شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"مساحة بوح نسويّة تشاركية آمنة"... عن الجنسانية واللذّة وأشياء أخرى

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

جسد نحن والنساء

الخميس 15 ديسمبر 202212:33 م


 يأتي هذا التقرير كجزء من مشروع "مش عَ الهامش"، 

   والذي يسلط الضوء على الحقوق والحريات والصحّة الجنسيّة والإنجابيّة في لبنان.

"نخلق في أجساد نمنع من استكشافها استكشافاً كاملاً وفهم كل أعضائها وكيف تعمل بسبب الكثير من المفاهيم المغلوطة، بسبب الاعتقاد بأنه ‘ما بيصير‘ أو ‘عيب نحكي عنها‘. بدورنا، نورث هذه المفاهيم لأطفالنا. أغلبنا تربى على فكرة أنه ‘جسمك مو كله إلك‘ و‘مفيش داعي تعرف عنه كتير‘. بالتالي في الكبر، تتضح العلاقة المشوهة مع أجسادنا أو على الأقل هذه الأجزاء الـ‘عيب نحكي عنها‘.

بعد سنوات من هذا المنع، يحدث في فترة من الفترات دفع باتجاه ممارسة الجنسانية بكل تجلياتها من خلال ‘يلا إمتى بدك تتجوز وإمتى بدك تجيب ولاد…‘. هنا تحدث الصدمة، الانتقال من حياة مفرغة تماماً من أي مضامين جنسية إلى حالة يصبح الجنس فيها محورياً. علماً أن الجنس يكون ضرورياً ومحورياً في حياتنا قبل ذلك لكن لا نجرؤ على الحديث عنه بصوتٍ عالٍ.

وكأنه الجميع، المجتمع والعائلة والمنظومات التي نشكل جزءاً منها، لها الحق في التحكم بأجسادنا، ما عدانا. وهو أمر غير منطقي لأن هذا الجسد أنا من خلقت فيه وأنا من ينبغي أن أتمتع بكامل السيطرة عليه وأنا أيضاً من يحق له فهمه وبناء علاقة معه حتى إذا قررت لاحقاً بناء علاقة جسدية مع شخص آخر تكون لدي القدرة على تحديد ما يناسبني وما يشعرني بالراحة والأمان.

هذا ما ينبغي أن نتعلمه في الصغر، تربية جنسانية متكاملة، لكن إذا لم نتمكن من ذلك إلا في مرحلة متقدمة من العمر فلا بأس. يمكننا استغلال هذه المعرفة في كسر الأنماط المسيئة وتنشئة أجيال جديدة على هذا الأساس السليم ليكون لديهم اتساق أكبر مع أجسادهم بحيث يضمنون سلامتهم".

هذا ما تقوله لرصيف22 كرستينا كغدو، العاملة في مجال التربية الجنسية وصانعة البودكاست، تعقيباً على مشاركتها في "الورشة الإقليمية حول الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية والجنسانية" نظمتها منظمة "Fe-Male" النسويّة اللبنانية، في سياق مشروع إقليمي لتعزيز الصحة الجنسية والإنجابية في المنطقة، جرت بين 8 و12 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.

"الجسم هو الوسيط الأول لنا لفهم والتعامل مع العالم المحيط وإدراكه"... مجموعة من الصحافيات والفنانات من ست دول عربية يجتمعن للنقاش حول قضايا الصحة الجنسية والإنجابية وماهية الجنسانية والهوية الجندرية

عن الورشة

ناقشت جلسات الورشة مجموعة من المواضيع الأساسية المرتبطة بالصحة الجنسية والإنجابية والتغطية الصحافية حولها، وسعت إلى فهم الخبايا -التي طالما حُجبت- عن فهمنا لجسدنا وكيفية التعامل معه. ومن القضايا التي طرحتها: "التعرف على الصحة الجنسية والإنجابية، وماهية الجنسانية والعنف" و"المتعة وصعوبات اللذة الجنسية والهوية الجندرية" و"الأمان وقدرة الوصول، ورصد التغطيات الإعلامية ونقدها من منظور نسوي".

شاركت في الورشة 21 صحافية وفنانة في مجال السينما والمسرح والديجيتال ميديا من ست دول عربية هي: مصر وتونس وفلسطين ولبنان والعراق والأردن، وفق ما تقوله لرصيف22 سارة الخنسا، منسقة الورشة. 

تلفت الخنسا إلى أنه كان مستهدفاً أن تضم الورشة، علاوة على التنوع الجغرافي في محيط الدول العربية، عدداً من النساء العابرات جنسياً من مصر وتونس تحديداً لكن عدم السماح لهن بالسفر من قبل الجهات المختصة في بلدهن حال دون ذلك.

وعن الهدف من الورشة، تقول لرصيف22 حياة مرشاد، المديرة التنفيذية لجمعية Fe-Male النسويّة ورئيسة تحرير موقع "شريكة ولكن": "أردنا تأمين الفرصة للمشاركات من مختلف الدول العربية للقاء وتبادل النقاشات حول أطر عمل مشتركة وأفكار مرتبطة بتطوير محتوى حساس للنوع الاجتماعي بشكل خاص متعلق بقضايا جنسانية ومواضيع الصحة الجنسية والإنجابية. علاوة على زيادة مستوى معرفتهن ووعيهن بهذه القضايا حتى إذا شاركن في تغطيتها تكون هذه التغطية إيجابية وتخدم هذه القضايا". 

"من المهم جداً أن تتبادل النساء النقاشات في مثل هذه القضايا الحيوية حتى يدركن ‘أنا مش لحالي‘ وأن قصصهن تتقاطع مع الكثيرات على اختلاف خلفياتهن الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية والسياسية والدينية وغيرها، وأن الأشياء التي يعتبرن أنها فردية هي بالأساس جمعية"

تشدد مرشاد على أن الورشة تأتي "استكمالاً لعمل ‘في ميل‘ و‘شريكة ولكن‘ في مجال تمكين الصحافة النسويّة وبناء شبكة واسعة من الصحافيات في جميع أنحاء المنطقة العربية مهتمات بتغطية القضايا من زاوية نسويّة حساسة للنوع الاجتماعي"، مضيفةً أن العمل مع هذه المجموعة من الصحافيات "سيستمر مستقبلاً بمنحهن فرصاً لإنتاج موادّ ومضامين متعلقة بموضوع الورشة وتوفير أي دعم مطلوب سواء كان دعماً تقنياً أو معرفياً".

تلفت مرشاد إلى أن ضرورة التعلم أكثر حول المصطلحات المتعلقة بأمور الصحة الجنسية والإنجابية، وما ينبغي استخدامه منها وما يتوجّب تصحيحه، كان من أهم أهداف الورشة كذلك.

وتعتبر الناشطة النسويّة اللبنانية أن الورشة "حققت أهدافها على النحو المرجو" بالنظر إلى "التفاعل الكبير بين المشاركات" و"الاهتمام بموضوع الورشة والإجماع على أن المضامين التي قُدمت خلالها شكلت إضافة للمشاركات" و"تشجيعهن على الكتابة عن هذه المواضيع وفتح آفاق أوسع لديهن لمعالجتها من منظور مختلف وزوايا جديدة".

"مساحة بوح نسويّة تشاركية آمنة"

تشير كرستينا كغدو إلى أن مثل هذه الورشة مهم لجميع الأشخاص على اختلاف مساراتهم الشخصية والمهنية لأن الجنسانية والجسد أمران مركزيان في حياة كل إنسان، وبسبب المفاهيم الكثيرة المغلوطة المتعلقة بهما والتي تؤثر إلى حد كبير على جودة حياة الفرد اجتماعياً ومهنياً.

خلال الورشة، حرصت كغدو على التأكيد مراراً وتكراراً على أهمية بناء علاقة صحيّة مع أجسادنا واستكشافها مبكراً وتسمية كل عضو باسمه بما في ذلك الفرج والقضيب، العضوان التناسليان للأنثى والذكر. "منذ يصبح بإمكان الطفل التحكم في جسمه، نلاحظ أنه يحاول وضع كل شيء حوله في فمه. السبب هو رغبته في استكشاف هذا الشيء. الجسم هو الوسيط الأول لنا لفهم والتعامل مع العالم المحيط وإدراكه"، تشرح.

في غضون ذلك، تقول الدكتورة هديل القزاز، مستشارة النوع الاجتماعي في منظمة أوكسفام الدولية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأحد مصممي مشروع إقليمي لتعزيز الحقوق والصحة الجنسية والإنجابية، إن الورشة تخدم بشدة الهدف العام للمشروع والمتمثل في استقطاب الشباب والشابات للحديث عن قضاياهم/ ن، وإحداث التغيير.

وتوضح أن المشروع الإقليمي يستهدف توعية الشباب والشابات بشأن صحتهم/ ن الجنسية والإنجابية حتى يطالبوا/ يطلبن بحقوقهم/ ن الجنسية والإنجابية ويكونوا/ يكن صناع تغيير وصناع قرار في ما يتعلق بالوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية. 

"الجنسانية والجسد أمران مركزيان في حياة كل إنسان. المفاهيم الكثيرة المغلوطة المتعلقة بهما تؤثر إلى حد كبير على جودة حياة الفرد اجتماعياً ومهنياً"

من أبرز ما لفت القزاز في الورشة "وجدنا تشابهاً أكثر ما نتوقع في تجارب النساء وما يحدث في الدول المختلفة من حيث درجة وعي النساء والقضايا التي تشغل بالهن، والنقاط المظلمة التي ليس لديهن معرفة بها ولديهن تعطش للتوعية حولها، وبالتالي صارت عملية تشبيك ومشاركة بين المشاركات من دول عربية مختلفة".

وتضيف: "شكلت الورشة مساحة بوح نسويّة تشاركية آمنة معززة بالمعرفة، ونما هنالك في أوساط المشاركات شعور فوري بالألفة والأمان للنقاش وطرح الأسئلة حول المعلومات التي أرى أنها لم تكن كافية تماماً وتحتاج لمتابعة ومزيد من التدريبات، ومع ذلك تفتح أفقاً جديدة وتغيّر مفاهيم وصوراً نمطية وأساطير حول الصحة الجنسية والإنجابية".

وتزيد: "الأمل الآن أن تعود المشاركات في الورشة إلى دولهن ويصنعن محتوى نسوياً يساهمن من خلاله في نشر المعرفة التي اكتسبنها في الورشة".

 تعود القزاز للتأكيد أننا بحاجة إلى "مساحات متعددة ومتنوعة تثير النقاشات المكللة بالمعرفة حول قضايا الصحة الجنسية والإنجابية في المنطقة العربية".

الإعلام وقضايا الصحة الجنسية

بدورها، تؤكد الدكتورة ساندرين عطالله، الخبيرة في الطب والعلاج النفسي الجنسي، وإحدى المدربات في الورشة، أن الورشة كانت مهمة ومفيدة إذ تنبع أهميتها من أهمية الثقافة الجنسية لتوفير الحماية سيّما حماية الأشخاص الذين لا يملكون الوسائل والقدرة على التعبير عن العنف الجنسي. 

وترى أن مثل هذا التدريب ضروري لجميع الصحافيين والصحافيات المعرضين والمعرضات للتعامل مع ضحايا العنف والاعتداءات الجنسية والناجين/ الناجيات منها، لتفادي إحداث ضرر لهم/ لهن.

وتشرح: "هناك أخطاء كثيرة تحدث حين يتعامل الصحافي مع مَن تعرض لاعتداء جنسي خاصة إذا لم تكن معلوماته صحيحة في هذا الإطار، فقد تكون أسئلته بمثابة اعتداء آخر على الضحية/ الناجية. كما أنه قد ينشر مفاهيم خاطئة ونمطية للجمهور. المعلومات الصحيحة والمعرفة تساعدان الصحافي على التعامل السليم مع الضحية/ الناجية".

وتضيف د. ساندرين إن تغطية قضايا الصحة الجنسية والإنجابية يتطلب عدة عوامل أساسية لتطويره، علاوة على المعرفة، وأهمها: البعد عن إصدار أحكام من قبل الصحافيين والخبراء على السواء.

وبينما تُقر بوجود الكثير من المنصات الصحافية التي تقدّم المعرفة المبسطة والمسؤولة حول قضايا الصحة الجنسية والإنجابية، اختصت منها بالذكر رصيف22 وشريكة ولكن وفايس عربية. وتستطرد: "ثمة صوت ربما لا يصل للجميع. لذا نحن بحاجة لمزيد من المنصات التي تنتشر جغرافياً في جميع الدول العربية لنشر التوعية الكافية بهذا الموضوع المهم".

الأمر المزعج بالنسبة لـ د. ساندرين هو استمرار استخدام "مصطلحات قديمة خاطئة" في التغطيات الإعلامية لقضايا الصحة الجنسية، على غرار: "غشاء البكارة" لا إكليل المهبل، و"العادة السرية" لا الإمتاع الذاتي، بالإضافة إلى استخدام تعابير خاطئة تماماً وسلبية مثل "هزة الجماع" و"البرود/ العجز الجنسي". "استخدام مثل هذه التعابير يوحي للقاريء بأنها أمور حقيقية. لذا ينبغي عدم استخدامها"، تشدد.

أما الباعث على الأمل من وجهة نظرها في هذه الورشة تحديداً، فهو أن "هناك معلومات أولية لدى الصحافيات المشاركات أكثر بكثير مما كان عليه الوضع قبل عدة سنوات. وهناك عطش للمعرفة، وجرأة على طرح الأسئلة، ولا توجد لديهن أحكام مسبقة".

وتختم كرستينا كغدو: "من المهم جداً أن تتبادل النساء النقاش في مثل هذه القضايا الحيوية حتى يدركن ‘أنا مش لحالي‘ وأن قصصهن تتقاطع مع الكثيرات على اختلاف خلفياتهن الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية والسياسية والدينية وغيرها، وأن الأشياء التي يعتبرن أنها فردية هي بالأساس جمعية".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard