شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
تسربت تفاصيلها لكن القادة أرادوا أن تحدث... خبايا معركة إيرانية في شط العرب

تسربت تفاصيلها لكن القادة أرادوا أن تحدث... خبايا معركة إيرانية في شط العرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 8 يناير 202304:11 م

بعد مرور 35 عاماً على نهاية الحرب العراقية الإيرانية في العقد الثامن من القرن الماضي، والتي وصفت بأنها أطول الحروب في القرن العشرين، ما زال الكثير من الغموض عالقاً في المخيلة الإيرانية عن دور قادة البلاد في حجم الخسائر البشرية والمادية التي تعرضت لها إيران.

في بداية العام الميلادي الجديد، استذكر رواد شبكات التواصل الاجتماعي في إيران، ضحايا معركة كربلاء 4، بعد فشلها وتسريب معلومات عنها حمّلت إيران أكبر فشل وخسارة طيلة الحرب.

وما زالت أصابع الاتهام موجهة في كل عام نحو قادة الحرس الثوري، خاصة الجنرال محسن رضائي، قائد الحرس في الحرب، الذي حثّ الشباب على القتال، بعد أن عَلِمَ بأن الجانب العراقي قد اطلع على تفاصيل المعركة، بيد أنه لم يوافق على إيقافها.

تفاصيل المعركة

كانت إيران تبحث عن تحقيق انتصار ميداني قبل القبول بنهاية الحرب وفق قرار الأمم المتحدة، فخططت لشن هجوم من ناحية شط العرب بهدف الوصول إلى البصرة والاستيلاء عليها عشية الـ25 من كانون الأول/ديسمبر عام 1986، وأطلقت عليها "عمليات كربلاء 4"، وأطلق الجيش العراقي على المعركة "اليوم العظيم".

مازالت أصابع الاتهام موجهة نحو قادة الحرس الثوري، خاصة الجنرال محسن رضائي، قائد الحرس في الحرب، الذي حث الشباب على القتال، بعد ما عَلِمَ بأن الجانب العراقي قد اطلع على تفاصيل المعركة، لكنه لم يوافق على إيقافها

اعتبرت المعركة عملية هجومية على الخطوط الدفاعية العراقية في الجبهة الجنوبية لساحة الحرب، إذ تم التخطيط لبدء العملية في جنح الظلام من أجل الحصول على موطئ قدم على الضفة الغربية من شط العرب. بيد أن الجيش العراقي عَلِم بالمعركة التي استعد لها الإيرانيون بنحو 60 ألف مقاتل، من خلال الاستفادة من معلومات استخباراتية أمريكية، وعناصر الطابور الخامس.

استطاع الكشافة العراقيون على جزيرة أم الرصاص من كشف التسلل الإيراني للضفادع البشرية وشرعت الرشاشات العراقية بحصدهم، أما في الفجر فقد عبر عشرات آلاف المقاتلين من مياه شط العرب، ولكن تمت مواجهتهم بالدفاع العكسري.


هاجم الإيرانيون مرة أخرى وعبرت قواتهم شط العرب بواسطة جسور البونتون "الجسور العائمة" واستطاعوا الاستيلاء على جزيرة أم الرصاص وباقي الجزر القريبة، ولكنهم لم يستطيعوا التنقل نحو الضفة الأخرى من الشط بسبب غياب نيران المدفعيه الساندة، وتعرضهم لنيران عراقية كثيفة.

استمرت المعركة الدامية 26 ساعة فقط، حيث انسحب الإيرانيون، وخسر الجانب الإيراني نحو ثلاثة آلاف قتيل وثمانية آلاف جريح حسب الإحصاءات الرسمية للبلد، أما الجانب العراقي فيؤكد مقتل 12 ألف إيراني أمام ألفي قتيل عراقي فحسب.

الحديث عن كربلاء 4 كان تابوهاً

لم يُسمح النظام الإيراني طوال عقود بأي حديث أو تساؤل عن تلك المعركة الفاشلة، وكتمت أسرار المعركة للرأي العام. وعندما أعلن الحرس الثوري الإيراني عام 2015 عن العثور على رفاة 175 من غواصي هذه المعركة، وكان قد تم دفنهم أحياء، ومكبّلي الأيادي في ميناء أبو فلوس العراقي، فاض الكيل بالمقاتلين الذين نجوا من تلك المعركة اللئيمة، وبدت منصات التواصل الاجتماعي تعج بمذكراتهم، إلى جانب تسريباب وتحاليل عسكرية عن القرارات الخاطئة وقصور قادة الحرس الثوري في إيفاد الشباب الإيراني نحو المذبحة، بعدما علموا بأن العمليات الحربية قد تسربت تفاصيلها قبل بدئها.

وحول ذلك، أكد مهدي طهراني، أحد الغواصين الذين نجوا من المعركة، أن الحديث عن معركة كربلاء 4 كان تابوهاً و"ذنباً لا يغتفر" حتى السنوات الأخيرة، وأضاف: "أنا بصفتي عضواً في كتيبة الغواصين في تلك المعركة، كلما حاولت الوصول إلى التاريخ الشفوي لهذه العملية، لم أجنِ أي شيء".

وفي لقاء صحافي بيّن طهراني تفاصيل القتال، قائلاً: "من 500 مقاتل ضمن وحدتنا العسكرية، عدنا 17 أحياء لكننا بجروح خطيرة، وزملاؤنا الآخرون قد قُتلوا في غضون أربع ساعات".

مذكرات الناجين من القتال

وشرح مسعود فرشيد نيا، أحد مقاتلي الحرب، في كتابه "أسرار شط العرب"، الأوضاع التي سادت مسرح العمليات الحربية الخاصة بـكربلاء 4: "عمليات كربلاء 4 تعتبر من العمليات الفاشلة التي أستشهد وجرح فيها الكثير من مقاتلينا".

وفي حوار صحافي، ذكر جلال‌ الدین طاهري، الذي كان حاضراً خلف جبهات القتال: "قبل بدء المعركة شاهدت إطلاق قنابل الإضاءة من الجانب العراقي، كما رأيت حركة قواتهم، فقلت لصادق خَرّازي (مقاتل) أن يخبر قائد القوات المسلحة الشيخ أكبر هاشمي رفسنجانی الذي كان يصر على شن الهجوم، بأن المعركة أصبحت مسربة. عاد خرازي وقال لي إن السيد رفسنجاني يقول إنه يقلد الإمام (روح الله الخميني)، ويجب تنفيذ المعركة".


محسن رضائي

ووصف الرئيس السابق لمركز دراسات الحرب في الحرس الثوري حسين أردِستاني، الدقائق الأخيرة ما قبل المعركة في كتابه "عقوبة المعتدي": "عند الساعة 10:8 مساءً، عَلِمتْ القيادة من الأخبار المتعددة التي وصلت، أن العدو قد كشف نوايا إيران في شن هجوم شرس على العراق، ولكن كان من الصعب العودة إلى أجواء ما قبل الهجوم، إضافة إلى أنه كان ثمة أمل لدى القيادة بالانتصار، لذلك وعند الساعة 10:30 من المساء تم قراءة الرمز السري للمعركة، وبدأت الوحدات بالهجوم".

كُسِر حاجز الخوف حتى طال الهجوم الجنرال محسن رضائي قائد قوات الحرس خلال الحرب، ولكن الأخير غرد عام 2018 مبرراً مقتل الجنود: "تنفيذ معركة كربلاء 4 كان لتضليل العدو"، ويقصد بذلك أن الحرس خدع الجيش العراقي، لإخفاء نوايا بدء معركة كربلاء 5 التي جرت بعد أسبوعين من انتهاء معركة كربلاء 4.

"يا قائد عملية الخداع أعِد نفسك للأسئلة الصعبة"

زادت تغريدة الجنرال من غضب الشارع، واتُهم الحرس الثوري بالعبث بأرواح الشباب والمراهقين الذين تطوعوا للدفاع عن بلدهم، ليعود رضائي شارحاً أن "العملية لم تكن منذ بدايتها عملية خداع، بل أُطلقت هذه التسمية عندما خدع الجيش العراقي في معركة كربلاء 5، التي جاءت مباشرة بعد الانسحاب من معركة كربلاء 4، والنجاح الذي حققته إيران".

"يا قائد عملية الخداع... الآن وبهذه التصريحات عن تلك العملية المريرة، لم يعد بإمكانك الاختباء خلف أسماء القادة الشهداء، عليك أن تعد نفسك للأسئلة الصعبة"، هكذا علّق الرئيس السابق لمركز الدراسات الإستراتيجية الإيراني، حسام الدين آشنا، على تغريدة الجنرال رضائي، كما أعاد نشر مذكرات المقاتل مهدي قُلي رضائي، التي يذكر فيها: "دخلت في الخندق، كان السيد أمين جالساً إلى جنب الجهاز اللا سلكي، قلت له متى نغوص؟ قال لي تم تسريب معلومات المعركة حتى ساعة بدئها، ولكن السيد محسن (رضائي) لا يوافق على إلغاء العملية، فأنت أخبر الغواصين أن ينسحبوا عندما يبدأ العدو بإطلاق النار".


وبعد الهجوم الحاد الذي تلقاه قائد الحرس الثوري خلال الحرب، على مواقع التواصل الاجتماعي، دافع الجنرال قاسم سليماني (قائد قوات فيلق القدس الذي قُتل في غارة أمريكية عام 2020)، عن زميله محسن رضائي، في اتصال هاتفي مع برنامج تلفزيوني في نهاية عام 2018.

وأكد سليماني: "معركة  كربلاء 4 كانت العملية الرئيسية ولكن العدو اعتقد أنها عملية مخادعة بسبب تنفيذ معركة كربلاء 5 في غضون 15 يوماً بعدها إذ وصلت القوات الإيرانية إلى مشارف البصرة". ووصف التعليقات التي هاجمت رضائي بأنها "سخيفة" وتشكك في "قداسة وقيّم الدفاع المقدس"، قائلاً: "إننا مدينون بشكل كبير للسيد محسن رضائي فهو كان المخطط لعمليات كبيرة نجحت تماماً".

كثير من الشكوك تدور في أذهان الإيرانيين حول أسرار الحرب ومدى دور جنرالات الحرس الثوري في إدامتها، بيد أن النظام يفضل أن يغلف الحرب بغلاف القدسية، فيسميها "الدفاع المقدس"، ويثني على جهود قادة الحرس

وشدد سليماني على "ضرورة عدم توجيه انتقادات لشخص كان رمزاً للانتصارات في مرحلة كبيرة من الدفاع المقدس"، لافتاً إلى أن "البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي انتقد إعطاء رضائي الأوامر ببدء العملية، لكن هذه الأوامر لم تكن أوامر فردية، بل كان عدد من القادة هم  من قرروا في ما يخص الحرب".

نهاية الحرب

وبعد أسبوعين فقط من "معركه اليوم العظيم" أو "كربلا 4"، شنت إيران "عمليات كربلاء 5" في كانون الثاني/يناير 1987، وكانت آخر معركة ضخمة قبل انتهاء الحرب.

وخاض البلدان حرباً لمدة ثماني سنوات، راح ضحيتها نحو مليون قتيل من كلا الطرفين، وخسائر مالية بلغت 1190 مليار دولار.

كثير من الشكوك تدور في أذهان الإيرانيين حول أسرار الحرب ومدى دور جنرالات الحرس الثوري في إدامتها، بيد أن النظام يفضل أن يغلف الحرب بغلاف القدسية، فيسميها "الدفاع المقدس"، ويثني على جهود قادة الحرس، ولا يسمح إلا بذكر المشاعر الإيمانية المخلصة أثناء الحرب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image