شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
مونديال الكهرباء والعمل المرهق والبحث عن البطارية

مونديال الكهرباء والعمل المرهق والبحث عن البطارية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الأربعاء 14 ديسمبر 202201:15 م

في الوقت الذي كان فيه عشّاق كرة القدم في العالم يستعدون للسفر إلى قطر لمتابعة مباريات كأس العالم، أو يُحضّرون أجواءهم الخاصة لمشاهدة أكبر حفل كروي منتظر، كان السوريون يخوضون مونديالاً آخر لحضور مونديال 2022.

وسط ساعات التقنين الكبيرة في بلادهم وانشغالهم في دوامة التنقل من عمل إلى آخر، انبهر جمهور الكرة من السوريين بالأضواء والتجهيزات خلال حفل افتتاح المونديال، مع حسرة كبيرة على ساعة كهرباء زائدة لمتابعة مباراة أو أخرى.

نسي السوريون الأجواء الاعتيادية لحضور المباريات منذ سنوات طويلة، وبحثوا جاهدين عن معادلة لتقليل ساعات عملهم حتى يتمكنوا من إيجاد فسحة صغيرة لحضور المباريات أو استراق النظر إليها، بعد معاناة طويلة مع التجهيزات لتأمين الكهرباء.

العمل لا يوقف الفرجة

دفع تراجع قيمة العملة السورية وتدهور الأوضاع الاقتصادية السوريين إلى العمل في أكثر من مكان، حتى يتمكنوا من تأمين أبسط مقومات الحياة، ما منعهم من العيش بشكل طبيعي، لكن ماذا عن متابعة مباريات كأس العالم؟

تقول المعلمة تهاني حسان، التي تعطي دروساً خصوصيةً، لرصيف22: "هذا الشيء يمنعني من مشاهدة المباريات كلها، ولكن أفتح التطبيقات لأتابع، وأعطي دروساً للطلاب وتفكيري في اللعبة". وعندما عندما تكونين في المنزل؟ "أتابع اللعبة مع والدي على التطبيقات. ما يخلق لنا جواً من الألفة والضحك".

يمر علي خلال قيامه بجمع النفايات، بجانب الكثير من المقاهي التي تعرض المباريات وأحياناً يشاهد من خلف الزجاج: "آخذ استراحةً وأتابع قليلاً. أصبحت المباريات المتنفس الوحيد للعالم"

العامل على المضخة في محطة "آمال" لتوزيع المحروقات في منطقة المزة في دمشق، محمد فارس، متابع جيد لكرة القدم، ولكن تزداد مشاهدته للمباريات خلال كأس العالم بشكل أكبر. يقول لرصيف22: "بدأت بمتابعة المونديال منذ نسخة 1990، وحتى اليوم، وأنا أشجع البرازيل، وبدأت بالعمل في الكازية قبل سنتين تقريباً، والعمل يعيقني عن حضور المباريات كونه يمتد إلى 8 ساعات متواصلة".

ويذكر أنه وجد حلاً لحضور المباريات عبر تبديل فترته مع أحد زملائه، ويقول مع ابتسامة خفيفة: "اتفقت معه على ذلك وأحياناً أحضر له سندويشةً أو بسكوتةً، عربون شكر".

يذكر فارس أنه في إحدى المرات لم يتمكن من تبديل فترته مع زميله لأسباب خاصة، ما دفعه للاستماع إلى المباراة عبر هاتفه المحمول من دون القدرة على مشاهدتها، بسبب طبيعة عمله التي تتطلب تعبئة الوقود للزبائن: "كان أمراً مزعجاً وخاصةً عند تسجيل الأهداف".

استراحة مشاهد

بالقرب من الكازية، يتواجد محمود علي، حيث يقوم بعمله كعامل تنظيف في المنطقة، ويتابع المباريات بشكل قليلٍ مع ابنه. يقول: "أشاهد بعض المباريات مع ولدي عندما أكون في البيت، فهو يتابع كثيراً عبر الإنترنت ومن أجل ذلك اشترينا بطاريةً، وقطعنا عن حالنا".

يمر علي خلال قيامه بعمله بجانب الكثير من المقاهي التي تعرض المباريات وأحياناً يشاهد من خلف الزجاج: "آخذ استراحةً وأتابع قليلاً. أصبحت المباريات المتنفس الوحيد للعالم".

بعض العاملين في مجال الإعلام، طرقت صعوبات العمل بابهم وعقّدت وضعهم قليلاً في متابعة المباريات، "أثير الهواء هو الوحيد الذي يمنعني من حضور كأس العالم"، تتحدث المذيعة حنان الشوفي، عن تجربتها مع مشاهدة مباريات المونديال.

وتقول إن أصعب الأمور التي تواجهها خلال المباريات، حين "أشجع الأرجنتين، وخاصةً مع ميسي، وعندما أذيع نشرات الأخبار وتكون هناك مباراة للتانغو؛ أدخل مع الهاتف الجوال لأعرف النتيجة أو أسأل الزملاء باستمرار عما يحدث".

مناوبات الأطباء

وقف الدوام بنظام المناوبات عائقاً أمام حضور بعض الأطباء لمباريات المونديال، ومنهم طبيب الأسنان عدي عبد الله، الذي يعمل في مركز في دمشق، فهو لم يستطع حضور بعض مباريات الجولة الأولى، إلى أن تمكن تدريجياً من تنظيم دوامه وتبديل مناوبته مع زميله غير المهتم بكأس العالم.

ويقول لرصيف22: "اتفقت مع زميلي على تبديل فترتي من المساء إلى الصباح، بعد مفاوضات شاقة، فهو ينام باكراً".

أحد الحاضرين مشجع برازيلي ‘للعضم’، وبعد قرابة نصف ساعة من انتهاء المباراة أخبرني بأنه يشعر بتسارع في دقات قلبه، فطمأنته بأنها حالة شائعة ونصحته بشكل عفوي: "ابكي بترتاح"

أما الطبيب مصطفى عبسي، فقد نجا من دوامة الدوام قليلاً، كونه يعمل في مجال "أتمتة" القطاع الطبي باختصاص طبيب مخبري، وتالياً فهو قادر على التحكم بوقته وعدد مناوباته.

أما بقية زملائه الأطباء من اختصاصات مختلفة، والذين يتابعون كأس العالم، فيقول عبسي: "أعرف الكثير من الزملاء ممن يقومون بتبديل مناوباتهم مع غير المهتمين بالمتابعة سواء كانوا أطباء أو طبيبات". ويضيف: "عندما يفشل الطبيب في تبديل مناوبته وتكون هناك مباريات حامية الوطيس، يضطر إلى أخذ مناوبتين أو أكثر مقابل مناوبته ‘ذات التوقيت النحس’ كون توقيتها يتصادف مع المباراة".

وحتى إن تمكن الطبيب من ترتيب أمور دوامه، وذهب لمتابعة المباريات، فالمرضى حاضرون، يقول عبسي: "خلال خسارة البرازيل الأخيرة شاهدت المباراة مع أصدقائي وحصل معي موقف طريف في المقهى؛ أحد الحاضرين مشجع برازيلي ‘للعضم’، وبعد قرابة نصف ساعة من انتهاء المباراة أخبرني بأنه يشعر بتسارع في دقات قلبه وطلب منا فتح الشبابيك وفحصه، وفعلاً كان نبض قلبه مرتفعاً، وبعدها حاولت طمأنته بأنها حالة شائعة تحصل بعد المواقف التي يرتفع فيها التوتر".

أما عن نصيحة الطبيب عبسي للمشجع البرازيلي، فكانت بشكل طريف إذ قال: "ابكي بترتاح". ويستذكر بعضاً من أصدقائه الذين كان يتابع معهم مباريات كرة القدم، بعد أن أصبح الكثير منهم في ألمانيا نتيجة الأوضاع الحالية في البلاد، "لدي شلة أصدقاء ما بيحلى حضور أي لعبة إلا معهم، اثنان منهم سافرا إلى ألمانيا لكن إلى اليوم نتواصل عبر الفيديو بعد المباريات حتى نهنّئ بعضنا أو نشمت ببعضنا".

وداعاً للتلفاز

"الله يخليلنا هالتطبيقات"، بهذه الكلمات يتحدث كنان إستانبولي (طالب جامعي)، عن كيفية حضوره مباريات كأس العالم 2022، عبر اعتماده على تطبيقات تسرق حقوق البث بشكل غير قانوني (قرصنة).

ويبيّن إستانبولي لرصيف22، أنه يشاهد المباريات وحده أو مع عائلته وأصدقائه عبر التطبيق، الذي "وفّر له عناء الاشتراكات المرتفعة في القنوات الناقلة للمونديال".

يشكو بلال من ارتفاع أسعار البطاريات، "إذا بدك تحضر المباريات على شاشة التلفزيون لازم تدفع حق سيارة. البطارية بـ800 ألف ليرة وشاحن وإنفرتر 500 ألف أو مولد بمليون و600 ألف حتى تقدر تحضر"

ودفعت الأوضاع الاقتصادية الصعبة وانقطاع الكهرباء الذي وصل إلى أكثر من 11 ساعةً، مشجعي كرة القدم في سوريا إلى البحث عن حلول بديلة لمشاهدة مباريات مونديال قطر، وكان الخيار الأبرز عبر الهواتف المحمولة وتالياً الابتعاد عن شاشات التلفزة التي تحتاج إلى تكاليف كبيرة لتشغيلها عبر البطاريات.

في المقابل، يعتمد البعض على تطبيقات تتيحها شركات الاتصال السورية المحلية، ولكن ترافق ذلك معاناة كبيرة كون تغطية الشبكة غير متوفرة باستمرار بسبب انقطاع الكهرباء، وهذا ما يحصل مع لجين نعمان: "أتابع تطبيقات mtn وسيرياتيل حسب التغطية إذا كانت متوفرةً أو لا".

والكهرباء...

ولكن ماذا عن الكهرباء وشحن الأجهزة؟ لم يترك متابعو مباريات كأس العالم في سوريا طريقاً لإيصال الكهرباء إلى التلفزيون أو أجهزة الموبايل، إلا وسلكوه.

سليمان صبوح، طالب جامعي أعدّ كل التجهيزات اللازمة لضمان متابعة المباريات، يقول: "لدي بطارية وإنفيرتر (رافع جهد)، بالإضافة إلى كمبيوتر محمول وشاحن خاص به على البطارية".

ويضيف لرصيف22: "في حال كانت الكهرباء موجودةً، أتابع عبر الشاشة على القمر التركي والمواقع الإلكترونية، وفي حال انقطعت لفترة طويلة أتابع عبر تطبيقات الموبايل".

من جهتها، امتلكت الطبيبة نور صالح، أكثر من خيار للتخلص من انقطاع الكهرباء، في منزل عائلتها طاقة شمسية تمكّنها من إشعال التلفزيون وما يتعلق به لحضور المباريات، وكذلك يوجد في غرفة بالقرب من المنزل مولد كهربائي.

أما بلال دكور، فهو يشكو من ارتفاع أسعار البطاريات، "إذا بدك تحضر المباريات على شاشة التلفزيون لازم تدفع حق سيارة".

ويبدأ سعر البطارية العادية للشحن من 200 ألف ليرة سورية تقريباً (الدولار = 5،900 ليرة)، أما بطاريات إشعال التلفاز فهي تبدأ من 800 ألف ليرة.

ويقول دكور: "حالياً بدك بطارية 800 ألف ليرة وشاحن وإنفرتر 500 ألف أو مولد بمليون و600 ألف حتى تقدر تحضر".

أهالي بعض المناطق السورية وخاصةً حلب، كان لديهم خيار خاص بهم، وهو نظام الأمبيرات (مولدات الكهرباء الكبيرة التي توزع على المنازل مقابل اشتراك معيّن).

ويقول محمد محمود: "لدي اشتراك أمبير من الصباح حتى المساء، وأتابع عبر المحطات السويسرية على القمر الأوروبي أو عن طريق التطبيقات".

على الرغم من كل المصاعب التي تواجه عشاق كرة القدم في سوريا بسبب أوضاع البلاد، ما زال البعض منهم يصرّ على حضور مباريات مونديال قطر والخروج من دوامة العمل والكهرباء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image