شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أمّ لـ300 قطّ... هدى بوشهدة تعرضت للطرد والاعتداء ولم تتخلَّ عنها!

أمّ لـ300 قطّ... هدى بوشهدة تعرضت للطرد والاعتداء ولم تتخلَّ عنها!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 13 يناير 202304:52 م

في بيتها عشرات القطط التي تقتسم معها كل شيء وتفاصيل الحياة. قطط "منبوذة" وجدت في حضنها الأمن والأمان، ولها حظوة ومعزّة لا توصف. هدى بوشهدة، امرأة أربعينية تونسية مولعة برعاية القطط والسهر على راحتها حتى أنها ضحَّت بكل ما لديها لأجلها فاختارت السكن وحدها بعيداً عن العائلة، والانقطاع عن عملها، الذي يمثّل مورد رزقها الوحيد، لتكرّس كل وقتها وجهدها في خدمة هذه المخلوقات التي يعشقها قلبها.

كسرت بوشهدة القاعدة، فلم تختَر القطط الجميلة والمعافاة لتربيتها، على العكس، فهي تستهدف من القطط تلك المصابة بإعاقات ناجمة عن عيوب خلقية أو عن حوادث تتعرض لها القطط في الشوارع.

"لن أتخلى عن قططي"

تقول هدى بوشهدة، في حديثها إلى رصيف22، إن ولعها وغرامها بالقطط انطلقا معها منذ صغرها، فكان منزل جدّها من أبيها يعج بالحيوانات الأليفة قططاً وكلاباً وإوزّاً وغيرها، لكن بانتقالها للعيش في منطقة "حمام الأنف" انقطعت علاقتها بهذه الحيوانات لضيق المنزل. لم يتجدد عهدها معها إلا عند استئجارها محلاً صغيراً كانت مالكته قد أوصتها خيراً بالقط الذي يتردد يومياً عليه طلباً للأكل.

" بعد سنوات طويلة من العمل المضني في مصنع خياطة، قررت بدء مشروع فردي وحدي، يبتعد بي عن الاستغلال الفاحش الذي عشته من الرابعة عشر من عمري إلى سنّ الثلاثين. استأجرت محلاً صغيراً لأعرض فيه العديد من المواد للبيع، وكانت تجارتي مربحةً، لكن حدث ما لم يكن في حسباني. صاحبة المحل تركت في عهدتي القطّ "ميشو"، وقد أحسنت رعايته وكنت أقدّم له يومياً وجبتين واستأنس به خلال ساعات العمل لكن شيئاً فشيئاً التحقت العديد من القطط بـ"ميشو" فأخذ العدد يكبر شيئاً فشيئاً، كما انخرطت في حملات إنقاذ للقطط الصغيرة التي تُرمى في السوق المحاذي للمحل. أصبح عندي فجأةً أربعون قطاً ناهيك عن القطط التي تحظى بالتبني من قبل بعض الزبائن. استنفدت كل موارد المحل في الإنفاق على أكلها، كما أتلفت القطط كل سلعي المعروضة للبيع، مما تسبب في خسارة تجارتي فأغلقت المحل واصطحبت قططي إلى منزل والدتي المشترك مع أخوالي".


تعيش هدى بين قططها الـ300 وترفض التخلي عنها رغم رفض المجتمع والمتاعب وضيق ذات اليد. المرأة التونسية الأربعينية أصبحت ملاك القطط "المعاقة" وأمها

تضيف هدى بوشهدة، أن عائلتها رفضت أن تعيش القطط في المنزل العائلي المشترك، ونتيجة إصرارها على عدم التخلي على أي منها اضطرت إلى مغادرة المنزل، واستنجدت بمحبّي القطط الذين استأجروا لها منزلاً في منطقة سيدي ثابت. لكن بعد أسبوعين فقط من انتقالها إليه، تعرضت بوشهدة للاعتداء بالضرب من قبل جيرانها الذين رفضوا بدورهم حضور القطط في الجوار، فاضطرت إلى التحول إلى منزل آخر في منطقة أريانة.


تقول المرأة إن حالة المنزل كانت رثةً للغاية، وكل ما فيه مهترئ حتى أن جدرانه متصدعة تتسلل عبر شقوقها مياه الأمطار، وزيادةً على ذلك تعرضت للاستغلال من قبل بعض أصدقائها الذين ألقوا على عاتقها مسؤولية رعاية قططهم وكلابهم، فمن 40 قطاً أصبح لديها 120 قطاً و35 كلباً بين ليلة وضحاها، الأمر الذي أدخلها في حالة نفسية حرجة واكتئاب حاد، وتضيف: "وجدت نفسي بين عدد كبير من الحيوانات التي أحبها، لكن لم تكن لدي موارد مالية كافية لتوفير الأكل والدواء ولم أجد مساعدةً من أحد في التنظيف، كما أن المنزل يفتقد كل التجهيزات، لهذا أفترش الأرض لأنام. كل هذه الظروف أرهقتني. لم أندم بتاتاً على تربية القطط أو مغادرة منزل والدتي، فكل ما فعلته فعلته بإرادتي، لكن كل شيء في تلك الفترة كان حالكاً وقاتماً. لم أجد خياراً أمامي سوى الحديث عن معاناتي في مجموعة مغلقة على فيسبوك يجتمع فيها محبّو القطط، ومنذ ذلك الحين تهافتت علي وسائل الإعلام والمساعدات من داخل تونس وخارجها فتحسنت وضعيتي المادية وتعمد أصدقائي مرةً أخرى تكديس المزيد من القطط في منزلي، فارتفع عددها، وقام بعض الجيران بتسميم 22 قطاً واعتدوا عليّ بالضرب حتى أدموا جبيني، وطلبت مني مالكة المنزل المغادرة بعد ورود شكايات عليها من الجيران على الرغم من أن عقد الإيجار الذي أبرمناه ينص على أن المنزل يمكن أن يستقبل القطط".

"بصفة يومية أجد قططاً جديدةً داخل منزلي يلقيها مربّوها على ناصية بابي ويختفون

تلقّت هدى بوشهدة، إنذاراً من الشرطة البيئية التي دعتها لإخلاء المنزل من القطط في ظرف ثلاثة أيام، فاضطرت بمعية صديقاتها إلى توزيع حيواناتها على 27 بيطرياً، بكلفة 11 ألف دينار تونسي، وقد تكفلت متبرعة بتأمين هذا المبلغ. ثم انطلقت من جديد في رحلة البحث عن منزل يأويها مع قططها، وفي كل مرة تتعرض بمعية الحيوانات الأليفة للأذى من الجيران أو أصحاب المنازل، لذا دعت صديقاتها إلى استرجاع حيواناتهم لأنها معرضة وإياهم للخطر وانتقلت للعيش في منطقة سيدي حسين.


"والدة القطط"

تميل أغلب العائلات التونسية إلى تربية القطط في المنازل، فلا يكاد يخلو بيت من قط أو اثنين يحظيان برعاية واهتمام بالغين من قبل جميع أفراد العائلة، خاصةً الأطفال منهم. هذه الكائنات الجميلة واللطيفة تمكنت من إيجاد مكانة لها في الوسط العائلي التونسي. رعاية القطط والحيوانات الأليفة بصفة عامة عززها دور محبّي القطط ومجموعات الإنقاذ التي تزايد عددها على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تُعنى بعرض قطط للتبني أو طلب مساعدات لأجل قطط الشوارع التي تحتاج إلى غذاء أو العرض على البيطري. لكن هدى تحولت إلى أم لعشرات القطط التي تعيش إلى جانبها، وتجد فيها راعيتها وملاذها الآمن.

بلغ عدد قطط هدى بوشهدة حالياً ثلاثمئة قط، جميعها مصابة بأمراض أو تعاني من إعاقات مختلفة. لكن المرأة تقول إنها قد تعلمت من خلال تجربتها وتجربة محبّي هذه الحيوانات طرق مداواتها وتمرست على رعاية الصغيرة منها حتى تكبر. كما نجحت في استمالة القلوب الرحيمة لتكون سنداً لمجهودها في رعاية هذه الحيوانات، فتعهدت مُحْسِنة بسداد كراء البيت الذي تعيش فيه حالياً، كما يتطوع البعض الآخر لتوفير الأكل والدواء.

تعتمد هدى على مساعدات المحسنين لتوفر الأكل والرعاية لـ300 قط تعيش في بيتها. لكن ظروفها صعبة وتحتاج إلى المزيد من المساعدات

تقول هدى بوشهدة: "تقلصت المساعدات المالية كثيراً في الآونة الأخيرة، نظراً للظروف المادية الصعبة التي يمر بها التونسيون. تأتي المساعدات حالياً فقط من المواطنين المقيمين في الخارج. لكنها غير كافية. لم تعد بإمكاني مداواة قططي، فيبقى المريض منهم يتألم حتى ينفق، وهو ما يحزّ في نفسي كثيراً. نقتصر كذلك حالياً على وجبة واحدة في اليوم، لا وجبتين كما في السابق، كما أن جميع قططي غير ملقّحة، زيادةً على ظروف المنزل المتردية ورائحة الرطوبة المنبعثة من كل مكان".

تنشر هدى على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات قصيرةً، تتحدث فيها عن تفاصيل يومها وقططها كما تطلق نداء استغاثة لمساعدتها على توفير الغذاء لقططها أو لطلب مساعدات طبية للمرضى منها.

"تقع مسؤولية رعاية هذه القطط على عاتقي. لا مجال للتراجع عن العناية بها بالنسبة إلي. أحبها كثيراً. وبرغم أني لست مجبرةً على رعايتها إلا أنني أكن لها حباً لا يوصف وأعظم مخاوفي هي ألا أقدر يوماً على توفير غذائها أو مداواتها. أدفع عنها الأذى بكل شراسة، ولو تم وضع قانون صارم لحماية الحيوانات لرفعتُ مئات القضايا من أجلها. لا تستطيع القطط النطق للتعبير عما تشعر به، لكني أنا صوتها المرتفع. أعرض الصغار منها للتبنّي ولديّ شروط صارمة في اختيار الأشخاص لأكون مطمئنةً على أولادي. أتحدث مع قططي وأعرفها فرداً فرداً ولكل منها اسمه. أدعو الله دائماً ليبث الرحمة في قلوب المتبرّعين. لكني لم أجد طريقةً للتواصل مع الجمعيات في الخارج لتبنّي القطط التي تعاني من إعاقات".

برغم حبها الجم للقطط، تشكو هدى من ظاهرة تتكرر، وهي تخلُّص كثيرين من قططهم بوضعها أمام منزلها: "بصفة يومية أجد قططاً جديدةً داخل منزلي يلقيها مربّوها على ناصية بابي ويختفون. ليست لدي الإمكانات المادية لرعاية المزيد من القطط، وأمقت تلك الشائعات التي يبثها البعض ومفادها أني أتلقى كمّاً هائلاً من الإعانات من قبل الجمعيات. هذا مجانب للصواب. ليس لدي أي مورد سوى بعض الإعانات التي أتلقّاها من المواطنين".  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image