شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أوصى به ابن سينا... هل سمعتم بالزبيب الحامض الذي لا ينبت سوى في إيران؟

أوصى به ابن سينا... هل سمعتم بالزبيب الحامض الذي لا ينبت سوى في إيران؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 25 أكتوبر 202203:57 م

ملعقتان من البرباريس أو الزّرِشْك، تحفظ صحتك وتحميك من الأمراض؛ هكذا تؤكد أبحاث الخبراء الإيرانيين عن هذه النبتة التي يطلق عليها الإيرانيون "الياقوت الأحمر"، وهو الذي أوصى به ابن سينا لتقوية الكبد والمعدة وأكد على تناوله لرفع العطش في كتابه "القانون".

يمكن القول إنه نبات إيراني بامتياز، إذ يبلغ إنتاجه في إيران نحو 95 بالمئة من إنتاج العالم، ورغم أن شجرة الزّرِشْك تنبت بجوار بصيلات الزعفران في مزارع شرقي إيران، حيث ما زالت بلاد فارس تمسك بمعظم زراعته حول العالم، لكن حبات الزبيب الحامض لا تحظى بشهرة عالمية كما الزعفران.

لوحة حمراء تفرش السهول في الخريف وسط الجبال، بأشجار لا يتخطى طولها مترين وعناقيد هلالية الشكل مائلة نحو الأرض لثقل حبات الزبيب الحامض المليئة بالمياه، إذ يعمل على قطفها العمّال قبل بدء الأمطار الموسمية.

تُصدر إيران 3 بالمئة فقط من ه‍ذه الفاكهة، أي 450 طناً من إجمالي 22 ألف طن من إنتاج الزرشك السنوي، الفاكهة التي تزين الأكلات الشهية في المطبخ الإيراني، ويُصنع منها العصير والشاي، فضلاً عن وجودها في متاجر العطارين حيث يستخدم كدواء لصحة الإنسان.

عن أكلة الزِّرِشْك پُلو

قلّما يتناول السياح في منزل أو مطعم إيراني طبقَ الأرز دونما تزينه حبات الزرشك الحمراء، ولفرط استخدامه باتت هناك وجبة إيرانية شهيرة تحمل اسمه.

ملعقتان من البرباريس أو الزّرِشْك، تحفظ صحتك وتحميك من الأمراض؛ هكذا تؤكد أبحاث الخبراء الإيرانيين عن هذه الفاكهة التي يطلق عليها الإيرانيون "الياقوت الأحمر"

"زِّرِشْك پُلو"، ويعني الزرشك مع الأرز، طبق يتكون من الدجاج والأرز والزعفران وصلصة معجون الطماطم والتوابل والزِّرِشْك. وبرغم أن الأخير ليس سوى حبات ليست بكثيرة توضع فوق كل هذه المكونات، إلا أنه خطف عنوان الطبق بأكمله، مما يشير إلى مكانته المرموقة في هذه الوجبة الشعبية.

مصطلح للسخرية

وبعيداً عن فوائده وحضوره الدائم في المطبخ الإيراني، إلا أن الإيرانيين يستخدمون مفردة "زِرشك" في حواراتهم اليومية عندما يريدون السخرية من شيء عديم الفائدة أو في رفض حديث غير مقبول، وذلك وفقاً للثقافة العامة السائدة، حسبما تحدّث لنا الباحث في علم الاجتماع رضا مُشرِف.

وعلى غرار الولايات المتحدة الأمريكية التي أطلقت جائزة التوتة الذهبية وهي نقيض جائزة الأوسكار السينمائية، بادر أصحاب السينما الإيرانية بإطلاق جائزة "الزِرشك الذهبي" لأسوأ فيلم إيراني، بيد أنها تعطّلت في ما بعد، ولكن بقي مصطلح "الزرشك الذهبي" يتداول في الصحافة الفارسية ويطلق على الشخص أو المؤسسة التي لا تؤدي واجبها بشكل جيد.

عروسة على مقياس عدد الأشجار

في مدينة قائنات، أهم مركز لزراعة الزرشك في شرقي إيران، يحدثني حمزة ميري (29 عاماً) وهو مزارع برفقة والده، أن الإرث الأهم الذي يحصل عليه السكان هنا، هو شجرة الزرشك، حيث يتم تقسيم الأشجار بين أفراد الأسرة، لذلك يحرص الجميع على مراقبتها دائماً، ويسعون جاهدين على زيادة أعدادها.

عندما يريد شابٌّ الزواج، يبدأ الحديث بين أهله وأصدقائه عن مدى إجمالي عدد أشجار والد العروسة، كي يقدروا الإرث الذي سيصل زوجة المستقبل

وعندما يريد شابٌّ الزواج، يبدأ الحديث بين أهله وأصدقائه عن مدى إجمالي عدد أشجار والد العروسة، كي يقدروا الإرث الذي سيصل زوجة المستقبل، وكثيراً ما يمازحون بعضهم بعضاً: "تزوج من بيت فلان، فلها 500 شجرة -مثلاً-"، هكذا يصف لنا حمزة.

شجرة الزرشك الشوكية لا تحتاج للكثير من الريّ فهي متناسقة مع الجفاف، وكلما يزداد عمرها تأتي بثمار أكبر، ويمتد عطاؤها حتى 85 عاماً بعد زراعتها، وتثمر في الصيف حتى يجنى ثمارها في فصل الخريف، إذ تنقسم الثمار بين زبيب حامض دون بذور وآخر مع بذور. كما يتم تجفيف الزبيب الحامض على أشعة شمس الخريف لمدة أسبوع تقريباً، فيأتي في الأسواق مجففاً عادةً، إلا أن الطازج منه ينزل الأسواق في بداية الخريف ويمكن استخدامه في السلطات.

يصف المزارع، السيد مالكي، أن شجرة الزرشك تعطي ثمارها كلّ عامين مرةً واحدة، وأن الحكومة لا تقوم بتأهيل الفلاحين وإرشادهم وتحديث طرق زراعتهم، كما يشتكي مالكي من الأسعار الزهيدة لمنتوجهم مطالباً العمل على تصديره كي يرفع من سعره المحلي.

أسعار زهيدة وفوائد عدة

وتتراوح أسعار الزرشك في أسواق إيران بين 50 ألف حتى 150 ألف تومان (1.60 – 5 دولارات) لكل كيلو غرام منه، حسب جودته ونقاوته.

تتمتع هذه الفاكهة بعناصر غذائية كبيرة منها فيتامين C والحديد وحمض الفوليك والكالسيوم والمضادات الحيوية والكربوهيدرات وغير ذلك، مما يساعد تناولها في تأمين صحة الإنسان.

وأعلنت مؤسسة أبحاث النباتات الطبية أن تناول الزرشك ومنتوجاته الجانبية تؤدي إلى التحسن في أمراض الكبد، والتحكم في ضغط الدم، وحرق الدهون حتى إنقاص الوزن، وتخفيف الحمى، والحفاظ علی التهدئة، وتنظيم وزن الجسم، وعلاج الإسهال، والتحکم بالأنسولين، وخفض مستويات السكر والكوليسترول، ومحاربة حبّ الشباب، وتحسن هضم الطعام، والتحفيز في إنتاج خلايا الدم البيضاء.

مزاج الزرشك بارد، ويكون تناوله في موسم الصيف أكثر فائدة، حيث يسهم في تقوية جهاز المناعة. كما أنه لا يخلو الإفراط في تناوله من الأذى والاضطرابات في الجهاز الهضمي والمعدة.

مهرجان الزرشك

وفي غضون موسم جني الزرشك، أطلقت السلطات المحلية في إقليم خُراسان شرقي البلاد، مهرجان الزرشك الوطني خلال الأسبوع الماضي، للتعريف بهذا المنتوج، ولربما لتغيير النظرة السائدة عنه في الثقافة العامة.

يستخدم الإيرانييون مصطلح "زِرِشك" في حواراتهم اليومية عندما يريدون السخرية من شيء عديم الفائدة أو في رفض حديث غير مقبول 

وطالب المسؤولون المحليون التوجه الحكومي في مجال الدعم الزراعي للمزارعين، والتسويق الدولي للزرشك عبر غرفة التجارة، والدعاية للتعرف عليه دولياً عبر وزارة الثقافة، وإطلاق حملات سياحية للسياح الأجانب لزيارة المزارع في موسم القطف.

وعن أسباب قلة التصدير، يقول أحد المعنيين في اتحاد منتجي ومصدري الزرشك، السيد احتشام: "المشكلة أن العالم يجهل فوائد الزبيب الحامض لذلك لا يقدم على شرائه"، مع ذلك للزرشك مكانة متواضعة في المطبخ الألماني والأوكراني والروسي والجورجي والتركي والكويتي.


محلياً لا توجد مصانع حكومية أو أهلية لاستخراج منتوجات غذائية أو حتى دوائية من الزبيب الحامض وشجرته، ويأتي مهرجان الزرشك الوطني كمحاولة حكومية جديدة لحثّ المستثمرين والتجار لدخول هذا المجال.

كما تشير الإحصائيات إلى تعليب 7 بالمئة فقط من إجمالي الإنتاج السنوي، ليبقى المزيد منه يبتاع في الأسواق المحلية دون تعليب وماركة خاصة، وهذا ما يصعب عملية تصديره في الأسواق الدولية. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image