شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل البلكونة هي جزء من بيتي أم من الشارع؟

هل البلكونة هي جزء من بيتي أم من الشارع؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 14 ديسمبر 202201:03 م

أقف أنا وصديقتي سميرة في بلكونة البيت الجديد، أشير لها ناحية النيل مبتسمة وسعيدة بأنني أحظى ببلكونة تطل جزئياً على نهر النيل. بعد دقائق، تزعجنا الضوضاء الصاخبة في الشارع ونبدأ بالإحساس بالخطر، بعد أن أطلقت لنا عدة سيارات "كلاكسات" وأشاروا لنا من خارج نوافذ سيارتهم.

بلكونة ابن الجيران

أقول لسميرة إنني لا أخرج كثيراً إلى البلكونة، رغم أنها نادرة من النوادر أن أحظى ببلكونة في بيت لي منذ حوالي 13 عاماً، ولا أشعر أن في الأمر ميزة أن أستأجر بيتاً له بلكونة، كل ما هو محفور في ذاكرتي عن البلكونة أن أمي كانت تحبها كأكثر مكان في البيت، وكانت حينما تستأجر بيتاً ترى بلكونته أولاً: هل تكشف الشارع وجلستها "مليحة" أم هي خانقة؟

أتذكر أمي في طفولتي تجلس كثيراً بعد قضاء مهام البيت، كالتنظيف والطبخ وتناول للطعام، تجلس مع كوب الشاي المفضل في البلكونة، تنظر إلى المارة، أو بالأحرى تتقصى قصصهم الحزينة وتتخيل ما وراء كل واحد منهم، وحينما تزورنا الخالات أو الجارات تكون تلك جلستها المفضلة.

أذكر كذلك، ابن الجيران في بيتنا الأول، يعاكس المارّات من أسفل البلكونة ويشير إليهن، وحينما كنت أخرج إلى البلكونة لأشارك أمي جلستها، أو حتى لتجربة ما تعيشه أمي من حالة مع تلك البلكونة، أفشل، وأتضايق من وجود ابن الجيران، ربما لأنني أريد أن أحظى بالمشهد بمفردي، أو حتى لا يقول الجيران إنني أتحدث مع ابن الجيران.

أما في الألفية، وحينما انتقلنا إلى بيت جديد، ورغم أن البلكونة كانت في أكثر المناطق مركزية في بلدتنا وتطل على شارع رئيس، لم أشعر أن أمي سعيدة

بلكونة ما بعد الحداثة

كانت تلك حالة بلكونة الطابق الأول، في منزل يطل على شارع شبه رئيس في بلدتنا ويطل على مدرستنا الابتدائية، حيث اعتادت أمي أن تنادي علينا عند انتهاء الدوام الدراسي وتطلب منا الإسراع بالمجيء لتناول الغداء، ورغم ذلك كانت الجلسة هادئة مريحة بعد الساعة الثانية ظهراً.

أما في الألفية، وحينما انتقلنا إلى بيت جديد، ورغم أن البلكونة كانت في أكثر المناطق مركزية في بلدتنا وتطل على شارع رئيس، لم أشعر أن أمي سعيدة. صار الشارع صاخباً وصرنا نسمع ألفاظاً بذيئة تأتينا حتى الطابق السابع، لكن رغم ذلك لم تتخل أمي عن عادتها في احتساء الشاي في البلكونة.

انتقلت في تلك الفترة إلى المدينة الجامعية بالقاهرة، وهناك كانت البلكونة هي المكان الأكثر ازدحاماً من الغرف، حيث كانت تهرب الفتيات إليها ليذاكرن، بعيداً عن ضجيج الغرف وسمر الفتيات، لتصبح تلك الحالة متشابهة لدى الكثيرات، تماماً مثل أن تشرب من كوب عصير في المحل أو تشرب ماء من كوب في الشارع، فتختار المنطقة الملاصقة لليد ظناً منك أنها الأقل استخداماً.

بلكونة تطل على الثورة

بعد قيام ثورة يناير 2011 صرت ملاصقة أنا أيضاً للبلكونة، كان منفذي، أتقصّى منه حالة الشارع بعد كل خطاب من مبارك المخلوع أو حتى انتفاضات مفاجئة من أهل البلدة الصغيرة، وكنت أشاهد أحياناً أعمال التخريب لصور مبارك وحاشيته المعلقة في كافة شوارع المدينة.

لكن بعد تظاهرات يونيو 2013، تغير الوضع، لم أعد أحب الخروج إلى البلكونة ولم تعد تعنيني متابعة حالة الشارع، ولم أحظ أيضاً ببيت له مشهد من بلكونته يسرّ الخروج إليها.

قبل عدة أشهر كنت أحتفل بالبيت الجديد الذي أحظى فيه مجدداً ببلكونة لم أرها منذ عام 2017، لكن هذه المرة لم يدم احتفالي طويلاً، كنت أخرج إليه بين الحين والآخر، وأشاهد أن جيراناً في العمارة المقابلة ينظرون ويحدقون كأنهم يرون فتاة لأول مرة

تحرشات بالبلكونات

في عام 2015 استأجرت بيتاً في منطقة وسط البلد بالقاهرة. قال صديقي الذي كان يعرف صاحبة البيت وأرشدني إليها إن البلكونة تطل على خلفية شركة مغلقة، لذلك أستطيع الاطمئنان إذا أردت الخروج إلى البلكونة. يقصد طبعاً الخصوصية في ارتداء ما أشاء، لأنني كنت مرتدية الحجاب وقتها.

لكن لم أكن أعلم أن الأمر "كمين"، إذ كانت النوافذ الزجاجية عاكسة، فلا أرى من خلفها ولكن هم يرونني جيداً، فكنت آخذ راحتي لأكثر قدر ممكن أن يتخيله أحد عند خروجي إلى البلكونة التي كانت جزءاً من البيت، وفي أحد المرات وجدت نافذة تفتح وخرجت منها شابة يبدو أنها عاملة تنادي أحدهم، وتقول وهي مبتسمة تنظر إلي: "أهي خرجت تعالا". لم أستوعب الكلمة وظللت أحدق بهما، كانت المسافة بيننا حوالي 5 متر فقط هي عرض الشارع.

ذهبت مسرعة إلى مدير الشركة أشكو إليه تلصّص الموظفين عليّ، وفي اليوم التالي كانت جميع النوافذ بها أسلاك تشبه الأسلاك الشائكة، وممنوع على الموظفين فتحها، أما أنا فكانت تلك آخر مرة أخرج فيها إلى البلكونة، وطليت نوافذها جميعاً ومنعت عني شمسها، وبالطبع لعنت صديقي سراً وعلانية عدة مرات.

وقبل عدة أشهر كنت أحتفل بالبيت الجديد الذي أحظى فيه مجدداً ببلكونة لم أرها منذ عام 2017، لكن هذه المرة لم يدم احتفالي طويلاً، كنت أخرج إليه بين الحين والآخر، وأشاهد أن جيراناً في العمارة المقابلة ينظرون ويحدقون كأنهم يرون فتاة لأول مرة، بينما أحد المارة في سيارته، حينما مرّ بأسفل العقار أخرج رأسه من السيارة، ربما لم يصدق أن فتاة تنظر إلى السيارات المارة، ظل يحدق بي ويدير رأسه إلي متطلعاً ومبطئاً السيارة، هل ظنّ أن وقوفي بالبلكون هو دعوة لممارسة الجنس، أو لأنني أطلت النظر إلى السيارة لثلاث ثوان فهذا معناه الموافقة؟

ذهبت مسرعة إلى مدير الشركة أشكو إليه تلصّص الموظفين عليّ، وفي اليوم التالي كانت جميع النوافذ بها أسلاك تشبه الأسلاك الشائكة، وممنوع على الموظفين فتحها، أما أنا فكانت تلك آخر مرة أخرج فيها إلى البلكونة

قاعدة الثواني الثلاث

ولمن لا يعرف قاعدة الثلاث ثواني، فهي قاعدة قاهرية شهيرة، معناها إذا نظرت إحداهن إلى رجل لثلاث ثوان متتالية فهي موافقة على أي شيء يصدر منه. في أحد المرات كنت أسير في الشارع بجوار المحال، وأخطأت في تلك القاعدة وظهر أحدهم أمام طريقي في مجال رؤيتي، فما كان منه إلا أن اقترب مبتسماً في نفس خط سيري، ولو لم أخطُ يميناً لكان التصق بي.

لذلك أصبحنا ننظر إلى الرجال في جزء من الثانية درّبنا أنفسنا عليها، فقط يكفي أن نعرف أن من يسير رجل، لا داعي لأن نطيل ونتعرّف على الملامح.

تقول صديقتي إنها هي الأخرى لا تخرج إلى البلكونة إلا بكامل هيئتها ولا تطيل الوقوف فيها، وأنه ينبغي بدل أن يقول السمسار إن من ميزات البيت بلكونة تطل على الشارع، أن يقول إن جزءاً من الشارع داخل بيتكِ، فإياك أن يغرّكِ الشيطان لتمارسي حريتك به.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard