"نحمّلك أمانة، قاتل ابنَّا، هذا ابن الوطن، أمانتنا معرفة الجاني"؛ بهذه الكلّمات حمَّل الشيخ عبد الله أبو دلبوح، أحد شيوخ عائلة الدلابيح، الملك عبد الله الثاني والدولة الأردنية مسؤولية إيجاد قاتل العقيد عبد الرزاق الدلابيح، الذي قُتل في محافظة معان جنوب الأردن، عقب إصابته بعيارٍ ناريّ ليلة الخامس عشر من الشهر الجاري.
غضب سائقو الشاحنات
قبل ثلاثة أسابيع، أعلن سائقو الشاحنات في محافظة معان إضرابهم عن العمل نتيجة رفع حكومة بشر الخصاونة، أسعار المشتقات النفطيّة ومادة الديزل بشكلٍ خاص، لينضم إليهم بعد أربعة أيام سائقو قطاع النقل العام في المملكة.
وشهدت البلاد احتجاجاتٍ واعتصامات تحوّلت في بعض المدن إلى مظاهر عصيانٍ مدنيّ إثر امتثال الحكومة لإجراءات خفض الميزانية التي وجهها صندوق النقد الدولي لخفض الدعم الحكومي الذي يحدّ من أسعار الطاقة.
إلا أنَّ الحكومة أعلنت خلال مؤتمرٍ صحافي، عدم قدرتها على خفض أسعار الوقود، وهو ما زاد من حدة الموقف، خاصةً بعد تدخل مجموعةٍ من مثيري الشغب الذين تقصّدوا تكسير الممتلكات العامة والاعتداء على الأجهزة الأمنية، بحسب أقوال شهود عيان لرصيف22.
تبدو مشاهد الدم غير مألوفةٍ على الساحة الأُردنيّة، إذ أشارت التقارير إلى أن مقتل العميد جاء متزامناً مع الاحتجاجات، غير أنه قد لا يكون مرتبطاً بها، خاصةً بعد بيان عشائر أهل معان الذي أوضح أن الأمر مدبّر بغية تصفية الحسابات، في حين أشار بيان الأمن العام، إلى أنَّ العقيد قُتل خلال التعامل مع أعمال شغب في المدينة.
خلال العمل على هذا التقرير، قابلنا عدداً من الأشخاص الذين شاركوا في الاحتجاجات في الجنوب، والتقينا 8 أشخاص من محافظة معان، و4 من محافظة الطفيلة، و4 من محافظة الكرك، وتقاطعت أقوالهم، فيما طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم حمايةً لهم في ضوء الملاحقات الأمنية والاستدعاءات الحاصلة، وستتم الإشارة إليهم تحت مسمى "شهود عيان"، أو "الشهود".
ترفيع بعد الموت
في يوم الجمعة 16 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، توجه الملك عبد الله الثاني، بالبزة العسكريّة وبرفقة عمّه الأمير الحسن بن طلال، لعزاء الدلابيح ليؤكد هناك حريّة المواطن في التعبير عن رأيه من دون الاعتداء على الأجهزة الأمنية، متوعداً بمتابعة القضيّة بنفسه حتى الوصول إلى القاتل.
في حين قرر مجلس الوزراء الأردنيّ، خلال جلسته يوم الأحد الماضي، ترفيع العقيد الدلابيح إلى رتبة عميد، بينما أُطلق اسمه على أحد الشوارع ووزع الأهالي الماء والتمر عن روحه في بعض مدن محافظة معان.
لم تغب فلسطين عن المشهد الأردنيّ، إذ تلقى الملك اتصالاً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، شدد فيه على حرص دولة فلسطين وشعبها على أمن الأردن واستقراره، وأن أمن المملكة ورخاءها من أمن فلسطين ورخائها، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا).
طلب والد أحد رجال الشرطة الذين لقوا حتفهم من الملك الأردنيّ خلال قيامه بواجب العزاء مشاهدة عمليّة إعدام الذين قتلوا ابنه.
مولاي...أمنكم من أمننا
وبعد غيابه طوال الأسبوعين الماضيين عن أحداث الساحة الأردنية، عقب تصريحه برفع أسعار المشتقات النفطيّة، عاد رئيس الوزراء الأردنيّ بشر الخصاونة، بتصريحٍ أكد فيه ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنفاذ القانون، والحفاظ على الممتلكات العامَّة والخاصَّة.
وأوضح أنَّ الحكومة تحترم حقَّ التعبير السلميّ عن الرأي وفق مظلة الدستور، لافتاً إلى استجابة حكومته منذ اليوم الأوَّل للمطالب المشروعة للعاملين في قطاع النقل، من خلال تعديل تعرفة الحمولات من شركات الفوسفات والبوتاس والبرومين وكذلك تعرفة النقل المتعلِّقة بالحاويات.
وشدد على وجود فرقٍ بين ما ترغب في أن تقوم به الحكومة، وبين ما تستطيع القيام به من أجل المواطنين، قائلاً: "نشعر بمعاناة مواطنينا، لكن لا نريد أن نعرِّضهم لمخاطر اقتصاديَّة مستقبلية باتِّخاذ سياسات حكومية آنية".
وفي الوقت نفسه، قامت السلطات الأردنية بسلسلة اعتقالاتٍ شملت الرئيس السابق لبلدية معان ماجد الشراري، وعضو حزب الشراكة والإنقاذ ماجد المجالي، وعضو المكتب التنفيذي لحزب جبهة العمل الإسلامي أيمن العكور، بالإضافة إلى آخرين.
في حين قالت الأجهزة الأمنيّة، إنها اعتقلت 44 شخصاً شاركوا في أعمال شغب، خلال الاحتجاجات، وستتم إحالتهم إلى الجهات المختصة، من دون تقديم تفاصيل أُخرى.
وأطلقت الأجهزة الأمنية الغاز المسيل للدموع باتجاه السائقين المحتجين في معان، بالإضافة إلى الأهالي الذين جاؤوا للتضامن معهم، وعن هذا يقول شهود العيان، إنَّ بعض السائقين قد خشوا من ازدياد الأوضاع سوءاً، وهو ما دفعهم للتراجع عن موقفهم في ما تم تهديد آخرين ليوقفوا الإضراب، وهو ما شكّل حالةً من الخوف لدى العديد من السائقين، بالإضافة إلى التواجد الأمنيّ الكثيف في الجنوب بشكلٍ عام.
مقتل 3 شرطيين وإصابة 5 آخرين
فوجئ الأردنيون صباح يوم الإثنين 19 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، بمقتل 3 من عناصر الأمن العام، وإصابة 5 آخرين، عقب مداهمة منزل قاتل الدلابيح في منطقة الحسينيّة في محافظة معان.
إذ قُتل كلٌ من النقيب غيث الرحاحلة، والملازم /2 معتز النجادا، والعريف إبراهيم عاطف الشقارين.
فيما قالت الأجهزة الأمنيّة إنَّ القاتل الذي قُتل خلال المداهمة من التيار السلفيّ الجهاديّ، أو من تصفهم الدولة بـ"حملة الفكر التكفيري"، فيما ألقت القبض على تسعة آخرين كانوا معه، أربعة منهم هم أشقاؤه، وضُبطت بحوزتهم مجموعة من الأسلحة النارية.
وأكد بيان الأمن العام، أنَّ قوةً أمنيةً خاصةً نفذّت مداهمةً "لخلية إرهابية"، بعد حصر الاشتباه في مجموعة من الأشقاء من حملة الفكر التكفيري، وقام أحدهم وفور بدء المداهمة بإطلاق عيارات نارية كثيفة باتجاه القوة، ما نتج عنه مقتل ثلاثة من ضباط وأفراد القوة وإصابة خمسة آخرين ومقتل مطلق النار.
قناة المملكة قالت في منشورٍ لها، عبر إنستغرام، إن القاتل من مواليد عام 2002، قُتل شقيقه في سوريا قبل 5 سنوات، في حين أن شقيقاً آخر له مسجونٌ في الأردن على خلفية قضيةٍ متعلقة بالإرهاب، بينما أكد شهود عيان أن القاتل كان طالباً على مقاعد الدراسة الجامعيّة.
فيما طلب والد أحد رجال الشرطة الذين لقوا حتفهم من الملك الأردنيّ خلال قيامه بواجب العزاء مشاهدة عمليّة إعدام أفراد الخلية المقبوض عليها، الذين قتلوا ابنه.
واختلف رواد مواقع التواصل الاجتماعيّ في موقفهم تجاه الخليّة النائمة التي أعلن عنها الأمن العام،
يؤكد الخبير بالجماعات الإسلاميّة حسن أبو هنية، لرصيف22، أنَّ الخلايا النائمة تنشط في الأزمات وتحاول استغلالها لصالحها مثلما حدث في الأردن.
ويتابع بأنَّ المملكة تحتوي على العديد من الخلايا النائمة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو القاعدة، في حين أنَّ بعضها من دون ارتباطات، إلا أنها بقواعد وأيديولوجيّات معينة.
ويلفت أبو هنيّة إلى أنَّ 90% من أعضاء هذه الجماعات هُم من جيل الشباب المُرتبط بالانفعالات والغضب، والذين هم بطبيعتهم يتجهون نحو مثل هذه الحركات، إلا أنَّ من الصعب معرفتهم قبل إقدامهم على أي تحرّك؛ فالقانون الأردنيّ لا يُعاقب الفرد بحسب أفكاره التي لم تُطبَّق على أرض الواقع.
توجه الملك عبد الله الثاني بالبزة العسكريّة لعزاء الدلابيح، متوعداً بمتابعة القضيّة بنفسه حتى الوصول إلى القاتل.
هذا وقد بلغ عدد "العمليات" الإرهابية في الأردن، خلال الفترة ما بين 1921 حتى 2021، 136 عمليةً إرهابيةً، قُتل خلالها 171 شخصاً وأُصيب 341؛ بحسب تقرير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب.
إلغاء احتفالات الميلاد
قال الأمن الأردنيّ إنه لن يتهاون مع ناقلي الشائعات والمسيئين إلى تضحيات الأجهزة الأمنيّة، ولن يسمح بأي تجاوز يتعدى حدود القانون وقواعد الأخلاق، وسيتابع كلَّ مشكك يتناقل روايات يقصد بها الإساءة أو تحقيق منافع ضيقة.
وأعلن مجلس رؤساء الكنائس الأردنية، عن إلغاء احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة، بعد مقتل وإصابة عناصرٍ من الأمن الأردنيّ.
في حين شارك ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، وعددٌ من مسؤولي الدولة، في تشييع النقيب غيث الرحاحلة، أحد ضحايا المداهمة.
فك الإضراب واستدعاءات أمنيّة
صباح الثلاثاء، تم فكّ الإضراب وعاد قطاع النَّقل العام إلى عمله في جميع محافظات المملكة بعد اعتقال الشراري خلال خروجه من منزله والتوجه إلى الحكومة من أجل الوصول إلى اتفاق، غير أن الشهود يؤكدون أن هذا الفكّ ما بزال مُبهماً وقد يكون مؤقتاً، خاصةً مع تجاهل الحكومة لمطالبهم.
في حين شدد شهودٌ من محافظتَي الكرك والطفيلة، على أن قرار بدء الإضراب وفكّه يعود لسائقي محافظة معان؛ لذا فإن "عادت معان سنعود جميعنا للإضراب"، إلا أنَّ شهود محافظة معان يؤكدون أن الحالة حسّاسة، خاصةً مع عدم الإفراج عن ماجد الشراري والذي كان له الدور البارز في أثناء الاحتجاجات.
وبدأ المحتجون اعتصاماً مفتوحاً الأربعاء، للمطالبة بإطلاق سراح الشراري، ولوّحوا بالإعلان عن إجراءات تصعيدية في حال استمرار اعتقاله، وشددوا على ضرورة إلغاء كافة الملاحقات الأمنيّة للمضربين وسائقي الشاحنات.
وعن هذا وخلال العمل على هذا التقرير، أخبرنا الشهود باستدعاء الأجهزة الأمنيّة ودائرة المخابرات العامة للعديد منهم، في حين أنَّ هناك ملاحقاتٍ لمشاركين في الإضراب أو مؤيدين له، واستدعاءً لصحافيين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم حمايةً لهم، بعد كتابتهم حول الإضراب أو نشرهم أخباراً عنه.
تعديل حكومي
أجرى رئيس الوزراء بشر الخصاونة، تعديلاً وزارياً الخميس، هو السادس في عهد حكومته، وتم خلاله قبول استقالة وزير السياحة نايف الفايز، وتعيين سفير الأردن في فرنسا مكرم القيسي خلفاً له.
وعلي صعيد اخر أعلن مساء الجمعة، النائب محمد الفايز، عن تقديم استقالته من عضوية مجلس النواب الأردنيّ.
وقال عبر مقطع فيديو متداول له وسط مجموعةٍ من الحاضرين: "أُقدّم استقالتي لجميع الأحرار، طُلب مني ‘الفزعة’ لكثيرين منهم، ولم أستطع تقديم شيء؛ لذلك أُقدّم استقالتي".
قطع الإنترنت
فيما تعاني مدنٌ من محافظات الجنوب بشكلٍ عام، ومعان بشكلٍ خاص، لليوم الثامن على التوالي، من قطعٍ دائم للإنترنت ومؤقت، نتيجة الاحتجاجات، وهو ما تسبب في عددٍ من المشكلات وتمثلت أبرزها في عدم قدرة الطلاب والأساتذة الجامعيين على متابعة دراستهم وتدريسهم وتقديم الاختبارات؛ بحسب الشهود.
وقالو إنَّ شركات الاتصالات تحججت بأن هناكَ عُطلاً فنياً في الشبكة منذ أيام ولغاية اليوم، في خطوةٍ من الحكومة لقطع الجنوب عن بقية المحافظات، وحصر الاحتجاجات فيها، ووأد أي محاولةٍ أُخرى للتجمع.
واتفقوا على تعرّض العديد من المحتجين ومؤيدي الإضراب لضغوط وترغيب وترهيب، في حين يخشى بعضهم المساءلة الأمنيّة والقبض عليه في أي لحظة نتيجة تأييده للإضراب.
وهو ما يفتح المجال أكثر للسؤال حول السياسية التي تتّبعها الدولة في إدارة ملف الاحتجاجات في الأردن، وعن سبب إبقاء حكومة بشر الخصاونة حتى الآن؟
الأردن التي تشهد سيلانَ دمٍ وخلايا نائمةً وسط قطعٍ للإنترنت ومجموعةٍ من الاحتجاجات، ما هو مصيره؟ وإلى متى ستستمر الحكومة في إدارة ملفه عبر الاعتقالات والتعتيم الإعلامي على الأحداث؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...