"كنتُ أسير وسط مدينة بغداد، تلفح وجهي رياح شهر كانون الأول/ ديسمبر الباردة، وفي خضم بعض الخواطر التي كانت تجول في ذهني، وصلني صوتٌ غريب لشاب صوّب نظره إلى صدري قائلاً: ‘فدوة لصدرك’، فزدت سرعة خطواتي لأختفي عن أنظاره".
إنها قصة الشابة العراقية خلود التي تعاني منذ بلوغها من مشكلة التحرّش بسبب صدرها الكبير، وفق ما قالت لرصيف22: "منذ بلوغي ازداد حجم صدري، وأصبح إخفاؤه أمراً مستحيلاً وأضحت حمّالة الصدر جزءاً من جسدي حتى داخل البيت".
غياب الخصوصية
تسكن خلود مع والديها وإخوتها الصبيان، ولا تجد مساحةً صغيرةً داخل المنزل لتعيش خصوصيتها بشكل يسمح لها بأن تخلع حمّالة الصدر أو أن تسير حرّةً بلا دعامات حديدية تحت صدرها وبلا مطاط يترك أثره على جلدها. أما المكان الوحيد الذي يمكنها فيه الاستغناء عن "السوتيان" ففي فراشها.
حكت خلود عن التنمر الذي كانت تتعرض له داخل جدران البيت: "في إحدى المرات، دخل أخي غرفتي وقال: ‘كم مرةً يجب أن أكرر أنني لا أحب رؤية الميداليات؟’، وأجبته: أي ميداليات؟ فأشار بيده إلى حمّالات صدري الملقاة على السرير".
وتابعت بالقول: "عندها نظرت إليه مباشرةً وقلت بكل قوتي: ما الذي يزعجك؟ سأخرج غداً إلى الشارع من دونها، فهزّ رأسه وقال: ‘أنت معها لا تنجين من المتحرشين، تخيّلي نفسك تسيرين بلا سوتيان في الشارع، ماذا سيحدث؟’ ".
أضافت: "حاولت إجابته، لكن لم أستطع التفوه بكلمة، شعرتُ بقلبي ينشطر إلى جزئين وتحطّمٍ في صدري، تخيلتُ نفسي أمسك مقصّاً كبيراً وأمزّق كل حمالات صدري البيضاء والسوداء والحمراء والخضراء، وأحوّلها إلى قطع صغيرة وأنثرها أمامه".
"في إحدى المرات، دخل أخي غرفتي وقال: ‘كم مرةً يجب أن أكرر أنني لا أحب رؤية الميداليات؟’، وأجبته: أي ميداليات؟ فأشار بيده إلى حمّالات صدري الملقاة على السرير"
توجه والدة خلود الملاحظات إلى ابنتها بين فترة وأخرى، خاصةً عندما تُبدي رفضها ارتداء السوتيان داخل المنزل. تضع والدتها إبهامها بين شفتيها وتشدّ عليه بأسنانها وتقول: "عيب يا بنتي، تريدين أخوتك يشوفوا حلمات صدرك؟".
وعن هذه النقطة، قالت خلود: "ربما تبدو القصة بسيطةً، لكنني فعلياً أعاني من شيء واحد في حياتي: السوتيان. في الشارع أسمع تحرشاً لفظياً يستهدف صدري الكبير، وداخل البيت تُلزمني عائلتي بارتدائها للمحافظة على عادات العائلة التي تمنع حتى رؤية الأخ لحمالة صدر ملقاة على السرير".
يوم بلا سوتيان في بغداد
"كنتُ أراقب حركة جسدَي مونيكا وريتشل في المسلسل الأمريكي الشهير، فريندز. مونيكا بفستانها الأسود، وريتشل بالجينز مع التي-شيرت البيضاء القصيرة التي تظهر صدرها الشامخ بلا حمالة صدر. حلمتُ بفستان يشبه فستان مونيكا، بسيطاً حراً حتى من مطاط حمّالة الصدر"، إنها الأحلام التي أسرّت بها الشابة العراقية هند لرصيف22، وأضافت: "أظن أن الخروج بلا حمالة صدر في مجتمع كالمجتمع العراقي أمر معقد للغاية، فالتحرش يزداد في الشارع ولا تنجو منه حتى المحجبات، فكيف سيكون الأمر مع صدر حر بلا سوتيان؟ هذا المجتمع سمح لجداتنا في القرن الماضي بالتصرف على سجيتهنّ والخروج بثوب مزركش تهتز فيه أثدائهنّ بحرية مع أي حركة".
"ربما تبدو القصة بسيطةً، لكنني فعلياً أعاني من شيء واحد في حياتي: السوتيان. في الشارع أسمع تحرشاً لفظياً يستهدف صدري الكبير، وداخل البيت تُلزمني عائلتي بارتدائها للمحافظة على عادات العائلة التي تمنع حتى رؤية الأخ لحمالة صدر ملقاة على السرير"
تعاني هند من آلام ارتداء الصدرية طوال اليوم، فجلدها رقيق، ما يجعل النايلون والمطاط المصنوع منه السوتيان، يتركان خطوطاً حمراء حول صدرها، لذلك قررت ذات يوم الذهاب إلى الجامعة بسروال جينز وقميص أبيض فضفاض بلا حمالة صدر.
في أثناء عبورها الشارع، توقفت سيارة سوداء، ومدّ أحدهم رأسه، وقال: "شوف الدشبول شكبره"، ثم انطلقت السيارة مسرعةً، لكن ذلك لم يخف هند، بل أكملت طريقها إلى الجامعة، حيث لاحظت نظرات زملائها المتوجهة مباشرةً إلى صدرها، وكأنهم يسألونها بأعينهم عن سبب خروجها بلا سوتيان.
تواجه هند ضغوطاً من أختها التي تطالبها دائماً بعدم الخروج بلا حمالة صدر، وتذكّرها بأنها تعيش في بغداد، وأن ما يصلح لمجتمعات أخرى، ربما لا يصلح هنا، حيث يحشر الناس أنفوفهم في خصوصية الناس وربما في لون ملابسهم الداخلية.
في هذا الصدد، قالت هند: "إن تجربة الخروج بلا سوتيان ليست مرتبطةً فقط بتحدّي المجتمع، بل كأنها محاولة للإمساك بالكون والتحدث معه بغريزة الإنسان الأولى، حيث لا شروط تُفرض على جسد المرأة، ولا قواعد تُملى عليها كلون حمالة الصدر وحجمها ونوعيتها، ومتى يجب أن نرتديها أو ننزعها".
رأت هند أن قصص النساء تبدو دائماً متشابهةً، فالمجتمعات لا تفرّق بين امرأة وأخرى عندما تضع قيودها، وبالرغم من نوايا الجميع الطيبة، إلا أن المرأة دائماً هي التي تدفع الثمن.
حديث يدور في الجامعة بين الفتيات عن ثوب زفاف أبيض ذي فتحة عريضة تكشف عن منبت ثدييها، ومجموعة من الشبان يتكومون فوق غلاف مجلة أجنبية لامرأة تظهر صدرها بسوتيان مغرٍ، وشرطي مرور يراقب اهتزاز صدر سيدة تقود السيارة، وأستاذ في الجامعة يحكي عن الليلة الحمراء لصدر ليلى علوي قاصداً حمّالة صدرها في أحد الأفلام، وغيرها من المواقف، كلها أثبتت لهند أنها تعيش في مجتمع مهووس بجسد المرأة، إنه الجسد ذاته الذي تُمنع عليه الثورة حتى على ارتداء السوتيان.
ما هو تاريخ تخلّي النساء عن حمّالات الصدر؟
ظهرت حركة "حرق حمّالات الصدر" في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، عندما قامت بعض النساء برمي صدرياتهنّ بشكل جماعي، بالإضافة إلى رمي الأحذية ذات الكعب الحالي وأحمر الشفاه كمظهر من مظاهر تحرر المرأة من الأشياء التي تقمعها.
وكانت صورة حمّالات الصدر التي يتم التخلص منها "في حاوية قمامة الحرية"، هي تلك التي تم التقاطها ومشاركتها في وسائل الإعلام وترسيخها في ذهن المجتمع كرمز للحركة النسوية.
"إن تجربة الخروج بلا سوتيان ليست مرتبطةً فقط بتحدّي المجتمع، بل كأنها محاولة للإمساك بالكون والتحدث معه بغريزة الإنسان الأولى، حيث لا شروط تُفرض على جسد المرأة، ولا قواعد تُملى عليها كلون حمالة الصدر وحجمها ونوعيتها، ومتى يجب أن نرتديها أو ننزعها"
بعد أربعة عقود، أصبحت Free the Nipple الحركة النسوية التالية المرتبطة بالتخلي عن حمالات الصدر، الأكثر شهرةً: "إنها حركة ثقافية أخرى إذ سئمت النساء من الوضع الراهن"، وفق ما قالت لورا تيمبيستا، خبيرة حمالات الصدر الحاصلة على درجة الماجستير في تصميم الملابس الداخلية ومؤسسة Bravolution ، لمجلة Teen Vogue.
في كانون الأول/ ديسمبر 2014، أنتجت شركة نتفليكس فيلماً وثائقياً حمل عنوان Free the Nipple، تدور حبكته حول مجموعة من الشابات في مدينة نيويورك، اللواتي بدأن حملةً للاحتجاج على تجريم كشف المرأة لثدييها، الأمر الذي أدى إلى أن تصبح حملة "حررن الحلمات" ظاهرةً عالميةً تشدد على أهمية المساواة بين الجنسين وكسر المحرمات المجتمعية.
هل لحمالات الصدر دور تجميلي فقط؟
إن ترهّل الثدي يحدث مع ارتداء حمالة الصدر أو من دونها، ويرجع ذلك في الغالب إلى عملية الشيخوخة الطبيعية، أي عندما يتم استبدال الأنسجة الغدية الكثيفة بالثدي بالدهون وإلى تمدد الأربطة الداعمة بمرور الوقت.
في هذا الصدد، قالت سابرينا ساهني، طبيبة الأسرة وخبيرة صحة المرأة في Mayo Clinic، لمجلة هيلث، إن عوامل مثل الوراثة وتقلبات الوزن والتغيرات الهرمونية والحمل والتدخين يمكن أن تؤثر أيضاً على وقت ومقدار ترهل الثديين.
غير أن ذلك لا يعني أن لحمالات الصدر دوراً تجميلياً فقط، بحيث تتمثل الوظيفة الرئيسية لحمالة الصدر في دعم وزن وهيكل الثدي. ومع ذلك، فإن الصدريات الضيّقة يمكن أن تؤثر بشدة على القفص الصدري كما تسبب آلام الظهر والرقبة.
إذا كانت أحزمة حمالة الصدر فضفاضةً، وكان الشريط الخلفي مشدوداً، فسيؤدي ذلك إلى توازن غير صحيح، وإذا كانت المرأة ترتدي حمالة صدر من دون أربطة، فهذا أمر لا فائدة منه.
تقدّر الدراسات أن أكثر من 80% من النساء يرتدين مقاساً خطأً لحمالة الصدر: 70% يرتدين حمالات صدر صغيرةً جداً، بينما 10% يخترن حمالات صدر كبيرةً جداً.
بالإضافة إلى ذلك، هناك دليل على أن أحجام الثدي/ الكأس الكبيرة، يمكن أن تكون عاملاً مساهماً في التغييرات في وضعية الجسم، والتي بدورها قد تؤدي إلى آلام في العضلات والعظام.
أما في حال قررت المرأة التحرر من حمالة الصدر، فيجب عليها أن تشد العضلات وتنشّطها لإنشاء تجمع عضلي قوي، وذلك من خلال تمارين التنفس على الأرض، بالإضافة إلى استخدام أحزمة المقاومة التي تنشط العضلات من دون إرهاقها.
تقدّر الدراسات أن أكثر من 80% من النساء يرتدين مقاساً خطأً لحمالة الصدر: 70% يرتدين حمالات صدر صغيرةً جداً، بينما 10% يخترن حمالات صدر كبيرةً جداً
في نهاية المطاف، إن ارتداء حمالة الصدر من عدمه هو اختيار شخصي، خاصةً أنه لا يوجد دليل على أن حمالات الصدر جيّدة أو ضارة بالصحة، إذا كانت المرأة معرضةً لخطر الإصابة بترهل الثدي، فقد يكون من المفيد إيجاد حمالة صدر مريحة وداعمة. وإذا كانت لديها أي مخاوف بشأن صحة ثديها، فيجب أن تتواصل مع مقدّم الرعاية الصحي، من ناحية أخرى، في حال كانت تبحث عن الدعم أو تشعر بعدم الراحة بسبب ثقل الثدي، فمن الأفضل أن تلجأ إلى شخص مختص يساعدها في العثور على حمالة الصدر المناسبة لها.
هذا ومن المهم أن تتذكر أن الاستثمار في حمالة صدر جيّدة يعني اختيار منتج يدوم مع مرور الوقت، وحميمي للغاية ويمتزج مع الجسم ويؤثر على وضعية الجسم، بما في ذلك الرقبة والظهر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...