شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الوحدة ليست شخصاً وحيداً، الوحدة عالم كامل ينقصه أنت

الوحدة ليست شخصاً وحيداً، الوحدة عالم كامل ينقصه أنت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مجاز

السبت 26 نوفمبر 202211:36 ص


أل التعريف



الوحدة أن تدخل الحمام أولاً كل صباح، دون أن يتسابق معك أحد، ودون أن يتشاجر معك أحد. أن تضع على الطاولة كأساً وحيداً من القهوة، وتسمع صوت فيروز صافياً، بغير نشاز من معك.

الوحدة أن تتناول على كل غداء الطبق الذي تختاره، دون أن تفرض رأيك على أحد، ودون أن تنصاع لاختيار أحد. إنها الصحون المترسّبة في حوض الغسيل منذ أيام، شتول الحبق التي لم تسقَ، القمامة التي لم ترمَ، والأغراض التي بقيت حيث وضعتها، دون أن يقوم بترتيبها أو إخفائها أحد.

الوحدة أن تلقي أحداث يومك في أذن الفراغ الأصم، فيزعجك بروده وتبتلع لسانك. أن تتزاحم الأفكار والصرخات في رأسك، فتفتح تطبيق ملاحظاتك تستفرغ فيه أرقك، دون أن يقطع شرودك طنين الماسنجر أو إشعارات واتساب.

الوحدة لوح شوكولا في الثلاجة لا يريده أحد. تطمئن على غيابه كل مساء، فيزعجك حضوره. وسيدة تنظّف الأطباق بتثاؤب، دون أي يحيط خصرها أو يتلمّسه أحد.

الوحدة فستان نوم مهمل فضفاض، أكتاف تئنّ بانتظار لمسة، ظهر محني من الانتظار على كرسي المطبخ، وعينان يقطع شرودهما منظر انسكاب الحليب على النار.

الوحدة كاشف حمل بخط واحد أبداً، صوتك الغائر في بئر سحيق، صمتك المتكوّم فوق حنجرتي، وخيالك الذي تفوح منه رائحة امرأة أخرى. انتظار نزولك من عربة حضورك الواهي، عناقك المقتضب بحجة الحرّ، أصابعك الباردة ومصافحتك الرخوة... مجاز

الوحدة جسد من دخان، وقميص ينام مكان صاحبه، وأصابع تتلمس ملامح الوجه على الشاشة.

الوحدة ليست شخصاً وحيداً، الوحدة عالم كامل ينقصه أنت.

أنا والبنات والوحدة

في الصباحات لاسعة البرودة تستيقظان وتفتحان عينيهما بألق، تسألانني عن اليوم وتحصيان الأيام الباقية لعودتك، ثم تردّان عليّ تحية الصباح، وتتراكضان بملابسهما الداخلية. الوحدة ألا أستيقظ على صوت اصطكاك إبهامك بالوسطى، وأن أضبط المنبه دون أن أجرؤ على أخذ غفوة إضافية.

في الوحدة لا يأتي صوتك الحاني من المطبخ يلقي علينا "صباح الخير"، متجاهلاً بروتوكولات التسلط الأبوي والزوجيّ الذي ينتظر أداء الطاعة وقبلة اليد على الريق. أنت غائب لكن كل شيء يسير على ما يرام. لا فطور باستثناء البيض المقلي، ولا أطعمة إجبارية في صناديق الطعام، ولا تأخير عن المواعيد.

تضحك البنتان في فرح غريب عندما أصوّرهما لنرسل لك صورة الجاهزة للحضانة، وترسلان لك التسجيلات الصوتية السعيدة والمشتاقة، حتى أظن بأن غيابك لا يعنيهما، فتنفجران بالصراخ والنحيب وتضربانني إذا ما كذبت عليهما: "قلت لبابا لا تأتي، فأنا والبنات لسنا مشتاقات".

أنت غائب لكن كل شيء على ما يرام. أتأخر في الخروج إلى عملي فأنت لن تقلّني. أرتّب الأسرّة وأنظف الأطباق، وأفعل كل ما كان يثير حنقك، ثم أخلع عني ملابس النوم الذي لم أذقه منذ حضورك الماضي، وأتجهّز ليوم من الأمومة والأبوة والبنوّة، والأدوار المهنية والاجتماعية التي أخطئ في تبديل أقنعتها المستمر.

أنت حاضر لكن لا شيء على ما يرام... الوحدة ليست شخصاً وحيداً، الوحدة عالم كامل ينقصه ما كان أنت.

"ولكنني أريد المعكرونة بالبشاميل، كيف سنعيش هكذا بلا أب، أريد أن أستلقي بجانب بابا على الشرفة ويريني النجوم"، هكذا قالت الصغيرة، وهذا ما جعل عينيّ كرتين حارقتين من نار في المساء الماضي. أستحق هذا، فأنا لا أفتأ أكرّر مزحتي السمجة: "اتصل بابا، وقال إنه سيؤجل قدومه أسبوعاً لأن لديه عملاً ضرورياً".

إنهما تتحدثان عنك دائماً، وتتشاجران من ستأخذ دور الأب في لعبتهما التمثيلية، وكثيراً ما أعثر عليهما في خزانتك، تلبسان أو تُلبسان ألعابهما جراباتك أو قمصانك. وكثيراً ما تجدنا في الصالون، نحن المشتاقات الثلاث، نتمعّن في صورة زفافنا المعلّقة على الجدار، ونرمّم جدران قلوبنا المتصدعة في الغياب.

لا وقت لديّ للكتابة أو الأغاني، فأنا مشغولة بتلقي عبارات الحسد من الجارات، فقد ارتحت من لملمة أغراضك المبعثرة في كل مكان، ككل الرجال، وارتحت من طلباتك بعشاء متأخر، ومن تعليقاتك على كيفية ترتيب الأثاث وملاحظاتك عن أنواع البهارات التي يجب أن أضعها على كل طبخة، والبنات أيضاً قد ارتحن من نبرتك الغاضبة إذا ما أيقظنك من محاولة القيلولة وقت الظهيرة.

هنا في الوحدة لا وقت لديّ لمشاهدة بريق عينيك تتحدّث عن قصيدة لشاعرك المفضّل، ولا لمشاهدة زبد الهم يعلو بحار وجهك، ولا وقت للبنات للاستماع إلى محاضراتك حول إحكام إغلاق صنبور الماء. لقد نجت الثلاجة من تفقّدك المستمر لمحركها، وتحرّرت نبتة الزينة من نصائحك لي بتقليل مرات شربها، وأخذ الإبريق الكهربائي إجازة طويلة من الضابط الذي يصرخ بوجهه "استعد" كلما رآه مرتاحاً.

الوحدة في الحضور

الوحدة كاشف حمل بخط واحد أبداً، صوتك الغائر في بئر سحيق، صمتك المتكوّم فوق حنجرتي، وخيالك الذي تفوح منه رائحة امرأة أخرى.

الوحدة انتظار نزولك من عربة حضورك الواهي، شوقنا المتراص ولقاؤك الأجوف، عناقك المقتضب بحجة الحرّ، عيناك الفارغتان من أطيافنا، أصابعك الباردة ومصافحتك الرخوة.

أنت حاضر لكن لا شيء على ما يرام...

الوحدة ليست شخصاً وحيداً، الوحدة عالم كامل ينقصه ما كان أنت.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image