شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
عن المراكز الأمنية وقسوة العيش في سوريا

عن المراكز الأمنية وقسوة العيش في سوريا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مَن يصف قسوة العيش في وحشة دمشق وظلامها الدامس، قد يجد نفسه مضطراً بطريقة ما للحديث عن الأفرع الأمنية التي يمكن اعتبارها المراكز الأقوى في المدينة. والحال أن المدن على اختلافها تتضمن مركزاً أو مراكز ما بغض النظر عن طبيعة هذه المراكز.

فقد ارتبط إنشاء المدن بإقامة مساحة مركزية تمثل مركزاً للسطة والدين، وبصيغة هامشية أو ثانوية للتجارة، واعتُبِرَت هذه المساحة سمة أساسية من سمات المدن، والتأريخ للمدن بعامة يركّز على طبيعة هذه المراكز ودورها في الحياة اليومية.

بعض المراكز قُدِّسَت ووضعت لها حدود بحيث تفصل بين ما هو مقدس وما هو غير مقدس بشكل واضح، وبعضها حمل طابعاً دنيوياً صرفاً. إلا أن الأمر أعقد من ذلك بكثير، لأن التحقيب التاريخي لأي مدينة كانت، سيُرينا أنواعاً عديدة من المراكز، منها على سبيل المثال، الأمنية والسياسية والرياضية والطبية والعلمية، لكن ما يعنينا في هذا المقال هو المراكز الأمنية.

في سوريا أُنشئ أول المراكز أو الأجهزة الأمنية بعد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي، وعُرف باسم "المكتب الثاني"، لكن الجدير بالذكر أن المراكز الرئيسية لكل الأجهزة الأمنية تقع في دمشق ومعظمها تأسست بعد سيطرة حزب البعث على الحكم عام 1963 وإعلانه حالة الطوارئ التي يمكن اعتبارها سبباً رئيسياً من أسباب بؤس السوريين لعقود. والحق أن تبعات أو أثر هذا القانون على حياة السوريين يحتاج إلى وقفة خاصة مطولة.

مصدر الرعب الأكبر

من المعلوم أن المراكز الأمنية هي مصدر الرعب الأكبر في الحياة اليومية للسوريين وأن شغل هذه المراكز الشاغل ووظيفتها الدائمة هي ترهيب الناس وعزلهم ومعاقبتهم وفرزهم ومراقبتهم وإبقاؤهم تحت طاعة النظام، ولكن ما هي هذه المراكز وكيف أصبحت بكل تلك القوة والخطورة؟

في سوريا، ثمة أربعة أقسام لأجهزة الأمن والمخابرات، وهي إدارات تعمل كل واحدة منها بشكل منفصل عن الأخرى، وتسمى أيضاً بالشُعَب، وهي شعبة الأمن العسكري وشعبة أمن الدولة وشعبة المخابرات الجوية وشعبة الأمن السياسي، ولكل واحدة منها دور وصلاحيات ومهام مختلفة، والأدهى أن حافظ الأسد بوصفه القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة أعطى لهذه الأجهزة صلاحيات واسعة فأصبحت تتدخل في جميع مفاصل الحياة اليومية للسوريين، ولأنه رئيس المجلس الأعلى للقضاء أيضاً، جعل سلطة هذه الأجهزة فوق السلطة القضائية، أي أنه حماها من أية ملاحقة أو محاسبة، كما جعل قوة هذه الأجهزة بيده، فهو صاحب القرار الأول والأخير وهو مَن يقوم بتعيين رؤساء الأجهزة، لكنه في الوقت نفسه منع حتى رؤساء الأجهزة الأمنية من الاجتماعات الثنائية مخافة التآمر عليه.

"ارتبط إنشاء المدن بإقامة مساحة مركزية تمثل مركزاً للسطة والدين، وبصيغة هامشية أو ثانوية للتجارة، واعتُبِرَت هذه المساحة سمة أساسية من سمات المدن، والتأريخ للمدن بعامة يركّز على طبيعة هذه المراكز ودورها في الحياة اليومية"

في زمن الثورة

وفي زمن الثورة، امتد التدخل الروسي ليصل إلى الإشراف على الأجهزة الأمنية والتدخل بهيكلها الداخلي بل وإنشاء فروع أمنية جديدة، منها فرع أمن المنشآت وفرع الأمن الرقمي.

من بين ما فعلته هذه الأجهزة، هي والجيش السوري، أثناء الثورة، ليس فصل المدن السورية عن بعضها وحسب بل تقسيم المدن نفسها عبر وضع حواجز عسكرية وإقامة ما يُعرف بالحواجز الطيارة التي قد يصادفها السوري مصادفة في أماكن مختلفة. والحال أن بنية المدينة التي تحتوي على كثير من الحارات أو الأزقة المغلقة ساعد النظام في هذا التقسيم، وبالرغم من إلغاء عدد كبير من الحواجز العسكرية في المدن السورية إلا أن تغلغل الأجهزة الأمنية والجيش في تفاصيل حياة السوريين ما زال قوياً.

"الأثر النفسي لقسوة تجارب الحواجز والأفرع الأمنية ما زال قائماً في نفوس السوريين، ولا ندري ما هو الوقت أو الشيء الذي يحتاجه المرء كي يشفى من هذه التجارب"

كل مَن عاش في سوريا لديه حكاية ما ليرويها عن تجاربه مع الحواجز العسكرية أو الأفرع الأمنية، ومن المحزن أيضاً أن مَن هرب إلى لبنان صار المرور عن طريق أحد الحواجز الأمنية بالنسبة إليه مقبولاً أمام بطش الحواجز السورية، لكن الأثر النفسي لقسوة تجارب الحواجز والأفرع الأمنية ما زال قائماً في نفوس السوريين، ولا ندري ما هو الوقت أو الشيء الذي يحتاجه المرء كي يشفى من هذه التجارب.

ما يزيد الوضع صعوبة وقسوة أن الدولة منهارة والنظام لا يعترف بذلك وأن خطابه ما زال كما هو منذ بداية الثورة، وأن التداول الديمقراطي للسلطة أصبح مجرد حلم بعيد المنال... كل ذلك وما زالت الأجهزة الأمنية هي صاحبة اليد الطولى في الحياة اليومية، فهل نستطيع في غياب أي مؤشر أو علامة تدلل على تحسن الأوضاع المعيشية أو السياسية أن نأمل بتحرر المدن السورية من المراكز الأمنية أو بحدوث تحسن ما في المدى المنظور؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image