شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
عندما أبعدني كرهي للمونديال عن نهديها

عندما أبعدني كرهي للمونديال عن نهديها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة

الاثنين 21 نوفمبر 202205:02 م

لم أكن فوتبولياً بالمعنى الدارج الذي كانه آخرون في الحي، مثل إخوتي ورفاقهم في "عين المريسة" أو "الضناوي" وحتى في "حي اللجا"، وهي أحياء في العاصمة اللبنانية بيروت.

هي أربع أو خمس مباريات فقط اشتركت فيها في زواريب هذه المناطق، تحديداً خلال مونديال عام 1978، حين أحضر لنا خالي تلفازاً صغيراً معه من الكويت بالأبيض والأسود، وشاهدنا عبره المونديال، وكنا نظن أنه تلفاز ملون، إذ لون إطاره بالأحمر، ما عنى لنا أنه تلفزيون ملوّن، نحن الخارجين من حرب السنتين وحصار برج حمود، وهي المرحلة الأولى من الحرب الأهلية في بلادنا (1975)، التي امتدت حتى نهاية الثمانينيات، وكنا خلالها في البيت الذي فقدنا فيه التلفزيون الخشبي الكبير الذي غطى نصف غرفة الجلوس، إلى جانب الـ"درسوار" خشبي.

بين عبوة ناسفة لم تنفجر كلها، نجا معها مقر الاتحاد الاشتراكي بالقرب من جامع عين المريسة، وبين قذيفة طائشة تسقط بالقرب من جدار السفارة الفرنسية في الطلعة القريبة من الجامع، أو حاجز للجيش السوري ودورية عناصرها يصادرون ما أمكنهم، ومن بين المصادرات الكرة البيضاء، الشيوعية الروسية الصنع، التي حصل عليها الرفيق الوالد خلال بيعه الأحذية وأشياء أخرى على العربة الخشبية في وادي أبو جميل وسط بيروت، كنا نجد بورةً نلعب فيها ونحرق بقايا ما يسرقه الشبان الحزبيون من حركة رواد الإصلاح التي أسسها صائب سلام، وكان البعض يسميها "رواد الفضاء"، والجبهة الديمحرامية، وهو التعبير الذي كُنّا نطلقه على الجبهة الديمقراطية.

كنا نجد بورةً نلعب فيها ونحرق بقايا ما يسرقه الشبان الحزبيون من حركة رواد الإصلاح التي أسسها صائب سلام، وكان البعض يسميها "رواد الفضاء"، والجبهة الديمحرامية، وهو التعبير الذي كُنّا نطلقه على الجبهة الديمقراطية

هذه الكرة البيضاء الشيوعية المنبت والأصل، كانت فرصتي للعب "الفطبول" أربع أو خمس مرات. أحاول جاهداً أن ألاحقها فلا أصل إليها، وإذا وصلت إليّ عبر تمريرة من أحد رفاق السوء في فريقي، فلا أستطيع إيقافها أو ردها أو استهداف مرمى الفريق الخصم بها. كانت مصادرتها من الجندي السوري الأسمر "أبو سن ذهب" فرحةً بالنسبة لي، فقد تخلصت من هذه اللعبة، وصار بالإمكان لعب "خريطة"، اللعبة التي تحتاج إلى ذكاء للبحث عن مخبأ ما في الزواريب التي نعيش فيها.

كرهت الطابة كما كرهت المونديال والمباريات التي كان يعرضها تلفزيون لبنان عشية كل يوم سبت منقولةً من كولونيا ومونشن غلادباخ في ألمانيا الغربية. كنت أفضل ستيف أوستن المعروف بالرجل الإلكتروني غالب الأعداء وقاهر الشريرين، كذلك أتقوقع في زاويتي في انتظار حكاية العشق بين هند أبي اللمع وعبد المجيد مجذوب حين تقول "ألو". آخ ما أجمل "الألو" حين تنطق بها هند! يا لعينيها الملونتين حتى في شاشة الأسود والأبيض؛ كانت تشبه معلمتي ريتا التي "قشرت" لها دهان سيارتها الرينو 12 الفرنسية البيضاء، فقط لأراها واقفةً لوقت أطول أمام المدرسة بفستانها القصير وحلمتيها المتخيلتين من تحت الفستان، والمندفعتين لتحرير فلسطين أو تحرير لبنان من الفلسطينيين.

كنت أكره المونديال لأنه يمنعني من مشاهدة مسلسل "لاف بوت"، والصبايا في البكيني يتوسلن البطل، الذي يشبه ابن خالي، كي يجلس بجانبهن، أو يأخذهن في رحلة في غرف السفينة البيضاء التي تنقل المسافرين في جولة حول العالم وتنقلني معهن.

أخبرتها كم أكره الكرة الأرضية لأن اسمها كرة، وأكره الرجال الاثنين والعشرين حين يلاحقونها في الملعب بأقدامهم الأربعة والأربعين، فما كان منها إلا أن أبعدتني عنها بعدما كادت أن...

عام 1982، كنا نتصارع تحت القصف؛ غارات إسرائيلية تلاحق "أبو عمار" ياسر عرفات، من الفاكهاني إلى برج أبو حيدر بالقرب من منزل زعيم "قوى الشعب العامل" كمال شاتيلا، وخلال ساعتين كانت البناية كلها "مدحوشةً" في بيتنا على الطابق الأول. كانت شقيقة جارتنا الشقراء، تدخل الحمام لتختبئ من غارة تلاحق عرفات حين وصل بفراره إلى منزل صائب سلام في "الضناوي"، وتصرخ من قلبها "يا دلّي"، فأدخل لأنقذها من مهب الريح وعصف الصاروخ "المنتظر"، ولأخبئ يديها في قلبي، فتسألني عن رأيي بالمونديال.

كنت "صريحاً"، فأخبرتها كم أكره الكرة الأرضية لأن اسمها كرة، وأكره الرجال الاثنين والعشرين حين يلاحقونها في الملعب بأقدامهم الأربعة والأربعين، فما كان منها إلا أن أبعدتني عنها بعدما كادت أن...

كانت هند تشبه معلمتي ريتا التي "قشرت" لها دهان سيارتها الرينو 12، فقط لأراها واقفةً لوقت أطول أمام المدرسة بفستانها القصير وحلمتيها المتخيلتين من تحت الفستان، والمندفعتين لتحرير فلسطين

منعتني من إكمال الحكاية، التي كادت أن تسجل انتصاراً مدوياً، حكاية "أم أربعة وأربعين" الذهبية التي تلمع كأنها سوار ذهبي. كان هناك رجل يُدعى مارادونا، وكانت إيطاليا تناور فيما الكرة الأرضية تهتز تحت أقدامنا، بفعل الصواريخ المجنحة والعنقودية والفراغية التي تسقط على حياتنا.

كرهت الكرة وأحببت المصارعة الحرة ومحمد علي كلاي ولاحقاً مايك تايسون؛ ضربات سريعة وقاضية. كرهت المونديال وأحببت الرماية برشاش الكلاشنكوف وقاذف "بي سبعة" ورشاش "بي كي أم" والعبوات المتنقلة، وكذلك صفقة الألغام الفردية التي اشتراها "أصدقائي" لتفخيخ أحياء في منطقة ما.

كان جورج وسوف يغنّي "سألتها من وين قالت من حاصبيا وعند ما غمزت أمها... حاص بيا"، حين كان رفيق لي يقف على حاجز ما للقوى الوطنية، ينتظر السماح له بالمرور. هدده حامل الكلاشينكوف بالضرب إذا خسر فريقه، لكن حين دخلت الكرة في مرمى البرازيل أطلق الشاب الرصاص في الهواء فرحاً. كانت نجاة من موت محقق عام 1986.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard