على موقع تويتر، كتبت إحدى المستخدمات عبارة لا تزيد عن سبع كلمات لكنها تفيض بالفزع: "الفيديو ده أبشع حاجة حصلت في 2022".
الواقع أن العام المنقضي، لم يبخل بالبشاعة، كما لم تقصّر السوشيال ميديا بمنصّاتها المختلفة في نقل هذه البشاعة إلينا، ومن بين بشاعات متعدّدة كان مشهد انقضاض القاتل على الشابة نيّرة أشرف أمام باب كليتها، وضربها بـ 17 طعنة سكينة، ثم محاولته نحرها، هو المشهد الذي "فاز" بلقب الأسوأ في رأي كثيرين، لكنه لم يكن المشهد الذي دفع بمستخدمة تويتر، في الأسبوع الأخير من العام، إلى كتابة كلماتها تلك وإطلاق وصف "أبشع حاجة" عليه، وإنما كانت تعلّق على مشهد آخر: قبلة واحتضان بين اثنين من المراهقين، فوق أحد جسور القاهرة.
"فعل فاضح"، هكذا وصفته النيابة فيما بعد، شارحة أنه قد وقع في أبريل/نيسان الماضي (وكان عدد من المشاهدين قد انتبه إلى أن الحبيبين، وإن كان "مشهدهما" قد انتشر في الشتاء، إلا أنهما ارتديا ملابس صيفية)، لكن وصف البشاعة لم يكن كافياً فيما يبدو، ولا التوصيف القانوني في بيان النيابة، إذ انطلق الكثيرون يتحدثون عن "علامات الساعة"، معتبرين أن مشهد الحب ذاك، على قارعة الطريق، هو أحد تلك العلامات.
على موقع تويتر، كتبت إحدى المستخدمات عبارة لا تزيد عن سبع كلمات لكنها تفيض بالفزع: "الفيديو ده أبشع حاجة حصلت في 2022". تعليقاً على مشهد القبلة بين مراهقين على أحد جسور القاهرة
لا يبدو أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يتحدّث عن علامات أو إشارات كبرى سوف تعلن – يوماً ما – نهاية العالم الذي نحياه وبداية عالم الأبدية، لكن السؤال عن تلك العلامات كان دائما هاجساً في الثقافة الإسلامية، بل حتى في حياة الرسول، وقبل إتمام الرسالة، لم يكن المسلمون – الداخلون في الدين الجديد- وحدهم من يسألون النبي عن علامات الساعة، فيجيبهم بالحديث حيناً، ويجبيهم القرآن أحياناً، بل تذكر المصادر الإسلامية أنه حتى المشركين أو "الكفار"، كانوا يسألون النبي عن علامات الساعة، على سبيل اختبار نبوّته أو البحث عن ما يقنعهم بالرسالة.
إنها – علامات الساعة – شأن مهم إذن في الإسلام، وهي سواء ما وصف منها بالعلامات الكبرى أو الصغرى، وما اعتبر من العلامات المنقضية – أي التي حصلت فعلاً- أو التي لن تحصل حتى تقترب القيامة، فإنها في معظم الأحوال، علامات تثير الرجفة في القلوب، وتخالف قوانين العالم المادي المعروف، علامات لا تقل عن أحداث جليلة كظهور "المسيح الدجال" ونزول عيسى بن مريم، وظهور يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة التي تكلم الناس، وتصل حتى إلى ظواهر، كـشروق الشمس من مغربها، لينضم ذلك إلى "انشقاق القمر" والدخان العظيم الذي يغشى الكون كله.
"فعل فاضح"، هكذا وصفته النيابة فيما بعد، لكن وصف البشاعة لم يكن كافياً فيما يبدو، ولا التوصيف القانوني في بيان النيابة، إذ انطلق الكثيرون يتحدثون عن "علامات الساعة"
لا شك أن الولد والبنت، المراهقين اللذين تبادلا تلك القبلة والحضن في الجسر في أحد ضواحي القاهرة، لم يخطر ببالهما أن تعدّ فعلتهما من علامات الساعة المخيفة المرجفة تلك. كانا في أحد أيام الربيع العادية وإن لم يبد أن الجو كان باللطف المفترض فيه، على رصيف علوي، خال كصحراء، قبّل الولد الفتاة واحتضنها، حضن رأى فيه بيان النيابة العامة "فعلاً مخلاً بالحياء"، قبل أن تُخلي سبيل "المتهمين" بكفالة ماليةـ، بعد أن أثبتت السلطات مجدداً براعتها، بالعثور على المراهقين المجهولين بعد كل هذه الشهور من قبلتهما.
"تحيا مصر" هو اسم الكوبري/ الجسر الذي استضاف قبلة المراهقين. إنه اسم غريب لجسر، فالعبارة – لغوياً- هي صيغة هتاف، أو حتى أُمنية، لكنها استخدمت كثيراً في السنوات المصرية الأخيرة للإطلاق على منشآت، ومنها الكوبري المذكور، وهو "أعرض كوبري ملجم في العالم". إنه أحد مفاخر العهد الحالي في مصر، افتتح قبل ثلاث سنوات، بعرض 67 متراً وبارتفاع يصل إلى 96 متراً عن سطح النيل، يسمح بمرور الفنادق العائمة لوجود فتحة ملاحية بعرض 300 متر، كما أنه لا ينسى المارة، فيوفر لهم "ممشى زجاجياً" يسمح بتأمل النيل والقوارب أسفله.
إنها – علامات الساعة – شأن مهم إذن في الإسلام، وهي سواء ما وصف منها بالعلامات الكبرى أو الصغرى، وما اعتبر من العلامات المنقضية – أي التي حصلت فعلاً- أو التي لن تحصل حتى تقترب القيامة، فإنها في معظم الأحوال، علامات تثير الرجفة في القلوب، وتخالف قوانين العالم المادي المعروف
لكن يبدو أن كل تلك المميزات التي يمتلكها الجسر، لم تكن تعني للفتى والفتاة أكثر من توفر بقعة خالية على إحدى أرصفته لسرقة قبلة، بعيداً عن المارّة والباعة والمحلات والسلطات، لكن كما اتضح، ليس بعيداً عن شخص ما، مجهول الهوية، استطاع تصويرهما، ثم – بعد شهور- نشر المقطع على الإنترنت، ليتم تداوله على نطاق واسع، حتى وصل إلى مستخدمة تويتر التي رأت أنه الأبشع خلال العام، من دون أن تعي، أن شعورها ذاك، هو ما قد يكون أكثر ما جرى أسفاً، لأنه شعور صادق، شعور من نشأت في مجتمع جعلها تحس كل هذا الفزع، من مشهد حضن وقبلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون