"مكان تعذيبي بيت إختي، ربطني بالجنازير واغتصبني… 15 يوم! تحرش بيي (والدي) فيي بعمر الـ11 سنة، عالـ16 اغتصبني. خبرت إمي، ما عملت شي… تركتني أتعذب 5 سنين. كان يدأر حالو قدامي، مطارح حساسي بجسمي، يبوسني بتمي. الكل كان يخاف لأنو مسلح، ما حدا بلغ. مع الوقت صرت إسكت. مع الوقت صار أقوى. بغرفة نوم إختي اغتصبني تحت تهديد السلاح وأمي ساكتة".
بهذه الكلمات المرتبكة وغير المتراصة، تروي ريما (اسم مستعار لشابة لبنانية) عن الاعتداءات الجنسية والجسدية التي تعرضت لها على يد والدها، والتي دفعتها ذات مرة إلى محاولة الانتحار قبل إنقاذها في أحد المستشفيات المحلية.
علاوة على الاغتصاب المتكرر والعنيف، قام والد ريما بضربها لدرجة استلزمت "54 قطبة في الرأس"، واحتجزها في منزل شقيقتها وهي مقيّدة بالجنازير من الرقبة واليدين والقدمين، وأخيراً شرع في خلع أظافرها ضمن مخطط لإزهاق روحها قبل أن تُبلغ عنه والدتها وتضبطه قوات الأمن حال الشروع في قتلها.
أثبت الطبيب الشرعي أن السائل المنوي في جسد الفتاة يعود لوالدها. لكن "حكم العائلة" كان ضدها، هي الضحية، إذ اعتبرتها "الفضيحة" و"قضت" بتزويجها. اضطرت لإسقاط حقها لدى والدها، ورضخت لـ"حكم العائلة" وتزوجت من فرضوه عليها - "مدمن مخدرات" اغتصبها هو الآخر وعنفها وأجهض جنينها وأعادها لعائلتها مرة ثانية. لكن مصدر رعبها الأكبر في "العائلة" كان قد رحل… مات والدها/ مغتصبها الأول.
في #لبنان، تتعرض واحدة من كل 20 امرأة لاعتداء جنسي فيما تعرف واحدة من كل 10 نساء امرأة أخرى تعرضت لاعتداء جنسي لذا "بدنا عقوبة بحجم الجريمة" #لا_عرض_ولا_عار
"العرض والشرف" يُخيفان الضحايا والناجيات
ما تعرضت له ريما ليس حالة عرضية في لبنان حيث تتعرض واحدة من كل 20 امرأة لاعتداء جنسي فيما تعرف واحدة من كل 10 نساء امرأةً أخرى تعرضت لاعتداء جنسي.
هذا ما كشفت عنه دراسة حديثة حول العنف الجنسي في لبنان أجرتها شركة Statistics Lebanon ltd، لصالح منظمة أبعاد غير الحكومية الهادفة إلى تعزيز المساواة الجندرية.
هدفت الدراسة، التي نُفِذَت بين يومي 13 و21 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، إلى معرفة مدى لجوء النساء اللواتي يتعرضن للعنف الجنسي للتبليغ عن هذا العنف، وأسباب الامتناع عن ذلك، ومعرفة مدى استعداد من لم يتعرضن للعنف الجنسي للتبليغ حال تعرضن له، وتحديد مدى معرفة النساء في لبنان بالعقوبات القانونية لجرائم العنف الجنسي.
وشملت عينتها 1800 سيدة وفتاة (1200 لبنانية، و400 سورية، و200 فلسطينية)، تراوحت أعمارهن بين 18 و50 سنة، من مختلف المناطق والمستويات الثقافية وفئات الدخل في لبنان.
وخلصت إلى أن أبرز الأسباب التي تمنع النساء من التبليغ لدى تعرضهن لاعتداء جنسي، هو "العرض والشرف"، وذلك بالنسبة لست من كل 10 نساء، مقارنةً بالتخوّف من عدم التصديق لدى أربع من كل 10 نساء، وعدم الثقة في جديّة العقوبة لدى اثنتين من كل 10 نساء.
اللافت كان اختلاف سلوك النساء تجاه التبليغ، بين من تعرضن لاعتداء جنسي بالفعل ومن لم يتعرضن؛ أكدت غالبية النساء اللاتي لم يتعرضن للعنف الجنسي (84%) عزمهن التبليغ حال تعرضهن لمثل هذا الاعتداء، فيما أكثر من نصف النساء (55% - امرأة من كل اثنتين تعرضتا لاعتداء جنسي تقريباً) اللاتي تعرضن لاعتداءٍ جنسي لم يبلغن عن هذا الاعتداء.
أمر لافت آخر كشفت عنه نتائج الدراسة، وهو "اختلاف النظرة للاعتداء الجنسي بين النساء والمجتمع" إذ تعتبر 74% من النساء أن الاعتداء الجنسي هو بالدرجة الأولى اعتداء جسدي ونفسي على المرأة بينما يرى 71% أن المجتمع هذه الجريمة بالدرجة الأولى اعتداء على عرض العائلة.
في الأثناء، نبّهت الدراسة إلى أن أكثر من 58% من النساء لا يعرفن القوانين التي تجرّم الاعتداء الجنسي، ونحو 60% منهن يعتبرن عقوباتها غير منصفة وتتطلب التشديد.
"تحرش بيّي فيي بعمر الـ11 سنة، عالـ16 اغتصبني. خبرت إمي، ما عملت شي… تركتني أتعذب 5 سنين. كان يدأر حالو قدامي، مطارح حساسي بجسمي، يبوسني بتمي. الكل كان يخاف لأنو مسلح، ما حدا بلغ. مع الوقت صرت إسكت. مع الوقت صار أقوى"
"بدنا عقوبة بحجم الجريمة"
ستكون ريما إحدى ضحايا الاعتداء الجنسي اللاتي يروين قصصهن أمام مجلس النواب اللبناني، السبت 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، في إطار حملة "لا عرض ولا عار" التي تُطلقها منظمة أبعاد، الجمعة، بالتعاون مع عارضة الأزياء والمؤثرة اللبنانية نور عريضة لمناسبة حملة الـ16 يوماً العالمية لمناهضة العنف ضدّ المرأة.المطلب الأساسي للحملة هو "تعديل الفصل السابع من قانون العقوبات اللبناني الخاص بجرائم الاعتداء الجنسي" إذ تلفت مديرة منظمة أبعاد، غيدا عناني: "للأسف ما يزال ربط جرائم الاعتداء الجنسي في لبنان بموضوع العرض والشرف والعار. في أبعاد، نشدد باستمرار على أهمية النظر إلى هذا النوع من الجرائم خارج السياق التنميطي المجتمعي والتعامل معها بحزم".
وتضيف: "نرفع الصوت للمطالبة بتعديل وتشديد العقوبات على جرائم الاعتداء الجنسي لتشكّل رادعاً لمنع حدوث مثل هذه الجرائم. نحن اليوم في مبادرة تواصل مع الكتل النيابيّة لتسليمها مقترح تعديل الفصل الأوّل من الباب السابع من قانون العقوبات اللبناني ليكون منصفاً لكل ضحيّة وناجية من هذه الجرائم. نحن نعوّل على السلطة التشريعية في لبنان لإنصاف النساء والموافقة على التعديلات المقترحة".
من جهتها، تقول المحامية والشريكة المؤسسة لمنظمة أبعاد، دانيال الحويّك، لرصيف22 إنها "متفائلة بنجاح الحملة وتحقق مطالبنا لأنها موضوعية وذات وجاهة".
كرمزية لأن مثل هذه الجرائم ليست تابوهاً ولا خاصة بالعائلة فقط أو العرض والشرف، "وأنه ما بقى بدنا نسكت، وعلى النواب منح العدالة للناجيات والضحايا"... ضحايا وناجيات من الاعتداء الجنسي يروين قصصهن على "منشر غسيل" أمام البرلمان في #لبنان
وتوضح الحويّك أن "لا عرض ولا عار" هي "أحدث مرحلة ضمن تخطيط إستراتيجي ممتد لأبعاد منذ عام 2016، بدأ بحملة المطالبة بإلغاء المادة 522 التي كانت تسمح بتفلت المغتصب من العقاب حال زواجه من ضحيته. تحقق المطلب في العام التالي وألغيت المادة الشائنة. لكن استمرت الحملات في هذا المخطط وكانت توعوية بدرجة أكبر حول الاعتداءات الجنسية لا سيما في إطار الأسرة والعائلة" لأنه "لا يكفي تغيير القانون ولكن أيضاً ينبغي تغيير الذهنيات".
"هذه السنة نطالب بتشديد العقوبات في جرائم الاعتداء الجنسي. نطالب أن تصل العقوبة إلى 20 عاماً لا خمس سنوات كما هو الآن، خاصة أن السنة السجنية في لبنان تعادل تسعة أشهر فقط"، تضيف المحامية الحويّك.
كما تؤكد "نريد اعتبار جرائم الاعتداء الجنسي جرائم كبرى على جسد وكرامة المرأة لا جرائم عار وشرف. العقوبات اليوم متدنية. العقوبة الكبيرة تردع المجرم، وتشجع النساء على التبليغ. رح تتجرأ النساء ولن تكون كما قبل (إذا غُلِّظت العقوبة). نسعى لخلق رأي عام مناصر لتشديد العقوبات".
وتكمل المحامية اللبنانية: "بلشنا نحصل ع تواقيع النواب والكتل النيابية لإعادة عرض المقترح على المجلس النيابي، ومن ثم التصويت عليه. يمكننا تقديم المقترح بموافقة نائب واحد، لكن تسهم الموافقات المبدئية في تسريع عملية التصويت عليه لاحقاً حال عرضه بطريقة نظامية".
وتشير إلى أن وقفة السبت ستتضمن عرض ضحايا وناجيات لقصصهن أمام مدخل مجلس النواب على قطع قماش ونشرها على "منشر غسيل"، كرمزية لأن مثل هذه الجرائم ليست تابوهاً ولا خاصة بالعائلة فقط أو العرض والشرف، "وأنه ما بقى بدنا نسكت، وعلى النواب منح العدالة للناجيات والضحايا".
تستشهد الحويّك بنتائج دراسة أبعاد، وتقول إن "واحدة من كل 20 سيدة في لبنان تتعرض للاعتداء الجنسي" هو "رقم كتير كبير، وإحصاءات الأمن الداخلي (التي تفيد بأنه أُبلغ عن ست جرائم اعتداء جنسي شهرياً منذ بداية العام الجاري) عن التحرش والاغتصاب كمان صادمة. وهذه الأرقام دليل أن هناك استسهال في ارتكاب مثل هذه الجرائم لأنه لا يوجد رادع. يتوقع المجرم خوف الضحية، وحتى في حالة التبليغ تكون العقوبة غير متناسبة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...