شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"دِجلَة"... مجلة سركون بولص اليتيمة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 9 يناير 202312:39 م


أشار صالح جواد الطعمة، الكاتب والشاعر الأكاديمي، عام 2013 في مجلة كيكا للأدب العالميّ، إلى أن الشاعر العراقي سركون بولص (1944-2007) أصدر عام 1971 مجلة باللغة الإنكليزيّة تحمل اسم "دجلة". صدرت المجلة بعد سنتين من وصول بولص إلى الولايات المتحدة عام 1969، ولم يصدر منها سوى عدد واحد، أعاد إصداره الطعمة هذا العام عن منشورات مجلة كيكا، تاركاً إيانا أمام وثيقة تاريخيّة-شعريّة، عن حلم شاعر بالاستقرار في سان فرانسيسكو حاملاً معه شعره وأحلامه، وكلمات أصدقائه.

يقدم الطعمة للمجلة وشروط صدورها، واصفاً إياهاً بـ"محاولة أولى (وأخيرة) لنشر مجموعة صغيرة من قصائده (قصائد بولص) وقصائد بعض أصدقائه من الشعراء المقربين إليه"، خصوصاً أن حماسة جيل البِيت Beat generation أخذت بولص، لكن متطلبات الحياة هددت حلمه، وتركته أحياناً فريسة البحث عن لقمة العيش.

إعادة نشر المجلة فرصة للتعرف على خيارات بولص الشعرية ومزاجه حينها، خصوصاً أنها لم تكن متوافرة في المكتبات العربيّة، ولا توجد في الولايات المتحدة إلا ضمن المكتبات الجامعية، و9 مكتبات عامة حسب البحث الذي أجراه الطعمة عنها، ورغم الاحتفاء العربي بها حين صدورها، لم يكتب لها الاستمرار، لأسباب يمكن القول إن الصحافة ما زالت تواجهها إلى الآن، يمكن تلخيصها بالمال وتوافره.

حرر بولص المجلة إلى جانب جوانا سميث، ووقعت في 50 صفحة، وبرغم عدم وجود كلمة "مجلة" ضمن صفحاتها، إلا أن الطعمة يجزم بأنها "مجموعة" شعريّة، من دون أي نصوص أو مقالات، إذ حوت قصائد لفؤاد رفقة، يوسف الخال، إيتيل عدنان، مؤيد الراوي، لكن الملفت أن قصائد بولص المكتوبة بالإنكليزية في المجلة، والتي تحمل عنوان "تشكيل" غير موجودة بالعربيّة، كما تحوي كاليغرافي أو "شعر ملموس" بعنوان "Concrete Poem for Fayrouz" أنجزها أيضاً بولص.

أصدر الشاعر العراقي سركون بولص عام 1971 مجلة باللغة الإنكليزيّة تحمل اسم "دجلة" بعد سنتين من وصوله إلى الولايات المتحدة عام 1969، ولم يصدر منها سوى عدد واحد، أعيد إصداره هذا العام عن منشورات مجلة كيكا

يقدم الطعمة تفسيراً لهذه القصيدة بوصفها إحالة إلى علاقة بولص مع الصياد الذي يبحث عن السمكة -القصيدة، وينوه إلى أن أول قصيدة كتبها بولص بعمر الثانية عشرة ألمحت إلى الصيد والسمكة. أما عن سبب اختيار فيروز فربما يعود إلى ترجمة بولص لبعض أغانيها، ومشاركته في ترجمة كتاب عن حياتها وإسهامها في الموسيقى. لكن كل هذه التفسيرات عل منطقيتها وقربها من الحقيقة، تبدو أبعد عن المخيلة؛ هناك شيء من الشعر في هذا الرسم/القصيدة التي قدمها بولص، ربما يحيل إلى أسماء بحيرة ألف ليلة وليلة، تلك الكائنات التي نست أصلها واحتفظت بألوانها، ربما السمكة نفسها والأحرف المقطعة "ف ي ر و ز "، توحي بأن الأخيرة مفهوم أكثر منها اسم علم، مهما اختلف ترتيب حروفه، هي صوت غريب يبحث عن ماء ما، هذه التأويلات والحذلقات، يمكن تدليلها في ظل وجود نصوص لبولص لا نعرفها، ولا نعرف إن كان قد ترجمها أو ألفها.

حلّ مؤقت والسعي لتأمين لقمة العيش

يشير الطعمة في مقدمته إلى أن بولص، حسب اقتباس من أيتيل عدنان، لم يكن يسعى لإصدار مجلة كمشروع ثقافي، بل الحصول على منحة أو تمويل، فاستفاد من نشره قصيدة لإيتيل عدنان والمجلة نفسها للحصول على المنحة، ما يفسر أن المجلة أو فكرتها ليست إلا حلاً مؤقتاً للحصول على المال، توقفت حال حصول بولص على المنحة حسب عدنان.

يمكن أن نفهم من ذلك أن حال الثقافة لم يتغير كثيراً؛ الحاجة إلى المال لطالما هددت الكثير من المشاريع، وأحياناً تسببت بتوقفها، كما يعكس ذلك أيضاً موقف أصدقاء بولص منه ورغبتهم بالوقوف إلى جانبه عبر ترجمة قصائدهم ونشرها كخدمة من نوع ما.

"الصعوبات التي واجهها سركون بولص لكسب معيشته، دفعته إلى ما يسميه بـ"ترجمات مهنية"، أنجزها لصالح شركات ومؤسسات ولا تظهر ضمن أعماله، لكن واحدة من هذه الترجمات المهنية والتي يشير إليها هي ديوان "جذور وورود" للمواطن السوري– الأمريكي شادي الخوري، الذي لا نعرف عنه الكثير

الصعوبات التي واجهها بولص لكسب معيشته دفعته إلى ما يسميه بـ"الترجمات المهنية"، تلك التي أنجزها لصالح شركات و مؤسسات لا تظهر ضمن أعماله، لكن واحدة من هذه الترجمات المهنية والتي يشير إليها في حوار مع صديقه الناشر خالد المعالي، هي ديوان "جذور وورود" للمواطن السوري–الأمريكي شادي الخوري، الذي كان بعمر الـ14 عاماً حين صدرت المجموعة ذات الـ24 قصيدة.

البحث عن قصائد بولص وترجماته مهمة شيّقة تحرك الفضول، خصوصاً أن بعضها لا يحمل اسمه، إذ يلفت الطعمة انتباهنا، إلى قصيدة يظن أنها لبولص، نشرت في مجلة Amerus تحت الاسم الوهمي "إنكيدو" وعنوانها "مسافر إلى مدينة جديدة"، وحسب محرر المجلة جاك هيرشمان الذي يقتبس منه الطعمة نقرأ التالي: "يعرف عن أنكيدو في المجلة بأنه: اسم مستعار لعامل مقهى وشاعر شوارع، ناشط ذو أهمية بالنسبة إلى حركة تحرير فلسطين".

ويعزو الطعمة اختيار الاسم المستعار إن كان حقاً لبولص إلى "التوجه الماركسي للشاعر هيرشمان ولمجلة Amerus الذي يمكن قراءة اسمها كاختزال لعبارة American-Russian=Ame-Rus وحرص سركون على تجنب الاقتران الصريح بها".

يقدم الطعمة ترجمة تقريبية لبعض مقاطع القصيدة، في محاولة لمعرفة نسبها، لا فقط عبر اسمها "بل لغتها وصورها أو تلميحها إلى موقف بولص من حرب فيتنام"، إذ نقرأ:

خزانتي قد امتلأت

بوجوه محترقة

من بقايا فيتنام

وعلى جدران غرفتي

رجال يمتطون

خيولاً

منطلقين نحو الشمس

.....

كنت في هذه الغرفة

عندما كانت جزءاً

من المحيط (البحر)

وقد تكلمت إلى ساكنيها

قائلاً:

سأترك هذه المدينة

ولكم أن تسألوني (عن السرّ)

غير أن شفتيَّ لن تبوحا

بجواب.

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard