أعلنت السلطة القضائية الإيرانية عن تنفيذ أول حكم بإعدام متظاهر بتهمة الحرابة صباح أمس الخميس 8 كانون الأول/ديسمبر، وذلك بعد مشاركته في الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للنظام.
واتهمت محكمة الثورة، "محسن شِكاري" الذي يبلغ من العمر 23 عاماً، بالمشاغبة عندما أغلق طريقاً رئيسياً في العاصمة طهران في 25 أيلول/ سبتمبر الماضي، وجرح بسكين عنصراً من قوات البَسيج التابعة للحرس الثوري.
وأدانته المحكمة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، بـ"الحرابة أي العداء لله، عبر القتال واستخدام السلاح بقصد القتل وإثارة الرعب وتعكير صفو المجتمع وأمنه". وتم استئناف حكم محسن، لكن المحكمة العليا أيدت حكم الإعلام، وقد نُفّذ فجر أمس.
وسيطرت مشاعر الغضب والحزن على الشارع ومنصات التواصل المحجوبة منذ ثلاثة أشهر في البلاد، وندد الكثير من الشخصيات والنخب ورواد المنصات بالحكم واعتبروه تخويفاً للمحتجين فحسب.
وفنّد الأكاديمي والمحامي محسن بُرهاني أسباب المحكمة لإصدار حكم الحرابة: "من قام بحمل السلاح في الاحتجاجات الأخيرة، كان هدفه زرع الخوف في صفوف قوات الأمن. لذلك لم تتحقق شروط جريمة الحرابة. وهذه الأحكام الصادرة تشوبها الإشكالية. إنها أحكام إعدام غير شرعية وتأتي بغية تخويف الشارع".
بدوره نفى عماد الدين باقي، رئيس لجنة الدفاع عن السجناء في إيران (منظمة غيرحكومية)، حكم الإعدام شارحاً: "عقاب جريمة محسن شِكاري على افتراض التحقق، هو السجن وفق المادة 614 من قانون العقوبات الإسلامي، وليس الإعدام. إصدار أحكام الحرابة لربما يخالف العقل والشريعة، ولم يُخِف الشارع، بل سينتج المزيد من الكراهية".
"المشانق لا توقف الانتفاضة"
زعيم الحركة الخضراء الإصلاحية والخاضع للإقامة الجبرية منذ عام 2009 مير حسين موسوي نشر بياناً ندد فيه بتنفيذ حكم الإعدام بحق الشاب المتظاهر محسن شِكاري، ومما جاء فيه: "لا القتل في الرصاص ولا المشانق ستوقف الانتفاضة الشعبية من أجل الحق والحرية".
وأكمل موسوي: "عليكم إنهاء عمليات الإعدام المسيسة التي تتم خلف الكواليس. احترموا الشعب وتوقفوا عن إذلال المواطنين والشباب. كان واجبكم حماية أرواح الناس وليس إزهاق أرواحهم".
وبينما نشرت وسائل إعلام تابعة للنظام مقطعاً مصوراً يظهر فيه المقتول وهو يعترف بأخطائه، وفيديو آخر يظهر شهود عيان في موقع الجريمة يتحدثون عن إغلاق شارع "ستّارخان" في طهران، رأى رواد مواقع التواصل أن هذه المقاطع تم إعدادها تحت الضغط ولتشويه سمعة الضحية.
أدانته المحكمة بـتهمة "الحرابة أي العداء لله، عبر القتال واستخدام السلاح بقصد القتل وإثارة الرعب وتعكير صفو المجتمع وأمنه"
"كان من المقرر أن يبدأ الحوار والإصلاح بعد هدوء الشارع، هذا كان رأيكم؟"؛ هكذا سخر المقاتل القديم والعضو السابق في الحرس الثوري قُربان علي صلواتيان من إصدار أحكام ثقيلة بحق المتظاهرين بعد دعوة السلطات للحوار والإصلاح في يوم الطلاب الجامعيين قبل يومين.
وبشأن شدة الغضب الذي يعم الشارع الإيراني، يقول الناشط محمد رضا نوروزي: "ماذا أكتب أمام هذه العقوبات غير العادلة والقاسية؟ ماذا أقول لأظهر ألمي وغضبي؟". أما الصحافية إلهام نداف فكتبت: "هل من أحد يسمع صوتنا؟". وأرفقا تغريدتيهما بهاشتاغ #محسن_شکاري الذي تحول إلى "تريند" أول في إيران.
الصحافي سينا ولي الله تساءل عن التناقضات في صفوف النظام، وكتب أن أحكام منفذي الهجوم المسلح على مزار شاهْ جِراغ في مدينة شيراز وقتل وجرح العشرات لم يصدر حتى الآن، لكن حكم الحرابة بحق محسن شكاري نفّذ في غضون ثلاثة أسابيع فقط.
"يقال إن منفذي حكم الإعدام بحق محسن شِكاري لم يسمحوا له بوداع أسرته خلافاً للعرف السائد. كما أن فترة محاكمته وتنفيذ حكمه كانت 21 يوماً فقط"، هذا ما كشفه القانوني والسياسي الإصلاحي جواد إمام.
وفي ظل أجواء أمنية تم دفن جثمان المقتول صباح اليوم، الجمعة، في مقبرة طهران بحضور أسرته فحسب، ولم تسمح السلطات بإقامة مراسم عزاء له.
إمام جمعة طهران يشكر القضاء
ووسط تنديدات دولية كثيرة من بدء تنفيذ حكم الإعدام بحق المتظاهرين، وإقامة وقفات احتجاجية قرب السفارات الإيرانية في الدول الغربية، شكر إمام جمعة طهران آية الله أحمد خاتمي السلطةَ القضائية على سرعة عملها في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بحق المشاغبين، حسب وصفه.
أما الرئيس الإيراني إبراهيم الرئيسي فقد أكد في أول تصريح له بعد موجة الغضب التي تسود البلاد وفي اجتماع عوائل قتلى قوات الأمن، أن هذه الأزمة ستنتهي وسيستمر النظام بـ"التعرف على مثيري الشغب ومحاكمتهم وعقابهم بقوة".
الرئيس الإيراني أكد في أول تصريح له بعد موجة الغضب التي تسود البلاد أن هذه الأزمة ستنتهي وسيستمر النظام بـ"التعرف على مثيري الشغب ومحاكمتهم وعقابهم بقوة"
وأعلن القضاء الإيراني عن إصدار أحكام بإعدام 11 شخصاً من المتظاهرين حتى الآن من الذين لهم صلة بالاحتجاجات التي شارفت نهاية شهرها الثالث بعد وفاة الشابة مهسا أميني بُعيد احتجازها من قبل شرطة الحجاب.
كما طالب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي السلطةَ القضائية بعقاب مثيري الشغب، في تصريحاته المتعاقبة بعد اندلاع الاحتجاجات. وتعتبر السلطاتُ المظاهراتِ أعمالَ شغب وفوضى تستحق المحاسبة والعقاب، وقد مارست قمعاً عنيفاً في الشوارع.
وغرّد محمود أميري مقدّم، مدير منظمة حقوق الإنسان الإيرانية ومقرها النرويج: "إعدام المتظاهرين سيبدأ بشكل يومي إن لم تواجه السلطات الإيرانية عواقبَ عمليةً سريعة على الصعيد الدولي".
وأعلنت المنظمة عن مقتل 475 شخصاً بينهم 61 من أفراد الأمن، واعتقال نحو 18 ألف شخص.
حملات على السوشيال ميديا وأخرى في الشوارع
وبينما كشفت منظمة العفو الدولية أن أحكام الإعدام استهدفت مزيداً من قمع الانتفاضة الشعبية وبث الخوف بين الناس، أضافت أن "المحاكم الثورية تعمل تحت تأثير قوات الأمن والاستخبارات بفرض عقوبات قاسية عقب محاكمات جائرة اتسمت بإجراءات سرية في الغالب".
وبدأ رواد المنصات يطلقون هاشتاغات باِسم المتظاهرين الذين صدرت في حقهم أحكام بالإعدام، بغية الحد من تنفيذ أحكامهم وإيصال صوتهم للعالم.
ومع أن البلاد تشهد أجواء أمنية واسعة، خرجت ليلة الجمعة في العاصمة طهران مظاهرات، ورفع سكان بعض الأحياء السكنية هتافات من أسطح المنازل ضد الجمهورية الإسلامية.
كذلك قمعت الشرطة صباح اليوم وقفة احتجاجية للكوادر الطبية أمام سجن إيفين، لأنها تطالب بإلغاء حكم إعدام الطبيب حميد قَرَه حَسنلو، المتهم بقتل أحد عناصر الأمن، ولكن هذا ما تنفيه أسرته وتؤكد أنه خضع لاعترافات إجبارية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...