شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
يصابون بالمرض، يمارسون الجنس وتظهر التجاعيد على وجوههم... لماذا ينبهر الجمهور بحياة المشاهير؟

يصابون بالمرض، يمارسون الجنس وتظهر التجاعيد على وجوههم... لماذا ينبهر الجمهور بحياة المشاهير؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 1 ديسمبر 202203:00 م

"عايشة كأنها في جنة وكل الدنيا مالكاها، وهتحلم إيه وتتمنى؟ مفيش ولا حاجة ناقصاها"، لا تشكّل هذه العبارة جزءاً من أغنية الفنانة اللبنانية إليسا "عكس اللي شايفينها" وحسب، بل هي كتلك التعليقات التي نتابعها مراراً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي للفنانين/ات، وربما نفس هذه التعليقات كانت تُقال للراقصة اللبنانية داني بسترس، التي جسّدت إليسا قصتها في الفيديو كليب الخاص بالأغنية، كراقصة استعراضية وابنة عائلة ثرية وجميلة ومحبوبة من الجميع، لنعلم فجأة أنها أفرغت طلقات مسدسها برأسها، بعد أن فقدت ابنها الوحيد وتعرّضت للتعنيف المستمرّ، وغيرها من المشاكل التي لم يكن يعلم بها الجمهور حينها، وكل ما كان يعرفه هو الحياة الافتراضية الجميلة التي رسمها لها.

أما إليسا فكأنها تنبأت بهذه الأغنية بما سوف يحصل معها لاحقاً، حين أُصيبت بسرطان الثدي وبدأت رحلة العلاج دون أن تخبر أحداً، ولا تزال آثار المرض على يدها حتى اليوم، رغم أن الجميع يحسدها على أنها امرأة ناجحة ومشهورة ومستقلّة، فهل علينا أن نحسد النجوم/ات دوماً، ولماذا نعاملهم وكأنهم "أنصاف آلهة"؟

"الفنان" ليس حبّة كريستال

ينظر الجمهور إلى الفنان وكأنه حبّة كريستال، لا تشوبه شائبة، دائم اللمعان والبريق، ورغم أن النجوم الحقيقية نفسها تخفت مع مرور الزمن، ولكن النظرة العامة تجاه الفنان مثالية بمعظم الأحوال، لأنه شخص مشهور ومحبوب، الكل يبحث عن رضاه وودّه، ويجب أن يكون منزّهاً عن الأخطاء، دائم الهدوء والاتزان والحكمة، وحين تخرج أي قصة أو قضية أو تصرّف إلى العلن، ينبهر الجميع، أو يستنكر ويشجب، وقد يصل الأمر إلى حدّ تكذيب الفنان واتهامه بالبحث عن "البروبغاندا" أو "التريند" لمجرد أنه مرض مثلاً، وقد يكون الاستغراب ساذجاً لدرجة الاعتقاد أن الفنان لا يشيخ.

حين انتشرت تفاصيل الخلاف الحاصل بين النجمة أنغام ووالدها، انصدم الجميع، وكانت ردود الفعل توحي بأنها أول ابنة تختلف مع عائلتها، والصدمة نفسها أبداها بعض المتابعين حين عرفوا مؤخراً بأن ابن السيدة فيروز هالي من ذوي الإعاقات بعد أن انتشرت صورة جمعتها به، وكأن أبناء الفنانين/ات يأتون من بويضات مختلفة، كما يستغرب البعض حين يلتقي فنانه المفضل في الواقع ولا يجد الصورة نفسها التي رسمها في خياله.

ينظر الجمهور إلى الفنان وكأنه حبّة كريستال، لا تشوبه شائبة، دائم اللمعان والبريق، ورغم أن النجوم الحقيقية نفسها تخفت مع مرور الزمن، ولكن النظرة العامة تجاه الفنان مثالية بمعظم الأحوال، لأنه شخص مشهور ومحبوب، الكل يبحث عن رضاه وودّه، ويجب أن يكون منزّهاً عن الأخطاء

تتعدّد الأمثلة حول صدمة الجمهور بالفنانين/ات، من الزواج والطلاق والمرض والموت والتقدّم في السن وغيرها، ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل يسأل البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي المجالس الخاصة: هل كانت السيدة أم كثلوم تدخل الحمام مثلنا؟ هل كان العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ يغضب وينفعل ويشتم؟ هل كانت السيدة فاتن حمامة تمارس العلاقة الجنسية أسوةً ببقية الناس؟ هل تعاني الفنانة نانسي عجرم من آلام الدورة الشهرية؟

كرّست شاشات التلفزيون صوراً خيالية مثالية جعلت الجمهور يعتقد أن الفنان يعيش في كوكب آخر، وبمجرد أن يتحدث عن تفاصيل حياته التي تشبهنا جميعاً، تنهال عليه الأحكام والعبارات والتنمّر وغيرها، مع العلم أن نفس القصة نكون قد سمعناها ملايين المرات.

تحدث الممثلة السورية تولين البكري عن حياتها الخاصة في لقاء تلفزيوني، وكيف أنها عانت في حياتها الزوجية وحُرِمت من رؤية أبنائها ما سبب لها أزمات نفسية عديدة، وتلقت ردود أفعال قاسية مؤخراً.

وحول هذا الأمر، قالت تولين لرصيف22: "لقد تأثرت بردود أفعال الناس كثيراً في الفترة الأخيرة من ناحية الثرثرة على مواقع التواصل الاجتماعي والحكم المسبق وحتى الكلام القذر والشتائم، وهذا ما أزعجني، ولكن اللوم في النهاية ربما يكون على الشخص حين يكون صريحاً ومنفتحاً بحياته الشخصية، وتعلمت هذا الدرس بألا أتحدث عن حياتي الخاصة، فلم أجد الإنصاف من الجميع، ولن أتطرّق لتفاصيلي مرة ثانية".

وتابعت البكري بالقول: "تشبهني شيرين عبد الوهاب بما حدث معها، ولكن سبب ما حدث معها هو الحب، فالحب أعمى وأتمنى أن تعيش حياتها بشكل أفضل، فهي تحدثت عن أشياء كان يجب ألا تُحكى، وكل ما يحدث معها غير صحيح".

وختمت تولين البكري بالقول: "الفنان في النهاية إنسان، ولديه الكثير من الهموم في مجتمعاتنا العربية، ولكن الجميع ينظر إليه بصورة مثالية سطحية يحبون تصديقها، والمشاكل لا تفرق بين الفنان أو النجم أو الكومبارس أو الإنسان العادي".

وراء النجومية... إنسان

قد يكون التناقض بين حياة الفنان وتفاصيله وبين صورته عند الجمهور يشبه إلى حدّ كبير التناقض الذي يعيشه الفنان نفسه في حياته، بين حياة الشهرة والأضواء والمعجبين/ات، وبين حياة المنزل والأطفال والعائلة وغيرها، وقد يصعب الفصل في العديد من الحالات، فالمطربة ماجدة الرومي مثلاً كانت تخلع حذائها أحياناً بعد انتهاء الحفلة، وكانت تسوغ الأمر بأنها تريد لقدميها أن تبقيا على الأرض لتشعر أنها إنسانة.

والحقيقة أن الحياة الفنية رغم ما تحمله من شهرة وأضواء، إلا أنها لا تخلو من التعب والإرهاق والسعي لتحقيق الذات، وبالتالي يعيش الفنان صراعاً بين قدرته ككائن بشري وبين المكانة التي يرنو إليها، وقد لا يعيش حياته الخاصة كما يجب، بل يعيش للعالم الذي نسجه والذي تقع تحت خيوطه الأبناء والأهل والصحة والمشاعر والسلوكيات، كما كان يحدث مع الشحرورة صباح حين اعترفت أنها لم تكن أمّاً أو زوجة جيدة، وكانت لا تعطي زوجها حقوقه أحياناً لانشغالاتها، كما كانت لا تتناول الطعام والشراب في الأماكن العامة، كيلا يراها الجمهور تمضغ الطعام كسائر الناس.

حين انتشرت تفاصيل الخلاف الحاصل بين النجمة أنغام ووالدها، انصدم الجميع، وكانت ردود الفعل توحي بأنها أول ابنة تختلف مع عائلتها، والصدمة نفسها أبداها بعض المتابعين حين عرفوا مؤخراً بأن ابن السيدة فيروز هالي من ذوي الإعاقات بعد أن انتشرت صورة جمعتها به، وكأن أبناء الفنانين/ات يأتون من بويضات مختلفة

تعليقاً على هذه النقطة، قالت الخبيرة النفسية والاجتماعية، زهراء الغول، لرصيف22: "حياة الفنان مليئة بالمتاعب الجسدية والنفسية التي لا تنفك تذكّره بضرورة التوقف ومراجعة النفس وتأتي كجرس إنذار، في الوقت الذي ترى الفنان في الكثير من الأحيان لا يأكل كما يحب أو كما يجب، ولا يخرج أينما يُفضّل، بل كما يمليه عليه مساعده أو وكيل أعماله".

وأضافت زهراء: "وراء النجومية التي يشاهدها الجمهور الكثير من السهر والتنازلات والمواقف الصعبة والتقصير بحقّ من يحبهم الفنان، فالرفاهية المحسوبة على الفنان تحمل وراءها عدم الأمان والقلق والمجهول، وهذه الصورة في ذهن الجمهور تشكل الضغط الأكبر له وتدعيه للتظاهر أن كل شيء على ما يرام".

هل كانت السيدة أم كثلوم تدخل الحمام مثلنا؟ هل كان العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ يغضب وينفعل ويشتم؟ هل كانت السيدة فاتن حمامة تمارس العلاقة الجنسية أسوةً ببقية الناس؟ هل تعاني الفنانة نانسي عجرم من آلام الدورة الشهرية؟

في الواقع، إن ما حصل مع شيرين عبد الوهاب مثلاً هو ترجمة حقيقية لكيفية تعاطي المتلقي مع النجم ونسيان إنسانيته، ربما ما عاشته كان أكبر منها، وما جعل قصتها تطفو على السطح هو التداخل بين حياتها الفنية وحياتها الشخصية التي تخصّها، إلا أن الجميع اعتقد لبرهة أن شيرين ليست إنسانة بل آلة ومرآة يجب أن تكون مستعدة للتنفيذ، وهذا الضغط الكبير الذي تشكله النجومية ينعكس سلباً في أصغر المواقف، فقد ذكر النجم كاظم الساهر مؤخراً أنه كان سعيداً جداً خلال فترة الحجر في جائحة كورونا، لأنه عن طريق وضع الكمامة استطاع تحقيق حلمه في أن يمشي في السوق ويدخل بين المارة دون أن يعرفه أحد وكأنه حقق إنجازاً، وقد لا يكون الجميع قادراً على تحمل الضغط، فنرى بعض الفنانين يعتزلون الفن بعدما أدركوا أن لجسدهم ونفسيتهم حق، أو أن الصورة المثالية تثقلهم.

نهايات صنعها الضغط الفني

قد لا تكون حالة الراقصة داني بسترس التي أنهت حياتها منتحرة هي الوحيدة في الوسط الفني، بل لدينا الكثير من الشهود على كيفية وصول الفنان لنقطة سوداء لم يعد يحتمل فيها الحياة، كما كتبت داليدا في رسالة انتحارها.

ورغم اختلاف الأسباب والظروف إلا أن الأمر نفسه ينطبق على ألفيس بريسلي ومارلين ومونرو والياس رزق وغيرهم، حين وجدوا أن الحل الوحيد هو رسم النهاية بأنفسهم، وقد تكون النهاية غير مقصودة، كما حدث مع مايكل جاكسون أو ويتني هيوستن عندما وجدا أن المخدرات تعطيهما مُتنَفَساً عن ضغوطات الحياة، كما أن النجومية قد توصل أصحابها إلى الموت كما حدث مع سعاد حسني وذكرى وسوزان تميم وغيرهنّ، وقد يكون الهروب هو الحل الأسهل، إما لأسباب دينية كما حدث مع ربيع الخولي وأدهم نابلسي، أو للتقدم في السن والرغبة في الحفاظ على الصورة الجميلة في عيون الجمهور، كحالة ليلى مراد وشادية، أو لقضاء ما تبقى من العمر بعيداً عن الأضواء، كالسيدة فيروز وسميرة توفيق.

في هذا الصدد، تحدثت تولين البكري عن محاولتها الانتحار بسبب الأزمات التي تعيشها: "لا أفضل الحديث عن محاولة الانتحار التي مررت بها بشكلٍ شخصي، ولكن بشكل عام تحكم الناس على الشخص الذي يحاول الانتحار وتعتبره قليل الإيمان، وقد يكون كذلك، ولكن يمكن أن تكون لحظة يأس مرّ بها الشخص حتى لو كان مؤمناً، فهناك شعرة بين القوة واليأس، ولكن عموماً هذا الأمر خاطئ، وحين يشعر الشخص بوصوله إلى هذه المرحلة أو هذا القرار، بل حتى قبل وصوله بقليل، المفروض أن يذهب إلى طبيب نفسي كي يتلقى العلاج، أو ربما كي يبوح عما يمر به حتى لا يصل إلى تلك النقطة".

مهما بلغ الفنان من الشهرة والمجد، فإنه يعيش حياته كما نعيشها تماماً: يحب ويغضب ويكره ويشتاق ويتألم، حتى لو كان يضحك على المسرح ويغني أمام الشاشة، لكنه في نهاية المطاف قد يطبق ما جاء في أغنية إليسا: "ساعات الضحكة بتداري في جرح كبير، ساعات في حاجات ما بنحبش نبيّنها"

وعن أسباب الانتحار ووصول الفنان/ة إلى هذه النقطة، قالت الخبيرة النفسية زهراء الغول: "الانتحار هو فعل يترجم حالة اكتئاب أو اضطراب نفسي يعيشها الفرد لفترة من الزمن، والمنتحر هو شخص لم يعد لديه الاستعداد الكافي للدفاع عن نفسه أمام ظروف الحياة، وتحديداً الفنية المليئة بالتحديات والتعرض المستمر للانهيار النفسي الذي يحصل في عدم وجود الضبط الذاتي للسيطرة، والفنان مضطهد في نقطة حساسة، كيف له أن يعيش رفاهية وسعادة، في نفس الوقت الذي يختنق فيه العالم بالحروب والأزمات الاقتصادية والمجاعة؟ كيف له أن يتنعم بكل ما لديه؟ هذا الفنان الذي كان مصدراً للسعادة والبهجة لمتابعيه، هو الآن مصدر اتهام".

قد تكون اللحظات التي شاهدنا فيها شيرين عبد الوهاب وهي حليقة الرأس، هيفاء وهبي ووجهها مليء بالتجاعيد، نوال الزغبي تبكي بعد طلاقها، هاني شاكر يجهش بالبكاء بعد وفاة ابنته، هي بالنسبة للبعض مادة إعلامية أو تريند أو مثار للتندر والسخرية والاستغراب وللتكذيب أحياناً، ولكنها خير دليل على أن الفنان مهما بلغ من الشهرة والمجد لا يُجرّد من إنسانيته ويعيش حياته كما نعيشها تماماً: يحب ويغضب ويكره ويشتاق ويتألم، حتى لو كان يضحك على المسرح ويغني أمام الشاشة، لكنه في نهاية المطاف قد يطبق ما جاء في أغنية إليسا: "ساعات الضحكة بتداري في جرح كبير، ساعات في حاجات ما بنحبش نبيّنها".  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image