برمجيات لا واعية ستقودك للانهيار النفسي
في ظل ثقافة يومية بلهاء، تعتبر جمال المرأة هويتها الوحيدة لتحظى بالقبول الاجتماعي، وترى أن حديث المرأة في أي موضوع وتقديم رأيها فيه هو "تفلسُف وفزلكة"، وفي ظل ثقافة مجتمع يتحدث في المدرسة والشارع وصبحيات النساء وفي النادي والجامعة وأماكن العمل عن جمال إحداهن الباهر، ويطرح تقييمات حول من هي الأجمل، ويتناقل بغباء أخبار عالم النجوم: ماذا ارتدتْ حسناوات هوليود على Red Carpet، وكيف بدتْ تجاعيد مونيكا بيلوتشي خفيفة رغم عمرها، بينما ظهرت -و يا للهول- مرفت أمين بتجاعيد شديدة.
في ظل ثقافة يومية بلهاء، تعتبر جمال المرأة هويتها الوحيدة لتحظى بالقبول الاجتماعي.
كيف بدتْ الخمسينية هيفاء وهبي وكأنها ابنة العشرين في آخر جلسة تصوير لها، مؤخرة جينيفر لوبيز التي لا تزال الأجمل رغم أنف مؤخرة كيم كارداشيان، الأموال التي أعادت أحلام وأصالة مراهقتين جميلتين، بل استبدلتْهما بامرأتين جديدتين تماماً، وغيرها من المانشيتات الفارغة. علاوة على صور الإنستغرام التي تبدو فيها جميع النساء بأجساد رشيقة وبشرة حريرية وعيون ساحرة وأثداء مثالية ومؤخرات تسلبُ الألباب.
هذه الثقافة الظالمة واللاإنسانية عبارة عن برمجيات تُكتسب باللاوعي بسبب التريندات وتسويق الأفكار، عبر إعلانات شركات تجارية هدفها الوحيد الربح المادي. برمجيات تتحول شيئاً فشيئاً إلى سلوكيات تدفع المرأة عموماً والمراهقات خصوصاً، إلى الدخول في سباق تافه ليس له نهاية، سوى العيادات النفسية، طبعاً إن امتلكت تلك المرأة الجرأة للذهاب إلى طبيب نفسي، وفي حال –وهو الغالب والسائد في مجتمعنا- كانت المرأة تخشى كلمة الطب النفسي بسبب المجتمع الغارق في السخرية والتنمر والعُقد النفسية ومركبات النقص أيضاً، سينتهي بها الحال إلى الانزواء والاكتئاب، وفي حالات قد تكون قليلة لكنها موجودة وشائعة تحديداً بين المراهقات، إلى محاولة الانتحار.
ماذا لو لم تكن المرأة جميلة في مجتمعاتنا؟
تُعتبر المرأة التي تُوصف بأنها غير جميلة، أو بمفردات أقسى مثل قبيحة وبشعة وناقصة أو عديمة الأنوثة، مسكينةً ومنبوذةً، وينظر لها المجتمع على أنها غير مهمة، وتُستخدم معها عبارات يبدو ظاهرها تعاطفاً لكنها حقيقة مؤذية روحياً ومشوِّهة نفسياً، وتكرس في المجتمع ثقافة بلهاء حول المرأة والتعاطي معها، ومن أشهر هذه العبارات:
"شو بدها تعمل، صحيح بشعة بس خلقة الله"، "حتى لو كانت بشعة، الله يستر عليها، ليستر على بناتنا"، "لو كانت حلوة، ما كان اتجوز عليها، حقو"، صحيح درست وتعلمت وأخدت شهادة، بس بشعة ولوو"، "ما بتعرف تعمل تجميل لأنفها، والله بيصير شكلها مقبول"، "لو كانت حلوة، كان إجا نصيبها"، "حظها بيفلق الصخر، تجوزت واحد معو مصاري مع إنها بشعة"... وغيرها من العبارات التي تُقيم الأنثى وتتعامل معها بناءً على معيار شكلها الخارجي، دون احترام لإنسانيتها وعقلها وكينونتها، وكأن المعيار الوحيد لاحترام الأنثى والحُكم عليها هو مظهرها الخارجي.
"ما هي أكثر ثلاثة تفاصيل يحبها الرجل في المرأة؟"، "خمس خطوات، إن طبقتيها ستخطفين قلب الرجل بجمالك؟"، "منتج طبيعي لتفتيح المناطق الحساسة... إعلانات غبية للترويج لثقافة بلهاء حول المرأة
إعلانات غبية للترويج لثقافة بلهاء حول المرأة
"ما هي أكثر ثلاثة تفاصيل يحبها الرجل في المرأة؟"، "خمس خطوات، إن طبقتيها ستخطفين قلب الرجل بجمالك؟"، "قشرة الرأس ستبعده عنك، إليك الحل المثالي للتخلص منها وإلى الأبد"، "منتج طبيعي، بإمكانك صناعته في المنزل لتفتيح المناطق الحساسة، مما يجعل شريك حياتك يُصاب بالجنون عندما يلمس نعومة هذه المناطق ويرى لونها الساحر"...
وغيرها من العناوين الغبية، التي تعتمد عليها كثير من المواقع لجذب عدد قراء عال وتكريس ثقافة بلهاء حول المرأة، والتي من شأنها فقط تقليل تقدير المرأة لذاتها وإضعاف ثقتها بنفسها، وتحويلها لمجرد مُثير جنسي لرغبة الرجل، لأنها إن تمتعتْ بالجمال والنعومة سيرضى عنها الإله العظيم المُتمثل بالرجل، وستعيش حياة وردية تملؤها السعادة والبهجة.
ومن جانب آخر ظالم وعُنصري وذكوري، نجد هذا الرجل مقبولاً اجتماعياً دون إطلاق أي حُكم على مظهره الخارجي، أو دون إظهار أي تعاطف معه مهما بدت هيئته، لأنه بالطبع لا يحتاج إلى أي شفقة أو تعاطف، فهو باختصار "رجال وما بيعيبو شي".
ومن جانب آخر ظالم وعُنصري وذكوري، نجد هذا الرجل مقبولاً اجتماعياً دون إطلاق أي حُكم على مظهره الخارجي.
نتائج مأساوية
تحرري يا صديقتي من هذا الوهم القاتل، واستبدلي علاقاتك التي تبدأ جلساتها بالحديث عن الثياب وتنتهي بالحديث عن المكياج، استبدليها بكورسات تعلم لغة، أو بممارسة رياضة تحبيها، أو بالاعتناء بنبتة أو بحيوان أليف.
الجواب الوحيد لكل هذه التساؤلات هو: الإحباط الحلزوني الذي سيستمر دون توقف، إلى أن يُحيلك لثقب أسود يبتلع عقلك وروحك وكيانك، جاعلاً منك كائناً هشاً يحتاج دائماً لفعل الكثير ليُثبت وجوده، عن طريق مظهره الخارجي الذي سيصبح الجواز الوحيد لقبول واعتراف الآخرين بك، والذي سيضعُك أيضاً في منافسة حمقاء ودائمة مع باقي النساء، منافسة ستطلب منك مزيداً من التكلفة في وقتك وأموالك وتفكيرك وراحتك وعمرك، لأنك ستعيشين عدم رضا سيقودك للدمار، وما أن تُصبحي على مشارف الأربعين ستعانين من تشوه، إن لم يكن شكلي فهو حتماً نفسي، بسبب هوسك بعمليات التجميل، ما يعني هبوط ثقة حاد سيُفقدك صوابك، وأنت على مشارف الخمسين تستعرضين صورك وتتحسرين على أيام الصبا، وأنت تعتقدين أنك انتهيت حين انتهى جمالك.
تحرري يا صديقتي
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين