شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
غزة تطمر آثارها... إهمال السلطة و

غزة تطمر آثارها... إهمال السلطة و"حماس" يقضي على تاريخ يمتد آلاف السنين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 18 نوفمبر 202110:46 ص
Read in English:

Gaza buries its ruins… Neglect by the PA and Hamas destroys a millenary heritage

المواقع الأثرية في قطاع غزة، حالها كحال بقية معالم القطاع، معرّضة للعدوان الإسرائيلي في أي لحظة، ومعرضة أيضاً للإبادة، حرفياً، عبر تعديات وانتهاكات من جهات فلسطينية رسمية وغير رسمية، بخلاف القوانين التي تحظر المساس بهذه المواقع.

فموقع تلّ العجول الأثري في قرية المغراقة، وسط قطاع غزة، تحوّل مثلاً إلى منطقة سكنية وأراضٍ زراعية. معالمه تلاشت على مدار عشرين عاماً من تعديات السكان المتكررة.

وبحسب تصنيف المدرسة البريطانية للآثار، وهي مؤسسة تركز على الأبحاث في علم الآثار، وأجرت تنقيبات في مواقع فلسطينية خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين (1920-1945)، يعود تاريخ هذا الموقع إلى العصر البرونزي الأوسط (2200-1500 ق.م.)، والبرونزي الأخير (1500-1200 ق.م)، مع استخدامات ضيّقة في العصور التي تلت ذلك، مثل العصر الحديدي والروماني والبيزنطي حتى الإسلامي.

أجرت المدرسة البريطانية أعمال تنقيب في الموقع بإشراف العالم البريطاني وليام فلندرز بتري، في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي. وعثر المنقبون على قطع أثرية وعملات نقدية وأدوات قديمة وآثار قصور ومبانٍ. ونُشرت نتائج التنقيب في أربعة مجلدات حملت اسم "غزة القديمة"، وتُعرض آثار من الموقع لغاية اليوم في المتحف البريطاني.

الاكتشافات المذكورة ما زالت تُدرَّس في جامعات في كندا والولايات المتحدة وبريطانيا، بحسب معين صادق، أستاذ التاريخ والآثار في جامعة تورونتو الكندية.

في جولة على موقع تل العجول، في أيار/ مايو 2021، لم نعثر على معالم أثرية أو طبقات معمارية. تلاشت المعالم والطبقات التي وثقتها خرائط الاكتشاف في ثلاثينيات القرن الماضي، ووثائق فريق التنقيب الذي زاره بين عامي 1999 و2000. عثرنا على بعض القطع الفخارية فقط، فيما انتشرت المنازل والأراضي الزراعية في المكان.



تدمير "أهم إرث فلسطيني قديم"

الحال الجديد الذي بدا عليه "تل العجول" كان صادماً لعالم الآثار النمساوي-السويدي بيتر فيشر، وهو مختص بعلم آثار شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأدنى، وقاد البعثة الفلسطينية السويدية في تل العجول سنة 2000.

علّق فيشر على صور حديثة للموقع عرضناها عليه بالقول: "بناء المنازل، وزراعة أشجار الزيتون، وتجريف الموقع، كما شاهدته، دمّرت أهم إرث فلسطيني قديم. يفكر الناس في المدى القصير، وبالتالي يتجاهلون مسؤوليتهم تجاه الأجيال السابقة التي بنت عالمنا والتي من واجبنا الحفاظ على بقاياها".

يعتبر فيشر موقع تل العجول الـ"متعدد الثقافات" مهماً للتراث العالمي، ويقول: "يُظهر الموقع روابط بين الثقافات مع جزء كبير من منطقة البحر الأبيض المتوسط ​​وإلى الشرق. كان بوابة بين مصر والشام، وشاهداً على علاقات تجارية مكثفة مع قبرص. البشرية فقدت أحد أهم معالمها في بلاد الشام".

التدهور الحاصل حديثاً في "تل العجول" سبقته سلسلة تعديات وثّقها فيشر في آخر زيارة له إلى قطاع غزة عام 2011 قبل أن تمنعه إسرائيل من العودة مجدداً. كانت المنازل وأشجار الزيتون، كما يروي، في كل مكان في المنطقة التي نقّب فيها، وسيّجها في جولته الأولى. ويقول إن الآثار التي تُدلل على العصر البرونزي المتأخر دُمّرت، ما دفعه إلى التساؤل عن مصير القطع الأثرية التي لا بد أن يكون قد عثر عليها المعتدون عندما شيّدوا المنازل أو زرعوا الأرض.

اليوم، يتعامل السكان المعتدون مع أرض الموقع على أنها ملكهم الخاص. اعترض أحدهم معدّ التحقيق أثناء تواجده هناك على اعتبار أنه "شخص غريب لا يُسمح له بالتقاط صور لأرضه الزراعية". الساكن الجديد للموقع عبّر عن تخوفه من قدوم عصابات من أجل سرقة الآثار في الموقع، وأشار بيده إلى حُفرة أسفل أرض مزروعة بالزيتون قائلاً إن البعض يأتون ويحفرون بحثاً عن آثار.

نقلنا المعلومات عن تلك التعديات إلى وزارة السياحة والآثار في غزة، والتي تديرها حركة حماس. أقرّ مدير دائرة الحماية والترميم، أحمد البُرش، بأن وزارته لم تقم بأي أنشطة بسبب افتقارها للإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لحماية المواقع الأثرية. وقال: "الاعتداء على تل العجول أمر قديم، وليس لدى الوزارة علم به، والموقع تُرك في عهد السلطة الفلسطينية".



لا ينكر معين صادق الذي كان مديراً عاماً للآثار في الوزارة، بين عامي 1994 و2005، في عهد السلطة الفلسطينية، تعرُّض الموقع لتعديات في تلك الفترة، كذلك في فترة حكم الاحتلال الإسرائيلي للقطاع (1967-1993). لكنه يشير إلى أن وزارته اتخذت بعض الإجراءات في سبيل توفير الحماية كوضع لافتة تحذّر من التعدي على الموقع باعتباره أرضاً وقفية، وتوفير حراسات، وهما أمران لا يتوفران حالياً.

يقول صادق: "كان يحصل تجريف في أيام الجمعة، نظراً إلى إجازات الحُرّاس. كانت تتم مثلاً عمليات تجريف لا نعلم مصدرها، لاكتساب مساحات زراعية إضافية من التل، خاصة في الجهة الجنوبية. وحصل تعدٍّ واحد من أجل بناء منزل (قبل عام 2007)، اعتراضنا عليه، لكن للأسف استخدم (صاحب المنزل) نفوذه. لا أحد يجرؤ على ذلك إلا إذا كان ذا مركز قوي ومسنوداً من متنفذين أو من عائلته".

مواقع أثرية بلا حماية

حال موقع تل العجول لا يختلف كثيراً عن حال غالبية المواقع الأثرية في قطاع غزة البالغ عددها حالياً 76 موقعاً: لم تستطع الجهات الرسمية حمايتها من التعديات، بل اعتدت على بعضٍ منها.

وشهدت فترة حكم السلطة الفلسطينية لقطاع غزة (1994-2007) أربعة انتهاكات "متعمدة" للمواقع الأثرية، في حين طالها 11 انتهاكاً خلال فترة سيطرة حكومة غزة الحالية، أي منذ أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007، بحسب ما وثقه التحقيق.

تحقيق يوثّق انتهاكات ممنهجة بحق أشهر المواقع الأثرية في قطاع غزّة، كما يوثق التقاعس عن حمايتها

تل العجول، وتل السكن، والبلاخية، وتل رفح (تل زعرب)، هي المواقع الأكبر مساحةً في قطاع غزة، وتقدّر بنحو 740  دونماً (740 ألف متر مربع). شهدت ثلاثة منها انتهاكات من قبل جهات حكومية ومواطنين، ولا تتوفر فيها أي حراسات. ونجا موقع تل رفح من التعديات المباشرة، لكنه معرض للخطر بفعل العوامل الطبيعية، وتوقف أعمال الترميم والتنقيب فيه.

ثلاثة مواقع أثرية في قطاع غزة فقط وفّرت لها الحكومة الحراسات اللازمة، وهي تل أم عامر (دير القديس هيلاريون) في وسط القطاع، وتل رفح (زعرب)، في جنوب رفح، وموقع الكنيسة البيزنطية في جباليا شمالاً. هذه المواقع مرممة بتمويل من جهات دولية. في المقابل، تفتقر سبعة مواقع للحماية، وأقيمت على أطرافها بيوت زراعية بلاستيكية، فيما غزت القمامة أجزاء منها.

اختفت معالم 31 موقعاً أثرياً في القطاع نتيجة التمدد العمراني والتعديات المتواصلة، وعدم تسجيلها كمواقع أثرية في سلطة الأراضي الفلسطينية في غزة (سلطة حكومية بدرجة وزارة أنشئت عام 2002 لتولي إدارة قطاع الأراضي) لحمايتها. وثّق ذلك فريق "كنعان"، وهو فريق شبابي يسجل المعالم القديمة عبر تطبيق رقمي باللغتين العربية والإنكليزية، بحسب العضوة في الفريق سندس النخالة.



تحمّل وزارة السياحة والآثار في غزة السلطة الفلسطينية المسؤولية عن عدم حماية الأراضي من تعديات السكان في الفترة التي كانت تحكم فيها، وعدم تسجيل المواقع الأثرية وتحديد حرمتها. لكن على أرض الواقع، لم تستطع هي الأخرى حماية تلك المواقع من التعديات، رغم صدور قرار بقانون رقم (11) لسنة 2018 بشأن التراث الثقافي المادي، والساري في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي يحظر المساس بالمواقع أو تدمير عناصر التراث الثابت ومكوناته.

ولم تجب وزارة السياحة والآثار التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية على أسئلتنا بخصوص الانتهاكات التي حصلت خلال فترة سيطرتها على المواقع في القطاع، قبل سيطرة حركة حماس.

ما حدث من انتهاكات في موقع تل العجول ينسحب على غالبية المواقع الأثرية في قطاع غزة بحسب ما وثقه التحقيق.

ميناء أنثيدون (البلاخية)

يقع غرب مدينة غزة.

تاريخه وأهميته:

ـ يعود إلى ما قبل عام 800 ق. م.

ـ كان من أهم الموانئ التجارية التي تدلل على حركة وتجارة الفلسطينيين القدماء مع العالم.

أهم الاكتشافات فيه:

ـ مباني تعود إلى العهد اليوناني (الهلنستي)، وجدار روماني.

ـ جدار مدينة بُني في عهد الآشوريين.

ـ قطع نقدية وقطع أثرية تعود إلى عصور مختلفة منذ عهد الكنعانيين حتى عهد الأيوبيين.

أبرز التعديات عليه:

- تجريف أرضية فسيفساء كنيسة بيزنطية قبل أحداث الانقسام الفلسطيني، عام 2007.

- بناء مركز شرطة الشاطئ على أرض الموقع عام 2013.

- بناء ملعب داخل الموقع عام 2018.

الانتهاكات بحق موقع "البلاخية" لا تدعو إلى القلق بنظر أحمد البُرش، مدير دائرة الحماية والترميم في وزارة السياحة في غزة، بل اعتبر أنها تساعد في حماية المواقع حينما يكون البناء (التعديات) مؤقتاً فوق الأرض.

برأيه، ما يضر بالآثار هو تجريف المنطقة وإقامة مبنى باستخدام خرسانة مسلحة. ويُرجع توقف التنقيب وعدم توفير الحماية للمواقع الأثرية إلى قلة التمويل الخارجي.



ولم تردّ وزارة الداخلية على أسئلة معد التحقيق بخصوص بناء مركز شرطي على أرض موقع "البلاخية".

يروي مدير دائرة الآثار في مدرسة الكتاب المقدس الفرنسية لعلم الآثار جون باتيست أن السلطات الفلسطينية منعته عام 2013 من الاستمرار في أعمال التنقيب في الموقع.

حال "تل العجول" الأثري شكّل صدمة لعالم الآثار النمساوي-السويدي بيتر فيشر الذي قاد البعثة الفلسطينية السويدية في الموقع سنة 2000. يعلّق بأن ما شاهده من صور عرضناها عليه يوضح تدمير "أهم إرث فلسطيني قديم"

كان باتيست على رأس الفريق الفرنسي الذي نقب في الموقع في الفترة بين عاميْ 1995 و2005، وعاد إلى غزة عام 2012 لاستئناف التنقيب، لكنه مُنع في العام التالي بعد تحوّل "البلاخية" إلى مركز شُرطي.

يقول باتيست: "حصل فريق البعثة الفرنسية على موافقة من السلطة الفلسطينية عام 2005 بأن يصبح موقع البلاخية بأكمله متنزهاً أثرياً وطنياً، لكن حكومة غزة لم تعترف بالقرار. وأصبح الموقع تحت تصرف الشرطة".

تل السكن

يقع في مدينة الزهراء، جنوب غزة.

تاريخه وأهميته:

من أقدم المواقع الأثرية المكتشفة في قطاع غزة. يُدلل على الاستيطان البشري قبل أكثر من خمسة آلاف عام في العصر البرونزي المبكر الأول (3000-3300 ق.م) والعصر البرونزي المبكر الثالث (2650-2200 ق.م).

أهم الاكتشافات فيه:

ـ طبقات أثريّة، وبقايا منازل ومنشآت وأسطح وجدران.

ـ بقايا فخارية تجمع بين الآثار الفرعونية والكنعانية، مثل السلطانيات والأطباق والأباريق.

ـ سبع واجهات لقصور تعود إلى السلالة الأولى من الأسر المصرية القديمة.

أبرز التعديات عليه:

ـ أعمال تجريف (حكومية) لإقامة مشاريع إسكانية عام 2017.

ـ توسيع أبنية جامعة فلسطين (خاصة) على حساب الموقع.

ـ تجريف جامعة غزة (خاصة) أجزاء من الموقع.



تل أصلان

يقع في بيت لاهيا شمال قطاع غزة.

تاريخه وأهميته:

يعود للعصر البيزنطي. وردت بيت لاهيا باسم بيت إيليا، وهي مسقط رأس المؤرخ الكنسي "سوزومينيوس" الذي كتب عن تاريخ الكنيسة في جنوب فلسطين.

أهم الاكتشافات فيه:

عُثر في الموقع عام 2011 على أرضيات فسيفساء تعود إلى العصر البيزنطي.

أبرز التعديات عليه:

ـ الجزء الأكبر من الموقع لا يزال تحت بيوت مواطنين سكنوا المكان.

ـ بناء السكان سوراً يحيط بالموقع.



تل الرقيش

يقع في دير البلح، وسط قطاع غزة.

تاريخه وأهميته:

ـ يعود للعصر الحديدي (332-538 ق.م).

ـ استُخدم كميناء على الطريق التجاري الذي كان يربط غزة بمصر.

أهم الاكتشافات فيه:

ـ مقبرة تعود للعصر الحديدي الثاني.

ـ سور طوله 800 متر مدعّم بأبراج حماية.

ـ قطع فخارية تعود للقرن الثامن ق.م، والفترة الفارسية واليونانية.

أبرز التعديات عليه:

إقامة السكان حمامات زراعية ملاصقة للموقع.



*أُنجز هذا التحقيق بدعم وإشراف من "شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image