لو عدنا إلى التاريخ، فسنجده زاخراً بحوادث مليئة بالكلام الفاحش والبذيء. فقبل أن تدخل قريش في الإسلام، وبينما كان الجدل قائماً بين رجالات مكة حول هل يحاربون المسلمين في بدر أم لا، اتهم عمرو بن هشام المكنّى بأبي جهل، عتبة بن ربيعة، بالجُبن لأنه كان يميل إلى عدم خوض الحرب، وقال: "انتفخ والله سحره"، فجاءه الرد من الشيخ الوقور الطاعن في السن: "سيعلم مُصفر إسته من انتفخ سحره".
قصد عتبة بن ربيعة، في رده، أن أبا جهل يُخضّب مؤخرته بالحنّاء أو يلوّنها بالزعفران، كي تبدو صفراء اللون، بحسب ما كتب علي بن برهان الدين الحلبي، في كتابه "السيرة الحلبية-باب غزوة بدر الكبرى"، وكانت تلك عادة عند الرجال المثليين في ذاك العصر، إذ كانوا يلوّنون مؤخراتهم كي تبدو مثيرةً.
وليس العرب فحسب من استخدم البذاءات والفاحش من الكلام، فلليهود أيضاً حصة في ذلك، إذ حين كان المسلمون في المدينة وجيوش الأحزاب تحاصرهم، كان النبي محمد في غاية القلق، ليس من العشرة آلاف جندي في الخارج، بل من جيرانه في الداخل، يهود بني قريظة، فكان يخشى خيانتهم بفتحهم الحصن للأعداء، فأرسل لهم بعضاً من الصحابة كي يضمن بقاء الأوضاع الأمنية على ما هي عليه، فكان سعد بن معاذ أحد الموفدين، وتشاتم معهم وهددهم: "أنا خائف عليكم مثل يوم بني النضير أو أمر منه"، بما معناه أنني أحذركم فقد يصيبكم ما أصاب بني النضير، فجاء الرد من الداخل: "أكلت بأير أبيك"، كما يذكر ابن كثير في "البداية والنهاية".
المسلمون والشتم
وللمسلمين أيضاً نصيب من الشتائم والسباب. ففي معركة بدر، صادف المسلمون وهم في طريقهم إلى الحرب، رجلاً بدوياً حاولوا أن يستعلموا منه أخبار قريش، فقال له بعض الصحابة: سلّم على رسول الله، فقال: أوَفيكم رسول الله؟ قالوا نعم، فتوجه بحديثه إلى النبي محمد، وسأله: إن كنت رسول الله فأخبرني عما في بطن ناقتي هذه؟ وهنا تدخّل الصحابي سلمة بن سلامة، وقال: أنا أُخبرك؛ نزوت عليها، ففي بطنها منك سخلة. أي أنك ضاجعت الناقة، فحبلت منك. فقال النبي محمد: "مَهْ، أَفْحَشْتَ عَلَى الرَّجُلِ، ثُمَّ أَعَرَضَ عَنْ سَلَمَة"، بحسب "السيرة النبوية" لابن هشام.
جاء عروة بن مسعود الثقفي، مبعوثاً من قريش إلى النبي محمد، وهدده بأن أصحابه إذا ما رأوا "قريشاً" غداً وقد استعدت لمحاربتك، سيفرّون من حولك، فرد عليه أبي بكر الصدّيق: "امصص بظر اللات!"
وفي المعركة نفسها أيضاً، يذكر ابن حجر العسقلاني، في "فتح الباري في شرح صحيح البخاري"، أنه حين اصطف الجيشان للقتال، خرج من بين صفوف جيش الكفّار المكي، رجلٌ يُدعى "سِبَاع"، فقال: هل من مبارز؟ فجاء الرد من عمّ النبي حمزة بن عبد المطلب: هلمّ إلي يا بن مُقَطِّعَةِ البظور، وذلك لأن أم الرجل كانت تتولى إجراء عمليات الختان لبنات مكة، فقصد بها حمزة ذمّه بمهنة أمّه كما يقول ابن حجر في شرحه الحادثة.
وفي وقائع الحديبية، جاء عروة بن مسعود الثقفي، مبعوثاً من قريش إلى النبي محمد، وأخذ يستنكر ما فعله بحق قومه، ثم هدده بأن أصحابه إذا ما رأوا "قريشاً" غداً وقد استعدت لمحاربتك، سيفرّون من حولك، فجاء الرد على لسان أبي بكر الصدّيق: "امصص بظر اللات!"، أي مصّ فرج اللات وهي إحدى الأصنام التي كانت قريش تتعبدها.
الرسول يشتم؟
كذلك، استخدم النبي محمد اللعن والسباب، ففي صحيح مسلم، رُوي عن عائشة: "قالت: دخلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجُلان، فكلّماه بشيءٍ، لا أدري ما هو فأغضباه، فلعنهما، وسبّهما، فلما خرجا، قلتُ: يا رسول الله، من أصاب من الخير شيئاً، ما أصابه هذان، قال: وما ذاك؟ قالت: لعنتَهُمَا وسببتَهُمَا، قالَ: أوَما عَلِمتِ ما شارطْتُ عليه ربّي؟ قُلتُ: اللهُمَّ إِنّما أنَا بَشرٌ، فأَيُّ المسلمين لعنتهُ، أو سببتهُ فاجعلهُ لهُ زكاةً وأجراً".
وبحسب تفسيرات السنّة، ليس من أخلاق النبي السبّ واللعن، وإنما قد يسبّ من يراه يستحق ذلك، فإن كان من المؤمنين فيكون ذلك زكاةً وأجراً لمن سبّه، وإن كان من الكفار والمنافقين فلا يكون ذلك رحمةً له، وهناك من يذهب إلى أن الشتائم والسباب واللعن في القرآن الكريم أو في الأحاديث النبوية، بيان للأمر الواقع الذي يكون في محله تماماً، بينما مفهوم السباب والشتائم هو ما كان خلاف الواقع، فالسبّ شيء وبيان الواقع شيء آخر من وجهةِ نظرهم.
أيضاً، في معركة كربلاء التي تُسمّى واقعة الطفّ، والتي حصلت بين الحُسين بن علي بن أبي طالب وأنصاره وبين الجيش الأموي، شتم زهير بن القين الذي كان في معسكر الحسين، شمر بن ذي الجوشن، قائلاً له: "يا ابن البوّال على عقبيه ما إياك أخطاب إنما أنت بهيمة"، ويقصد بالبوّال على عقبيه الشخص الذي يبوّل وهو واقف فيسقط رذاذ، كنايةً عن عدم اعتنائه بالطهارة والنظافة.
في صحيح مسلم، رُوي عن عائشة: "قالت: دخلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجُلان، فكلّماه بشيءٍ، لا أدري ما هو فأغضباه، فلعنهما، وسبّهما"
كما شتم الحسين شمراً بقوله: "يابن راعية المعزى أنت أولى بها صلياً"، في تعيير بأن والدته راعية ماعز، ويذهب بعض علماء الشيعة إلى أن تلك الكلمات ليست شتائم بل هي وصف حال، ويفسر بعضهم شتيمة الحسين على أنها إشارة إلى عدم طهارة مولد الشمر، وهذا ما يراه الشيخ علي الشاهرودي، فينقل عن المثالب لهشام بن محمد الكلبي: "إن امرأة الجوشن لاقت راعياً يرعى الغنم، فطلبت منه الماء فأبى أن يعطيها إلا بالإصابة منها، فمكّنته من نفسها فواقعها الراعي وحملت بشمر"، ولو صح هذا التفسير فهو يحيلنا إلى شتيمة أكبر وهي الطعن في شرف أمه ونسبه.
في الكتب المقدسة
وقد وردت أيضاً في الكتب المقدسة للمسيحيين والمسلمين واليهود عشرات من الكلمات والجمل التي تحوي شتائم وسباباً ولعناً، ففي الدين المسيحي نقرأ في سفر أيوب 25/6: ﴿فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الإِنْسَانُ الرِّمَّةُ، وَابْنُ آدَمَ الدُّودُ﴾، وفي سفر هوشع 4/5: ﴿تَتَعَثَّرُ فِي النَّهَارِ وَيَتَعَثَّرُ أَيْضاً النَّبِيُّ مَعَكَ فِي اللَّيْلِ، وَأَنَا أُخْرِبُ أُمَّكَ﴾، وفي سفر صموئيل الأول 20/30: ﴿يَا ابْنَ الْمُتَعَوِّجَةِ الْمُتَمَرِّدَةِ، أَمَا عَلِمْتُ أَنَّكَ قَدِ اخْتَرْتَ ابْنَ يَسَّى لِخِزْيِكَ وَخِزْيِ عَوْرَةِ أُمِّكَ﴾، وفي إنجيل متى 23/33: ﴿أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي، كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْننُونَةِ جَهَنَّمَ﴾، وفي إنجيل متى أيضاً 7/6: ﴿لاَ تُعْطُوا الْقُدْسَ لِلْكِلاَب، وَلاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلاَّ تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ﴾.
أما في الدين الإسلامي، فنقرأ في سورة القلم الآية 13 ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ﴾، وفي سورة عبس الآية 42 ﴿أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ﴾، وفي الأنفال 22 ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ ا الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾، وفي الأعراف 179 ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾، وأيضاً في ذات السورة لكن في الآية 176 ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُككْهُ يَلْهَث﴾، وفي سورة الجمعة آية 5 ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾، وفي سورة البقرة 65 ﴿كونوا قردة خاسئين﴾، أما في سورة المائدة 60 ﴿وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾، وكذلك في سورة التوبة آية 28 ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾.
ويتضح أن الكتب المقدسة والأنبياء والصحابة والقدّيسين، يستخدمون الشتائم والسباب بما فيها الألفاظ النابية في بعض الأحيان، بصرف النظر عن السياقات والحيثيات التي ذُكرت فيها، وعن التفسيرات التي تحاول وضعها في إطارٍ تبريري.
في الآداب والفنون
على الرغم من كل المحاذير والقيود التي تُفرض على الشتائم والبذاءات، إلا أن رقعتها اتسعت بين الأوساط المجتمعية وأخذت مساحات واسعةً من مفردات اللغة العربية وأصبحت حالةً ضروريةً، فدخلت إلى فنون عديدة منها السينما والمسرح والأدب والأغاني، وتأثرت بشكلٍ واضح بالأحداث الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عاشتها الأمم.
نقرأ في سفر أيوب 25/6: ﴿فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الإِنْسَانُ الرِّمَّةُ، وَابْنُ آدَمَ الدُّودُ﴾، وفي سفر هوشع 4/5: ﴿تَتَعَثَّرُ فِي النَّهَارِ وَيَتَعَثَّرُ أَيْضاً النَّبِيُّ مَعَكَ فِي اللَّيْلِ، وَأَنَا أُخْرِبُ أُمَّكَ﴾
ففي الأدب نجد كتابات ناقمةً على الأنظمة الحاكمة والمستبدة وعلى سياساتها في القضايا المصيرية، وفي الشعر تظهر الشتيمة جليةً على سبيل المثال في أشعار الجواهري، ونزار قباني، وأحمد فؤاد نجم، وأحمد مطر، وفي كتابات محمد الماغوط، وفي شعر مظفر النواب الذي يُعدّ عراباً للشتائمِ والبذاءات، إذ كتب: "فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟/ ووقفتم تسترقون السمع وراء الباب لصرخات بكارتها/ أولاد القحبة هل تسكت مغتصبة؟/ أولاد القحبة لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم/ إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم(...)". وكذلك قباني الذي يقول: "نحن بغايا العصر/ كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن/ نحن جواري القصر يرسلوننا من حجرة لحجرة/ نركض كالكلاب كل ليلة...".
وفي السينما والدراما العربية، هنالك بعض الحوارات التي تتخللها مفردات وجمل تحتوي على سباب وبذاءات وشتائم، فعلى سبيل المثال لا الحصر، من الأفلام الجريئة التي استُخدمت فيها الألفاظ النابية دون مُواربةٍ، الفيلم اللبناني "فلافل" الذي أُنتج في العام 2006، وهو من تأليف وإخراج ميشال كمون، وذُكرت فيه ألفاظ "شوارعية" مثل: "أخو منيوكة، خرا، كس أختك، الحس طيزي، عرصى، وحيوان).
كذلك، وردت مفردات سوقية في الفيلم العراقي "الرحلة"، الذي أُنتج في العام 2017، من تأليف وإخراج محمد الدراجي، مثل: "ابن الخايس، ابن النعال، ابن الكحبة، يا كلب، يا ساقط". أما في الفيلم الفرنسي-اللبناني "القضية 23"، الذي صدر في العام 2017، من إخراج زياد دويري، فقد وردت فيه كلمات: "خرا، لطيزي"، وغيرهما.
ويزخر الراب، بالسباب والشتائم والفاحش من الكلام والأمثلة عديدة ولا حصر لها، لكن لربما أبرزها الراب السعودي، إذ يستعمل الرابر السعودي شيبوبة -الذي يقبع في السجن الآن- الكثير من الألفاظ النابية، وكذلك الرابر كلاش وغيرهما، وأيضاً وردت الشتائم بشكل ملطف في أغنية "ملعون أبو الناس العزاز"، لنوال الزغبي، وأغنية "أبو الرجالة" لشيرين، وكذلك أغنية "كبرتك على سيدك" لأصالة نصري، وأغنية "أشوف فيك يوم" لعبد الفتاح القريني، وغيرها من الأغنيات.
ووردت الشتائم بشكلها الصريح في أغاني حسام الرسام، الذي يقول في واحدة منها: "عمي شدعوه متكبره وعليمن ثقلج كبالي/ إذا خليتج براسي اكسره لخشمج العالي"، أيضاً يُعدّ مؤلف الأغاني ضياء الميالي، أحد أبرز أولئك الذين أدخلوا الشتائم إلى الغناء العراقي، وذلك من خلال تعاونه مع عدد من المغنّين منهم الرسام الذي يقول في أغنية أخرى: "من زعلك من بجاك أنعل أبو اللي بجاك... يا بويه لو لاكيته والله لهجم بيته"، وللميالي كثير من الأغاني اللاعنة والحانقة آخرها تلك التي غنّاها المغني سيف عامر، وتقول كلماتها: "شوف وجهك؛ وجهك ينكط حقارة/ جاهل انت عقلك متيه مداره/ يا اللي تنحب بالبداية/ وبالنهاية تنشمر مثل الجكارة".
تلك الأمثلة هي عيّنات مختزلة من بعض الآداب والفنون التي اشتملت على شتائم وبذاءات، وهي تمثّل خروجاً عما هو سائد من لغة ملتزمة بأخلاقيات اللغة الشكلية، ودائماً نجد حالةً من الجدل والرفض المجتمعي للبذاءات والشتائم على الرغم من أن الأفراد يتداولونها في ما بينهم بشكلٍ شبه يومي، ولو أنها تنحسر في ظل الرسميات.
أسباب الشتم
يستخدم الشاعر علي ضمد، الشتائم والبذاءات في كتاباته وحواراته مع أصدقائه، وأحياناً يلقي التحايا عليهم على شكل شتيمة، ويستعملها في حالات الإعجاب والغضب والامتعاض والسخرية، ويقول إن هناك "فناً للشتيمة، فمن يشتم، عليه أن يتفنّن في شتائمه، ويعرف متى يكون ساخراً هازئاً، ومتى يكون جادّاً لاعناً، وأن ينتظر اللحظة والمكان المناسبين، فلا يمكننا أن نكون بذيئين على الدوام".
للميالي كثير من الأغاني اللاعنة آخرها تلك التي غنّاها المغني سيف عامر، وتقول كلماتها: "شوف وجهك؛ وجهك ينكط حقارة/ جاهل انت عقلك متيه مداره/ يا اللي تنحب بالبداية/ وبالنهاية تنشمر مثل الجكارة"
ويضيف: "الشتيمة تنفيس عما هو مكبوت، والفرد الشاتم هو ناقم على المجتمع والسلطة اللذين يريدان تهميشه وسلبه حريته، بالقانون، والعيب، والحرام"، ويكاد يجزم بأن الذين يَشتمون هم أقل الناس زيارةً للأخصائيين النفسيين، ومنع الشتائم يخلق مجتمعاً مريضاً ومدجّناً.
يفسر ضمد، رفض المجتمع للشتائم بـ"الخوف من الثورة، فالشتيمة شكل من أشكال الاحتجاج"، وهو لا يرى أي حرج في إطلاقه الشتائم إذ يشعر بعدها كمن "أكل أكلةً ضارّةً وتخلّص منها بالقيء".
من جهتها، تشتم ابتهال القيسي، في حالات الاستياء والغضب والسخرية، وتشعر بالارتياح بعد إطلاقها الشتائم، ولا تضعها معياراً لقياس الفضيلة أو الرذيلة، لكنها تعدّها إحدى طرق البوح التي تروّح فيها عن نفسها، بيد أنها تضع ضوابط للشتيمة، فهي تشتم بحدود ضيقة مع المقربين من العائلة والأصدقاء فقط، وتؤكد أنها لا تتبذّأ في كل زمان ومكان، فهي ترى أن من غير اللائق استخدام الكلمات البذيئة مع زملاء العمل أو كل الذين تعرفهم.
وتلاحظ القيسي، أن هنالك علاقةً وشيجةً بين الشتائم البذيئة وجسد المرأة، وتشير إلى أن كثراً من الرجال يربطون شرفهم بالمرأة، فيتشاتمون في ما بينهم بأعضائها التناسلية، وعندما يريد أحدهم إهانة الطرف المقابل وإلحاق العار به، يشبّهه بالنساء أو يشتم أمه أو أخته للنيل من عرضه، وتعزو ذلك إلى المجتمعات التي تريد أن تحطّ من شأن المرأة وتبالغ في احتقار جسدها.
دعوة إلى المجاهرة بها
عادةً ما تضع المجتمعات قيوداً وضوابط صارمةً على اللغة، في محاولة لكبح جماحها وضبطها، فنرى الأفراد يتجنبون الشتائم والبذاءات، بينما أغلبهم يتشاتمون ويتلاعنون في ما بينهم، كما يسمحون لأنفسهم بتمرير الشتائم حينما يشاهدون فيلماً أجنبياً أو حين يقرأون كتاباً، لكنهم يحرصون على الامتعاض حين تكون البذاءة في الأماكن العامة أو أمام العائلة أو النساء، ويندرج هذا بالطبع حتى في العوالم الافتراضية، لكن تبقى للشتائم خصوصيتها وطابعها المميز وضرورتها في كثير من المواقف التي يعيشها الناس، وهي جزء أصيل من المفردات الكلامية وتعبيراتها ودلالاتها اللغوية، فتُستخدم في حالات الفرح والمزاح والانبهار والاستياء والحزن والغضب.
الحديث هنا ليس دعوةً إلى التفحش أو التبذّؤ، بقدر ما هو ترك مساحة لهذه اللغة التي أنتجتها البشرية كوسيلة للتعبير والتواصل، حتى وإن كانت في إطار سلبي، فلها حاجتها وضرورتها، وإلا ما فائدة الكلمات التي لا يمكننا استخدامها؟ وحتى الفئات التي تفرض نسقاً صارماً على اللغة، تضطر بطبيعة الحال إلى استخدام الشتائم والبذاءات، ولو في نطاقٍ ضيق -لاعتباراتٍ مجتمعية- كما أن الماضي والحاضر يؤكدان أن البذاءات ليست معياراً لكون الشخص صالحاً أو طالحاً، بدليل أنها ذُكرت على ألسنة الآلهة في الكتب المقدسة، وقد ورد أقذعها على ألسنة الأنبياء والصالحين والقدّيسين والشعراء والكتّاب والفلاسفة والمفكرين، وكما يقول عبد الرحمن منيف: "الشتائم بأية لغة لا تخفى".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com