذلك يخالف القانون الفلسطيني الساري على المؤسسات المرخصة، حيث لا يحق للأجهزة الأمنية انتهاك حرية عمل المؤسسات المدنية داخل أروقتها وقاعاتها، أصرت المؤسسة على تنفيذ نشاطها تحت حماية القانون والمعايير الدولية لحرية عمل المؤسسات المدنية الأهلية. إلا أن حكومة غزة قد فرضت قانونها الخاص على مؤسسة فلسطينيات ومنعتها من تنفيذ نشاطاتها القانونية عبر أجهزتها الأمنية التي حضرت إلى المؤسسة ومنعت تنفيذ الحوارية، على الرغم من تأكيد مباحث المؤسسات عبر موقع وزارة الداخلية على دعمها لجميع المؤسسات المرخصة والقانونية في قطاع غزة بلا استثناء.
فوجئت منسقة برامج مؤسسة "فلسطينيات" في غزة، باتصالٍ من مباحث المؤسسات قبل انعقاد الجلسة الحوارية بساعتين، إذ أُبلغت بأن الجلسة المقرر تنفيذها لم يتم إبلاغ مباحث المؤسسات بها، وبذلك فهي غير شرعية ويمنع عقدها، خاصةً أن فيها اختلاطاً بين الرجال والنساء
وذكرت منسقة "فلسطينيات" في غزة منى خضر لرصيف 22: "أن الأجهزة الأمنية في قطاع غزة تذرعت لمنع تنفيذ الحوارية بأن النشاط يثير قضايا حساسة في مجتمع غزة المحافظ!".
أما وفاء عبد الرحمن، مديرة مؤسسة "فلسطينيات"، فكتبت عبر صفحتها على فيسبوك: "بكل فخر، تسجل فلسطينيات أنها المؤسسة الأولى التي رفضت وقالت لا، وعليها أن تدفع الثمن! كمديرة لفلسطينيات أقول:
لن نقدم أي طلبات لأي تصاريح مخالفة للقانون
لن نسحب التحقيق من صفحتنا
لن تستجيب أي من زميلاتنا لأي استدعاء على خلفية عملها الصحفي أو المؤسسي".
مارسوا عملكم. لكن دون أن يراكم أحد، أو يُسمع صوتكم!
إن ما يسعى النظام الحاكم لترسيخه دوماً في الوعي الجمعي لسكان قطاع غزة هو "أنكم لن تجدوا خلاصكم إلا بانصياعكم لنا"، ومن هنا تتضح ملامح العداوة بين النظام وأي جهة دولية أخرى تضع التنوير ضمن أهدافها. إلا أنه ليس بمقدور ذلك النظام أن يمنع "المؤسسات الدولية" من ممارسة عملها في غزة، فهو يدرك حاجته للعلاقات الدولية الجيدة مع الجميع، ولذا تشكلت تلك العلاقة المركبة بين حكومة غزة والمجتمع المدني والقائمة على "مارسوا عملكم. لكن دون أن يراكم أحد، أو يُسمع صوتكم". هذه القاعدة التي إن تجاوزتها المؤسسات المدنية للمناداة بالتنوير والحريات والنزاهة، فلن يصعُب على الأجهزة الأمنية أن تجد تهماً جاهزة تقوض بها عمل تلك المؤسسات.
لذا فإن ما عايشته مؤسسة "فلسطينيات" خلال الأيام السابقة من تدخلاتٍ وقيود، ومنعها من تنفيذ نشاطاتها القانونية ضمن مجال عملها، لم يكن سابقة، بل جاء في إطار سياسة تكميم الأفواه وبسط السيطرة، فمن يضمن أن لا تظهر مؤسسة أخرى بعد الحديث عن آليات الحماية من التحرش في المؤسسات الأكاديمية، لتتحدث عن الحماية من الاعتقال التعسفي مثلاً! إذاً، فالذي تفعله الأجهزة الأمنية هو مراقبة حثيثة لأي محاولة من شأنها إحداث اختراق لحالة القمع العامة المفروضة على قطاع غزة، مع الإبقاء على هامش ضئيل لمؤسسات المجتمع المدني للعمل على الحفاظ على الحد الأدنى للحريات.
إدانة تقييد عمل مؤسسات المجتمع المدني في قطاع غزة
إضافةً إلى البيان الذي أصدرته مؤسسة "فلسطينيات" حول منعها من تنفيذ نشاطاتها داخل المؤسسة، استنكرت مجموعة واسعة من المؤسسات الحقوقية والصحافية في قطاع غزة الحادثة التي تعرضت لها "فلسطينيات". فقد أدان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان منع مؤسسة "فلسطينيات" من تنفيذ جلسة حوارية داخل قاعة المؤسسة بمدينة غزة، وذكر أن الاجتماعات التي تتطلب إشعاراً للشرطة قبل 48 ساعة من عقدها هي التجمعات التي تعقد في أماكن عامة مفتوحة بمشاركة أكثر من 50 شخصاً، وفقاً لقانون الاجتماعات العامة رقم 12 لعام 1998.
ما عايشته مؤسسة "فلسطينيات" خلال الأيام السابقة من تدخلاتٍ وقيود، ومنعها من تنفيذ نشاطاتها القانونية ضمن مجال عملها، لم يكن سابقة، بل جاء في إطار سياسة تكميم الأفواه وبسط السيطرة
كما استنكرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) ونقابة الصحافيين الفلسطينيين والمكتب الحركي المركزي للصحفايين بالأقاليم الجنوبية، أن تمنع الأجهزة الأمنية في قطاع غزة مؤسسة فلسطينيات من عقد جلسة حوارية في مقرها لمناقشة تحقيق صحافي من إعدادها.
وتطالب "فلسطينيات" وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية بالتراجع عن كل الخطوات التي تحد من حرية الصحافة، وحرية عمل المؤسسات بدءاً من طلب الإشعار المسبق لإجراء الأنشطة من قبل المؤسسات المرخصة أو طلب فصل النساء عن الرجال، أو التوقيع على تعهدات، وكذلك عدم التدخل في حرية عمل المؤسسات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...