في سعي لتوثيق قصص الحرب السورية وجرائم الحرب التي مورست فيها، بالإضافة للسعي لتحقيق العدالة ولو بأقل مقاديرها، أطلقت 75 بودكاستس التي تنتج برامج حقوقية وقانونية، سلسلة البودكاست الجديد "قيد المحاكمة، عن متهمي وضحايا الجرائم في سوريا" والتي كانت قد أطلقت بودكاست الفرع 251 في العام 2020، الذي يتحدث عن العدالة والمحاسبة للجرائم التي ارتكبها النظام السوري خلال الأحد عشر عاماً الماضية.
أوضح فريتز سترايف مؤسس 75 بودكاستس، وهو محام ألماني يعمل في مجال حقوق الإنسان، وأحد منتجي ومقدمي البودكسات خلال حفل إطلاق البودكاست في برلين: "يتحدث بودكاست قيد المحاكمة عن موضوعات سورية وقصص للسوريين/ات باللغتين العربية والإنجليزية، لتقديم المزيد من القصص التي لم تُحكَ بعد، والعديد من المحاكمات والقضايا التي بُنيت وتم التحقيق فيها، والتي توفر قصصاً غنية يجب أن تصل للناس وتسلط المزيد من الضوء على المحاكمات السورية، فجاء قيد المحاكمة بشكل أكثر تفصيلاً وتنوعاً، في موسم نطلقه هذا العام وآخر العام المقبل".
فريق 75بودكاستس، خلال جلسة نقاشية لإطلاق سلسلة "قيد المحاكمة" في برلين. تصوير أرتينو
وأضاف سترايف: "يقدم البودكاست مستويين من التعامل مع العدالة، كيف يراها الناس ويتعاملون معها، والجزء الأكاديمي والتعريفي أو الرسمي للعدالة، حيث حاولنا من خلال البودكاست أن نعترف بلغة القانون والتقنيات فيما يتعلق بالتحقيقات والمحاكمات لترجمة هذا العالم المعقد إلى لغة سلسة ومفهومة أكثر عن طريق طرحها في صيغة قصص، ليس من منطلق تعليمي فقط، ولكن عبر توفير منصة للأصوات المختلفة للإجابة على سؤال، ما هي العدالة من التجارب الشخصية المختلفة من شخص لآخر؟ فحاولنا أن نشرح القضايا كل على حدة والتحديات التي تواجهها، وماذا تعني للمنخرطين/ات فيها".
"يقدم البودكاست مستويين من العدالة، كيف يراها الناس ويتعاملون معها، والجزء الرسمي للعدالة، حيث حاولنا من خلال البودكاست أن نعترف بلغة القانون وتقنيات التحقيقات والمحاكمات" فريتز سترايف، محامي ألماني، ومؤسس 75 بودكاستس
أُطلق البودكاست، باللغتين العربية والإنجليزية في نسختين متشابهتين وليستا متوائمتين، توضح ميس قات، وهي صحافية استقصائية مع فريق العمل: "هما يتشابهان ولكنهما مختلفان، فكرنا بتوصيل الفكرة للمتلقين/ات الذين لديهم/ن احتياجات مختلفة ومعلومات بدرجات وطبقات مختلفة تجاه الموضوع الذي نعمل عليه، لذلك يجب أن نقدم لهم/ن الموضوع والمعلومات ونروي لهم/ن القصص بطريقة تكون مفيدة لهم/ن، ومن الممكن أن تكون أكثر تناسباً معهم/ن".
وأشارت إلى أنه في جزء من مراحل العمل، يكون العمل موحداً، كمرحلة البحث الأولي، وإيجاد السياقات المتشابهة، كما أن عدداً كبيراً من الضيوف يظهرون أنفسهم في النسختين العربية والإنجليزية، ولكن هناك اختلافاً في الأدوار الأساسية لهؤلاء الضيوف في النسختين، "الأمر يخضع لنظرة ورؤية كل من منتجي النسخة العربية والنسخة الإنجليزية" كما قالت.
التحديات
وبيّنت قات أنه: "عند البحث عن ضيف أو صاحب قصة له علاقة بالوضع السوري يشكل الأمر تحدياً كبيراً، إلا إننا استخدمنا شبكة معارفنا المهنية والشخصية، ورغم إن الأمر شائك لأنه عبارة عن شبكة الأصدقاء والأهل، وهو ما يضيف تحدي الموضوعية والمهنية خلال العمل".
يتناول بودكاست "قيد المحاكمة" ما يقارب 13 محاكمة، منها ما هو في المحاكم، ومنها ما يتم التحقيق فيه، ومنها ما لا يزال في مرحلة البحث والصياغة.
يقول منتج النسخة العربية سليم سلامه: "التحدي الذي واجهناه هو أننا نتابع قصصاً وقضايا حتى مرحلة معينة وليس لنهايتها، ولا نعرف إلى أين ستصل أو أحياناً متى ستبدأ إضافة إلى أن غالبية هذه القصص سوداوية، كما أن الواقع القانوني مأساوي لأن أداة العدالة لا تقوم بدورها في الوقت الحالي، وهو ما يُثقل المادة النهائية للبودكاست أيضاً".
يقول منتج النسخة العربية سليم سلامه: " نتابع القضايا، ولا نعرف إلى أين ستصل، كما أن الواقع القانوني مأساوي، وهو ما يُثقل المادة النهائية للبودكاست أيضاً".
ويضيف: "خطتنا منذ البداية هي البحث عن قصص مرتبطة بسلسلة المحاكمات التي من المتوقع أن تبدأ، فنحن في 11 حلقة نتحدث عن 13 محاكمة، في هذا السياق تم توظيف الخبرة الأكاديمية من ناحية القصة والخبر في حلقة من 30 دقيقة، وهناك الكثير مما يحدث خلف الكواليس من استخدام الموسيقى ومعالجة القصة، التي تتضمن المقابلات الطويلة جداً، والضيوف المتعددين، بالإضافة للنص المكتوب الذي يربط بين هذه التفاصيل".
وأكد سلامه أن القصة هي التي تقود الحلقة: "هناك معلومات عن محاكمة ما في كل حلقة، فالمشروع غير نخبوي، لا يستخدم لغة معقدة، وأعتقد أن ربط المحاكمات وعدم محاولة أن يكون هناك بالضرورة أمل أو إحباط بنهاية الحلقة بقصد أو بغير قصد، هو أداة صحية، حتى يقرر المستمع/ة ما هو شعوره/ا تجاه هذا الموضوع، فلا أعتقد أن البودكاست بأي شكل من الأشكال يمكنه أن يقنع الناس أن العدالة هي أداة صالحة أو معطلة".
وعن التحديات التي واجهتها قالت منتجة النسخة الإنجليزية ساشا ايديلاندر: "كان علي الاستماع لكل المقابلات مراراً، والتعرف علي ما يقولونه وما يعنونه، ومشاركة ذلك مع الفريق للتعرف على القصص، ومن ثم علينا أن نقرر أين من الممكن أن نستخدمها، فخلفيتي الثقافية مختلفة، ولدي معرفة محدودة بالوضع السوري وبالمنطقة بالكامل، ولكن هنا يأتي دور المعرفة المتوفرة في الفريق الذي يعرف الكثير من التفاصيل الدقيقة عن سوريا، فكنا ننتبه للتفاصيل التي قد لا يكون المستمع/ة الأجنبي/ة يعرفها، لنضعها ضمن السياق".
"المشروع غير نخبوي، وأعتقد أن ربط المحاكمات وعدم محاولة أن يكون هناك بالضرورة أمل أو إحباط بنهاية الحلقة، هو أداة صحية، حتى يقرر المستمع/ة ما هو شعوره/ا تجاه العدالة كأداة صالحة أو معطلة". سليم سلامة
وأضافت: "الاستماع لقصص سيئة ومؤلمة ومليئة بالعنف، وخلق قصة منها تصل للناس وتخلق وعياً أكبر بالقضية هو ما يقودنا. كنت أعرف أن العمل على بودكاست عن سوريا لن يكون أمراً سهلاً بل عاطفياً وصادماً في بعض الأوقات".
رواية القصة
من الصعب نقل القصص التي تتضمن جرائم مروعة كالتعذيب والقتل وغيرهما، وهو الأمر الذي تحدثت عنه مقدمة النسخة العربية كرستينا كغدو: "أعتقد أن تجربة الاستماع للبودكاست هي تجربة حميمية بغض النظر عن المضمون المقدم، لأن الأشخاص يستمعون لها في وقتهم الخاص، ويخلقون علاقة ورابطاً مع الصوت الذي يروي لهم/ن القصص والتجارب عند تقديم مواضيع حساسة أو قصص مأسوية وموجعة، وطرح التعقيدات المرتبطة بالتفاصيل القانونية والقضائية التي تقدم مستويات مركبة للموضوع ومثيرة لاهتمام المستمعين".
وأكدت كغدو أن القصص المروية في هذا البودكاست تعنيها بشكل شخصي، وكذلك موضوع العدالة لسوريا: "لدي رابط قوي مع هذه القصص، ولكن في نفس الوقت هي ليست قصتي، ولا يحق لي أن أستخدم هذه المساحة الحميمية التي أعمل عليها مع الفريق للتعبير عن مشاعري الخاصة تجاه الأشياء، مشاعري ليست مهمة، في نفس الوقت لم أرد أن أكون شخصاً بليداً، فنحن نتحدث عن قصص ستبقى قريبة من قلبي، من هذا المنطلق قررت أن أضع مسافة بيني وبين القصص حتى أحمي نفسي من بلوغ الإرهاق وفقدان الأمل، وفي نفس الوقت خلق مساحة مريحة، بأن يكون صوتي هو الوسيط الذي تصغي له الناس بهدوء وسكينة، حتى لو كنا نتكلم عن قصص مؤلمة، فيستطيع المستمعون من خلال الاستماع والإدراك خلق علاقتهم/ن مع المحتوى، وتشكيل إحساس بالراحة في خلق مشاعر خاصة بهم تجاه ما يسمعون".
"لدي رابط قوي مع هذه القصص، ولكن في نفس الوقت هي ليست قصتي، ولا يحق لي أن أستخدم هذه المساحة الحميمية التي أعمل عليها مع الفريق للتعبير عن مشاعري الخاصة تجاه الأشياء". كريستينا كغدو، مقدمة النسخة العربية للبودكاست
وتواصل: "قيد المحاكمة بودكاست غني جداً، فنحن لم نهدف لحث الناس على أن تطالب بحقوقها ولكن قد يكون هذا أحد الأشياء الناتجة عن البودكاست، كما أنه يوثق قصصاً عاشها الكثيرون/ات، وهو ما يساهم في جعل الأفراد يفككون مفاهيم معينة كانت متشابكة في رؤوسهم/ن، وأن يدركوا مفاهيم متعلقة بالقانون والقضاء".
وعن طبيعة الحلقات أوضح سلامه لرصيف22: "المحاكمات مختلفة وكل محاكمة لها موضوع مغاير، لذلك حاولنا أن نجعل الحلقات تكمل بعضها البعض، مثلاً حلقة العنف الطبي أي استخدام الجهاز الطبي كأداة للعنف، تكمل حلقة تعنيف واستهداف الجهاز الطبي والمدنيين والمدنيات وأماكن التجمع التي كانت مرتبطة بالتطبيب".
ويضيف: "هناك حلقة من صدى الشارع، حيث تحدثت أغلب الأصوات عن أهمية محاكمة الأشخاص المهمين في السلطة بدءاً من رأس السلطة وأعوانه الأساسيين، فطرحنا سؤالاً هو لماذا لم تتم محاكمتهم بعد؟ كما أن هناك شخصيات على هيئة اعتبارية كالشركات، فأنتجنا أيضاً حلقات عن هذه الشركات التي تدعم النظام السوري".
بدأ العمل على البحث والعصف الذهني على البودكاست في سبتمبر/ أيلول 2021، فيما بدأ العمل الفعلي في مارس /آذار 2022، عن ذلك يقول سلامه: "نحن فريق كبير، فهناك فريق البحث الميداني، وفريق الأشخاص الذين يقومون بالمقابلات الميدانية في الشارع، والذين يقومون باستطلاعات الرأي، بالإضافة للمترجمين/ات والمفرغين/ات، ولفريق النشر والتوزيع، إلا أننا لا نذكر الكثير منهم/ن لظروفهم/ن الأمنية، أو لأنهم/ن يفضلون عدم التواجد للحفاظ على أمانهم/ن وخصوصيتهم/ن".
من المقرر أن يُنتج الموسم المقبل من "قيد المحاكمة" العام المقبل وسيركز أكثر على القصص الشخصية، كما أوضح سلامه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...