"الطبخ قادر على كسر الحواجز بين الأشخاص"، هكذا تقول الفود ستايلست هبة عبد العليم للرصيف22، وتذكر أنه يمكن لشخصين أن يتعرّفا من خلال الطبخ، فإذا كان هناك شخصان بينهما "زعل"، يمكن أن ينتهي من خلال الطبخ. وإن كان هناك أشخاص يرغبون في عقد صداقة في ما بينهم "ممكن يطبخوا مع بعض"، وهو ما حصل معها ومع أصدقائها الحاليّين، علماً أن ما جمعهم هو الطبخ وأنها لم تكن تعرفهم قبل ثلاث سنوات، وإلى جانب قوة الطبخ في تعزيز الشعور بالانتماء وكسر الخوف، فهناك المواقف والمفارقات و"الهزار" خلال مشاركة الأصدقاء أو لدى بدء صداقتهم الجديدة.
في هذا الحوار نعرف أكثر عن هبة، وعن عملها كـفود ستايلست، ومتابعيها المليون و100 ألف، وأهمية الطبخ في حياتها.
متى بدأتِ مهنة "الفود ستايلست"؟
الأمر لم يكن مبنيًا على خطة مسبقة، فعقب تخرّجي عملت في شركة استيراد وتصدير فاكهة استوائيّة مستوردة غير متوافرة في السوق، من أجل الفنادق، وكنت أتعامل طوال الوقت مع مكوّنات مستوردة غير موجودة في السوق المصري، يقومون بتصدير أفضل الأنواع الموجودة في السوق غير المباعة في السوق المحلي. فكنت أتعامل مع مكوّنات غير متوافرة، وهو أمر يُنمّي لديكِ تجربة "حاجات على حاجات"، أو نُجرِّب وصفة جديدة، أو نضع شيئاً على شيء آخر ثم نقوم بتطويره. تلك كانت فرصة بالنسبة إليّ كي أقوم بتجربة كل الأكلات "اللي نفسي فيها، وإن محدّش يقولي إن دا حلو أو وحش أنا بجرب لنفسي؛ طلعت حلوة تمام، طلعت وحشة مش هعملها تاني". حتى أنني أتذكر أن أوّل وصفة قمت بتجربتها كانت "مكرونة بالجرجير"، وحين وضعت الجرجير على المكرونة لم يعجبني مذاقه لأن المكوّنات الأخرى معه لم تكن لطيفة، ولكن كانت فرصة لطيفة أن أطبخ لنفسي كل الأكلات التي أشتهيها.
وبدأت أطبخ بشكل احترافي عقب ثورة 2011، وبعد الفترة التي حكم فيها الإخوان المسلمون. دخلت في مرحلة اكتئاب شديد ومررت بمرحلة صعبة خصوصاً أن وجود الإخوان يُخيفني، ووجود التيّارات الإسلاميّة دائماً يتسبّب لي في اختناق. حين وصلوا إلى الحكم شعرت باكتئاب، وتوقعت أنني سأخسر شيئاً وكنت خائفة على أمنياتي. لاحظت أن تلك حالة عامة، وانسحبت سيدات ليقمن بأعمال بيتوتيّة أكثر.
كنت في المطبخ عندما تمّ الإعلان عن أن محمد مرسي هو رئيس الجمهورية. جلست هناك 16 ساعة لا أستطيع الخروج وظللت أنظّف المطبخ والأركان بكل تفاصيلها. قمت بطهو أكثر من سبع أكلات وأنا أعلم أنه لن يتناولها أحد. كنت ألهي نفسي عن الكارثة التي أشعر بها
أذكر أن صديقة لي بدأت تحترف شغل "التريكو" والأشغال اليدوية، وأخريات بدأن يتحدّثن عن تربية الأولاد، وذلك لشعورهن بخسارة المجال العام، فأصبحنا نبحث عن أمور نتمسك بها، كنت في المطبخ عندما تمّ الإعلان عن أن محمد مرسي هو رئيس الجمهورية. جلست هناك 16 ساعة لا أستطيع الخروج وظللتُ أنظّف المطبخ والأركان بكل تفاصيلها حتى لا أخرج من المطبخ. قمت بطهو أكثر من سبع أكلات وأنا أعلم أنه لن يتناولها أحد وأنه سيتم وضعها في الثلاجة أو "الفريزر"، فكنت ألهي نفسي عن الكارثة التي أشعر بها، وهذا كان من أصعب الأيام في حياتي.
وتتابع: "ثم بدأت أناقش أموري عبر "السوشيال ميديا"، وامتنعت تمامًا عن الكتابة في السياسة. شعرت أن الهزيمة كاملة ولا بد من أن أجد لي مخرجًا، وكان المخرج هو وصفات الأكل التي كنت أشاركها مع صديقاتي "بجرب وصفة حلوة وأحط صورة على الفايسبوك "ولو عجبت حد بقولهم أنا عملتها بالشكل دا، علمًا بأنني لا أقول لأحد أن يُجربها"، فقط أضع الصورة إذا طلب أحد أرسل له الطريقة، لأنني كنت بدأت أنسحب وأتقوقع، ولكني فوجئت بأن صديقاتي اهتممن بما فعلته وصرن حريصات أن "يعملوا أكلة حلوة، أو وصفة، أو أكلة جديدة كنوع من أنواع التجديد.
وفي هذا الوقت كان هناك موقع تمّ تدشينه، وكان قائمًا على السيدات المهتمات بتقديم وجهة نظر، أن تكون لدينا حياة آمنة، ونقوم بمساندة بعضنا البعض، ونحقق أحلامنا. وصرت أكتب وصفاتي لديهن وكان الأمر بسيطاً وجميلاً. حينها كنت أكتب في كل الأقسام، علماً أنه في السابق كنت أكتب أشعاراً ونصوصاً ولكن لم أكن أنشرها سوى في دوائري المُقرّبة. في ذاك الوقت، كنت أشارك كتاباتي لدعم المرأة، وبدأت أكتب عن تجاربي الشخصية أو عن وجهات نظري في الحياة، والميزة هنا أننا لم نكن نتحدث في السياسة.
وماذا أيضاً عن الوصفات التي كنت تقدمينها؟
حينها زاد متابعو وصفاتي، وكنت حريصة على أن يتم وضع كل الوصفات في مكان يمكنهم الرجوع إليها. فقمت بتدشين صفحة "هبة في المطبخ" عام 2012، لأضع فيها "لينكات" المقالات الخاصة بي، أو "لينكات" بعيدة عن الموقع، أو أضع صورة مرفقة بها الوصفة وعدد المتابعين المليون و100 ألف. ولا توجد فيها مناقشات في السياسة. وكان السبب الأساسي في أنني أطبخ، وأن يكون الأشخاص بعيدين عن الاستقطاب السياسي، خصوصاً أنه كان في هذا الوقت مرعباً، لكن الشيء الوحيد الذي لم يكن يستقطب هو الطبخ.
حدثينا عن أصدقائك في المطبخ؟
لا أقف في المطبخ من دون كتب المطبخ وسماع الموسيقى، ويظل الكتاب بجواري حين أطهو أكلة تتطلّب وقتاً، فهناك أكلات تستغرق ست ساعات باستخدام طرق الطهو البطيء. أنا أقرأ مذ كان عمري خمس سنوات، وكانت أمي لديها فكرة لطيفة جداً، ولها الفضل في ما أنا عليه حاليًا، والدي كان يعطيني مصروفي كل يوم، ووالدتي تشتري لي الحلوى من مختلف أنواعها في نهاية الأسبوع، كانت تقوم بشراء قصتين من المكتبة الخضراء.
لا أقف في المطبخ من دون كتب المطبخ وسماع الموسيقى، ويظل الكتاب بجواري حين أطهو أكلة تتطلّب وقتاً، فهناك أكلات تستغرق ست ساعات
وكنا نقرأ القصة "على يومين". وفي هذا الوقت، كنت أذهب إلى الحضانة وأتعلم الحروف والقراءة حين كان عمري خمس سنوات، وكانت تُجلِسني بجوارها وتطلب مني أن أقرأ الحروف وأقوم بتشبيكها. وتعلمت أن "أُشبِك الحروف ببعضها البعض"، وهذا حدث قبل ذهابي إلى المدرسة، وحين صرت قادرة على القراءة فهمت أهمية الكتاب. في أول ابتدائي كنت قادرة على القراءة والكتابة بشكل جيد، وأذهب إلى المدرسة وفي حقيبتي قصة وزميلاتي لم يعرفن ما هذا، والمدرسات كنّ يأخذن القصة ويروينها على باقي الفصل، فكان هذا الأمر مهماً بالنسبة إلي. وأتذكر قصة كنت أحبها عن أميرة لديها ثلاث ريشات. علماً أنني دخلت المدرسة وعمري سبع سنوات.
هل كان دخولك هذا العالم مُدبراً؟
بطبيعتي محاربة، وحين أرى شيئاً أحبه بشكل تام، ولكن إذا شاهدت شيئاً أحبه لا أكتفي فقط بأن تكون لدي معرفة به، ولكن أحرص على إتقانه بشكل تام، ثم أفكر لماذا لا أعمل في مجاله؟ ثم لماذا لا أكون أفضل؟ وبدأت إلى جانب الطبخ أسلّط الأضواء على كوني "فود ستايلست"، وكنت حين أنشر الصور أكتب هاشتاغ "فود ستايلينغ"، وكان الهاشتاغ يلفت نظر المهتمين ويسعدهم في الوصول لذلك، ومن هنا بدأت أُرسي أنني لست أطبخ فقط ولكني أيضاً "فود ستايلست".
أتذكر أول يوم كان صعباً جداً خصوصاً أنني كنت أتنقل من منزل إلى منزل آخر وكانت أشيائي موضوعة في علب وبعضها فقدته، وحينها أتصل بي مصوّر وقال لي إنه كان معه "فود ستايلست"، ولكنها لم تنزل ولا بد من أن أنزل معه إن استطعت، وشرحت له ظروفي فقال لي إذا استطعت وبالفعل كانت إجابتي: "أنا جاية". ونزلت وقمت بعمل الشغل الذي لم يكن جيداً، الشغل لم يكن أفضل شيء لأني لم أأخذ معي إمكانات زيادة، ولم أكن في كامل تركيزي، وكنت أفكر أكثر في "السباك" الموجود بالمنزل ولكن على الأقل ذهبت "وعملت صور كويسة"، ومنهم صور موجودة في "البورتفوليو" الخاص بي، والفكرة هنا "حين تأتي الفرصة لا تقول لها "لأ"، ومنذ ذلك الوقت صرت "فود ستايلست" مختلفة، "وعرفت أعمل إيه عشان حياتي تكون أفضل".
وكيف تتعاملين مع عملاء "الفود ستايلينغ"؟
"بيزنس از بيزنس". نتعامل بأننا نعمل معاً، "بحدد هعمل إيه بالضبط، والعميل عايز مني إيه تحديداً". في كل عمل يكون هناك معرفة بقيمة هذا العمل، والأهم نجلس معًا قبل العمل ونتفق على التفاصيل: على الألوان، والإضاءة، والشكل الذي يتم التصوير به، وهكذا المقابل المادي الخاص بي وكيفيّة تسلّمه. علماً أنني كنت أشعر بحرج في البداية فيما يتعلق بالماديات، لكني وجدت بعدها طُرقاً أفضل أطلب فيها مقابلاً مادياً، وأهم شيء أن اتفق مع العميل "هو محتاج إيه وأنا هعمل إيه"، وهل متوافق ضمنياً مع ما يحتاجه أم لا.
يمكن أن نجتمع أكثر من مرة حتى نتفق على الطعام الذي سنقوم بعمله والأدوات التي سأقوم باستخدامها، خصوصاً أنني أجلب الأطباق والأدوات وأعرضها عليه ليوافق عليها. الأمور الواضحة منذ البداية مريحة بشكل عام، وحين نتفق تصبح الأمور على ما يرام. وأتمنى الاستقرار لمهنة الفود ستايلست، علمًا أن العميل في مهنتنا الذي أقوم بتصويره لا أصوّره مرة أخرى، وعملي لا يتم معه، ولكن مع الوكالة التي تقوم بترشيحي لتنفيذ "الشغل دا للعميل الفلاني". والمشكلة هنا تتجسد في أن العملية بأكملها غير مستقرة ومرتبطة بالعلاقات الشخصية، وهو ما يحرم الكثيرين من الحصول على تلك الفرصة. هناك مضاربة في الأسعار بالسوق، وفي أوقات غير مستقرة، علماً أنهم يضربون الأسعار.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 17 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين