شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
مصوّرون لبنانيون سخّروا عدساتهم خدمةً للطبيعة...

مصوّرون لبنانيون سخّروا عدساتهم خدمةً للطبيعة... "نُظهر جمالها وننشر الوعي حولها"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

السبت 10 ديسمبر 202212:54 م

منذ سنوات، تفرغ اللبنانيان سامر حلواني وزوجته شرين سلام، لتصوير الطبيعة بشكل احترافي. يروي سامر (41 عاما)، لرصيف22، أهمية تصوير الطبيعة اللبنانية، فبرأيه من خلال توثيق الحياة البرية وحركتها وكيف تتعايش الطيور وتتغذى، وإظهار جمال الحياة البرية، ستتغير نظرة الإنسان إليها.

ويقول سامر، الذي يقطن في بيروت ويعمل في مجال التجارة: "إذا وضعنا صورةً لطائر على غصن شجرة وهو يتغذّى على حبة فاكهة أو دودة، نسلط الضوء أولاً على أهمية الطيور والحياة البرية للبيئة، وتالياً لحياة الإنسان، وثانياً على جمالها وأهميتها، وكذلك الأمر عندما نصوّر الحياة البحرية، فعند تصوير كمية السلاحف أو الأسماك في بحر بيروت، وإظهار جمال أعماق البحر، نوصل رسالةً إلى الجميع بأن ينتبهوا إلى هذا البحر وأهميته للإنسان، فهو مصدر رزق الصيادين وغذاء للمواطنين، وبذلك نشجع الناس على عدم رمي النفايات في البحر للحفاظ على جماله ونظافته. العدسة تساعد على إظهار الفائدة من الحياة البرية والبحرية للإنسان".

بدورها، فإن حب شيرين ابنة الثامنة والعشرين عاماً، لرياضة "الهايكينغ"، جعلها تكتشف غنى لبنان بطبيعته الخلابة، واحتواءه على عشرات الأنواع من الطيور والنباتات والأشجار والحشرات، وهذا ما دفعها لأن تقوم بهذه المهمّة، أي إظهار جمال لبنان للعالم.

سامر حلواني

وتقول في حديثها إلى رصيف22: "صممت أن أتعلّم التصوير، فتسجّلت في دورة قبل سنوات عدة، والذي أفادني أكثر خلال الدورة هو التطبيق العملي، فصرت أتجول بكاميراي في العاصمة بيروت ومختلف المناطق اللبنانية، واكتشفت أن هناك عشرات الأنواع من الطيور تعيش في مدننا، وبين الناس، بالرغم من الاكتظاظ السكاني، وهي طيور مميزة وجميلة".

أما كميل الريس، ابن الثانية والأربعين عاماً، فهو مصوّر محترف يقطن في عاليه في جبل لبنان ويملك مطبعةً خاصةً. إن غابت عدسة كاميراه فعدسة طائرته التي من دون طيار "الدرون"، حاضرة لالتقاط جمالية لبنان من الجو.

اكتشفت أن هناك عشرات الأنواع من الطيور تعيش في مدننا، وبين الناس، بالرغم من الاكتظاظ السكاني.

يروي كميل لرصيف22، دافعه لهذه المهمّة الشاقّة في الكثير من الأحيان: "الغنى الطبيعي الموجود في لبنان يشكّل حافزاً قويّاً ويستثير عدسات المصورين، خاصّةً أولئك الذين يعشقون الطبيعة وما فيها. بالنسبة لي، الطبيعة ملجأ للراحة والسكينة واستثمار للوقت في مساحات الهدوء، وهو ما يشكل وقوداً للاستمرار في الحياة عامة، من هنا بدأت أوثّق جماليّة الطبيعة اللبنانية الغنيّة والمتنوعّة، وأصبحت من أجمل أهدافي الإضاءة على تلك الايجابية المزروعة في المساحات الخضراء التي تعدّ أساساً متيناً في بنية لبنان ونهضته مستقبلاً، على قاعدة أن الأرض تبقى والبشر يرحلون، وطالما نحن نحافظ على هذا الإرث الربّاني الجميل، فنحن بألف خير".

ومع تطور كاميرات التصوير وتوافرها بأسعار مقبولة نسبيّاً، كذلك تطور وحداثة أجهزة الهاتف الخليوي المزوّدة بعدسات مميزة، بات من السهل التقاط الصور لأي شيء يحصل وبشكل سريع جدّاً. لذا انصرف كثيرون من اللبنانيين ممن وجدوا لديهم هواية التصوير لتوثيق ما يحلو لهم، لكن هناك أشخاصاً من عشاق الطبيعة والبيئة والحياة البرية والبحرية، سخّروا جهودهم وعدساتهم لتظهير روعة الطبيعة بكل مكوّناتها، وهم ينشرونها اليوم على منصاتهم التي يتابعها الآلاف من كل أنحاء العالم.

العدسة عنصر مهم لجذب السياح

أهمية الصورة التي تلتقطها العدسة تكمن في توثيقها حدثاً أو لقطةً معيّنةً في الطبيعة، لكن الأهم من ذلك انتشار هذه الصورة أمام الملأ، والذي يساعد أكثر في هذا الموضوع مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات المصوريّن الذين ينشرون عبرها لقطاتهم المميزة، فيتعرّف عليها اللبنانييون وغير اللبنانيين.

إذا وضعنا صورةً لطائر على غصن شجرة وهو يتغذّى على حبة فاكهة أو دودة، نسلط الضوء أولاً على أهمية الطيور والحياة البرية للبيئة، وتالياً لحياة الإنسان، وثانياً على جمالها وأهميتها، وكذلك الأمر عندما نصوّر الحياة البحرية، نوصل رسالةً إلى الجميع بأن ينتبهوا إلى البحر وأهميته للإنسان

عثمان طالب (22 عاماً)، مصوّر وناشط بيئي من عكّار شمال لبنان، من خلال صفحته وصوره بات الناس على معرفة بجبال عكّار الجميلة وطبيعتها الخلّابة، ويروي لرصيف22، تجربته في هذا الصدد، إذ يلفت إلى أن الكثير من اللبنانيين لم يزوروا عكّار، وليست لديهم أدنى فكرة عن طبيعتها.

شيرين سلام

ويتابع: "من خلال الصور التي نلتقطها بتنا نعرّف اللبنانيين عليها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأجانب، فكثيرون منهم باتوا يتواصلون معنا ويبدون رغبةً كبيرةً في المجيء إلى لبنان لزيارة عكّار والتعرّف على جمالها وطبيعتها الخلابة، وهناك الكثير منهم جاءوا إلينا وعرّفناهم على المنطقة من البحر والجبل والسهل، حتى النباتات والحشرات. نقدّم لهم المعلومات الوافية لكي نشد العالم لزيارتها والتعرف عليها من قرب".

يشير عثمان إلى أن "عكّار لا تحتوي على الكثير من المحميات، لذلك من خلال صورنا والمعلومات التي ننشرها أو عمليات التوثيق التي نقوم بها، بدأنا نضغط على الدولة كي تصبح لدينا محميّات في المنطقة من خلال رفع الصوت عالياً في مناسبات عدة، لأن عكار بأمسّ الحاجة إلى أن تكون محميّةً بموجب القانون، من أجل وضع حد للقطع الجائر للأشجار والتخريب الكبير الذي تسببه بعض الكسارات والمرامل للجبال الجميلة".

هواية التصوير تقرّب الصيّاد من الطيور والحيوانات ودورة حياتها، وتنمّي لديه التعاطف معها.

ولا يخفي عثمان في حديثه سعادته بتغيّر في سلوكيات وعقلية الأهالي، ويقول: "في البداية كان الناس يضحكون أو يتندرون علينا، عندما يشاهدونني مع زملائي في مجموعة ‘درب عكار’، نحمل الحقيبة والكاميرا ونسير في الجبال، ويصفوننا بالمجانين. اليوم أصبحوا يسألوننا متى موعد المسير التالي كي يرافقونا، فضلاً عن استفادتهم من بيع المونة البلدية والمنتجات الحرفية وغيرها للسياح والزائرين، فهذه النشاطات تحرّك العجلة الاقتصادية".

بدورها، تؤكد شيرين على أهمية نشر الصور، لتعريف الناس على الطبيعة اللبنانية، وتروي تجربتها عندما كانت تدرس في لندن: "عرضت صوري التي التقطها من لبنان لزملائي الأجانب، وكانوا يتفاجؤون من أن كل هذا الجمال موجود فيه كمناظر وتنوّع، أنا أحرص على أن أقدّم صورةً جميلةً عن لبنان لأنه فعلاً بلد جميل".

عثمان طالب

صيادون استبدلوا بنادقهم بالكاميرا

لنشاط تصوير الطبيعة آثار أخرى، ففي اتحاد مجموعات الصيد البرّي في لبنان والذي يضم مجموعةً كبيرةً من الصيادين المحترفين، وينفذ أنشطةً تُعنى بالبيئة والطبيعة اللبنانية، آثر المسؤولون عنه إدخال تصوير الطيور كبديل من الصيد في أوقات التزاوج أو عبور الطيور بهدف التزاوج، وكذلك في أوقات التفقيس والتفريخ ونمو الفراخ، وذلك في الفترة الممتدة بين الأول من آذار/ مارس وحتى بداية شهر آب/ أغسطس.

رئيس الاتحاد حسن عبد الحسين سلمان (51 عاماً)، يرى خلال حديثه إلى رصيف22، أن هواية تصوير الطيور هي إحدى بدائل الصيد الحقيقية، التي تعتمد أيضاً على رياضة التخفّي والترصّد من أجل الظفر بصورة للطائر المطلوب، وتتطلّب كما الصيد قدراً من المهارة والحس الفني، ويقول: "هواية التصوير تقرّب الصيّاد من الطيور والحيوانات ودورة حياتها، وبذلك تنمّي لديه التعاطف مع تلك الحيوانات، ويتعرّف الصيّاد من خلالها على الصعوبات والتحديات التي تواجهها، بما يخفّف من اندفاعه ويضبط رغبته في صيد ما يفيض عن حاجته من هذه المخلوقات".

وينبّه سلمان إلى أن الاتحاد يسعى إلى إقناع الصيادين بالالتزام بالقانون وعدم الصيد خلال موسم التزاوج وغيره، عبر نشر المعلومات والمفاهيم البيئية، ويلفت إلى أن نسبة الاستجابة لدى الصيادين تصل إلى 30%، متمنّياً أن ترتفع النسبة في المستقبل، ويأمل من الأجهزة الأمنية تفعيل عملها في بسط الأمن وتطبيق القانون كي لا تنتهك الطبيعة والبيئة.

بالنسبة لي، الطبيعة ملجأ للراحة والسكينة واستثمار للوقت في مساحات الهدوء، وهو ما يشكل وقوداً للاستمرار في الحياة عامة، من هنا بدأت أوثّق جماليّة الطبيعة اللبنانية الغنيّة والمتنوعّة، وأصبحت من أجمل أهدافي الإضاءة على تلك الايجابية المزروعة في المساحات الخضراء

نقل ثقافة التصوير إلى الأجيال القادمة

يصمم المصورون على أهمية الصورة، ويرون أننا بقدر ما نعرّف الناس بالطبيعة بقدر ما يتعلقون بها ويسعون إلى حمايتها، وفي هذا السياق يدعو حلواني الجيل الصاعد الذي يحمل بندقية صيد إلى استبدالها بكاميرا أو بمنظار، ليراقب جمال الطيور والحيوانات عوضاً عن قتلها.

أما شيرين فتشكو من إحجام الفتيات عن دخول عالم التصوير، فنسبة الفتيات المصورات قليلة مقارنةً مع الرجال، "علماً أنها هواية جميلة جداً"، وفق تعبيرها، وتدعوهن إلى خوض تجربة تصوير الطبيعة لإظهار جمالية لبنان.

كميل الريس

ولا يخفي سامر أن مهنة التصوير فيها الكثير من المعوقات والمتاعب، فقد تضطر أحياناً إلى الغوص في الوحل في أثناء الشتاء لتلتقط صورةً لطائر أو حيوان معيّن، أو تسير في الثلوج أو تغطس في البحر حتى تلتقط صوراً مختلفةً وجميلةً. ويضيف: "أنت كمصور عليك أن تكون مستعدّاً لتحمل كافة الظروف الطبيعية وغير الطبيعية، حتى تأتي بأجمل اللقطات وتنقلها إلى الجمهور".

وفي هذا السياق يعلّق الريّس: "على الأجيال الصاعدة ألا تستخف بقدراتها وموهبتها، فالله يمنح كل فرد طاقةً إضافيّةً في مجال ما، كل ما عليهم فعله هو استغلال هذه الطاقة والعمل على توجيهها في السبيل الصحيح، لنشر الوعي من أجل الحفاظ على ثرواتنا الطبيعية، وحمايتها من الاعتداءات والانتهاكات، فالطبيعة هي الشيء الوحيد الجميل الباقي في ظل السوداوية التي نعيشها والأزمات التي نمر بها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard