شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
مبادرة

مبادرة "إنصاف" لمواجهة الفيتو الروسي... هل تنجح في مساعدة السوريين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 9 يناير 202303:28 م

في حلقة جديدة من مسلسل استخدام حق النقض الـ"فيتو"، تسعى روسيا إلى منع قرارات مجلس الأمن، التي تصب في مجملها لصالح النظام السوري، مع قرب انتهاء مدة التفويض الأممي لآلية دخول المساعدات عبر معبر "باب الهوى" الحدودي في الشمال السوري، في العاشر من شهر كانون الثاني/ يناير الحالي.

تريد موسكو أن يتم إدخال المساعدات عبر خطوط التماس، قادمةً من مناطق النظام السوري إلى مناطق المعارضة، وهو ما استدعى تحرك الولايات المتحدة مع دول أوروبية عدة، من خلال طرح مبادرة جديدة تسمى "إنصاف"، تقوم على تشكيل صندوق للتمويل تديره شركة بريطانية مهمتها إيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين القاطنين في الشمال، كحل بديل عن آلية دخول المساعدات عبر الحدود، في ظل التعنت الروسي.

ماهية المبادرة

يقول الدكتور زاهد المصري، وهو عضو مجلس إدارة في صندوق "إنصاف" ومدير منظمة أطباء عبر القارات، لرصيف22: "مع استمرار الروس في عرقلة تمديد قرار مجلس الأمن للاستمرار في تقديم المساعدات عبر الحدود، قامت الولايات المتحدة وإنكلترا وألمانيا وفرنسا بتأسيس صندوق إنصاف وهو اختصار لـ Interim Northern Syrian Assistance Fund، أي صندوق مساعدة شمال سوريا المؤقّت، والذي سيكون بديلاً عن صندوق التمويل الإنساني SCHF التابع للأمم المتحدة، بهدف مواجهة الابتزاز الروسي في ما يتعلق بدخول المساعدات إلى شمال سوريا وشمال غربها، وسيتم توزيع المساعدات عبر هذا الصندوق".

تريد موسكو أن يتم إدخال المساعدات عبر خطوط التماس، قادمةً من مناطق النظام السوري إلى مناطق المعارضة

يشرح المصري أن "إنصاف هو صندوق تمويل شبيه بآلية عمل ‘الأوتشا’ التابعة للأمم المتحدة الذي مازال قائماً إلى الآن، ويعتمد على تقييم احتياجات الاستجابة في مختلف القطاعات الإنسانية، وتزويد المنظمات الإنسانية الوسيطة بالتمويل، تحديداً تلك التي تمتلك تراخيص قانونيةً في تركيا، وقادرة على تنفيذ المشاريع على الأرض، ولعل الميزة الأفضل للصندوق، هي منع تحكم روسيا والصين بملف المساعدات الإنسانية في سوريا".

من جهته، يشير الدكتور مأمون سيد عيسى، مدير العلاقات في منظمة عطاء الإنسانية، إلى أن "روسيا اشترطت من أجل التمديد وعدم استخدام الفيتو توسيع مشاريع التعافي المبكر ومنها تمويل مشروع يُحسّن وضع الكهرباء في مناطق النظام، وزيادة عدد الشاحنات القادمة عبر الحدود، وأن يكون التمديد لثلاثة أشهر فقط".

ويقول إن "الصندوق مخصص للشمال السوري، إدلب وريف حلب الشمالي فقط، وهو صندوق تمويل تديره شركة "آدم سميث البريطانية" ويوجد فيه استشاريون ومندوبو منظمات دولية ومندوبو دول، وسيتم انتقاء عشر منظمات سورية لديها خبرة ميدانية لتنفيذ المشاريع".

وتدهورت الأوضاع الإنسانية في شمال غرب سوريا بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وخاصةً بعد جائحة كورونا، فتقليص التمويل أو انقطاعه، والذي انخفض بشكل كبير، ستنتج عنه مخاطر على القطاعات الإنسانية كافة في تلك المناطق، مع ارتفاع الأسعار العالمي في الغذاء والمنتجات كافة.

سلبيات الصندوق

يقول سيد عيسى: "هذه الآلية جديدة وتحتاج إلى وقت لإنضاجها، وهذا سيُؤخر إيصال المساعدات الإنسانية، كما أنَه من المتوقع عدم مساهمة بعض الدول في تقديم الدعم إلا عن طريق الأمم المتحدة، مثل الدول الإسكندنافية واليابان، واعتماده فقط على المساعدات الأوروبية والأمريكية، كما أن المبالغ المخصصة بدايةً لا تتجاوز 30 مليون دولار، وهذا لا يغطي سوى جزء بسيط من الحاجة الإنسانية، في ظل تخفيض الأمريكيين مساعداتهم لسوريا بنسبة 30%، الأمر الذي سيؤدي إلى تباطؤ عمل هذه المبادرة، والتي تزامنت مع انخفاض وزن المساعدات الغذائية المقدمة من الأمم المتحدة للسوريين في مخيمات الشمال من 70 كغ إلى 40 كغ، الأمر الذي سيزيد من معاناتهم الإنسانية".

برأيه، فإن مبادرة "إنصاف" ستبقى قائمةً، سواء تم تمديد آلية دخول المساعدات عبر الحدود أم لا، وسيتم استخدامها من قبل الدول التي تقف خلفها، في حال استخدمت روسيا الفيتو لمنع تمديد آلية دخول المساعدات عبر الحدود، وإذا تم تمديد الآلية القديمة، ستبقى إنصاف مستمرةً بالتزامن معها، وسيتم التمويل من خلال الصندوقين القديم والجديد.

ويعيش في شمال غرب سوريا أكثر من 4.5 ملايين مدني، بينهم 1.8 نازح في مخيمات ومواقع إقامة عشوائية لا تفي حتى بمعايير الطوارئ الدنيا للمأوى والماء والصرف الصحي، وصل الآلاف منهم إلى نقطة الانهيار، في ظل سماح المجتمع الدولي بتحويل روسيا والنظام السوري للمساعدات الإنسانية إلى سلاح، سيؤدي إلى المزيد من الفظائع.

ستبقى "إنصاف" قائمة، سواء تم تمديد آلية دخول المساعدات عبر الحدود أم لا، في حال استخدمت روسيا الفيتو لمنع تمديد آلية دخول المساعدات عبر الحدود، فمن يضمن شفافيتها وهل تكفي؟

ويعتقد عبد الرزاق عوض، مدير منظمة سيريا ريليف الإنسانية، أن هذه المبادرة بديل كامل من الآلية القديمة، ولكنها حل من حلول عدة تتم دراستها، في حال أصر الروسي على الفيتو لمنع تمديد آلية دخول المساعدات عبر الحدود، كما أن المبلغ أقل من التمويل الذي كانت تقدمه الأمم المتحدة.

وأطلقت منظمات سورية ودولية عدة حملات مناصرة، هدفها تحرير المساعدات الإنسانية من الضغوط السياسية التي تمارسها روسيا، والوقوف على احتياجات السوريين في الشمال، من خلال حملة أُطلق عليها اسم "الاحتياج لا الفيتو".

الاحتياج كبير

يقول مدير الدفاع المدني رائد الصالح لرصيف22: "ستبدأ إنصاف بالعمل في منتصف هذا الشهر أو نهايته على أبعد تقدير، وستقدم ثلاثة أنواع من المساعدات الإنسانية، الأول يعتمد على تقديم مساعدات نقدية للسكان في شمال غربي سوريا، والثاني مساعدات تعليمية، والثالث مساعدات طبية، وبالتأكيد هذه المجالات الثلاثة مهمة جداً وستساهم في تخفيف الأزمة الإنسانية".

بحسب فريق منسقو الاستجابة الإنسانية في سوريا، ارتفعت أعداد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في سوريا إلى 15.3 ملايين نسمة في نسبة هي الأعلى منذ 2011، بزيادة 700 ألف نسمة عن العام الماضي، ولدى المجتمع الدولي خيارات عديدة يمكن العمل عليها قبل انتهاء المدة المتبقية من عمر القرار 2642 /2022 بعيداً عما يسميه المجتمع الدولي الالتفاف على الفيتو الروسي المحتمل من خلال آليات جديدة تزيد من انحدار العمل الإنساني في سوريا.

 ارتفعت أعداد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في سوريا إلى 15.3 ملايين نسمة في نسبة هي الأعلى منذ 2011

في اعتقاد الصالح، "إنصاف ستساهم في تخفيف المعاناة وستعزز وصول المساعدات الإنسانية، وستكون قادرةً على تغطية جزء من الاحتياجات في حال عدم تمديد قرار التفويض"، مشيراً إلى أن "آلية إنصاف والمساعدات الإنسانية عبر الحدود، لا تكفي لسد احتياجات السكان الكبيرة وخاصةً في فصل الشتاء، مع تفشي مرض الكوليرا وعودة انتشار فيروس كورونا والصقيع والسيول وانخفاض درجات الحرارة وحاجة السكان".

لجنة للشفافية 

قبل أن تتحوّل "إنصاف" إلى واقع، طرح الكثير من السوريين وتحديداً الناشطين في مجال حقوق الإنسان أسئلةً كثيرةً حول الآلية التي ستتبعها المبادرة لكي تصل إلى أكبر عدد من المحتاجين، ولضمان شفافيتها، لا سيما في ظل الأسئلة الكثيرة المطروحة حول فساد المنظمات الإنسانية في أكثر من مكان ومنها سوريا.

يقول زاهد المصري: "لضمان شفافية المبادرة، تم تشكيل لجنة إدارية استشارية مكونة من 9 أشخاص، تضم 3 من المنظمات السورية، و3 من المنظمات الإنسانية الدولية، و3 من الجهات الداعمة، وتعيين موظف كمنسق لهذه المجموعة، ووظيفتها إدارة كافة الأموال في الصندوق من خلال إقرارها أو عدمه، من خلال التواصل مع الجهات المانحة".

في المقابل، يعتقد مدير الدفاع المدني السوري، أنه لا يمكن الحكم على الآلية قبل أن تبدأ العمل، وهذا الأمر بالتأكيد سيكون وفق ضوابط العمل الإنساني، وبالتأكيد إن نجحت الآلية ستنضم إليها دول أخرى لاحقاً.

وتقلصت مبالغ التمويل للاستجابة الإنسانية في سوريا، نتيجة التداعيات الدولية، وموجات كورونا والأزمة الاقتصادية في أوروبا، وتداعيات حرب روسيا على أوكرانيا، فلم تعد سوريا من ضمن أولويات المجتمع الدولي في تقديم الدعم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image