شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أصغر بحارة إيرانية... سفن تعبر المحيطات وتصطدم بعراقيل المجتمع

أصغر بحارة إيرانية... سفن تعبر المحيطات وتصطدم بعراقيل المجتمع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 22 ديسمبر 202212:35 م

وسط 18 ألف بحار في إيران التي تطل على بحر قزوين من الشمال وعلى الخليج من الجنوب، تمارس 347 امرأة مهنة البحارة، وأصغرهن سناً هي "مَهْ كِيا" ذات الـ23 عاماً، والتي لفتت أنظار الجميع بعد أن عادت من أول رحلتها الدولية في بحر قزوين، لتكون بذلك أول بحارة في شمال البلاد.

ولدت مَه كِيا صادقي مُنفرد، أو -كما تشتهر في الإعلام المحلي٠"كوثر"، عام 1999 في مدينة زَنْجان شمال غربي إيران، وبرغم أنها لم تولد في مدينة بحرية ولم تجرب رؤية البحر من قبل، إلا أنها اختارت خوض غمار البحر، ودخلت جامعة العلوم والفنون البحرية في مدينة خُرَّمشهر (المحمّرة) بالقرب من مدينة الأهواز مركز محافظة خوزستان جنوب غربي إيران.

شعرت كوثر بعد دراسة فصلين (أي سنة دراسية كاملة) في فرع الإدارة البحرية أن الجامعة لا تدخلها غمار البحر كما كانت تتصور، لكن هذا الأمر لم يشكل رادعاً لها، فانسحبت واتجهت نحو مدينة بُوشِهر الجنوبية والمطلة على الخليج، لتدخل في دورات تدريبية في البحارة والملاحة.

"تدرس حالياً 5 بحارات إيرانيات في دورة ضابط في السفن العابرة للمحيطات داخل البلاد، بيد أن المشكلة تكمن في مجال العمل حيث النظرة التقليدية لحضور العنصر النسائي في الملاحة الدولية، رغم كل تلك المتاعب تحول دون الاعتماد على النساء في قيادة السفن العملاقة"

نالت الشابة بطاقة "بحارة" وهي في العشرين من عمرها. تقول عن ذلك: "بعد حصولي على البطاقة بدأتُ  أتواصل مع الشركات البحرية العالمية بغية المشاركة في دورة تدريب الضباط للسفن العابرة للمحيطات، ولكن حدث شيء ملفت للنظر، إذ قامت إحدى هذه الشركات بإرسال طلبي إلى إحدى الشركات الإيرانية، وهكذا تمت دعوتي، والآن أعمل كمدربة بدرجة ضابط بسفينة تجارية كبيرة".

تحلم كوثر بأن تكون ربانة أو قبطانة لسفينة عابرة للمحيطات، وهو حلم كبير يحتاج للكثير من العمل والتدريب والتجربة الدولية، فتجد نفسها اليوم في بداية الطريق لتحقيق حلمها الذي يراودها كلما أبحرت من ميناء فِرَیدُون کِنار الإيراني نحو ميناء أُكتاو في كازاخستان، وفقاً لتصريحاتها.


تستغرق رحلات كوثر البحرية بصفتها بحارة عادية على متن سفن تجارية نحو 35 يوماً، ثم تستريح لفترة 3 أيام لتبدأ رحلتها الثانية، وعلى هذه الطريقة تمارس هوايتها منذ سنة ونصف.

"تدرس حالياً 5 بحارات إيرانيات في دورة ضابط في السفن العابرة للمحيطات داخل البلاد، بيد أن المشكلة تكمن في مجال العمل حيث النظرة التقليدية لحضور العنصر النسائي في الملاحة الدولية، رغم كل تلك المتاعب تحول دون الاعتماد على النساء في قيادة السفن العملاقة"، هكذا أوضحت كوثر، لافتة إلى أنها تستبعد وجود أي امرأة في القوات البحرية العسكرية الإيرانية بعد.

حلم قبطان السفن العملاقة

تمارس معظم البحارات الإيرانيات عملهن في قيادة سفن الركاب ونقل البضائع الخفيفة في مياه الخليج، وحول ذلك يقول رئيس دائرة البحارة في مؤسسة الملاحة الوطنية بُوريا كُولِيوَند: "لدينا بحارة واحدة فقط تعمل كضابط في سفن تزن 3000 طن، وضابطتان في سفن تزن 500 طن أيضاً، وأما الأخريات من أصل 347، فيمارسن مهنتهن في سفن نقل الركاب أو السفن الصغار".

أعربت كوثر في تصريحات لها عن خشيتها أن يكون مصيرها كنظيراتها، وسط دائرة ضيقة لا تسمح للنساء بدخول عالم السفن التجارية العملاقة والإبحار الدولي، فلم تعتمد الشركات الحكومية والأهلية في تسليم وظيفة ربان أو قبطان السفينة إلى البحارات.

"إذا ما أردت الدخول في دورات إيرانية للتدريب كضابطة للسفن العابرة للمحيطات، لا أستطع أن أمارس مهنتي في بلادي بسبب النظرة الدونية لنا كنساء، كما لا يرحَّب بي للعمل على السفن الأجنبية بهويتي الإيرانية"، وبذلك لا ترى كوثر أفقاً أمامها لتحقيق حلمها، لا في الداخل ولا في الخارج.


هناك طريق آخر يمكن أن تتقدم به لتقترب من أحلامها: "سأضطر أن أدخل دورات في دول أخرى، وبعد ذلك أحصل على جنسية أجنبية، لتسمح لي في العمل كضابط على متن السفن العابرة للمحيطات"، هكذا تقول البحارة الطموحة، إذ وسط دعم عائلي يبدو أنها عازمة على أن تتحدى العراقيل وتحولها إلى فرص، علّها تساهم في قيادة سفن تبحر نحو أبعد المسافات في المياه، وهو حلم ممكن التحقق، ولكن ليس على سفينة إيرانية ولا عبر جنسية إيرانية، حسب وصفها.

عشق المغامرات وشغف الإبحار لدى الإيرانيات

بعد أن تداول الإعلام المحلي وشبكات التواصل الاجتماعي قصة حضورها الدولي كعضوة في الطاقم البحري بالسفن التجارية، تلقت كوثر الكثير من الرسائل من قبل الفتيات الإيرانيات اللاتي عبّرن عن شغفهن للمهنة وعشقهن للبحر والمغامرات، كما استفسرنها عن كيفية الالتحاق بالمهنة، وأوضحت: "برأيي علينا أن نواجه المعتقدات السائدة في المجتمع ونعمل على كسر القيود للوصول إلى أهدافنا التي لا يوجد لها أي مانع قانوني في البلاد".  

تحدثت كوثر في إحدى حوارتها الصحافية، عن نظرة البعض للنساء حين يصعدن إلى السفن، وعادة ما يستغربون الرجال وجود امرأة إلى جانب القبطان، خصوصاً أنها تتولى أحياناً جزءاً من مهام الرجل. ولا يتردد البعض في التعبير عن خوفه وقلقه من أن تقود السفينة امرأة. ورأت أن هذا الأمر قد يزعزع الثقة، لكنّه في الوقت نفسه يخلق تحدياً لديها. ورغم ذلك تؤكد على ضرورة فتح المجال أكثر أمام النساء في هذا المجال.

إلى جانب النظرة الدونية واحتكار المهنة من قبل الرجال، هناك عراقيل أخرى تعكر التحاق الفتيات بطموحاتهن وتعلقهن بالبحر، كالمستحقات المالية الضئيلة نظراً لصعوبة المهنة، والفترة الطويلة في الإبحار، وعدم وجود أماكن مخصصة لهن على متن السفن

يحتاج البحارة إلى فترة تصل إلى 16 عاماً ليحصلوا على أعلى رتبة من رتب الطاقم البحري، كما تتطلب المهنة  الكثير من الجرأة والشجاعة والقدرة والقوة الجسدية. وإلى جانب النظرة الدونية واحتكار المهنة من قبل الرجال، هناك عراقيل أخرى تعكر التحاق الفتيات بطموحاتهن وتعلقهن بالبحر، كالمستحقات المالية الضئيلة نظراً لصعوبة المهنة، والفترة الطويلة في الإبحار، وعدم وجود أماكن مخصصة لهن على متن السفن.

أول بحارة في التاريخ الإيراني

تذكر الكتب التاريخية الإيرانية أنه عندما أعلن الملك الإيراني خشايار شاه الأول في الفترة الإخمينية (القرن الخامس قبل الميلاد)، الاستنفارَ العام للبلدان الخاضعة تحت سيطرته، والالتحاق بالجيش الإيراني في معركته ضد اليونان،، انضمت أرطميسيا، حاكمة أرض كارييا، وهي منطقة قديمة في جنوب غرب آسيا الصغرى، إلى البحرية الإيرانية بخمس سفن حربية كانت تقودها، وقد تم الاستيلاء على أثينا.


كذلك شاركت أرطميسيا، في عام 480 قبل الميلاد، في معركة سالامين التي دارت بين القوات البحرية الإيرانية واليونانية، وأظهر شجاعة كبيرة واستطاعت أن تنقذ جزءاً من القوة البحرية الإيرانية من خطر الدمار، ولهذا السبب نالت رتبة الأميرالية من الملك الإخميني خشايارشاه الأول.

وأطلق الملك محمد رضا شاه، في عام 1966، اسم أرطميسيا على المدمرة البحرية  HMS البريطانية، وهي أثقل سفينة حربية نشطت في الأسطول الحربي الإيراني آنذاك، تكريماً لأرطميسيا، بصفتها أول بحارة إيرانية في التاريخ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image