شاشة عرض أمامي بها حالة فتور بين زوجين، زوجة مشتاقة تشتهي زوجها، وزوج زاهد بعد علمه بأن السرطان تملّك جسده. يريدها ويرفضها في الوقت نفسه. يصيبها بالاكتئاب. تقبّله مرة وتمقته مرات. ينسجم معها لثوان ومن ثم ينهال عليها. وحيدة الفراش، مشتاقة، منهكة، مكتئبة، وصورة سينمائية فتورها لا يقلّ عن حالتهما شيئاً.
هكذا تعبّر السينما، وهكذا قدّم المخرج فيلمه: كادرات ذات مساحات واسعة، دائما يحضر حاجز بين الزوجين، عمق به مرحاض تذهب له الزوجة تتقيأ كلما أرادت تقبيل الزوج، غرف مبتعدة، وكهوف مقبضة، وأسرّة فارغة.
قلت لنفسي: لأستغلّ هذا الظلام الحالك. خلعت حذائي الضيق دون أن يراني أحد، إذ لبسته لأكمل أناقتي.
فيلم كئيب في توقيت نهاري وقاعة سينما غير ممتلئة بالمشاهدين، أجلس في الصف الثالث من الخلف. لم أختر المكان. دخلت بعد البدء حيث أظلمت القاعة، فجلست جلسة عشوائية، أشاهد فيلمي بكل تمعّن، فأنا عاشقة للسينما وعوالمها مهما قدمت من أحداث كئيبة. أعرفها تلك الألعاب الدرامية، أعلم صنعها جيداً، ورغم ذلك أصدقها وأندمج فيها وفي كافة تفاصيلها.
تستدرّ عطفي تلك الزوجة المسكينة، تشتاق لحبيبها، تريد أن تمارس الجنس، تحبه، وهو أيضاً يحبها، لكن حالته النفسية بعد علمه بمرضه تقضي بانعدام ممارسة الجنس بينهما. هي شاحبة وعيناها محاطتان بالسواد، لم يكن عدم ممارسة الجنس بذاته هو سبب ذلك التعب الذي تعانيه، بل المعاناة بذاتها، ذلك الاشتياق المرفوض، الرغبة المكبوتة.
قلت لنفسي: لأستغلّ هذا الظلام الحالك. خلعت حذائي الضيق دون أن يراني أحد، إذ لبسته لأكمل أناقتي. وأنقذني الظلام حينها وإلا لانفجرت قدمي اختناقاً، ولكني أخشى على مظهري في الوقت ذاته وأتمنى ألا يراني أحد. أفكّر في هل أستغل الظلام استغلالاً أكثر وأتناول وجبة فطوري، ولكن لو دخل أحد المنظمين لأعطاني أمراً بعدم تناول الطعام داخل القاعة، كما أني لا أريد أن أقطع اندماجي مع تلك المأساة التي أمامي، فقط أريد أن أهدّئ من وطأتها.
كلما زاد عمرنا ودرايتنا بقوانين البشر التي تحيطنا زادت حساباتنا لممارستها، زاد خوفنا من ممارسة الجنس في الأماكن العامة وبين الطرقات وفي العربات، نبحث عن أماكن هادئة مضمونة آمنة حتى لا يدفع أي منا تكلفة
أذكّر نفسي أنني أمام فيلم في النهاية، فقرّرت أن آكل أخيراً. مددت يدي إلى حقيبتي لأتناول الطعام الموجود بها. نظرت بجانبي دون تعمّد، وجدتها في قمة نشوتها، لا أرى ملامح وجها، لكني أرى فتاة تنتشي، تتأوّه بصمت، ترفع رأسها وتخفضه بتكرار، يرتخي جسدها على شريكها، يده داخل بنطالها، ويدها كذلك في بنطاله. هي واضحة لي أكثر رغم كونه هو الجالس جانبي. يفصلني عنهما كرسي واحد بالضبط، ظلام دامس لكني رأيتها، شعرت بها. بكل هدوء قرّرت أنه من الأفضل ألا أنظر، فلا صوت لهما ولا يراهما مخلوق، وهما يستمتعان، فهنيئاً لهما.
بعد بضع دقائق بدأت أسمع صوتهما يعلو بعض الشيء، أو ربما لأني انتبهت لما يحدث فلم يستطع تركيزي الفصل التام عنهما. تطلب منه أن يسرع يده، ويسألها هل وصلت لنشوتها، تجيبه نعم، يتأكد ثانية فتهز رأسها وهي تنحني بكل جسدها عليه رغم فاصل يد الكرسي، إلّا أنهما يذوبان داخل بعضهما بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
نعم، نظرت ثانية، بل وأمعنت النظر، هي الأوضح وهو لا يبدو منه إلا رأسه الملتصقة بكتفها يريد تقبيلها، لكن لو فعل يمكن أن يلفت النظر. ظننت أنه يخشى أو يفكر بالتراجع، فنظرت بقوة أكثر، تركت حالة الفتور الموجودة أمامي على الشاشة، ونقلت تركيزي مع حالة السعادة والنشوة الموجودة جواري. هما الحقيقة، لا أريد رؤية ذلك التصور الإخراجي المتعب في مقابل الحياة المليئة بالآهات والنشوة والاستمناء.
وصل لذروته هو الآخر، سند على كتفها، مازالا يذوبان داخل بعضهما رغم حاجز يد الكرسي.
تركت حالة الفتور الموجودة أمامي على الشاشة، ونقلت تركيزي مع حالة السعادة والنشوة الموجودة جواري. هما الحقيقة، لا أريد رؤية ذلك التصور الإخراجي المتعب في مقابل الحياة المليئة بالآهات والنشوة والاستمناء
أكثر ما كان يشغلني أن يراهما أحد، فيقطع عليهما متعتهما، بل ومن الممكن أن يفضحهما. لا أعرف جيداً سبب جلوسي القدري بجانبهما، ولكني أعلم سبب استمرار جلوسي بعد أن انتبهت. لدي شعور من يريد حمايتهما، أريد لو أتى أحد أن أنبههما، في الوقت ذاته لا يمكن لي أن أوضح لهما أني رأيتهما خشية جرحهما، لا يمكن تحت أي حال أن ألفت نظرهما أنني رأيتهما، أنا بالأساس مبهورة بشجاعتهما.
أثناء مراقبتهما تبادر إلى ذهني بعض الأسئلة، مثل تلك الشجاعة المفرطة التي في الأغلب لا تصدر إلا من المراهقين. كم يستمتع هؤلاء بشجاعة لا يملكها الكبار، وكم فات من عمر الكبار مغامرات كهذه لم يستطيعوا خوضها، فكم دقيقة أخذتها في التفكير لخلع حذائي وتناول بعض الطعام في السينما خوف أن يراني أحد، لأني أكسر قوانين قاعة العرض، مقارنة بقرارهما وأفعالهما، نتساوى في الصف ولا نتساوى في الجرأة.
العمر، ذلك الذي نقول عنه دائماً إنه مجرد رقم، وهذه جملة بلهاء نضحك بها على أنفسنا حتى لا ندرك حقيقة الأمر، فهو مؤثر في كل شيء، تلك زوجة أمامي تريد زوجها وهو يرفضها، غير قادرة على التصرّف وتستمرّ في المحاولات، تؤثر في كل منهما عوامل البيئة والمجتمع والعمل، أسّس الفيلم لشخصياتهما حتى نتفهّم طبيعة الأزمة القائمة، في مقابل تلك المراهقة التي لا تخشى القيود التي تخشاها الزوجة، بل وتخشاها كثير من النساء.
أظن أنه في بعض الأحيان من الممكن أن تحجّم المعرفة الإبداع، وأن فطرة المبدع ليس بالضرورة أن تصقل طوال الوقت بالمعرفة، فربما لو عرف لتحول إلى قالب، كذلك المخاطرات والمغامرات، كلما زاد عمرنا ودرايتنا بقوانين البشر التي تحيطنا زادت حساباتنا لممارستها، زاد خوفنا من ممارسة الجنس في الأماكن العامة وبين الطرقات وفي العربات.
ورغبتي في حمايتهما كانت أشبه بالمراقب الذي يعطي فرصة للطلاب بالغش في الامتحان، لأنه طالما تمنى ذلك وهو طالب في نفس العمر، ليس للنجاح في الامتحان من عدمه، ولكن فقط لخوض المغامرة بذاتها
نبحث عن أماكن هادئة مضمونة آمنة حتى لا يدفع أي منا تكلفة، يخشى كل منا على اسمه ومركزه، بينما المراهق لا يخشى، فلا مركز ولا اسم، وحتى وأن ضبطهما أحد، بالكثير سيتدارك الموقف ويذهبان إلى حال سبيلهما، باحثين عن مكان آخر ومغامرة جديدة، تلك المغامرات التي تحقق متعة مضافة لمتعة ممارسة الجنس بذاته، وكذلك البحث عن أساليب المتعة والتكيف مع طبيعة المكان، حيث لا سرير ولا فرصة لأوضاع جنسية، فأكتفى كل منهما بمداعبة الآخر. تلك الحيل التي تؤكد أن كلاً منهما لا يريد ألا أن يستمتع ويمتع الآخر.
لا أعرف هل هما عاشقان أرادا بعضهما حالاً فنفذا، أم أنهما أصدقاء يحققان لبعضهما المتعة والمنفعة، وربما هذه طريقة مصالحة بينهما كحبيبين... أكثر من احتمال وارد، لكن في النهاية هما أرادا بعضهما فتحقق المراد.
مالت على كتفه تماماً فأخذ يقبل رقبتها بهدوء وهو يميل على كتفها، حتى تلك الخطوة التي ظننته يخشاها في البداية فعلها بكل شجاعة لأنه أرادها. نعسا، فشعرت حينها أن مسؤوليتي انتهت في حمايتهما
مالت على كتفه تماماً فأخذ يقبل رقبتها بهدوء وهو يميل على كتفها، حتى تلك الخطوة التي ظننته يخشاها في البداية فعلها بكل شجاعة لأنه أرادها. نعسا، فشعرت حينها أن مسؤوليتي انتهت في حمايتهما. عدت للفيلم وجدت الفتور قائم لا محالة. لم أكن قادرة على الجمع بين الشتيتين في الوقت ذاته، لا أريد ازعاجهما أبداً، فلو قمت لاستيقظ الولد بسببي.
وبهدوء شديد لبست حذائي بشجاعة مستمدة منهما، ومشيت المسافة الأطول من الجانب الآخر وتركتهما في الصف بمفردهما. هما لم يشاهداني في كل الأحوال، لم يشعرا سوى بالمتعة من البداية، أنا وكل من يجلس في القاعة هواء بالنسبة لهما، أنا أيضاً لم أرهما أبداً واضحين، ولو تقابلنا لما عرفتهما، ورغبتي في حمايتهما كانت أشبه بالمراقب الذي يعطي فرصة للطلاب بالغش في الامتحان، لأنه طالما تمنى ذلك وهو طالب في نفس العمر، ليس للنجاح في الامتحان من عدمه، ولكن فقط لخوض المغامرة بذاتها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع