شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
السوريون يموتون بأخطاء طبية أيضاً... من قال إن القانون يحمي الأبرياء؟

السوريون يموتون بأخطاء طبية أيضاً... من قال إن القانون يحمي الأبرياء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والفئات المهمشة

الخميس 8 ديسمبر 202203:35 م

ما بين "سلامتك وبسيطة"، خطأ طبي أفقد العم "أبو رامي"، عينه اليمنى بعد أن أجرى عمليةً جراحيةً لإزالة المياه الزرقاء في مشفى السويداء الوطني. يقول: "الجراحة لم تكن متقنةً، وتعرضت عيني لجرح عن طريق الخطأ، في أثناء العملية، أدى إلى التهابها وخسارتي بصري فيها".

يروي ذو الـ60 عاماً، والذي لا يملك ما يطعم به أبناءه الـ12، ولا يملك منزلاً وإنما يسكن في بيت بالإيجار، لرصيف22، أنه أمضى أسابيع طويلةً بين مشفى السويداء ومشافي دمشق؛ من ابن النفيس إلى المواساة، في محاولات يائسة لاستعادة بصره في عينه المتأذية ولكن دون جدوى.

أخبره أحد الأطباء عن إمكانية إجراء عمل جراحي بكلفة مليوني ليرة سورية، ربما يعيد إليه بصره، إلا أنه لا يملك هذا المبلغ ولم يتم تعويضه عن ذاك الخطأ الطبي الذي حصل له.

الأخطاء تكبر

الأخطاء الطبية لم تفارق المشافي في سوريا يوماً، إلا أنها ازدادت بشكل واضح خلال السنوات الماضية، وبالرغم مما يخرج على وسائل الإعلام بين الحين والآخر، عن خطأ طبي أدى إلى وفاة أحدهم، تبقى حالات كثيرة طي الكتمان، إذ كانت هجرة الكوادر الطبية وضعف الرقابة، أسباباً أساسيةً في رفع نسبة الأخطاء الطبية، وهذا الأمر انعكس سلباً على السوريين.

الأخطاء الطبية لم تفارق المشافي في سوريا يوماً، إلا أنها ازدادت بشكل واضح خلال السنوات الماضية

لم تتوقع شادية، أن مصير زوجها خالد ذي الـ55 عاماً، هو الموت، عندما طلب منها الطبيب التوجه إلى مشفى لإجراء عملية تركيب قسطرة بولية. تقول المرأة المفجوعة لرصيف22: "تم إدخال زوجي إلى غرفة العمليات بسرعة، وبعد الانتهاء من العملية طلب الطبيب مني إخراجه من مشفى الأندلس الخاص في دمشق في أسرع وقت من دون أن يستيقظ من البنج".

تضيف: "ونحن في الطريق، أصبح جرح زوجي ينزف بشكل مخيف. حاولت الاتصال بالطبيب ولكن دون جدوى لأنه أجاب بطريقة غير إنسانية، واكتفى بطلب نقله إلى أي مشفى حكومي، فأخذته إلى مشفى المؤاساة، ليؤكد الأطباء هناك على وجود خطأ طبي نتج عنه ضرب الكليتين وتعطيلهما عن العمل".

دخل الشاب محمد البارودي، مشفى الغزالي في دمشق، نتيجة تسمم غذائي بسيط، وخلال العلاج، أعطى الكادر الطبي للمريض حقنةً لتركيب دوائي يسبب له حساسيةً شديدةً، ما أدى إلى مضاعفات عكسية أدت إلى وفاته.

تقول سمية والدة الشاب لرصيف22: "حذّرت الطبيب من أنّ ابني يعاني من حساسية دوائية، لكنه لم يستجب لتحذيري وأعطاه الدواء، وهو عبارة عن إبرة روسيفلكس، وعندما دخل المريض في مرحلة الخطر كان بحاجة إلى صدمة كهربائية لكن جهاز الصدمات في المستشفى كان معطلاً، مما حال دون إنقاذ حياته".

دعوى خاسرة

ما زال ماجد العبيد، في أروقة المحاكم، يلاحق منذ عام 2014، تقارير ووثائق طبيةً لإثبات خطأ طبي سبّب وفاة ابنه عثمان (6 أعوام)، والذي تعرض لنزيف داخلي إثر عملية استئصال اللوزات من حنجرته الصغيرة. يقول العبيد لرصيف22: "تم إدخال طفلي إلى مشفى الأسد الجامعي في دمشق، بهدف إجراء عملية بسيطة له، والطاقم الطبي أكد لنا بعد الفحوص اللازمة أنّ حالته مستقرة ويمكنه مغادرة المستشفى".

يضيف: "لكنّ آلاماً في الصدر دهمته مجدداً، ما اضطرني إلى نقله إلى أحد المستشفيات الخاصة، حيث أُخضع لتصوير بالأشعة، لكنّ الأطباء لم ينتبهوا إلى النزيف الداخلي الذي أدى بعد ساعات إلى وفاته".

يروي الأب بحسرة كيف نصحه المحامي بأن الدعوى ستكلف الكثير من دون نتيجة مضمونة، لأنه لم يسبق لأحد أن تقدم بشكوى على الطبيب أو المشفى، والسبب في ذلك أن وزارة العدل السورية أصدرت تعميماً يعفي الأطباء من المساءلة القانونية بحق الجرائم المتعلقة بالأخطاء المهنية، وطالبت الوزارة القضاة بعدم اتخاذ أيّ إجراء قضائي أو توقيف الأطباء إلا بعد أخذ مشورة أخصائيين لتحديد سبب الوفاة.

حذّرت الطبيب من أنّ ابني يعاني من حساسية دوائية، لكنه لم يستجب لتحذيري وأعطاه الدواء، وعندما دخل المريض في مرحلة الخطر كان بحاجة إلى صدمة كهربائية لكن جهاز الصدمات في المستشفى كان معطلاً، فمات

وجاء التعميم بعد كثرة الشكاوى المقدمة من أهالي مرضى متضررين من الأخطاء الطبية، ما يضع وزارة الصحة في حرج شديد، تزامناً مع نقص كبير في الكوادر الطبية في مناطق سيطرتها، بحسب ما أكدت والدة الشاب المتوفى.

نوعان للأخطاء

يقول الدكتور بهجت عكروش، عضو لجنة تأديب الأطباء، في تصريح لرصيف22: "الخطأ الطبي قد يحصل مع أي طبيب، وهو نوعان: الأول خطأ في التشخيص، وينتج عنه خطأ في العلاج، سواء كان العلاج جراحياً أو باستخدام الأدوية، والخطأ خارج عن إرادة الطبيب فغموض الأعراض لدى المريض وغموض الفحوصات أو تشابه الفحوصات والحالات مع بعضها البعض قد يقع فيها أكبر طبيب".

يضيف: "الثاني هو الخطأ العلاجي، إذا لم يكن هناك أي خطأ تشخيصي، وهنا أتوقع من الخبرة في العمل أنه قد يحصل تشخيص سليم، ولكن الخطأ في الإجراء العلاجي، وقد يخطئ الطبيب إما بالاستعجال في وصف الدواء، أو بالاستعجال في القيام بإجراء العملية الجراحية".

برأيه، "سنوات الحرب أثرت بشكل كبير على القطاع الصحي في سوريا، حيث تراجعت نسبة الأطباء، من طبيب واحد لكل 661 مواطناً، في 2010، إلى طبيب لكل 4،041 مواطناً بحلول حزيران/ يونيو الماضي، وتوقفت نحو 90% من الصناعات الدوائية المحلية عن الإنتاج، والنقص في الأطباء ذوي الخبرة، دفع بعض طلاب الطب إلى دخول المشافي، وهم غير جاهزين لهذه الخطوة".

ويشير إلى أن "هناك العديد من الأطباء يعملون بضمير، بالرغم من الظروف الخاصة التي يعيشونها، وهذا ما يدفعهم إلى الدخول في اجتهادات فردية، توقعهم في أخطاء غير مقصودة، فالعمل بشكل متواصل لمدة طويلة، قد تصل إلى 48 ساعةً، تضع الطبيب في وضعية حرجة لا يستطيع فيها التركيز وتجعله في حالة عصبية وغير طبيعية".

خلال الشهرين الماضين، تم تقديم 20 شكوى حول أخطاء طبية أدت إلى موت أو إصابة المريض بأذية دائمة

شكاوى كثيرة

بالرغم من غياب الإحصائيات الرسمية، فإن الأخطاء الطبية تتنوّع وتزداد من عام إلى آخر، إذ أكد مصدر في نقابة الأطباء في سوريا، لرصيف22، أنه "خلال الشهرين الماضين، تم تقديم 20 شكوى حول أخطاء طبية أدت إلى موت أو إصابة المريض بأذية دائمة، وقد توزعت حالات الأخطاء الطبية بين محافظات حلب اللاذقية، ودرعا، ودمشق، وجميعها حدثت في مشافٍ خاصة".

في المقابل، أصدرت وزارة العدل السورية تعميماً يوصي بعدم اتخاذ أي إجراء بحق الطبيب، ومنها توقيفه بالجرم الذي يتصل بالمهنة، إلا بعد الاستعانة بخبرة طبية جماعية اختصاصية لتحديد سبب الوفاة أو الإيذاء المنسوب إلى الطبيب في معرض قيامه بعمله ليصار على ضوء الخبرة إلى اتخاذ الإجراء القانوني المناسب.

وطلب التعميم من جميع القضاة، خصوصاً قضاة النيابة والتحقيق مراعاة النصوص الخاصة بقانون التنظيم النقابي لنقابة الأطباء المتعلقة بملاحقة أعضاء نقابة الأطباء، بجرم يتصل بالمهنة سواء لجهة إبلاغ النقابة أم لجهة حضور ممثل النقابة التحقيقات، وجاء ذلك في "ضوء عدّ مهنة الطب، مهنةً إنسانيةً اجتماعيةً تجب حماية القائمين بها، وعدم معاقبة الطبيب، حتى تثبت إدانته، بحكم قضائي".

يقول الدكتور زاهر حجو، مدير عام الهيئة العامة للطب الشرعي، إن "الخطأ الطبي هو الخطأ الذي تقرّه لجنة ذات خبرة واسعة إن كان قد حصل خطأ مخالف لأصول الأعمال الطبية، كأن يجرى عمل جراحي بطريقة مختلفة عما هو متفق عليه".

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "عندما يتخذ القرار بعقوبة ما، يكون بناءً على تقرير لجنة مختصة مؤلفة من ثلاثة أطباء تبعاً للحالة وقد تصل إلى عدد أكبر للقيام بدراسة الحالة بشكل دقيق، ووضع تقرير الخبرة وذلك بعد توفر المعلومات اللازمة والوثائق المطلوبة، بالإضافة إلى التريث في قراءة الوثائق وكذلك استخدام التعابير الدقيقة، وبناءً على القرار المتخذ يتم تشكيل لجنة مؤلفة من قاضٍ لا يقل عن رئيس محكمة بدايةً وممثل عن وزارة الصحة لا تقل سنوات ممارسته عن عشر سنوات، لاتخاذ القرار السليم ويحق للمجلس المسلكي الاعتراض على القرار".

عقوبات على الورق

تتراوح العقوبات بين التنبيه غير المسجل في الحالات الخفيفة، أو التأنيب أمام المجلس، وأحياناً دفع غرامة نقدية وقد تصل العقوبة إلى الشطب ومنع الطبيب المخطئ من مزاولة المهنة لمدة مؤقتة أو دائمة، حسب الخلل أو الخطأ المرتكب، مع دفع غرامة لصندوق النقابة.

مهنة الطب في سوريا أصبحت تجاريةً، فالطبيب الواحد يتابع أكثر من 150 مريضاً يومياً، ويقوم بإجراء 4 عمليات كحد متوسط، من دون توقف، ما يتسبب في انحدار مستوى الخدمات الطبية، فمن يحمي المرضى؟

ويشير المحامي عمار النقري، إلى أن "مهنة الطب في سوريا أصبحت تجاريةً، فالطبيب الواحد يتابع أكثر من 150 مريضاً يومياً، ويقوم بإجراء 4 عمليات كحد متوسط، من دون توقف، ما يتسبب في انحدار مستوى الخدمات الطبية".

ويؤكد لرصيف22، "عدم وجود قوانين رادعة ولا مساءلة، وللأسف هناك أطباء قاموا بارتكاب أخطاء طبية كثيرة ولم تتم ملاحقتهم والسبب في ذلك أن المشكلات التي تظهر في دعاوى مساءلة الأطباء عن أخطائهم المهنية هي مسألة الإثبات، فالمريض عليه أن يثبت وقوع الخطأ الذي أحدث الضرر، ومعظم المتضررين لا يقدمون على رفع دعاوى قضائية ضد من يعدّونهم السبب في الخطأ الطبي، وذلك لأسباب عدة، منها ارتفاع تكلفة الخدمة القانونية، والتكهن بأن القضية خاسرة، بحكم أنّ العقوبات والغرامات ضعيفة مقارنةً بما يحصل من ضرر في أغلب الأحيان".

الأخطاء الطبية تتكرر ولا يمكن نكرانها، مع انعدام ثقة المواطن، لأن الحَكم والمتهم في صف واحد، وغالباً ما يسلّم أهل ضحية الخطأ الطبي أمرهم للقدر. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

نؤمن في رصيف22، بأن بلادنا لا يمكن أن تصبح بلاداً فيها عدالة ومساواة وكرامة، إن لم نفكر في كل فئة ومجموعة فيها، وأنها تستحق الحياة. لا تكونوا زوّاراً عاديين، وساهموا معنا في مهمتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image