شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"الحقوق والحريات تتآكل"... صيحة فزع منظمات المجتمع المدني التونسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 9 يناير 202304:49 م

تتزايد مخاوف منظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية على مستقبل الحقوق والحريات في تونس، مع إصدار قوانين ومراسيم جديدة يقول ناشطون إنها "سالبة للحرية وتهدد حرية النشر والتعبير والصحافة".

اشتدت هذه المخاوف مع إحالة صحافيين ومدوّنين ومعارضين على القضاء، بسبب مواقف أو آراء أو مقالات صحافية انتقدوا فيها سياسة الرئيس التونسي قيس سعيّد أو أحد أعضاء حكومته التي تقودها نجلاء بودن.

مراسيم لقمع الحريات

منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بدأ التحقيق مع الصحافي ومدير موقع "بييزنس نيوز" نزار بهلول، وفقاً للمرسوم رقم 54 الخاص بمكافحة الجرائم الإلكترونية المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصالات، بعد شكاية أثارتها ضده وزيرة العدل التونسية ليلى جفال، بسبب نشره مقالاً تحليلياً ينتقد فيه أداء حكومة نجلاء بودن.

هذه هي المرة الأولى التي تتم فيها ملاحقة وسيلة إعلامية بموجب المرسوم رقم 54 منذ إصداره في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، وهو مرسوم تقول عنه منظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها نقابة الصحافيين التونسيين إنه "يهدف إلى قمع حرية التعبير والصحافة وتكميم الأفواه"، وتدعو إلى "سحبه فوراً".

تتهم الحكومة الصحافي بـ"نشر أخبار غير صحيحة والثلب والادعاء بالباطل والتأثير على الأمن العام بغاية المساس بأمن الدولة"، وهي تهمٌ قد تعرضه للسجن لمدة عشر سنوات ولغرامة مالية قدرها 100 ألف دينار.

مخاوف المنظمات المدنية في تونس مستمرة بعد حوادث مختلفة يرون فيها سرقة لآمالهم في مجتمع ديمقراطي وعودة إلى التضييق على الحريات

ينص المرسوم الذي أصدره الرئيس التونسي في 13 أيلول/ سبتمبر الماضي، على "عقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة مالية قدرها خمسون ألف دينار، ضد أي شخص "يستخدم شبكات الاتصال وأنظمة المعلومات عمداً لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال معلومات كاذبة أو شائعات كاذبة"، وتُضاعَف العقوبة إذا كانت هذه "المعلومات الكاذبة تستهدف مسؤولي الدولة".

في الفترة نفسها، أصدرت محكمة تونسية حكماً بسجن الصحافي في إذاعة موزاييك، خليفة القاسمي، لمدة سنة مع تأجيل التنفيذ بعد محاكمته بموجب قانون مكافحة الإرهاب في شهر آذار/ مارس 2022، وهو حكم وصفته نقابة الصحافيين التونسيين بـ"المهزلة"، واتهمت السلطة بـ"تجاهلها للمرسوم 115 باعتباره النص الوحيد الذي يُحاكَم بمقتضاه الصحافيون في قضايا النشر".

في حديثه إلى رصيف22، قال الصحافي خليفة القاسمي: "تمسكت بمحاكمتي طبقاً للمرسوم 115، وتمسكت أيضاً بحقي في عدم الكشف عن مصادر معلوماتي، فوجدت نفسي محكوماً بالسجن وممنوعاً من السفر".

يضيف: "للأسف السلطة الحالية في تونس تستغل السلطة القضائية لإصدار مراسيم وقوانين سالبة للحرية مثل المرسوم رقم 54، بهدف التضييق على حرية التعبير والصحافة، وتتجاهل في المقابل المراسيم التي تنظم مهنة الصحافة مثل المرسوم عدد 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر الصادر في 2011.

يرى الصحافي التونسي أن الصحافيين والمعارضة في تونس أصبحوا معرضين لمحاكمات قضائية طبقاً لقوانين تمت صياغتها حديثاً وبطريقة أحادية.

"للأسف السلطة الحالية في تونس تستغل السلطة القضائية لإصدار مراسيم وقوانين سالبة للحرية مثل المرسوم رقم 54، بهدف التضييق على حرية التعبير والصحافة"

يختتم حديثه قائلاً: "نخوض معركةً شرسةً ومصيريةً في هذه الفترة للدفاع عن الحقوق والحريات وحرية التعبير والصحافة ومستعدون لدفع الثمن حتى لو كان السجن".

في السياق ذاته، أحيل المحامي والمعارض السياسي، غازي الشواشي، على التحقيق طبقاً للمرسوم رقم 54، وذلك من أجل تصريحات إعلامية انتقد فيها وزيرة العدل ليلى جفال.

يقول الشواشي لرصيف22، إنه أول سياسي تونسي تتم محاكمته طبقاً للمرسوم رقم 54، وإنه مهدد بالسجن لمدة عشر سنوات وبدفع غرامة مالية قد تصل إلى 100 ألف دينار".

يضيف: "أواجه تهماً خطيرةً تتمثل في نَسبِ أمورٍ غير صحيحة إلى موظف عمومي ونشر أخبار زائفة فقط لأنني انتقدت وزيرة العدل. سأحاكَم طبقاً للمرسوم "سيئ الذكر" الذي لا يتطابق مع الاتفاقيات الدولية ولا مع الدستور وهذه المحاكمة لن تثنيني عن مواصلة النضال للدفاع عن الحقوق والحريات في بلدي".

وينصّ الفصل السابع والثلاثون من الدستور الجديد، على أنّ "حريّة الرّأي والفكر والتعبير والإعلام مضمونة"، وأنه "لا تجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحرّيات"، بينما ينصّ الفصل الخامس والخمسون على "أنّ كلّ الحريّات المضمونة بهذا الدّستور مُقيَّدة بضرورات يقتضيها الأمن العام أو الدفاع أو الصحة أو الآداب العامّة".

الحقوق والحريات في مهب الريح

تؤكد منظمات تونسية أن الحقوق والحريات التي جاءت بها ثورة 2011، للتونسيين، بدأت تتآكل شيئاً فشيئاً بعد تسجيل انتهاكات عديدة تهدد حقوق الإنسان وحرية التعبير والصحافة.

تؤكد عضوة نقابة الصحافيين التونسيين، أميرة محمد، أن حرية التعبير والصحافة في بلدها مهددة أكثر من أي وقت سابق في ظل تمسك السلطة الحالية بتطبيق المرسوم رقم 54 لمحاكمة الصحافيين والمعارضين والمواطنين وإصدار مراسيم أخرى بطريقة أحادية، حسب قولها.

ترى أميرة محمد، في حديثها إلى رصيف22، أن اعتماد قوانين سالبة للحرية يهدد العمل الصحافي وحرية التعبير، متهمةً السلطة الحالية بتعمد محاكمة الصحافيين والإعلامين طبقاً للمرسوم رقم 54، وإحالتهم على قانون مكافحة الإرهاب بهدف السيطرة على وسائل الإعلام، على حدّ قولها.

من جهته، يقول رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بسام الطريفي، إن واقع الحقوق والحريات في تونس يتراجع بشكل تدريجي سواء على مستوى الحقوق المدنية أو السياسية، وذلك من خلال تغييب الأحزاب السياسية وإقصائها من المسار الانتخابي طبقاً للمرسوم عدد 55 الذي يحجر على الأحزاب السياسية القيام بحملات انتخابية في الانتخابات التشريعية.

يواصل مفسراً: "أعدّ ما جاء في هذا المرسوم انتهاكاً خطيراً للعمل السياسي وأرى أيضاً أن المرسوم عدد 54 يهدد بشكل واضح حرية التعبير ولعل أبرز دليل على ذلك هو محاكمة صحافيين ومعارضين طبقاً لهذا المرسوم الخطير".

يضيف: "الحقوق الاقتصادية والاجتماعية انهارت هي الأخرى، والتونسي اليوم يخوض معركةً يوميةً للحصول على المؤونة المفقودة في حين تُمعن السلطة في ارتكاب انتهاكات جسيمة".

ويشار إلى أن منظمة العفو الدولية قالت في تقرير لها إن "حالة حقوق الإنسان في تونس أصبحت تتسم بالهشاشة أكثر من أي وقت مضى بعد مرور عام على هيمنة الرئيس قيس سعيّد على السلطة".

وأضافت أن "القضاء في تونس فَقدَ خلال هذه الفترة الضمانات الواجبة للحفاظ على استقلاليته، بينما "استهدفت المحاكم العسكرية بشكل متزايد منتقدي الرئيس بقوانين قمعية، في حين تقلّص الحق في حرية التعبير مع الملاحقة القضائية لما لا يقل عن 29 معارضاً بارزاً بتهم زائفة".

"لا خوف على الحريات"

يرفض الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي، محسن النابتي، ما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية، وما صرّحت به المنظمات الحقوقية في تونس، مشيراً إلى أنه "لا تراجع عن المكتسبات التي جاءت بها الثورة، ولا خوف على الحقوق والحريات" في بلده تونس.

يضيف النابتي في حديثه إلى رصيف22، أنه لا توجد أي نية من قبل النظام الحالي لقمع الحريات والتضييق على العمل الصحافي، مشيراً إلى "أن فترة ما قبل 25 تموز/ يوليو 2021، شهدت اعتداءات خطيرةً على حقوق الإنسان وصلت إلى حدّ الاغتيالات والتكفير والسّحل"، حسب قوله.

يتابع: "من الطبيعي أن تكون وضعية حقوق الإنسان هشّةً في الدول التي تعيش أزمات سياسيةً واجتماعيةً حادّةً، ومن غير الطبيعي أن تحاول المنظمات الحقوقية في تونس تسييس العملية الحقوقية". لكن هل تكفي هذه المبررات لتحجب واقعاً أصبحت المنظمات الحقوقية تندد به بوسع حناجرها؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard