شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
مصفاة البترول

مصفاة البترول "سامير".. من فخر الصناعة المغربية إلى الجحيم المالي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 23 ديسمبر 202205:47 م
Read in English:

SAMIR refinery: The pride of Moroccan industry turns into a financial disaster

لا حديث يتصّدر النقاش العام في المغرب، على مدار الأشهر الأخيرة، أكثر من "غلاء" أسعار المحروقات، والمطالب المُتتالية لإعادة البث في قضية شركة "سامير" لتكرير البترول، وهي أول وأكبر شركة مملوكة للدولة مختصة في تكرير النفط آلت إلى مصير كارثي بسبب تفويت استغلالها لخواص، إلى أن توقف الإنتاج فيها قبل سنوات بسبب الديون.

أثير الجدل بين الحكومة والمطالبين بإعادة تشغيلها؛ الشيء الذي وصل إلى احتجاجات جابت ربوع البلاد، علَت فيها حناجر المُحتجين بإعادة المصفاة إلى المؤسسات العمومية كما كانت في السابق.

قبل ست سنوات، صدر حكم التصفية القضائية في مواجهة شركة "سامير"، مصفاة التكرير الوحيدة التي كان يمتلكها المغرب، وتم تأكيده في جميع مراحل التقاضي، وكان يفترض أن يتم تفويتها لمشتر، لكن ذلك لم يتحقق؛ فيما سعت بعد ذلك، عدد من الفرق البرلمانية من المعارضة، إلى حث الحكومة على اتخاذ مبادرة تأميم الشركة وإعادتها إلى المؤسسات العمومية كما كانت في السابق، لكن تم رفض المقترح.

في كل مرة يعود النقاش إلى الواجهة، تخرج الحكومة المغربية، لتبرير موقفها من عدم التدخل في هذا الملف والاستفادة من قدرات التكرير والتخزين في الشركة، بوجود مسطرة قضائية يتعين احترامها؛ غير أنه في المُقابل، هناك جُملة من المدافعين عن المصفاة الوحيدة بالمغرب، ممن لا يقنعهم تبرير الحكومة، إذ يدفعون بأن نسبة مهمة من ديون الشركة تعود للدولة، مشيرين إلى انتهاء مسطرة التقاضي بصدور حكم التصفية. فما هي قصة أحد المشاريع الأولى لمغرب ما بعد الاستقلال، التي تحولت من جوهرة "صناعية" في المغرب إلى ملف قضائي؟

عُنفوانها الأول..

بعد استقلال المغرب، في سنة 1958، قاد عبد الرحيم بوعبيد، وزير الاقتصاد والزراعة في حكومة أحمد بلا فريج، مشروع إنشاء "الشركة المغربية المجهولة الاسم للصناعة والتكرير" المعروفة اختصاراً بـ"سامير"، بتوقيع اتفاق بين الدولة المغربية وشركة إيطالية متخصصة في البتروكيماويات، من أجل ضمان التحكم في احتياجات البلاد من المنتجات الطاقية، باستيراد النفط الخام وإنشاء صناعة وطنية للتكرير تابعة للقطاع العام.

هكذا، تم إنشاء أول "مصفاة وطنية" لتقطير النفط الخام، بطاقة سنوية تُناهز 1.25 مليون طن، فيما تطورت الطاقة الإنتاجية للمصفاة بمليون طن سنوياً، خلال سنة 1972؛ وبعد أكثر من عشر سنوات من نشاطها تمكنت الأطر المغربية من الاستفادة من نقل التكنولوجيا والخبرة الفنية من الشركة الإيطالية الأم؛ غير أن المغرب قرّر في سنة 1973 تأميم رأسمال "سامير"، بغرض تحكم أفضل في تقلبات الأسعار في السوق الدولية.

بعد سنوات من "المجد" كانت خلالها "سامير" تحت مراقبة الدولة المغربية، أنجز خلال سنة 1978، المشروع الثاني لتوسيع المصفاة، إذ مكّن من توفير 4 ملايين طن كطاقة تكريرية إضافية سنوياً، كما شيدت وحدة لتكرير الزيوت الأساسية في سنة 1984 بقدرة إنتاجية سنوية تناهز 125 ألف طن، وهي عبارة عن مجمع لتشحيم الزيوت، ليتم إثر ذلك توسيع أنشطتها في مجال التكرير بتنويع تشكيلة المنتجات التي تشمل "البروبان" و"البوتان" و"البنزين" بنوعيه، والكيروسين" ووقود الديزل وزيت الوقود والزيوت الأساسية، والزفت والشمع والمنتجات الصناعية الأخرى.

لتطوير وتنمية نشاطها الصناعي، تم تفويت شركة "سامير" إلى القطاع الخاص في سنة 1996، غير أن ما حصل كان عكس المُتوقع، إذ أنه بعد سنوات من الخصخصة، فتحت الدولة رأسمال الشركة وشرعت في أضخم عملية لطرح الأسهم في تاريخ بورصة الدار البيضاء، بالإضافة إلى إدراج الشركة وفتح رأسمالها للعموم والمستثمرين المؤسساتيين عن طريق اكتتاب في مارس 1996، كان يرمي إلى توسيع ملكية أسهم الشركة ودخول مجموعة من حملة الأسهم.

بدخول مجموعة كورال المملوكة للملياردير محمد حسين العمودي، على الخط، خلال سنة 1997 التي اقتنت أغلب أسهم الشركة، مضت الأمور عكس المُتوقع من مشروع "الخصخصة" وذلك بحسب عدد من التقارير وعدد من تصريحات المُتخصصين، إذ أن مجموعة العمودي لم تحترم التزاماتها التعاقدية وأدخلت المصفاة في دوامة مستمرة في ما وُصف بـ"الأزمات المالية والأخطاء التدبيرية"، التي انتهت بسقوطها وإيقاف الإنتاج في شهر آب/أغسطس 2015، وفق تقرير صدر عن الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول.

إعدام بكُلفة باهظه

بسبب تراكم ديونها التي بلغت أكثر 40 مليار درهم، صدر حكم التصفية القضائية عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء، بتاريخ 21 مارس 2016، بعدما توقفت الشركة عن الإنتاج خلال صيف 2015؛ لتُصدر المحكمة التجارية بالدار البيضاء، إثر ذلك، حكما، كل ثلاثة أشهر، يقضي بالإذن باستمرار النشاط بشركة "سامير"، التي تواجه مسطرة التصفية القضائية منذ 21 آذار/مارس 2016، ليتيح هذا الحكم، المحافظة على عقود العمل للعمال الرسميين بالشركة؛ ويتم ذلك وفق المادة 652 من مدونة التجارة التي تنص بأنه "إذا اقتضت المصلحة العامة أو مصلحة الدائنين استمرار نشاط المقاولة الخاضعة للتصفية القضائية، جاز للمحكمة أن تأذن بذلك".

يَفترض الحكم الصادر عن المحكمة أن يتلقى "السنديك" (الشخص الذي تعينه المحكمة بفتح مسطر التصفية القضائية) عروضا لشراء المصفاة، وقد حاول مشترون مغاربة وأجانب اقتناء "سامير"، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق ينهي مسار توقف اشتغال المصفاة.

في هذا السياق، قال الحسين اليماني، منسق الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول سامير (غير حكومية)، إنه "في حال فشل مساعي المحكمة في الوصول إلى العودة الطبيعية للإنتاج، وخصوصاً في ظل الحاجة الماسة والملحة للمغرب لصناعات تكرير البترول، فإن الفشل سيكون هو مصير هذه المساعي وستكون المحكمة مضطرة لإقفال المسطرة وضياع حقوق العمال ومصالح البلاد والدائنين وكل الأطراف المعنية بالقضية"، مستفسراً خلال حديثه لرصيف22 "هل ستتحرك حكومة عزيز أخنوش قبل فوات الأوان، أم أن عدم تحركها يعني ضمنياً انتظارها حلول الخراب والخسارة على الجميع؟".

أما بخصوص الأرباح المرجوّة من الرجوع لتكرير البترول في مصفاة المحمدية، يؤكد منسق الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية أن "إعادة تشغيل المصفاة سيؤدي إلى المساهمة في الحد من الأرباح الفاحشة، وتعزيز شروط المنافسة وتقليص الأسعار بحوالي درهمين للغازوال، وكذا ستعمل على اقتصاد العملة الصعبة بأكثر من 30 مليار درهم سنوياً (3 مليار دولار) بشراء النفط الخام عوض المواد المكررة"، مردفاً أن "بيع أصول الشركة المقدرة بحوالي 21 مليار درهم (2.1 مليار دولار) لفائدة الدولة أو القطاع الخاص، سيساعد في استرجاع المال العام المتورط في مديونية سامير".

وأشار اليماني إلى أن "إعادة تشغيل مصفاة سامير سيؤدي إلى الرفع من الاحتياطي الوطني الذي يقل عن 20 يوماً وتفادي نفاذ المخزون كما تعيشه فرنسا وتونس ودول أخرى، خصوصاً ونحن أمام التطبيق الفعلي لحظر النفط الروسي منذ بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر، وأيضا توفير 4500 منصب شغل مباشر وغير مباشر والمحافظة على التراكمات في الخبرة والفنية الصناعية لأزيد من 6 عقود".

كُلفة اجتماعية

بجُملة من الشعارات التي توصف بـ"الحارقة"، احتج عدد من المغاربة، في مدن مختلفة في شهر نوفمبر الماضي، مطالبين حكومة عزيز أخنوش بالحد من الأسعار الملتهبة، والتدخل لخفض الأسعار عبر تسقيف سعر الغازوال (وقود السيارات) في 10 دراهم والبنزين في 11 درهماً، وتحديد هامش الربح للموزعين في حدود معقولة ومقبولة، مع تخفيض الضريبة المطبقة على المحروقات أو على الأقل تسقيف الضريبة على القيمة المضافة أو حذفها، ودعم أسعار البيع للعموم على غرار دعم الغازوال للمهنيين والكيروسين للطائرات والفيول لشركات إنتاج الكهرباء، بالإضافة إلى إقرار ضريبة لاسترجاع الأرباح الفاحشة التي جمعها الموزعون منذ تحرير قطاع النفط.

على غرار مطالب الاحتجاجات، أكّد الحسين اليماني، الخبير في مجال تكرير البترول، أنه "يتوجب على الحكومة المغربية سنّ ضريبة على الثروة وعلى الأرباح الهائلة على الأشخاص والشركات التي جمعت المليارات لتوجيهها لدعم أسعار المحروقات، والاستئناف العاجل لتكرير البترول بشركة سامير والاستفادة من هوامش التكرير المرتفعة والتي تظهر جلياً في الفرق الكبير بين لتر النفط الخام ولتر الوقود الصافي الذي يتجاوز 3 دراهم".

وكانت الجبهة الوطنية لإنقاذ الصفاة، قد أعدّت مُقترح قانون يقضي بتفويت أصول شركة سامير لحساب الدولة المغربية، فحظي بدعم من أربع فرق ومجموعات برلمانية؛ فيما تنص مواد مقترح القانون، على أن "تفوّت لحساب الدولة المغربية جميع الأصول والممتلكات والعقارات والرخص وبراءات الاختراع المملوكة للشركة المغربية لصناعة التكرير "سامير" مطهّرة من الديون والرهون والضمانات، بما فيها الشركات الفرعية التابعة لها والمساهمات في الشركات الأخرى"؛ فيما يُعهد لوزارة المالية والاقتصاد، "القيام بكل الإجراءات المطلوبة لنقل الملكية لحساب الدولة المغربية والشروع في استئناف الإنتاج بشركة سامير".

وأمام رفض الحكومة مقترح القانون بشأن تفويت أصول سامير لفائدة الدولة "دون تبرير"، كانت وزيرة الانتقال الطاقي، ليلى بنعلي، أكدت أن "المغرب ليس محتاجاً لمصفاة"، لتطالها جُملة من الانتقادات الواسعة، قبل أن تعود للتأكيد على أن وزارتها بصدد "دراسة سيناريوهات لتقديم حلول للمصفاة تراعي مصالح الدولة والعاملين وسكان مدينة المحمدية التي تحتضن تلك المنشأة"، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن "مسطرة التحكيم الدولي الجارية أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي تعيق استغلال مصفاة سامير"؛ ليظل السؤال يراوح مكانه: هل ستتخلى حكومة أخنوش على مصفاة سامير وتترك غلاء المحروقات ينهش المواطنين؟. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard