لم تتصور السينما الإيرانية يوماً أن يقف نجومها عند باب الزنزانة يحتفلون بخروج إحدى أبرز الفنانات وأشهرهن عالمياً. تداولت شبكات التواصل مساء الأربعاء 4 كانون الثاني/يناير صوراً من إفراج النجمة "تَرانة عليدوسْتي"، مكشوفة الشعر وحاملة باقاتِ الأزهار، بعد 18 يوماً من الاعتقال في سجن إيفين.
اعتقلت الفنانة في منتصف كانون الأول/ديسمبر الماضي، في منزلها بالعاصمة طهران، بعد أسابيع قليلة من نشر صورة لها دون حجاب رافعة لافتة كتب عليها شعار الاحتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، باللغة الكردية.
وصفت هذه الصورة بأنها إعلان صريح من قبل أنجح الممثلات الإيرانيات عن موقفها تجاه حرية النساء، وتعاطفها مع ظاهرة عدم إرتداء غطاء الرأس التي اجتاحت شوارع إيران بعد الاحتجاجات الأخيرة.
تسارع الكثير من الفنانين أثناء اعتقالها للحضور أمام سجن إيفين الشهير الذي يضم معظم سجناء المظاهرات الأخيرة، مطالبين بإطلاق سراحها، وهو ما شكل صدمة في الوسط الفني حيث لم يعتادوا على التواجد في مثل هذه الأماكن من قبل
وقد حضر نجوم السينما أمام باب الزنزانة، لتقديم التهاني لترانه التي أفرج عنها بكفالة مالية بعد اتهامها بنشر "محتوى تحريضي ضد النظام"، ومن بين الحضور كانت الممثلة هانية توسُّلي، ومَهتاب كرامتي، والنجم مَاني حقيقي، والمخرج سعيد رُوستائي.
كما تسارع الكثير من الفنانين أثناء اعتقالها للحضور أمام سجن إيفين الشهير الذي يضم معظم سجناء المظاهرات الأخيرة، مطالبين بإطلاق سراحها، وهو ما شكل صدمة في الوسط الفني حيث لم يعتادوا على التواجد في مثل هذه الأماكن من قبل.
دعم محلي ودولي
وقد طالب نجوم السينما الفرنسية والأمريكية بالإفراج عن ترانه عبر نشر صورها ومنشورات وبيانات خلال 18 يوماً من اعتقالها. وللفنانة الإيرانية ذات الـ38 عاماً حضور نشط في المهرجانات العالمية، وقد برز نجمها منذ تمثيلها في الخامسة عشرة من عمرها، كما برعت في أداء دور البطلة في فيلم "البائع" للمخرج أصغر فرهادي، والذي حصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 2016.
وحرص الكثير من النجوم خلال الأعوام الأخيرة على مغادرة البلاد للعيش واستكمال نشاطهم الفني في دول أوروبية وأمريكية، بيد أن ترانه تعهدت أن تبقى في وطنها مهما كلف الأمر.
وعندما أشعلت الممثلة الشهيرة والناشطة النسوية، منصات التواصل بنشر صورتها دون حجاب، تفاعل معها الكثير من رواد شبكات التواصل وناشد بعض من الناشطين بأن لا تبقى ترانه وحيدةً في هذا النضال لتدفع الثمن بنفسها وحسب.
وقال السينمائي والمسرحي هُمايون غني زاده: "السينما والمسرح الإيرانيان يجب أن يدافعا عن ترانه مهما كلف الأمر. إنها ليست وحيدة". ووصفت الصحافية مينا أكبري ما قامت به نجمة السينما نظراً لإمكانية حرمانها من التمثيل داخل إيران: "بين السينما والشعب، اختارت ترانه عليدوستي الشعبَ، كي تؤدي واجبها تجاهه".
وعبرت الممثلة في مرات عديدة عن تضامنها مع المظاهرات، وطالبت قبل اعتقالها بتنديد الناس بأحكام الإعدام ضد المتظاهرين، كما كتبت على حسابها في إنستغرام: "كل منظمة دولية تشاهد إراقة الدماء ولا تفعل شيئاً، إنما وجودها عار على الإنسانية". وبعد اعتقالها تعطل حسابها الذي يتابعه 8 ملايين شخص.
نجمات خلف قضبان السجون
لم تكن ترانه هي الوحيدة في صفوف مشاهير السينما الذين تم اعتقالهم خلال موجة الاعتقالات التي طالت الجميع في الآونة الأخيرة، فقد تم اعتقال نجمتي السينما كَتايون رِياحي وهِنكامة قاضياني، وبعض من الفنانين المسرحيين، من قبل.
ووسط هدوء نسبي وحذر تعيشه البلاد، قاطع الكثير من السينمائين مهرجان فجر، أبرز مهرجان سينمائي إيراني طيلة 4 عقود الماضية، والمقرر إقامته بعد أقل من شهر.
ومازالت تتواصل موجة المقاطعة من قبل المطربين والفنانين والمخرجين والإعلاميين، حيث امتدت إلى مهرجان فجر فرع الموسيقى والمسرح كذلك.
لا شيء طبيعي هنا
ونشر الفنانون بیان المقاطعة بكثافة في السوشال ميديا جاء فيه: "مهرجان فجر، إحدى أدوات النظام لجعل أجواء البلاد تبدو طبيعية، نحن نطالب بقوة جميع الفنانين، والزملاء وأصحاب الفن وكذلك جمهور الثقافة والفن الإيراني أن يقولوا (لا) لمهرجان فجر في جميع أصنافه".
أما وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي لم تعر أي اهتمام لمعارضة الفنانين، وتؤكد على إقامة مهرجاناتها بقوة كما قدم الوزير محمد مهدي إسماعيلي، إحصائية تشير إلى زيادة الأعمال المشاركة في المهرجانات.
في المقابل نوّه بعض المحللين أن الأعمال المنتجة طيلة السنة الماضية هي ضمن حقوق الشركات المنتجة، ولذلك لا يملك الفنانون أي دور في مشاركة أو عدم مشاركة الأعمال، سوى الإعلان عن عدم حضورهم في احتفاليات المهرجانات. كما أشار البعض إلى ممارسة الضغوط على أصحاب الشركات والأعمال الفنية من قبل وزارة الثقافة بغية المشاركة.
ومنذ بدء الاحتجاجات ألغى الكثير من المطربين ونجوم الغناء والمسرحين حفلاتهم وأعمالهم السنوية داخل البلاد وخارج البلاد، تضامناً مع الأجواء الاحتجاجية السائدة في البلاد. وقبل الاحتجاجات تعرضت الكثير من الفرق الغنائية إلى مضايقات الحكومة وأنصارها المتشددين بدعم من المؤسسات الأمنية أثناء موسم صيف 2022، مما تسبب بإلغاء بعض الحفلات برغم منحها الرُّخَص.
رد المخرج والممثل الشهير ماني حقيقي على تصريحات وزير الثقافة: "نحن في حداد، إذ ندفن أجساد أحبتنا في أرجاء البلد، ليس لنا الوقت لكي نرقص لك"
وبعد إلغاء الحفلات الغنائية احتراماً لضحايا المظاهرات، طالب وزير الثقافة من الفنانين بأن يباشروا بعرض أعمالهم الفنية: "المؤسسات الأمنية تتابع من الوزارة بكثب، عودة النشاطات الفنية على شكلها الطبيعي، أرجو من الفنانين أن يشرعوا بفعالياتهم".
ورد المخرج والممثل الشهير ماني حقيقي على تصريحات وزير الثقافة: "نحن في حداد، إذ ندفن أجساد أحبتنا في أرجاء البلد، ليس لنا الوقت كي نرقص لك"، في إشارة إلى قتلى الاحتجاجات.
وقتل في الاحتجاجات نحو 516 شخصاً بينهم 70 طفلاً و68 من أجهزة الأمن، وسط اعتقال ما يزيد عن 19 ألف فرد، حسب وكالة أنباء حقوق الإنسان الإيرانية "هرانا" في خارج البلاد.
ووسط مقاطعة قل نظيرها في الوسط الفني، طالت انتقادات رواد شبكات التواصل الاجتماعي، المطرب التقليدي بَروَاز هُماي، لإقامته حفلاً موسيقياً في ذكرى سنوية اغتيال الجنرال قاسم سليماني، والذي حضر الحفل كبار رجال الدولة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...