شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
أوضاع العابرين/ ات في السجون المصرية بسبب مطاطية القوانين

أوضاع العابرين/ ات في السجون المصرية بسبب مطاطية القوانين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والميم-عين

الجمعة 6 يناير 202303:00 م

تندرج هذه المقالة ضمن "طيف22"، وهو مشروع مخصص لالقاء الضوء على التنوعات والاختلافات الجنسانية والجندرية والجسدية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشارك فيه صحفيون وصحفيات، ناشطون وناشطات وأفراد من مجتمع الميم-عين أو داعمون لهم/نّ، ليكون مساحة للتعبير بحرية عن مختلف المواضيع المتعلقة بالتوجّهات الجنسية والجندرية والصحّة الجنسية، بغرض كسر التابو والحديث بموضوعية عن هذه المسائل الشائكة.

في التاسع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اعتقلت السلطات المصرية العابرتين الجندريتين دلال وغزل، على خلفية اتهامهما "باعتياد ممارسة الفجور" بحسب القانون رقم 10 لعام 1961 الذي تم توقيعه في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، بعد 10 سنوات من دخول اتفاقية الأمم المتحدة لـ"مكافحة الإتجار بالبشر واستغلال بغاء الغير"، حيز التنفيذ في العام 1951، والتي تجرّم الإتجار بالبشر والعمل بالجنس التجاري.

قضية دلال وغزل

دلال امرأة عابرة جندرياً ولاجئة يمنية على عهدة الأمم المتحدة، مرّت على وجودها في مصر 4 أعوام عاشت خلالها من دون الحق في العمل ومن دون دعم معنوي ومادي للحصول على إعادة توطينها في إحدى الدول التي تحترم حقوقها في العيش بحرية وسلام.

اعتقلتها الشرطة المصرية هي وصديقتها غزل (عابرة جندرياً مصرية) من منزل دلال في محافظة الجيزة.

تعرضت دلال وغزل للتعذيب في مقر احتجازهما، وفقاً لأقوال دلال في النيابة والمحكمة، لإجبارهما على الاعتراف بالجريمة المزعوم ارتكابها ولإجبار دلال على إخبار الشرطة بأسماء وعناوين اللاجئين/ ات من أفراد مجتمع الميم-عين في مصر.

وجهت النيابة إلى دلال وغزل تهمة "اعتياد ممارسة الفجور" وفقاً للفقرة (ج) من المادة 9 من القانون رقم 10 لعام 1961، وبالرغم من عدم توافر أركان التهمة إذ لا توجد أدلة، وتم اتهامهما بـ"حيازة طائرة محركة آلياً او لاسلكياً" وفقاً للمادة 3 من قانون 216 لعام 2016، وهي هدية حصلت عليها دلال، ولم تكن على علم بتجريمها بحيث أنها لاجئة يمنية ليست على علم بالقانون المصري.

رفض إثبات التعذيب

خلال الحديث إلى رصيف22، أوضح محامي دلال، مجدي إسماعيل، أن القبض على دلال وغزل جاء في الأساس على خلفية حساب دلال على تويتر والذي تنشر عليه صوراً لها بملابس نسائية، مشيراً إلى أن "الأدلة التي أُرفقت بالقضية هي عبارة عن علبة واقي ذكري وملابس نسائية ولا يمكن عدّها دليلاً على ارتكاب جريمة إذ إن تصنيف الملابس للرجال والنساء هو تصنيف اجتماعي لا قانوني، أما الواقي الذكري فهو يُستخدم للحماية من الأمراض المنقولة جنسياً وتنظيم الأسرة ويُباع من دون وصفة، فكيف يمكن عدّه دليلاً على ارتكاب جريمة؟".

تعرضت دلال وغزل للتعذيب في مقر احتجازهما، وفقاً لأقوال دلال في النيابة والمحكمة، لإجبارهما على الاعتراف بالجريمة المزعوم ارتكابها ولإجبار دلال على إخبار الشرطة بأسماء وعناوين اللاجئين/ ات من أفراد مجتمع الميم-عين في مصر

وأضاف إسماعيل: "جاء في تقرير الشرطة كلام عن وجود شخص مستلقٍ على السرير بملامح أنثوية"، وهو ما عدّه تهكماً على النساء: "ده تهكم تجاه النساء وتحديد إن النساء لهنّ شكل معيّن يمكن الاستعانة به كدليل إدانة".

واستكمل مجدي كلامه بالقول: "رفضت النيابة للمرة الأولى في أثناء التحقيق إثبات التعذيب الذي تعرضت له دلال وغزل، وعلى خلفية إجراءات المحاكمة السريعة التي اتُخذت بعد 3 أيام من تاريخ القبض وحتى إصدار الحكم والتي تبدو في ظاهرها إيجابيةً دلالةً على تحقيق مفهوم العدالة الناجزة، إلا أنها في باطنها لها سلبيات عدة، أهمها عدم توافر الوقت للنيابة لإخضاع الأدلة للفحص الفني وكذلك المحكمة وأيضاً عدم توفير الوقت الكافي للبحث عن أدلة قد تثبت براءتهما".

وأوضح أن المحكمة رفضت إثبات التعذيب بالرغم من وضوح آثاره على دلال، في صورة كدمات على الذراعين والبطن والوجه وجاء الحكم سريعاً بالحبس ثلاث سنوات وبغرامة 5،000 جنية مصري (201 دولار أمريكي)، وفي المعتاد في تلك القضايا يغلب الرأي الشخصي على الرأي القانوني.

انتهاكات "بالجملة"

لا ينطوي القانون المصري على نصوص تجرّم المثلية الجنسية والعبور الجندري، بشكل مباشر، بالرغم من محاولات أعضاء البرلمان تمرير مقترحات قوانين تجرّم المثلية الجنسية بشكل واضح، آخرها في العام 2017، عقب رفع علم فخر (قوس قزح) في حفلة للفرقة اللبنانية "مشروع ليلى" في القاهرة، والتي شنّت بعدها السلطات المصرية حملة اعتقالات ضد مجتمع الميم-عين، إلا أن البرلمان لم يكلف نفسه عناء قبول مقترحات قوانين تجريم المثلية الجنسية لعلمه بأن السلطات المصرية تتحايل على القانون نفسه منذ تسعينيات القرن الماضي وتلاحق أفراد مجتمع الميم-عين مستغلةً الرفض المجتمعي، والثقافي، والمؤسسي للأقليات الجنسية والجندرية كـ"شيك على بياض" لممارسة الانتهاكات والعنف.

"الأدلة التي أُرفقت بالقضية هي عبارة عن علبة واقي ذكري وملابس نسائية ولا يمكن عدّها دليلاً على ارتكاب جريمة إذ إن تصنيف الملابس للرجال والنساء هو تصنيف اجتماعي لا قانوني، أما الواقي الذكري فهو يُستخدم للحماية من الأمراض المنقولة جنسياً وتنظيم الأسرة ويُباع من دون وصفة، فكيف يمكن عدّه دليلاً على ارتكاب جريمة؟"

في الواقع، تملك مصر تاريخاً طويلاً من ملاحقة أفراد مجتمع الميم-عين واعتقالهم، والذي برزت معالمه لأول مرة في العام 2001 في القضية المعروفة باسم "كوين بوت"، أو "القاهرة 52"، والتي اعتُقل على خلفيتها 36 رجلاً من أحد الملاهي الليلة العائمة الشهيرة في القاهرة "ناريمان كوين"، والذي استُكمل لاحقاً إلى 52 شخصاً اعتقلتهم الشرطة من الشوارع العامة، وكانت تلك المرة الأولى التي يحاكَم فيها أفراد من مجتمع الميم-عين أمام محكمة أمن الدولة العليا التي كانت مختصةً في ذلك الوقت بالنظر في قضايا الإرهاب. وجّهت إليهم النيابة تهمة "اعتياد ممارسة الفجور" وحُكم عليهم بالسجن لمدة وصلت إلى خمسة أعوام لبعض المتهمين حتى أعيدت المحاكمة بقرار من رئيس الجمهورية الأسبق محمد حسني مبارك، وتمت تبرئة كل الأجانب وحُكم على البقية بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات.

بعد ذلك، توالت القضايا التي تمت تغطيتها إعلامياً بخطاب تحريضي وبنشر التفاصيل الشخصية للمتهمين فيها كقضية "زواج النيل" في العام 2014، التي اعتُقل على خلفيتها 8 أشخاص إثر نشر فيديو لشابين مثليين جنسياً يرتديان خواتم الخطوبة ويقبّلان بعضهما البعض وعوقبا بالسجن لمدة 3 سنوات، بالإضافة إلى قضية "باب البحر" التي اقتحمت فيها السلطات المصرية بصحبة المذيعة منى عراقي، أحد الحمامات العامة واعتقلت كل الموجودين في داخله، وأقرت المحكمة ببرائتهم لاحقاً من الاتهامات الموجهة إليهم، غير أن ذلك لم يمنع أحد المتهمين في القضية من إضرام النيران في جسده محاولاً إنهاء حياته بسبب التشهير والوصم المجتمعي.

كل تلك القضايا المذكورة أعلاه وغيرها، التي تتضمن نساء عابرات جندرياً قدّم المتهمون/ ات فيها شهادات تفيد بتعرضهم/ نّ للتعذيب داخل مقرات احتجازهم/ نّ، والضغط عليهم/ نّ بطرق متعددة من العنف للاعتراف بجرائم لم يرتكبوها أو لمشاركة تفاصيل حيواتهم/ نّ الخاصة كالعلاقات العاطفية والجنسية ليتم ضمها إلى القضية كدليل إدانة.

تضمنت تلك الشهادات وقائع عنف جسدي ولفظي، وفحوصاً شرجيةً قسريةً، وتحرشاً جنسياً واغتصاباً، وترهيباً نفسياً وإذلالاً، حسب تقارير للعديد من المنظمات منها هيومان رايتس ووتش، والمبادرة المصرية للحريات الشخصية، مع العلم بأن كل هذه الممارسات تخرق القانون وفقاً للمادة 55 من الدستور كما تشكل خرقاً لاتفاقية الأمم المتحدة "لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة" التي وقّعت عليها مصر في العام 1986، وأصبحت ملزمةً بها، وهو ما يوضح صورة تعامل السلطات في تنفيذ القانون عموماً وليس فقط القانون رقم 10 لعام 1961.

عندما يُنتهك القانون من قبل منفّذيه تصبح النتيجة كارثيةً: نساء عابرات ورجال مثليون وأفراد من مجتمع الميم-عين لا نعرف أسماءهم/ نّ أو قصصهم/ نّ يقبعون/ ن خلف القضبان باتهامات ملفقة، في حين أن جريمتهم/ نّ الوحيدة هي الحب

في ذلك السياق، قالت الباحثة القانونية والكاتبة العابرة جندرياً مريم شاهين، "إنه لا توجد في القانون مواد من شأنها أن تفرض على النيابة والقضاء محاسبةً قانونيةً إذا ما تم توجيه أي اتهام، أو إدانة اي متهم لا تتوافر في قضيته أركان ذلك الاتهام، ولا توجد أدلة ضده تثبت إقدامه على ارتكاب تلك الجريمة"، وهو ما يجعل أفراد مجتمع الميم-عين في مصر تحت تصرف السلطات بشكل مطلق ومن دون أي رقابة ومحاسبة.

وأكلمت مريم حديثها إلى رصيف22، قائلةً: "في حالات الضغط على المتهمين/ ات للاعتراف، يمكن الاستعانة بالمادة 126 من قانون العقوبات التي تجرّم التعذيب بقصد الضغط في سبيل الاعتراف بجريمة قد ارتكبها أو للضغط على شخص آخر"، إلا أنه وفي قضية دلال وغزل وفي العديد من قضايا أفراد مجتمع الميم-عين لم تثبت النيابة شهاداتهم/ نّ في محضر جلسة التحقيق، وتالياً لم تُفتح محاضر للتحقيق في تلك الوقائع.

إن دور القانون هو حماية المواطنين/ ات والتأكد من الحفاظ على كرامتهم/ نّ وحقوقهم/ نّ، فعندما يُنتهك القانون من قبل منفّذيه تصبح النتيجة كارثيةً: نساء عابرات ورجال مثليون وأفراد من مجتمع الميم-عين لا نعرف أسماءهم/ نّ أو قصصهم/ نّ يقبعون/ ن خلف القضبان باتهامات ملفقة، في حين أن جريمتهم/ نّ الوحيدة هي الحب. 

هذا المشروع بالتعاون مع Outright Action International. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

الأفراد في مجتمعاتنا مختلفون/ ات، ومتنوعون/ ات، وكي نبني مجتمعات كريمةً وعادلةً، لا يسعنا سوى تقبّل هذا الاختلاف والبناء عليه، واحترام قيمة الإنسان في الدرجة الأولى. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، فهي جديرة بأن تُروى. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image