ليس ما يميز مدينة كاشان على بعد ثلاث ساعات من العاصمة طهران باتجاه وسط البلاد، القصور التاريخية والطبيعة الخلابة والجو النقي، بل انتاجها 20 مليون ليتر من ماء الورد الإيراني الفاخر سنوياً.
تعتبر كاشان معقل زراعة الورد الجوري أو الدمشقي أو المحمدي في إيران، إذ تزرعها على مساحة 2600 هكتار. وتتوافد إليها عشرات الحملات السياحية من أنحاء البلد لمشاهدة عملية تقطير ماء الورد التقليدية.
يعد الورد الجوري الذي يمتاز برائحته النفاذة القوية، أيقونة الجمال والنقاء والسكينة والرائحة الزكية بالنسبة للإيرانيين. وارتبطت زراعة هذه النبتة منذ القدم ببلاد فارس حتى أنهم أبدعوا في استخراج ماء الورد وتصديره للعالم.
ذكر الرحالة ابن خلدون عند زيارته إلى إيران ومدينة شيراز، أن من أهم المنتجات الإيرانية المصدرة ضمن طريق الحرير نحو الهند والصين في القرن 8 و9 الميلادي، هو ماء الورد
تتربع إيران على زراعة 70% من الورد المحمدي، مع امتلاكها 30 ألف هكتار في معظم المحافظات. وما يميز زراعته أنه لا يحتاج للكثير من الماء، ففي عام 2021، قطفت البلاد 60 ألف طن من الزهور الدمشقية.
وذكر الرحالة ابن خلدون عند زيارته إيران ومدينة شيراز، أن من أهم المنتجات الإيرانية المصدرة ضمن طريق الحرير نحو الهند والصين في القرن 8 و9 الميلادي، هو ماء الورد، كما كانت تدفع ولاية فارس جنوب إيران، نحو 30 ألف قربة أو دامجانة، كجزية للخلافة الإسلامية في عهد العباسيين.
تمسك الكثير من السياح الأجانب على مدى عقود طويلة، باقتناء ماء الورد الإيراني المعروف في البلاد بـ "گُلاب"، كهدية عند العودة من بلاد فارس، ولم يخلُ مطبخ إيراني من قنينة ماء الورد، كي يضفي عطراً للأرز أو الحلوى أو بعض المشروبات لما له أهمية في تخفيف العطش، بالإضافة إلى فوائده الأخرى للجلد والأرق والصداع والهضم.
عملية التقطير وأنواع ماء الورد
ويعتبر ماء الورد خير هدية تتبادلها الأسر الإيرانية عند زيارة مدينة كاشان والمدن المجاورة لها أثناء موسم الربيع. إذ ما زالت طريقة التقطير واستخلاص مائه تقليدية تنتشر في بعض المدن، خصوصاً في كاشان وقراها التي تتفنن بذلك، حسب وصف مدير زراعة المدينة رضا مظلومي.
يتم وضع بتلات الورد في وعاء نحاسي كبير مع كمية معينة من الماء، ويتم غلیها، وعندما يخرج البخار في أنابيب من فوق الوعاء، يمر بمكان بارد كي يتحول إلى ماء الورد الخالص.
ولماء الورد أنواع مختلفة بالأسواق الإيرانية وأشهرها ثلاثة: ماء الورد العادي أو الخفيف، وماء الورد الثقيل أو الدرجة الأولى (تضاف له الورود أكثر من ماء الورد العادي في عملية التقطير)، وكذلك ماء الورد "دو آتيشه" حيث تضاف ورود جديدة إلى ماء الورد المستخلصة لغليه مرة ثانية وذلك للحصول على ماء ورد بجودة عالية جداً يستخدم للعلاج عادةً.
ويعمل البعض على إضافة ماء على حطام بتلات الورد في الوعاء، ليباشروا بعملية التقطير من جديد. ينتج من هذه الطريقة ماء ورد يسمى "كُلاب پَس آب"، بجودة منخفضة ورائحة قليلة، وله زبائنه لسعره المناسب الذي لا يتجاوز الدولار الواحد.
تمتد عملية التقطير إلى نحو أربع ساعات أحياناً. ولاستخراج 40 كليوغراماً من ماء الورد درجة أولى، لا بد من استخدام 30 كيلوغراماً من الورد الجوري إضافة إلى 80 ليتراً من الماء.
ويباع ماء الورد العادي في الأسواق الإيرانية بنحو دولارين، والدرجة الأولى منه بنحو ثلاثة دولارات وماء الورد المسمى "دو آتيشه"، بحوالى أربعة دولارات لكل كيلوغرام واحد.
مواصفات الأصلي والمزيف
الطعم الأصلي لماء الورد مع رائحة خفيفة وطويلة الأمد، هو مر وحامض قليلاً، لكن هذه المرارة ليست مزعجة وتختفي بسرعة إذا ما تذوقتها. وكلما كان ماء الورد أثقل وزاد استخدام بتلات الورد في تحضيره، كان أكثر مرارة في الفم.
لم يخلُ السوق الإيراني من ماء الورد المزيف، حيث يتم تحضيره مع إضافة زيت الورد، أو مع كمية قليلة من بتلات الورد. والمزيف من الگلاب الإيراني برائحته الحارة هو الذي يفقد عطره بعد فترة ويصبح كالماء، وأنه غير شفاف مع امتلاكه شوائب ورواسب، خلافاً لماء الورد الطبيعي الذي هو عديم اللون ودون جزيئات معلقة فيه.
كما يستخدم ماء الورد في التجميل والعناية بالبشرة بشكل واسع، فهو عنصر أساسي في التركيبات العطرية، كما يساعد في ترطيب البشرة، ونسبة استخدامه في مستحضرات التجميل الطبيعية عالية، ويسجل حالة من الإقبال عليه لصنع الكريمات الباردة.
تحرص منطقة قمصر في مدينة كاشان، على إرسال أجود أنواع ماء الورد إلى السعودية مرتين في السنة بغية غسل الكعبة المشرفة، حيث اعتاد السعودييون على غسلها بماء زمزم وماء الورد من قمصر الشهيرة عالمياً بجودة منتوجها
صدرت إيران نحو أربعة ملايين من ماء الورد، و300 طن من براعم الجوري الجاف، و2.5 طن من الزيت العطري لدول العالم في عام 2021، مما يدل على امتلاكها قدرة تجارية عالية في انتاج الورد المحمدي، كما قال مستشار وزير الزراعة حسين زَيْنَلي.
ثمة حواجز تقف أمام زيادة نسبة التصدير واستحواذ إيران على السوق العالمي، أهمها ضعف التنويع بمنتجات وردة الجوري، وعدم الاستثمار في تحديث طريقة استخراج ماء الورد وتعليبه وفق المعايير الدولية. وتمتلك تركية وبلغاريا وصربيا سهماً أوفر في سوق الورد المحمدي على المستوى العالمي رغم أن نسبة زراعة هذه البلدان أقل بكثير من طهران.
زمزم وماء الورد لغسل الكعبة
تحرص منطقة قمصر في مدينة كاشان على إرسال أجود أنواع ماء الورد إلى السعودية مرتين في السنة بغية غسل الكعبة المشرفة، حيث اعتاد السعوديون على غسلها بماء زمزم وماء الورد من قمصر الشهيرة عالمياً بجودة منتوجها.
واتفقت الجمهورية الإسلامية والمملكة السعودية عام 1993، على تزويد سدانة الكعبة بماء الورد الخالص بالمجان، واستمر الأمر حتى عام 2015، قبل أن ترفض الأخيرة اقتناءه من إيران، ويبدو أن للاختلافات السياسية بين البلدين تأثيراً على ذلك القرار، ولكن استمرت الرياض باستخدام ماء الورد الإيراني عبر شرائه من سوق الإمارات أو بلدان خليجية أخرى لتعطير الكعبة.
وتذكر صحيفة كيهان الإيرانية أن شاه عباس الأول (1571 - 1629)، أشهر ملوك الدولة الصفوية، هو من أضفى طابعاً رسمياً على شحن ماء الورد الإيراني نحو السعودية بغية غسل الكعبة.
بعد ثلاثة أشهر تبدأ عملية قطف وتقطير الورد الجوري في كاشان، عاصمة گُلاب إيران، كما يحب أهلها أن يناديها الجميع، إذ تحتضن مهرجاناً تتوافد إليه الزوار من أنحاء إيران لتجربة تقطير بتلات الورد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين