شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"لا تظنّن أن الليث يبتسم"... الأردن يودّع شبيلات في الوقت الصعب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

الجمعة 23 ديسمبر 202209:36 ص

درجت العادة في الأردن، عند حدوث أي حراك احتجاجي من اعتصامات نقابية أو عمالية أو شبابية أو حتى حملات افتراضية، أن تتجه أصابع الأردنيين لتنقر على صفحة ليث شبيلات على الفيسبوك لمعرفة رأيه فيما يحدث،  بعباراته التي يتجاوز بها سقف "حرية التعبير" الذي لم يتجاوزه الكثيرون سواه وهم داخل حدود المملكة.

رحل شبيلات في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2022، من عرفه، ومن قرأ مشهد المعارضة الأردنية، يستطيع أن يفهم ماذا يعني تجاوز الخطوط الحمراء في الأردن، وما هي التبعات المحتملة للمرور على تابوهات ومحرمات سياسية، فالأمر لا يقتصر على هتافات أو فيديوهات بث مباشر وشتائم  ونشر غسيل الأسرة الحاكمة، أن تبدع في المعارضة كما شبيلات يعني أن تظل صادقاً واثقاً غير مكترث لهوس الشهرة، سواء شهرة ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي أو ما بعدها.

علاقته بالراحل الملك حسين

هو المعارض الأول في الأردن، وبحكم عمره الذي تجاوز الثمانين بشهرين فقد مرّ بكثير مما مر به جيله من السياسيين، من وقت الأحكام العرفية، إلى السجن والملاحقة والاعتقالات، وليس انتهاءً بالحكم عليه بالإعدام، الذي دائماً ما أُتبع بالعفو من الراحل الملك حسين.

وامتهن العمل السياسي والنقابي، فكان نقيباً للمهندسين، ونائباً في البرلمان، كما كان من المعارضين الذين ظهروا في الصحف الأجنبية في وقت لم تكن فيه شعوب تلك الدول تعرف عن الأردن سوى اسم الراحل الملك حسين. 

درجت العادة في الأردن، عند حدوث أي حراك احتجاجي من اعتصامات نقابية أو عمالية أو شبابية أو حتى حملات افتراضية، أن تتجه أصابع الأردنيين لتنقر على صفحة ليث شبيلات على الفيسبوك لمعرفة رأيه فيما يحدث

كثيرة هي القصص التي يتواترها جيل أكبر من الأردنيين عن العلاقة الندية التي جمعت بين الراحلين، الحسين بن طلال ومعارضه الأول ليث شبيلات، والتي خلقت لدى الأخير لاحقاً  نبرة أبوية في الحديث الذي كان يوجهه للملك الحالي عبدالله بن الحسين، نبرة أقرب إلى صفة صديق أو مجايل الأب، الذي يمتلك السلطة والصلاحية لتقديم رؤية إصلاحية للأردن بحكم الخبرة والتاريخ.

وقد قيل أن الحديث بين الحسين وشبيلات لم ينقطع حتى في أصعب الأوقات، أي حين كان شبيلات معتقلاً أو بانتظار تنفيذ حكم الإعدام. واحدة من أكثر القصص المعروفة عن تلك العلاقة هي التي حدثت حين زار الحسين الطفيلة وعرج على منزل أم شبيلات في الوقت الذي كان فيه الأخير معتقلاً ومحكوما بالإعدام، وبغض النظر عن طبيعة الحديث الذين دار بينهما، يقال إن الحسين في اليوم التالي من تلك الزيارة ذهب بسيارته الخاصة إلى السجن وأخلى سبيل شبيلات، وأعاده بنفسه إلى منزله.

أما القصة الثانية والتي يرددها بعض "الجنود القدامى" من رفقاء شبيلات، فتقول إن الملك حسين سمع أن شبيلات عاتبٌ عليه بعد أن طلب لقاءه أكثر من مرة في قصره دون جدوى، وقد استطاع الملك الراحل أن يداوي ذلك العتاب، ففي واحدة من أيام الجُمع، قُرع جرس منزل شبيلات، وعند فتح الباب كان كل من الأميرين الطفلين آنذاك حمزة وهاشم يقفان عند باب المنزل، مع حرس من الديوان الملكي أخبروا شبيلات أن الأميرين جاءا لزيارته، ويروى أن شبيلات قال حينها بما معناه: "نجح الحسين في كسر ظهري واللعب على نقطة ضعفي".

رحيل في الوقت الصعب

يشهد الأردن حالياً احتجاجات في عدة محافظات أطلقها سائقو شاحنات احتجاجاً على ارتفاع أسعار المحروقات، وتطورت لتشمل اعتقالات ومداهمات راح ضحيتها عدد من رجال الأمن، ليغيب الرجل عن المشاركة في هم أردني جديد في أشد أوقات الحاجة إليه.

الحراك الذي يجتاح الأردن مؤخراً خارجاً من جنوبه كالعادة كسر العادة الأردنية الثابتة بالرجوع إلى صفحة شبيلات للاستنارة برأيه في الأوقات الصعبة، فوفاة إبن الطفيلة المولود في أكتوبر 1942 تركت مساحة كبيرة فارغة على اعتباره الضمير السياسي الذي كان يشكل بوصلة الأردنيين للتمييز بين ما هو وطني وما هو ليس كذلك.

جمعته علاقة متوترة مع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن حيث وصفهم بالـ"انتهازيين"، ورفض أن يُحسب عليهم فقط بحكم توجهه الإسلامي

شبيلات لم يكن معارضاً للنظام فحسب، بل لكثير من التيارات السياسية التي اعتبرها "غير وطنية" كعلاقته المتوترة مع جماعة الإخوان المسلمين حيث وصفهم بالـ"إنتهازيين"، ورفض أن يُحسب عليهم فقط بحكم توجهه الإسلامي.

لكنه وفي الوقت ذاته كان مقرباً من الحراك الأردني ومن الفاعلين فيه في وقت الربيع العربي وما بعده، وكثيراً ما فتح لهم باب بيته، وساعدهم ودلّهم، بل وساهم في توكيل من يدافع عنهم، ولم يتوانى عن تقديم النصح والمشورة والدعم لهم.

اللافت، أن واحداً من أضخم الأحداث العالمية لم يطغ على خبر رحيل شبيلات في المملكة، فقد ظهر خبر وفاته في بداية الشوط الأول للمباراة النهائية من كأس العالم بين الأرجنيتن وفرنسا، ومع هذا فقد صبغ اسمه صفحات الأردنيين الذين لم يحزنوا لرحيله فقط، وإنما لشعورهم بيُتم المرحلة وصعوبة اللحظة، وأن صفحة من تاريخ الأردن قد طُويت برحيل المعارض الأول.

زار الملك حسين الراحل الطفيلة وزار أم شبيلات في الوقت الذي كان فيه الأخير معتقلاً ومحكوما بالإعدام، وفي اليوم التالي من تلك الزيارة ذهب الملك بسيارته الخاصة إلى السجن وأخلى سبيل شبيلات، وأعاده بنفسه إلى منزله

استطاع الخبر الذي اتخذ صفة "عاجل" على تطبيقات الأخبار في الأردن، برحيل أبو فرحان "الأكثر شجاعة" و "الأكثر صدقا ونزاهة" كما وصفته كلمات نعيه من محبيه وخصومه أن ينافس حدثاً عالمياً ككأس العالم، وأن يغذي حدثاً محلياً كالاحتجاجات والمداهمات.

الوصية

قبل رحيله بأسابيع قليلة، وجه شبيلات رسالة عبر الفيديو إلى الأردنيين، فكأنها رسالة وداع، وهو الذي اعتاد أن يستشرف ما هو قادم سياسياً قبل حدوثه، فكأنه قد عرف أنه على موعد مع الرحيل، حيث اتخذت رسالته سمة "الوصية" في ذكرى استشهاد رئيس الوزراء السابق وصفي التل، وقال إن "وصيته للأردنيين في ذكرى وصفي التل ألا يتم تقزيمه وتشويه مشروعه من دعاة الإقليمية"، مذكّراً بما قاله عدنان أبو عودة السياسي الأردني الراحل من أنّه (أبو عودة) لم ير أكثر من وصفي التل وعياً وإدراكاً لخطورة المشروع الصهيوني، ولم يكن التل في أي يوم إقليمياً ضد الفلسطينيين، كما يحاول البعض أن يصوّره من خلال اختراع الصراع بين الهويتين الأردنية والفلسطينية".

وجّهَ شبيلات رسالة مصورة للأردنيين قبل رحيله بأسابيع، قال فيها إن وصيته للأردنيين ألا يتم تقزيمه وتشويه مشروعه من دعاة الإقليمية

رحل شبيلات مخلفاً وراءه إرثاً من الجرأة الأدبية والشجاعة السياسية لن تتكرر بسهولة في مشهد المعارضة الأردني، فهو الإسلامي الذي يحترمه اليساريون والليبراليون، وهو الذي تجاوز الخطوط الحمراء دون أن يجد خصومه في النظام أو خارجه مأخذاً عليه ليساعدهم في تقصير لسانه أو التقليل من جرأته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image