تعتبر عملية زرع الثدي (breast implant) واحدة من أكثر الإجراءات التجميلية رواجاً في الكثير من البلدان، بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل، وصولاً إلى العديد من الدول العربية، حيث تلجأ إليها السيدات بشكل خاص بعد الحمل والرضاعة.
غير أن عملية تغيير حجم وشكل الثدي شهدت تحولاً ملحوظاً منذ منتصف العام 2010، بحيث بات هناك طلب أكثر على تصغير حجم الثدي وإزالة غرسات السيليكون، وهو أمر عزّزته العديد من النساء المؤثرات في جميع أنحاء العالم، مثل فيكتوريا بيكهام التي أجرت عملية تصغير الثدي بهدف إعادته إلى حجمه الطبيعي قبل عملية تكبيره، وبدورها قامت العارضة ونجمة بلاي بوي، كريستال هيفنر، بإزالة الثدي الصناعي بعد تكبيره، بسبب المضاعفات الصحية التي واجهتها.
من حجم الصدر الكبير والمبالغ به إلى "اللوك" الطبيعي... كيف تطورت عمليات تكبير الثدي عبر السنين؟
معايير الجمال
تم إجراء أول جراحة لتكبير الثدي باستخدام غرسات السيليكون في العام 1962، عندما انتقلت تيمي جين ليندسي، وهي أم لستة أطفال، من مقاس "بي" إلى "سي" في مستشفى جيفرسون ديفيس في هيوستن، تكساس.
وبحسب موقع بي بي سي، فقد قصدت ليندسي (30 عاماً) المستشفى لإزالة وشم من ثدييها، عندما عرض عليها الأطباء إجراء الجراحة الأولى من نوعها في العالم.
في هذه الفترة بدأ الاهتمام بالأثداء الكبيرة يتزايد بشكل لافت: طوال الخمسينيات من القرن الماضي، كانت بعض نجمات هوليوود، مثل مارلين مونرو، ريتا هيوارث وجين مانسفيلد، يجذبن الأنظار بسبب رشاقتهنّ وكبر حجم أثدائهنّ، ما شكّل المُثل العليا للجمال الأنثوي في الثقافة الشعبية، وتم ربط كبر حجم الصدر بالإثارة والإغواء.
تعتبر عملية زرع الثدي (breast implant) واحدة من أكثر الإجراءات التجميلية رواجاً في الكثير من البلدان، بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل، وصولاً إلى العديد من الدول العربية، حيث تلجأ إليها السيدات بشكل خاص بعد الحمل والرضاعة
وفي عالم الموضة، برز كريستيان ديور كأحد أهم مصممي الأزياء، وقد قام في العام 1947 باطلاق مجموعته الأولى "New Look"، والتي أعاد من خلالها تشكيل المعايير الجمالية والتأكيد على جمال الصدور الممتلئة.
وفي ذلك الوقت، كان الطب الحديث من جهته مستمراً في تطوير إجراءات لتكبير الثدي.
في العام 1895، أجرى الجراح الألماني فينسينت تشيرني، أول جراحة لإعادة بناء الثدي، عن طريق زرع ورم شحمي (نمو الأنسجة الدهنية) من الجزء السفلي من جسم المريضة لملء الفتحة التي خلفتها عملية استئصال الثدي.
وتم اتباع طرق أخرى في أوائل القرن العشرين لتكبير الأثداء، من تشكيل "أكوام" الثدي من الكتل العضلية، إلى حقن مادة البارافين مباشرة في ثدي المرأة لزيادة حجمه، مع العلم بأن هذه التقنية كانت مصحوبة بآثار جانبية شديدة الخطورة، بما في ذلك العدوى والانسداد الرئوي، والتي يمكن أن تظهر لمدة تصل إلى 10 سنوات بعد الإجراء التجميلي.
الجدل حول غرسات السيليكون
لم يظهر السيليكون الصناعي كبديل قابل للتطبيق حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
فقد بدأ هذا الاتجاه في اليابان، حيث عُرف عن العاملات في مجال الجنس قيامهنّ بحقن السيليكون مباشرة في صدورهنّ، وذلك لجعل أنفسهنّ أكثر جاذبية في عيون الجنود الأميركيين المحتلين، على الرغم من أن هذه الممارسة كانت تؤدي في بعض الأحيان إلى الإصابة بالغرغرينا حول موقع الحقن.
وبحلول الستينيات من القرن الماضي، تم تبني غرسات السيليكون على مستوى المستشفيات من قبل المجتمع الطبي الغربي، وبدت أنها أكثر أماناً وموثوقية من المطاط والإسفنج.
