داخل فندق عائم على نهر النيل بدائرة مدينة إدفو في محافظة أسوان جنوب مصر، وقف عامل يحمل أكياساً بلاستيكية معبأة بكميات من المخلفات الصلبة والعضوية، الناجمة عن أعمال النظافة في الفندق، يطوّحها في مياه النيل، وعلى الجانب الآخر؛ التقطت عدسة كاميرا موبايل ما فعله العامل خلسة، قبل أن يُتداول الفيديو على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
"والله حرام"... هكذا علق مصور الفيديو أثناء تصوير واقعة إلقاء المخلفات في مياه النيل، قبل أن ينشره يوم 4 ديسمبر/ كانون الثاني الحالي على حسابه بتطبيق تيك توك الصيني. وواصل ساخراً: "لا ويقولوا عاوزين نهر النيل نضيف! منين ينضف والأشكال دي فيه؟".
@kingdwd4242 ♬ الصوت الأصلي - Abdulmalik 4824
ووفقاً لما وثّقه مقطع الفيديو، تتبع المنشأة العائمة شركة "بريميوم"، وبالبحث تبين أن الفندق السياحي العائم دخل الخدمة في عام 2008، ونطاق سيره بين محافظتي الأقصر وأسوان.
وبسبب "فيديو النفايات"، حصلت العائمة على تقييمات متدنية وتعليقات سلبية على جوجل، كان أبرزها تعليق " يلقون نفاياتهم في نهر النيل".
أحدث الفيديو جدلاً واسعاً وتساؤلات حول الرقابة على الفنادق العائمة في نهر النيل، ومدى وعي العاملين في العائمات بقضايا البيئة.
بسبب "فيديو النفايات"، حصلت العائمة على تقييمات متدنية وتعليقات سلبية على غوغل "جوجل"، كان أبرزها التعليقات السلبية: "يلقون نفاياتهم في نهر النيل"
ودفع ذلك وزارات السياحة، والموارد المائية والري، وجهاز شؤون البيئة التابع لوزارة الدولة للبيئة، وشرطتي البيئة والمسطحات المائية، إلى التحقيق في الواقعة. وهو ما أسفر عن إيقاف مدير المنشأة الفندقية العائمة لمدة ثلاثة أشهر بتهمة الإضرار بسمعة مصر السياحية، وسحب ترخيص المنشأة العائمة.
واعتذرت الشركة المالكة للمنشآة العائمة عما بدر من أحد عامليها، مؤكدة أنه تم فصل العامل من عمله بعد ثبوت مخالفته لضوابط العمل، وتحرير محضر رسمي ضده.
غير أن وقائع إلقاء المخلفات في مياه النيل ليست جديدة، ففي عام 2017 ضبطت شرطة البيئة والمسطحات 1934 قضية إلقاء مخلفات في مياه النيل، وفي 2018 ارتفعت عدد قضايا إلقاء المخلفات لتصل إلى 2113 قضية، وفي 2019 وصلت إلى 2115 قضية"، وفقاً لدراسة " دور شرطة البيئة والمسطحات في حماية مياه نهر النيل من التلوث".
بحسب جهاز شؤون البيئة، فإن 150 مليون طن من النفايات الصناعية ينتهي بها المطاف في نهر النيل كل عام، رغم ما يمثله النيل من أهمية وشريان حياة لأكثر من 100 مليون مصري.
جهاز شؤون البيئة: 150 مليون طن من النفايات الصناعية ينتهي بها المطاف في نهر النيل كل عام، رغم ما يمثله النيل من أهمية وشريان حياة لأكثر من 100 مليون مصري
لا يوجد التزام بيئي
قال مدير منشأة فندقية عائمة بمحافظة أسوان - طلب عدم ذكر اسمه - في اتصال هاتفي مع رصيف22، إن إجمالي عدد الفنادق العائمة في محافظتي الأقصر وأسوان يبلغ نحو 225 فندقاً، يعمل منهم حالياً 160 فندقاً فقط، مضيفاً أن نسبة كبيرة من أصحاب الفنادق العائمة لا يلتزمون بالاشتراطات البيئية وحماية نهر النيل.
يؤكد حديث المصدر السابق دراسة تأثير السفن النيلية على البيئة، الصادرة عن مجلة اتحاد الجامعات العربية للسياحة والضيافة عام 2015، التي وجدت أن "أغلب العاملين في الفنادق لا يلتزمون بالتعليمات الخاصة بالتخلص من النفايات".
وفقاً للدراسة، يشترط القانون أن يكون للفنادق حاويات لتخزين النفايات، ثم التخلص منها في محطات ومراسي مخصصة لذلك عبر شركات متعاقدة مع الحكومة وأصحاب العائمات، لكن معظمهم (الفنادق) لا يتبعون هذه الإجراءات الضرورية، وبعض العاملين غير مدركين لقضايا البيئة.
ويلزم القانون رقم 48 لسنة 1982 في شأن حماية النيل والمجاري المائية من التلوث، ملاك العائمات السكنية والسياحية في نهر النيل بإيجاد وسيلة لعلاج مخلفاتها أو تجميعها في أماكن محددة، وحظر صرف أي من مخلفاتها على النيل أو مجاري المياه، وإذ تبين مخالفة الملاك للمادة، يعطى مالك العائمة مهلة ثلاثة شهور لاستخدام وسيلة للعلاج وإزالة مسببات الضرر، فإذا لم يتم ذلك بعد انتهاء المهلة يلقى ترخيص العامة.
ويعاقب القانون بغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد عن عشرين ألف جنيه كل من خالف أحكامه، وفي حالة العودة تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد عن سنة مع غرامة مالية مع التزام المخالف بإزالة الأعمال المخالفة أو تصحيحها في الموعد الذي تحدده وزارة الموارد المائية.
يفسر مالك الفندق لرصيف 22 تخلص بعض الفنادق العامة من نفاياتها في النيل، بخروج العديد من العاملين المدربين من قطاع السياحة منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى جائحة كورونا، إذ اضطرت الشركات الاستعانة بعمالة غير مدربة دخلت المجال من باب سد العجز، وفقاً للمصدر.
عمرو صدقي الخبير السياحي والرئيس الأسبق للجنة السياحة والطيران في مجلس النواب، يلقي في حديثه لرصيف22 باللائمة على العاملين بالفنادق العائمة، متهماً إياهم أنهم لا يراعون الاشتراطات البيئة وحماية نهر النيل من التلوث، وذلك بسبب غياب التدريبات الكافية لهم.
توقف النشاط السياحي في مصر منذ 19 مارس/ آذار 2020 بعد تعليق حركة الطيران بسبب جائحة كورونا. وفي 1 يوليو/ تموز من نفس العام عادت حركة الطيران، وسمحت الحكومة للفنادق بإعادة التشغيل مع وضع ضوابط للسلامة الصحية.
يلقي المسؤولون وكبار رجال الأعمال في قطاع السياحة باللائمة على العاملين ونقص وعيهم البيئي، ولكن لا يجري محاسبة أصحاب هذه الفنادق العائمة على توفير المساحات والآليات المناسبة لاختزان وفرز النفايات بشكل آمن، والتخلص منها في المراسي المخصصة بطريقة سليمة
وفقاً لصدقي كان ينبغي على الحكومة استغلال فترة التوقف السياحي الإجبارية أثناء جائحة كورونا لتدريب العاملين بقطاع السياحة وتطوير القطاع وما يحتاجه من خدمات معاونة، " إحنا طلبنا من الوزراء في فترات توقف كورونا، تدريب العاملين على الوعي البيئي وعلى صناعة السياحة بشكل عام، لضمان أيضاً عدم تسرب العاملين من مجال السياحة بسبب التوقف، لكن ما حدث أنه لم يحصل تدريب بالشكل الكافي".
تعدد الجهات الرقابية
أكثر من جهة رقابية تشرف على مياه النيل وتراقب المخالفات والتعديات على النيل، تتمثل في وزارات البيئة والسياحة والتنمية المحلية والداخلية، كل وزارة تتولى مسؤولية الرقابة على مياه النيل باختصاصات متشابكة مع بعضهم، ورغم ذلك فإن حالات تلوث نهر النيل لا زالت مستمرة، مع تراجع واضح للإشراف البيئي مقارنة باهتمامات التشغيل الأخرى.
تقول النائبة ندى ألفي ثابت، عضو مجلس النواب، إن نهر النيل شهد خلال السنة الماضية فقط ظهور أكثر من 90 بقعة بترولية في منطقة جنوب الصعيد، نتيجة قيام الفنادق العائمة والبواخر السياحية - والتي أغلبها غير مرخصة ولا تنطبق فيها الاشتراطات ولا المواصفات اللازمة، إلى جانب المصانع المُطلة على نهر النيل والمنتشرة على طول شريطه - إلى عدم التخلص من نفاياتها بشكل آمن.
وفي طلب إحاطة مقدم إلى رئيس المجلس المستشار حنفي جبالي، طالبت بإنشاء "منظومة واحدة لفرض الرقابة على تخلص المنشآت النيلية من مخلفاتها بدلاً ما هو عليه الحال الآن، من تبعثر الرقابة على أكثر من جهة ما بين البيئة ووزارة السياحة والتنمية المحلية والداخلية".
وتحدث الخبير السياحي عمرو صدقي عن تعدد جهات الرقابة على النيل قائلاً:" طول عمرنا نشكو من كثرة الجهات الرقابية، ولما بيكون في تعدد المسؤولية تضيع في النصف، لكن لما نوحد ويكون فيه جهة مسؤولة مثل وزارة السياحة، تتحمل مسؤولية الرقابة وتطبيق المعايير التي ترغب الوزارات الأخرى في تطبيقها، سيمنع ذلك فتح باب خلفي للفساد".
خبير سياحي: كان ينبغي على الحكومة استغلال فترة التوقف الإجبارية أثناء جائحة كورونا، لتدريب العاملين بقطاع السياحة، وتطوير القطاع وما يحتاجه من خدمات معاونة
وأكمل حديثه: "المستفيد الوحيد من تعدد الجهات هو الموظف المنتدب من الجهة، الذي في الغالب سيتغاضى عن تنفيذ الاشتراطات البيئية مقابل الحصول على أموال".
في سبتمبر 2003 وقعت الإدارة العامة لشرطة البيئة بوزارة الداخلية بروتوكول تعاون مع وزارة البيئة، تضمن الاتفاق التزام الشرطة بتوفير العنصر البشري من (ضباط - أفراد - جنود - عاملين) وكل ما يلزم لتشغيل المقار اللازمة لإنشاء وحدات شرطة البيئة والمسطحات على مستوى الجمهورية.
وحسب المادة 13 من قانون رقم (48) لسنة 1982 في شأن حماية نهر النيل من التلوث "تتولى إدارة شرطة المسطحات المائية التابعة لوزارة الداخلية عمل دوريات تفتيش مستمرة على طول مجاري المياه ومساعدة الأجهزة المختصة في ضبط المخلفات وفي إزالة أسباب التلوث والإبلاغ عن أية مخالفات لأحكام هذا القانون".
ورغم صعوبة مراقبة السلوك البيئي للفنادق العائمة طوال الـ 24 ساعة حسب الخبير السياحي عمرو صدقي، أكد الدكتور عباس شراقي أستاذ الموارد المائية لرصيف 22، إن "مفيش منشأة سياحية تمر في نهر النيل لمسافات طويلة إلا وعليها فرد من شرطة المسطحات المائية"، حيث يتناوبون على العمل بتسليم المهام على رأس كل محافظة، ويتوقف الأمر على مدى قيام هذا الفرد بدوره في الرقابة أم لا؟ وفقاً لشراقي الذي طالب بفرض الرقابة على العائمات النيلية بصورة أكثر فاعلية.
تكلفة التلوث
تشير دراسة تأثير السفن النيلية على البيئة، - التي سبقت الإشارة إليها- إلى أن الوقود المستخدم في قيادة السفن من المصادر الرئيسية لتلوث النيل، حيث يتسرب جزء منه في المياه أثناء الصيانة أو أثناء التزود بالوقود، فضلاً عن أن العائمات النيلية تتخلص من مواد الغسيل في نهر النيل، والتي يحتوي معظمها على مواد كيميائية خطيرة يمكن أن تسمم الأسماك وتسبب مشاكل صحية للناس.
ويقول الدكتور عباس شراقي إن الملوثات النيلية تؤثر على جودة المياه وليس كميتها، وتقاس جودة المياه وفقاً لشراقي بنسب الملوحة في المياه العذبة، مضيفاً أن نسبة الملوحة في النيل تصل في أسوان إلى 200 جزء في المليون، وترتفع في القاهرة إلى 300 جزء في المليون؛ أي أنها تزيد 100 جزء في المليون عند القاهرة، بفعل تعرض مياه النيل للملوثات الصناعية من أسوان إلى القاهرة.
ويؤكد أستاذ الموارد المائية أن نسبة التلوث في مياه النيل من بين الأعلى في العالم، لهذا وضعت دراسة صدرت من مركز برلين لدراسة البيئة والصحة، نهر النيل من بين 9 أنهار عالمية مسؤولة عن التلوث العالمي، لأنها يحمل ملايين الأطنان من النفايات البلاستيكية.
دراسة: الوقود المستخدم في تشغيل المنشآت السياحية من الأسباب الرئيسية لتلوث النيل، حيث يتسرب جزء منه في المياه أثناء الصيانة أو التزود بالوقود، فضلاً عن أن العائمات النيلية تتخلص من مواد الغسيل في النهر، ويحتوي معظمها على مواد كيميائية خطيرة يمكن أن تسمم الأسماك وتسبب مشاكل صحية للناس
ويرى شراقي أن نسبة ملوحة المياه وغيرها من الملوثات تظل في الحدود الآمنة ويتم تصفيتها بواسطة محطات المياه، مع وضع نسبة من الكلور للقضاء على البكتيريا الضارة، لكنه حذر من العناصر الكيميائية الناتجة عن العائمات والقرى ومخلفات المصانع التي يقترب صرفها من نهر النيل مثل الحديد والرصاص والمنجنيز، لأن محطات التنقية ليس لديها القدرة على التخلص من هذه المواد، مما يعرض حياة المواطنين للخطر.
وتشير دراسة تأثير السفن النيلية على البيئة إلى أن أي تدهور في المصادر الطبيعية للبيئة (البحار والأنهار والبحيرات والجبال) يمكن أن يؤدي إلى تراجع السياحة. وفي هذا الصدد، يقول الخبير السياحي عمرو صدقي إن " استسهال الناس وعدم التزامهم بالتخلص من النفايات يضر بسمعة مصر السياحية". مضيفاً "لما السائح يشاهد عدم احترام المرافق السياحية سيمتنع عن القدوم، ويصبح النيل مقلب زبالة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 17 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت