"العزلة تولّد الإبداع". هذا ما يظهر في زمن الكورونا والحجر الصحي. تحوّلت حسابات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى قنوات ترفيهية، حتى راح فريق كبير من المتابعين يتنقل بين قناة وأخرى. أما "السهرة"، فتحلو "افتراضياً" مع الأمتع أو الأكثر غرابة ربما؟
في ليلة 31 آذار/ مارس 2020، حَمَّس الإعلامي والمدوّن الكوميدي المصري عمرو راضي متابعيه على انستغرام، متوعداً إياهم بـ"سهرة فرفوشة". واستضاف عبر البث المباشر على إنستغرام الراقصة الروسية المقيمة في مصر، إيكاترينا أندريفا، التي اختارت لنفسها اسماً فنياً هو "جوهرة". رقصا معاً ودردشا قليلاً باللغة الإنجليزية وكثيراً بالعربية نحو 45 دقيقة.
تتفاوت ردود الأفعال دوماً. هناك من يرى بثاً كهذا "انحلالاً أخلاقياً وفنّياً" مثلما ورد في بعض التعليقات، بينما يراه آخرون وسيلة للتفريج عن النفس وسط ما نعيشه من قلقٍ مستمرّ حيال فيروس كورونا. غالبية التعليقات كانت Emojis (رموز) ضاحكة وراقصة، وتعليقات "فرفوشة" تماماً كما قال راضي.
ووصل عدد المشاهدين إلى نحو 30 ألفاً، وهو رقم كبير مقارنة بما تشهده "مبادرات لايف عديدة" خلال الأيام الأخيرة، عربياً. ففي بث مباشر لشخصيات مثل جويل وأصالة وكندة علوش ورامي عياش لم يتجاوز عدد المشاهدين، في الوقت نفسه، الـ15 ألفاً.
رقصت جوهرة مع راضي على أغنيات مثل "عود البطل" لحسن شاكوش وعمر كمال و"بابا" لمحمد رمضان. وكان راضي "مغرماً" بجوهرة طوال البث. وحينما سألته عن سبب عدم زواجه حتى الآن (علماً أنه يبلغ من العمر 28 عاماً، بينما تبلغ من العمر 32 عاماً)، قال: "لأنني لم أجد 'جوهرة' مصرية".
أما سؤاله لها، فكان: "أُذكري ثلاث صفات تحبينها بالرجل المصري؟". لم تجب وكأنها لم تجد ثلاث صفات جميلة في الرجل المصري. فعكس السؤال: "ثلاث صفات لا تحبينها في الرجل المصري؟". أجابت: "Liars… Cheaters… F*ckers" (كاذبون ومخادعون ولعوبون). وهنا ضحك الكثير من مشاهدي البث عبر التعليقات، نساءً ورجالاً، ومنهم من علّق بسخرية: "مش طايقانا".
تحرّش؟
خلال البث المباشر، وضعت جوهرة بعض الوقت كمامة سوداء من وحي أجواء "زمن الكورونا"، وهذا ما دفع راضي للتعليق: "أحلى كورونا في حياتي".
ومما قاله راضي أيضاً: "عاوز أتحجر معاكي سنة".
وتدفعنا تعليقاته، فضلاً عن تعليقات آلاف المشاهدين، إلى إعادة النظر في الخط الرفيع الذي يفصل بين التحرّش اللفظي/الكتابي والغزل. من التعليقات: "يا قادرة"، مش هتقلع؟" و "جاية تتوب عندك" و"عايزين نتحجر كلنا معها".
في ساعات متقدمة من الليل، داخل "غرف" إنستغرام، تجري الكثير من الحوارات الحميمية والفعاليات غير المتوقعة… هنا إضاءة على مّا يجري
"موقف محرج"
في سياق متصل، تعد خبيرة التجميل اللبنانية جويل مردينيان إحدى أكثر الشخصيات تفاعلاً عبر انستغرام في هذه الفترة إذ تطل ببث مباشر شبه يومي لتجيب أحياناً عن أسئلة متابعيها.
في 27 مارس/آذار الماضي جاءها أحد الأسئلة: "أخبرينا عن موقف محرج تعرضت له؟". تذكّرت جويل موقفاً محرجاً جرى بحضور والدتها وصديقتها ومدير أعمالها فادي سباعي وزوجته والفنان وائل منصور وزوجته.
كان مدير أعمالها آنذاك يشاهد البث، وبعد موافقته، روت الحكاية قائلةً إنها "شخصية خجولة"، فحينما كانت في أحد المطاعم في منطقة الروشة ببيروت في شهر شباط/ فبراير 2019 لم تود الذهاب إلى "التواليت" لئلا تقابل أحداً في طريقها. بعد العشاء، بقيت مع المجموعة نفسها في منطقة الروشة لتناول القهوة، وهناك سردت والدتها بعض النكات، وهو ما لم تتحمله جويل، على حد قولها، فتبوّلت في مكانها على مرأى من المارّة وهي تضحك على نكتة والدتها.
أشارت جويل إلى أنه "موقف محرج" لأنها كانت المرة الثانية التي تقابل فيها الفنان وائل منصور، ولكنها لفتت إلى أنها تروي القصة من دون خجل لأنها شاركتها مع المقربين منها.
أضحكت جويل متابعي البث المباشر على هذا الموقف، كما ضحكت هي على نفسها خلال سرد القصة. ولكن هذا المقطع من البث سجّله أحد المشاهدين ورفعه على يوتيوب ومواقع التواصل الأخرى، فتعرضت بسببه لحملة من التعليقات الناقدة اعتبرت حكايتها "سخيفة" و"لا تستحق أن تروى"، و"يجب أن تخجل منها بدلاً من أن ترويها"... هكذا كانت بعض التعليقات.
هنا نتساءل مجدداً: هل هناك معايير يجب اتباعها؟ من يصنّف المواضيع السخيفة؟ من يصنّف المواضيع التي علينا أن نخجل منها؟ من يحدد الذوق العام؟
وفيما تلقت جويل سيلاً من التعليقات الناقدة، رأى متابعون أنها امرأة عفوية لا تخاف أحكام الغير.
ولاحظت جويل أن أرقام المشاهدات كانت ترتفع خلال سردها هذه القصة، وهو ما يدلّ على حب/إعجاب الناس بما هو غير مألوف.
بين "العفوية" و"السخافة"، و"الفرفشة" و"التحرّش اللفظي بالنساء"… ضوء على ما يجري داخل "غرف" إنستغرام في ظلّ الحجر الصحي
"هاوس بارتي"
عزلة الكورونا دفعت عدة فنانين إلى إحياء حفلات غنائية من بيوتهم. البعض رأى فيها فرصة للتقرّب من جمهوره، وبعضهم اعتبرها فكرة جيدة لإقناع أكبر عدد من الأشخاص بالتزام المنازل.
من الفنانين الذين أحيوا حفلات منزلية فضل شاكر وابنه محمد شاكر، ومايك ماسي، ورامي عياش. واختار فنانون آخرون "الدردشة" مع المتابعين كأصالة التي طالبت جمهورها بطرح الأسئلة من دون أن تجيب عنها، وكندة علوش التي احتفلت بعيد ميلادها، وشمس الكويتية التي "دردشت" مع المعجبين والمعجبات وتلقت نقداً مهولاً.
وكانت شمس قد تحدثت عن أسباب حب الرجال العرب للفتيات المغربيات، قائلةً: "الأمهات المغربيات الصحراويات يربطن خصور بناتهنّ منذ الصغر ويدلّكنهنّ في عمر السنة والسنتين ليخلقن جسم Curvy (منحوتاً)، جسماً أنثوياً للبنات إلى أن أصبحت جيناتهنّ هكذا".
وأضافت: "تخيلوا. شوفوا ثقافة الأم الواعية المغربية… عارفة أنها لما تكبر، غير أنها رح تطبخ وشاطرة وواعية، جسمها يساعد تكون أنثى وتكون محبوبة عند جوزها وتكون مستقرة في حياتها. لأن الجسم اللي مو حلو كمان يخلي الرجل اللي معاشرك يدوّر على إنسانة غيرك جسمها أحلى… نكون واقعيين".
وحمّلت المرأة مسؤولية خيانة الزوج أو زواجه أخرى، قائلةً: "شوفي اللي مقصرة فيه".
أما مايا دياب، على سبيل المثال، فقد استغلت في هذه الأزمة فوزها بالجائزة الذهبية عن فئة التقديم عام 2001 خلال مشاركتها في برنامج ستوديو الفن وأطلقت "برنامجاً" لها عبر خاصية البث المباشر على إنستغرام اسمه "أحاديث جانبية مع مايا دياب" حيث تستضيف شخصيات عامة وتحاورها. واستضافت إلى الآن يسرا، وفيفي عبدة، وشيماء سيف.
ومن الفنانين الذين انتهزوا خاصيّة البث المباشر على إنستغرام المصري محمد رمضان، المعروف بقربه من جمهوره، فكان بدلاً من أن يستضيف شخصيات عامة، استضاف جمهوره من مختلف أنحاء الدول العربية، علماً أنه يمكن في إنستغرام، خلال البث المباشر، إرسال دعوة للمشاركة.
ثقافة المشاهير والرأسمالية
في الإطار نفسه، كتبت الصحافية أروى مهداوي في صحيفة الغارديان مقالاً بعنوان "كشف فيروس كورونا حقيقة بشعة عن ثقافة المشاهير والرأسمالية"، بيّنت فيه كيف ينصح الفنانون متابعيهم بالتبرّع أو مسايرتهم بعبارة "كلنا في القارب نفسه" من دون التفكير في الملايين الذين خسروا وظائفهم في أنحاء العالم.
وتحدثت عن أكثر من شخصية عامة، مثل منتج الأفلام ورجل الأعمال الأمريكي ديفيد غيفين الذي نشر صوراً عبر حسابه على إنستغرام يُظهر فيها طريقته بالابتعاد اجتماعياً وهو على متن يخته الخاص الذي يبلغ سعره 590 مليون دولار أمريكي. وكان قد علّق على الصورة: "أتمنى أن يبقى الجميع في أمان"، قبل أن يحذف حسابه على انستغرام عقب سيل من الانتقادات اللاسعة.
وكتبت مهداوي أيضاً عن إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكي التي علّمت متابعيها كيف يغسلون أيديهم مستخدمة صابونة Aesop التي يبلغ سعرها 39 دولاراً أمريكياً.
وختمت مهداوي مقالها: "تعتمد ثقافة المشاهير والرأسمالية على كذبة 'حارب وستنال كل ما تريد'. لكن أصبح واضحاً كيف نتعامل مع الموظفين المحاربين في القطاعات الصحية والأسواق الغذائية والسائقين الذين يعملون برغم كل شيء. يقول لنا المشاهير والأغنياء إننا جميعاً في القارب نفسه. من الواضح أننا لسنا معاً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...