وقد اكتسبت غرسات الثدي المصنوعة من السيليكون شعبية كبيرة، بفضل الترويج لها من قبل العديد من المشاهير، مثل الممثلة الأميركية و"نجمة الإغراء" باميلا أندرسون (رغم انها قررت إزالة شرائح السيليكون من صدرها في وقت لاحق).
أما في العام 1992، وبعد أن تبيّن أن هناك عدداً كبيراً من النساء اللواتي عانين من مضاعفات وعدوى جرّاء غرسات الثدي، خفّ الانبهار الجماعي فجأة بعمليات تكبير الأثداء، وشُنّت حملات واسعة النطاق ضد الثدي الصناعي، وقامت إدارة الغذاء والدواء الأميركية بحظر غرسات الثدي المصنوعة من هلام السيليكون، وهو أمر تبنته أيضاً العديد من الدول، مثل ألمانيا وإسبانيا وفرنسا والنمسا وإيطاليا.
لكن هذه "النقمة" على عمليات زرع الثدي لم تدم لفترة طويلة، بل تم اللجوء إلى البدائل كحشوة السالين، وقامت إدارة الغذاء والدواء الأميركية برفع الحظر على السيليكون في العام 2006، ومرة أخرى تم السماح بغرسات السيليكون للاستخدام التجميلي للنساء فوق سن 22 عاماً.
وبحلول العام 2010 ، كان تكبير الثدي هو الشكل الأكثر شيوعاً للجراحات التجميلية في الولايات المتحدة، حيث تم إجراء 318123 عملية جراحية في ذلك العام، 62% منها باستخدام غرسات السيليكون.
لماذا الإقبال على تغيير حجم الثدي؟
إن ظاهرة تغيير حجم الثدي تبدو بشكل خاص في عالم المشاهير وفي البرامج التلفزيونية وعلى أغلفة المجلات، حيث كانت الأثداء الدائرية الكبيرة مرغوبة وتم ربطها بالجاذبية.
في هذا السياق، تعزو روث هوليداي، أستاذة الجندر والثقافة في كلية علم الاجتماع والسياسة الاجتماعية في جامعة ليدز، شعبية هذا المعيار الجمالي إلى تغيير المواقف تجاه سياسة النوع الاجتماعي: "كان الأمر يتعلق باستعادة النساء لحياتهنّ الجنسية، سواء من النظام الأبوي أو من الحركة النسوية نفسها. وفي مجال الجراحة التجميلية، تُرجم ذلك إلى التأكيد على جميع أجزاء أجسادهنّ التي كان المجتمع قد ربطها بالشهوة الجنسية- الأفخاذ والمنحنيات والأثداء- لامتلاك وإظهار إنوثتهنّ".
وأضافت هوليداي أن إجراء جراحة تكبير الثدي قد تحوّل أيضاً إلى مؤشر على الحالة الاجتماعية: "القدرة على تحمل تكاليف العملية، وكأن المرأة تقول: انظر إليّ، أنا على دراية، أنا أستحق ذلك ولديّ الوسائل للقيام بذلك."
وبدوره، اعتبر ألكسندر إدموندز، أستاذ الأنثروبولوجيا الاجتماعية والطبية في جامعة إدنبرة، أنه على مرّ السنين، تبنّت العديد من النساء الغرسات كأداة لاثبات وجودهنّ في مجتمع أضحى مرئياً بشكل متزايد: "في نهاية المطاف، يعتبر الخضوع لمقبض الجراح بالنسبة للكثيرات، وسيلة لاستعادة احترامهنّ لذاتهنّ والانفتاح على حياة أكثر ثقة... أو على الأقل هذه هي القصة التي اعتدنا على سردها".
رواج عمليات تصغير الثدي
يبدو أن الاهتمام بالحصول على أثداء كبيرة بشكل مبالغ به قد تلاشى ببساطة في السنوات الأخيرة.
في هذا الصدد، كشفت الدراسات أنه في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، ارتفع الطلب على عمليات تصغير الثدي بنسبة 6% من العام 2018 إلى العام 2019 .
وبحسب محرك البحث غوغل، فإن عدد الأشخاص الذين يبحثون عن "جراحة تصغير الثدي" في ازدياد مطرد في بلدان مختلفة منذ بداية ظهور وباء كورونا في العام 2020.
في السياق نفسه، اعتبر الدكتور غابرييل تشيو، جراح التجميل ومؤسس ممارسة الجراحة التجميلية في بيفرلي هيلز، أن عمليات تكبير الثدي، رغم أنها لا تزال شائعة، إلا أنها "تتجه نحو حجم أصغر وشكل طبيعي أكثر"، موضحاً لموقع سي إن إن، أن السيدات يطلبن "إضفاء الطابع الشخصي" و"لوك" يتناسب أكثر مع شخصيتهنّ.
في السنوات الأخيرة، لم تعد الصدور الكبيرة بشكل مبالغ به علامة على التحرر الجنسي، بحسب ما أكدت روث هوليداي، معتبرة أن "هذه الأثداء الاصطناعية باتت مرادفة للتصنّع والابتذال."
وبدورها، تحدثت جيما شارب، أخصائية علم النفس الإكلينيكي وزميلة الأبحاث الأولى في مركز موناش ألفريد لأبحاث الطب النفسي (MAPrc) في أستراليا، عن رغبة النساء في الحصول على حجم ثدي طبيعي: "ببساطة، بدأ اتجاه جديد يترسخ: صدر ذو مظهر طبيعي".
وقد ساهم ارتفاع شعبية المظهر الرياضي- المتناغم والنحيف- في زيادة الطلب على أثداء بحجم أصغر، وفق ما أكدت شارب: تبدو الصدور الكبيرة غير متوافقة مع نموذج"المرأة القوية".
يعتقد ماركوس سفورزا، جرّاح التجميل المقيم في المملكة المتحدة، أن الزيادة في عدد عمليات إزالة الزرع يمكن أن تنبع أيضاً من مخاوف أكثر خطورة: "النساء قلقات بشأن المخاطر التي تم ربطها بزرع الثدي، ويخترن المخاطر الأصغر كإجراء وقائي".
من بين هذه المخاطر، تم اكتشاف في العام 2017 علاقة بين غرسات الثدي المزروعة وسرطان الغدد الليمفاوية.
بالإضافة إلى ذلك، تتخوف العديد من السيدات من الإصابة بمرض زراعة الثدي (BII)، وهو سلسلة من الأعراض التي تشمل التعب، آلام المفاصل، فقدان الشعر، الطفح الجلدي، ضباب الدماغ والاكتئاب، على الرغم من وجوب ملاحظة أنه لم يتم إجراء أي دراسات رئيسية حتى الآن حول عدد النساء اللواتي أصبن بهذا المرض بعد زرع الثدي.
تعليقاً على مسألة المخاوف التي تصاحب بعض النساء الراغبات في تغيير حجم الثدي، قال سفورزا: "من ناحية، هنّ يعرفن كل هذه المضاعفات، ومن ناحية أخرى، يتطلعن إلى تحسين مظهرهنّ ، والشعور بالراحة تجاه أنفسهنّ".
"الصحة، وليس الموضة، هي التي تؤثر على الطلب على الحصول على أثداء أصغر، وما تريده معظم النساء الآن هو الحجم والشكل الذي يترك مساحة للسؤال: هل هذه الأثداء طبيعية أم لا؟"
هذا وأوضح أنه من جهته يقوم بتكبير حجم الثدي عن طريق غرس سيليكون أصغر بخلايا دهنية من أجزاء أخرى من الجسم، ما يزيد تدريجياً من كمية الدهون مع كل عملية زرع جديدة: "الفكرة هي أنه عندما يكون عمركنّ 60 عاماً أو أكثر، فإن عمليات الزرع الأخيرة ستكون مصنوعة في الغالب من الدهون، وهي أخف وزناً وأكثر أماناً من السيليكون".
وفي حين يعتقد ماركوس سفورزا بشكل راسخ أن الصحة، وليس الموضة، هي التي تؤثر على الطلب على الحصول على أثداء أصغر، فقد أقرّ بأن ما تريده معظم النساء الآن هو الحجم والشكل الذي يترك مساحة للسؤال: هل هذه الأثداء طبيعية أم لا؟ وختم بالقول: "هذا هو أساس وظيفة الثدي الجديدة".
في الختام، ليس سراً أن الشرق الأوسط يعد موطناً لصناعة جراحات التجميل المزدهرة.
من البوتوكس في بيروت وصولاً إلى تغيير حجم الأثداء ونحت الجسم بالكامل في دبي، فإن إجراءات التجميل تشهد إقبالاً كبيراً في المنطقة العربية.
هذا ومن المتوقع أن يزدهر سوق العمليات الجراحية التجميلية في الشرق الأوسط وأفريقيا بمعدل نمو سنوي مركب قدره 5.02%، ما يزيد صافي الثروة من 971 مليون دولار في العام 2016 إلى 1574 مليون دولار خلال الفترة المتوقعة 2017-2026.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 14 ساعةأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ 20 ساعةحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ يومينمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com