فى عالم خاص صنعت مفرادته بنفسها ولنفسها نجحت رحمة عرفة في تجاوز الكثير من العقبات والإحباطات والكثير من الخطوط الحمراء، تلك التى يمكن أن تصادفها لكونها فتاة.
اختارت رحمة ابنة الـ 22 عاماً أن تقتحم السياج المفروض حولها وعليها، لتدخل من الباب الكبير، وتثبت أن لا مكان للمستحيل ما دامت تمتلك من الإرادة ما يؤهلها لتحقيق أحلامها، التى تبدو فى عيون الكثيرين مستحيلة.
رحمة عرفة، التي يسبقها حالياً تعريف "أصغر رحالة فى مصر" فتحت قلبها لنا لتروي كيف صنعت هذا الإنجاز.
وهي اختارت أن تبدأ الحكاية من أول الخيط، حين تشكل الحلم في مرحلة الثانوية العامة، وهى المرحلة التي تختلط فيها الأحلام بالأوهام، قبل أن تصطدم بحائط سد منيع اسمه الواقع والمتاح.
تحكي رحمة: "عشت طفولتي في أجواء مغلقة حيث ولدت وقضيت السنوات العشر الأولى من حياتي في السعودية، وكانت الأسرة تمنعني من النزول أو الخروج بمفردي، لكن حين عدت إلى مصر عشت حياتى بحرية، وبدأت أتجول بمفردي، وأتعرف على أماكن جديدة".
تركت الدراسة بالجامعة لأنها لم تجد نفسها فيها، واكتفت بشهادة الثانوية العامة في ظل نظرة الكثيرين التي تشدد على البنت بأن تحصل على شهادة جامعية، وقررت أن تبدأ مشوارها مع الترحال بحثاً عن تحقيق نفسها وحلمها
بينما كانت الأيام تمضي برحمة عرفة، وتكبر يوماً بعد آخر، بدأت في صناعة بعض المشغولات اليدوية لتبيعها عبر الإنترنت وفي المعارض التي تعودت مدرستها أن تقيمها من حين لأخر. كان الغرض الثاني من وراء تلك الخطوة توفير المال الكافي لتنفق على نفسها، أما الغرض الأول فهو أن تثبت أنها قادرة على أن تحقق استقلالها على كل المستويات.
ترك الجامعة
تتابع رحمة: "حين جاءت مرحلة الثانوية العامة، رحت أشارك في أكثر من نشاط طلابي، أخرجني من حالة العزلة التي عشتها إلى حياة أشارك تفاصيلها مع الآخرين، وبعد الانتهاء من دراسة الثانوية العامة، اخترت دخول كلية الفنون الجميلة بما أنى أهوى الفنون، غير أنى بعد فترة قررت ترك الدراسة بالجامعة لأني لم أجد نفسي فيها، وكانت مشكلة وقتها لأن أحداً لم يكن يتصور أني سأترك الجامعة وأكتفى بشهادة الثانوية العامة، في ظل نظرة الكثيرين التي تشدد على البنت بأن تحصل على شهادة جامعية تُعلي من شأنها ومن نظرة الأخرين لها، لكني وقفت، بقناعة تامة، على الجانب الأخر من تلك النظرة الضيقة للفتاة، وقررت أن أبدأ مشواري مع الترحال بحثاً عن تحقيق نفسي وحلمي".
بدأت الخطوة الأولى فى حياة رحمة العملية بالانضمام إلى شركة ناشئة، وأمام اجتهادها الذي لم يعرف أي حدود، نجحت في الترقب بين أكثر من وظيفة، حتى احتلت منصب مديرة المشروعات والمسؤولة عن التدريب بفروع الشركة في محافظات مصر المختلفة.
تضيف عن تلك الفترة: "كان عمري وقتها 19 سنة، وتنقلت بين محافظات مصر المختلفة شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، حتى أكتسب المزيد من الثقة وأكون قادرة على مواجهة التحديات التى يمكن أن أقابلها دون أن يكون إلى جواري أحد، وبعد تنقل وترحال، وبعد الاحتكاك بثقافات وعادات وتقاليد وموروثات ومعتقدات، وبعد اكتشاف أماكن لم أكن أسمع عنها حتى، جاء دور الانطلاقة الأولى بعيداً عن الأهل والوطن".
اختارت رحمة أن تبدأ انطلاقتها شرقاً، وكانت الرحلة الأولى إلى سيريلانكا. قالت: "لم يوافق أحد من أسرتي على سفري، وأذكر أنى حين كنت أقول لأمي إن هناك بنات تسافر إلى الخارج بمفردهن، وإني أريد خوض التجربة مثلهن، كانت تقول لي "أتمي مذاكرتك الأول وبعدين نشوف"، وطبعاً كان خوفها علي السبب وراء هذا الرفض، لكني حاولت أن أطمئنها، وأكدت لها أني سأكون على تواصل يومي معها، وتركت لها أكثر من رقم في سيريلانكا إلى جانب أرقام كل المسافرين معي حتى تكون مطمئنة، وأخيراً اقتنعت على مضض".
لكن لماذا سيريلانكا تحديداً؟
تجيب رحمة: "لأنها رخيصة، ولأني لم أكن أملك المال الكافي، حتى أني عملت بيزنس خاصاً بي حتى أوفر نفقات السفر، ومن يومها وأنا أتبع تلك القاعدة "إني هشتغل علشان أوفر فلوس أصرف بها على رحلاتي".
وتكمل: "بعد أن أقلعت الطائرة من مطار القاهرة إلى سيريلانكا شعرت برهبة، وكنت أقول لنفسي، ماذا سأفعل هناك، كيف سأتصرف إذا واجهت مشكلة كبيرة؟ لكني شجعت نفسي وقلت إني قادرة على تجاوز أي عقبة، وأياً كانت الظروف فسوف أصمد، وأتجاوز العقبات.. قضيت هناك حوالى 20 يوماً، تنقلت فيها بين أكثر من مكان، وبعدها انطلقت إلى ماليزيا، وقضيت بها نفس المدة تقريباً، وكانت المفاجأة أن كل ما أنفقته لم يتجاوز 300 دولار، وهو ما جعل الكثيرين يسألوني عن السر وكيفية قضاء وقت ممتع دون الاضطرار إلى الإنفاق بشكل مبالغ فيه، وكنت دائماً أرد "مش لازم علشان أسافر وأبقى سعيدة إني أصرف فلوس كتير. السعادة في الرحلة نفسها مش فى اللى بصرفه وقت الرحلة كما أن زياراتي كلها للأماكن الشعبية وهى لا تحتاج إلى كثير من الأموال للاستمتاع بها وبتفاصيلها".
بعد نجاح أول تجربة سفر
وتواصل رحمة: "بعد نجاح أول تجربة سفر، بدأت اتنقل من دولة إلى أخرى، فقط بشنطة سفر وحيدة، وسط محاولات من المحيطين بمنعي، لكنى أصررت على تحقيق الحلم الذي صادفت في طريق تحقيقه الكثير من العقبات، أهمها التمويل، لأني كنت أتكفل بكل شيء من البداية حتى نهاية الرحلة، وبعد أن اكتسبت خبرة قررت أن أنقل تجربتي للغير حتى يستفيدوا منها، ومن هنا أصبح عملي الأساسي إنشاء محتوى للسفر على السوشيال ميديا، يجتذب الآلاف من المحبين للمغامرات والترحال حول العالم".
تركت رحمة عملها وقررت أن يكون السفر والترحال شغلها الشاغل، وقد تنقلت على مدار السنوات الثلاث الماضية بين 24 دولة، أبرزها إندونسيا، كمبوديا، ألبانيا، روسيا، لبنان، الأردن، روندا، تنزانيا، وحالياً هي في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحلم قبل أن تكمل عامها الثلاثين ـ بعد نحو ثماني سنوات ـ أن تجوب العالم كله لاكتساب المزيد من الثقافات والخبرات، وحتى تكون أول مصرية تجوب العالم.
"مش لازم علشان أسافر وأبقى سعيدة إني أصرف فلوس كتير. السعادة في الرحلة نفسها مش فى اللى بصرفه وقت الرحلة كما أن زياراتي كلها للأماكن الشعبية وهى لا تحتاج إلى كثير من الأموال للاستمتاع بها وبتفاصيلها"
سألنا رحمة عن أصعب المواقف التي واجهتها في تجربة الترحال تلك فقالت: "لا يمكن مهما صادفت أن أنسى الفترة التى قضيتها في لبنان خلال انفجار مرفأ بيروت، يكفي فقط أن أقول إن البيت الذي كنت أقيم فيه تعرض لأضرار بالغة بسبب الانفجار، وكان يمكن أن أكون أنا نفسي بين الضحايا الآن لولا أني غادرت البيت قبل الانفجار بنحو نصف ساعة، وحين عدت وجدت الأضرار البالغة وراحت نقودي، ورغم تلك الفترة العصيبة إانضممت مع بعض الصديقات إلى إحدى الجمعيات وشاركنا جميعاً في إعادة الإعمار، وتعلمت من اللبنانين درساً مهماً عن كيفية التأقلم مع الأزمات. شعب قوي وملهم. في عز مشاكله مقبل على الحياة ويعيشها بكل الحب والسعادة".
"يُقال دائماً إن الكنز في الرحلة. فما الكنز الذي جمعته من رحلاتك؟"، تقول رحمة رداً على ذلك: "أولاً تعلمت حب الحياة، وعندي شغف لاكتشاف كل ما هو جديد. لذا حين أسافر إلى أي دولة أبتعد عن الأماكن المعروفة. إذا زرت باريس مثلاً لن أذهب إلى برج إيفيل، ولو ذهبت إلى إيطاليا لن أزور برج بيزا، بل سأسعى وراء اكتشاف الأماكن التى لا يعرفها أحد، أفهم ثقافتها، لاكتسب من تجربة أهلها الخبرات الحياتية، وكم يسعدني حين أتلقى اتصالاً أو رسالة من فتاة تقول لى إنها نجحت في إقناع أهلها مثلي بأن تسافر إلى أي دولة خارج مصر، أو تقول لي أخرى أنا سافرت بسببك وأحببت السفر بناء على تجربتك، أو أتمنى أن أكون يوماً ما مثلك وأجوب العالم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...