شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
الكوليرا تتفشى في الشمال السوري... لا أرقام ولا تصريحات ولا فحوصات

الكوليرا تتفشى في الشمال السوري... لا أرقام ولا تصريحات ولا فحوصات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والبيئة

الاثنين 12 سبتمبر 202202:50 م

يعيش أكثر من مليون ونصف مواطن في مدينة الحسكة وريفها الغربي في ظل انعدام الأمن المائي.

سبب الكارثة المائية سياسي بالأساس، نتيجة دخول محطة آبار علوك التي تغذي مناطقهم بمياه الشرب في التجاذبات السياسية بين القوات التركية التي تحتل هذه المحطة، وقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على المناطق التي تغذيها بالمياه.

كذلك ساهم انخفاض مستوى نهر الفرات في محافظتي الرقة ودير الزور في رفع نسبة التلوث في المياه المستخدمة في ري المزورعات والمواشي. ومع اشتداد الحرارة صار نهر الفرات وقنوات الري المتفرعة عنه ملاذاً للشبان الراغبين بممارسة السباحة، ما قد يؤدي إلى ابتلاع كميات من المياه الملوثة أثناء السباحة، هذا بالطبع مع إضافة احتمال استخدام مياه الأنهار للشرب بدون تعقيمها.

لكل ما سبق سبّب انعدام الأمن المائي انتشاراً لمجموعة من الأمراض الهضمية على رأسها الكوليرا، التي تشير معطيات متعددة المصادر لبدء انتشارها في سوريا، والأمر لا يقتصر على المحافظات الشرقية الثلاث: الحسكة ودير الزور والرقة، بل يتخطاها إلى حلب.  

تركيا تسيطر على محطة آبار العالوك

تشير المعلومات التي وردت في بيان وزارة الصحة السورية لثبوت تسجيل 15 حالة إصابة بالكوليرا في حلب، وجميعها تخضع للعلاج والعزل ضمن المستشفى الوطني في المحافظة التي تعد عاصمة الصناعة السورية، هذا مع تأكيد الوزارة إرسال كميات إضافية من الأدوية الخاصة بالمرض وإخضاع مخالطي المصابين للعلاج.

ثبت تسجيل 15 حالة إصابة بالكوليرا في حلب، وجميعها تخضع للعلاج والعزل ضمن المستشفى الوطني في المحافظة، مع تأكيد الوزارة إرسال كميات إضافية من الأدوية الخاصة بالمرض وإخضاع مخالطي المصابين للعلاج

العوامل التي تؤدي للإصابة بالمرض وعلى رأسها تلوث مياه ري المزروعات، واستخدام مياه غير موثوقة المصدر للشرب جميعها حاضرة بقوة في ريف حلب الجنوبي والشرقي، وكذلك في المناطق العشوائية في المدينة والمخيمات.

إلا أن الواقع يختلف في مدينة الحسكة، فالمدينة معتادة استقبال موجات من مراجعي المراكز الطبية في المدينة بسبب الشكاوى الهضمية وأكثرها انتشاراً الإسهال. وبحسب بيانات حصل عليها رصيف22 فإن عدد الحالات التي راجعت مركز اللؤلؤة الطبي وسط المدينة منذ بداية آب/أغسطس حتى 9 ايلول/سبتمبر بلغ 1248 حالة، منهم 584 طفلاً، وقد أجري الاختبار السريع للكوليرا على حالتين فقط، وجاءت نتيجته سلبية.

ورغم مراجعة رصيف22 لعدد كبير من المصادر الطبية ضمن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في المحافظة، تعذر الحصول على بيانات عن الحالات التي راجعت النقاط الطبية بشكاوى هضمية.

وقد صرّح مصدر فضّل عدم الكشف عن اسمه لرصيف22 أن لجوء الناس لمصادر الشرب غير الآمنة هو تعويض عن نقص المياه بسبب أزمة محطة آبار علوك التي خرجت عن العمل عدة مرات منذ دخول القوات التركية إليها في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2019.

الارتباط المباشر بين وقف خدمات المحطة يظهر من خلال تحول فصل الصيف إلى موسم للأمراض وبأعداد كبيرة في المنطقة، كالتسمم الغذائي والعصيات القولونية "الزحار" والإسهال.

سبب الكارثة المائية سياسي بالأساس، نتيجة دخول محطة آبار علوك التي تغذي مناطق الحسكة بمياه الشرب في التجاذبات السياسية بين القوات التركية التي تحتل هذه المحطة، وقوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على المناطق التي تغذيها بالمياه

لا يمكن الاعتماد على الأعراض السريرية في تشخيص مرض الكوليرا دون إجراء الاختبار السريع الذي وإن ظهرت نتيجته إيجابية فيجب إجراء تحاليل مخبرية تثبت الحالة، مع الإشارة هنا لعدم وجود بؤرة مرضية، في المحافظة لكون الحالات المراجعة لمركز اللؤلؤة جاءت من مناطق متفرقة ومتباعدة نسبياً. 

في دير الزور، ينقسم الأمر ما بين تأكيد مصادر طبية متعددة لرصيف22 أن مناطق غرب الفرات خالية من أي موجة مرضية أو حالات تسمم، وبين انهيار القطاع الصحي شرق النهر، فالمستشفيات تقدم خدماتها بالحد الأدنى، ومع انقطاع التيار الكهربائي يعتمد السكان على الصهاريج لنقل مياه الشرب ومعامل قوالب الثلج لتأمين المياه الباردة في ظل موجات الحرارة.

كلا الطريقتين للتزود بالمياه يتم من مصادر مياه غير موثوقة ومن الفرات مباشرة، وفيما يعاني النهر من انخفاض مستويات التدفق بسبب إغلاق الحكومة التركية لبوابات سدودها، ترتفع نسب التلوث بفعل وصول كامل قنوات الصرف الصحي في الرقة ودير الزور إلى مجرى النهر.

أمراض هضمية ووفيات ومياه ملوثة... ولا تصريح

وقد تم تناقل أخبار غير رسمية من قبل السكان المحليين على صفحات التواصل الاجتماعي تشير إلى أن الكوليرا منتشرة في بؤرتين في الريف الغربي، الأولى في قرية الصعوّة التي شهدت وفاة خمسة أطفال يوم السبت 10 أيلول/سبتمبر 2022، والثانية في بلدة الكسرة، التي شهدت حالتي وفاة في اليوم نفسه.

ورغم أن المنطقتين شهدتا مراجعة ما يقارب 120 شخصاً من بينهم 73 طفلاً للمراكز الطبية بسبب مشاكل هضمية، لم يُحسم الأمر على أنه إصابة بالكوليرا بسبب عدم وجود الاختبارات السريعة والمستلزمات الطبية التي يستدعيها التشخيص الطبي الحاسم.

تم تناقل أخبار أن الكوليرا منتشرة في بؤرتين في الريف الغربي، الأولى في قرية الصعوّة التي شهدت وفاة خمسة أطفال يوم السبت، والثانية في بلدة الكسرة، التي شهدت حالتي وفاة في اليوم نفسه

فيما يؤكد شهود عاملون في القطاع الطبي في مناطق بين الريف الغربي لدير الزور والشرقي للرقة ومناطق تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية أن الأعراض التي ظهرت على مراجعي النقاط الطبية تراوح بين التهاب اللوز القيحي والزحار والتسمم الغذائي الناتج عن تناول السمك الفاسد، مع وجود إنتانات هضمية ناجمة عن شرب أو ابتلاع مياه شديدة التلوث.

يقول أحد الأطباء الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية كونه يعيش في مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية: "لقد شاهدت بأم عيني كيف يقوم رعاة المواشي بغسل قطعانهم في قنوات الري المتفرعة عن نهر الفرات ونهر البليخ، أما نهر الجلاب فيعد حالياً قناة للصرف الصحي أكثر منه نهراً بسبب ارتفاع نسبة التلوث فيه، والغريب أن سكان المنطقة يسبحون في هذه القنوات، ويسقون قطعانهم ومزروعاتهم منها، كما أن بعض السكان يُقدمون على استخدامها في الشرب بعد إجراء عمليات تعقيم غير كافية مثل تسخين المياه وتبريدها قبل الاستخدام بسبب عدم وجود ثقافة صحية كافية".

ويؤكد فريق من الأطباء الذين يقيمون في المنطقة ذاتها في تسجيلات صوتية وصلت لطبيب أمراض داخلية تعاوَن مع رصيف22، أنه لا يمكن نهائياً الجزم بانتشار وبائي للكوليرا أو العكس بناءً على ما رُوّج من معلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 

لكن بحسب معلومات إضافية حصل عليها رصيف22 فإن تسع حالات هضمية فقط راجعت النقاط الطبية التابعة للحكومة السورية في ريف الرقة، وغالبها نتيجة تسمم غذائي بسبب تناول أطعمة مخزّنة بطريقة غير صحية. 

فيما لا يوجد رقم دقيق لعدد الحالات التي راجعت مستشفيات مدينة الرقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، فقد سجلت حالتي وفاة في المدينة نتيجة لأعراض هضمية ترافقت مع إسهال حاد وجفاف شديد وارتفاع في ضغط الدم، الأولى في المستشفى الوطني لرجل أربعيني توفي يوم الجمعة 9 أيلول/سبتمبر 2022، والثانية لفتاة في العشرين من عمرها توفيت في مستشفى السلام يوم السبت 10 أيلول/سبتمبر 2022.

بيانات من قوات سوريا الديمقراطية

هيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية أعلنت عن تسجيل ثلاث حالات وفاة بمرض الكوليرا، مع إشارتها لتسجيل عشرات الإصابات في مناطق سيطرتها غرب دير الزور والرقة، وقالت لاحقاً إنها بدأت بتوزيع مادة الكلور لتستخدم في عمليات تعقيم مياه الشرب ضمن مناطق سيطرتها، الأمر الذي قالت مصادر رصيف22 أنه كان متوقفاً خلال المراحل الماضية، إذ لم تقم المجالس المحلية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية باستلام وتوزيع هذه المادة منذ بداية الصيف لأسباب تتعلق بعدم توافرها.

وتقول المعلومات إن قوات سوريا الديمقراطية قد حصلت على كميات من الكلور بعد طلبها من الحكومة السورية، وهو أمر يحدث للمرة الأولى. 

دعم القطاع الصحي ورقة ضعط سياسية 

انهيار القطاع الصحي في مناطق شرق الفرات مسألة مسيسة من قبل عدد كبير من المصادر الطبية، ففي الوقت الذي توجد فيه مستشفيات خالية من المعدات الطبية مثل مستشفى أبو حمام شرق دير الزور، تعاني مستشفيات ومراكز طبية مثل هجين، والكسرة، والرقة والطبقة من ضغط الحالات المراجعة وسط نقص في الكادر الطبي والمواد الدوائية،

وسبب الاستغراب يعود لتلقي الإدارة الذاتية مساعدات طبية مستمرة من المنظمات المانحة والداعمة لها، ولا تتوافر معلومات عن مصير هذه المساعدات أو حجمها، لكن قوات سوريا الديمقراطية توجهت إلى منظمة الصحة العالمية لدعمها في مواجهة تفشي الكوليرا. 

المعلومات الطبية غائبة مشوشة وأحياناً متضاربة في سوريا، بسبب تعدد المصادر والقوات المسيطرة على المناطق، وقد كان في جائحة كورونا خير مثال على ذلك.

ثمة معلومات تقول إن المراكز الطبية ضمن الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية من محافظة الرقة تشهد فائضاً في الأدوية العلاجية الخاصة بمرض اللسمانيا المعروف شعبياً باسم "حبة حلب"، وذلك بعد تنفيذ حملات علاجية للحالات التي سجلت خلال السنوات السابقة، والتي تزامنت مع مكافحة أسباب انتشار ذبابة الرمل بوصفها العامل المسبب لانتشار هذا المرض، ولم يسجل الصيف الحالي إلا عشرات الإصابات مقارنة بعشرة آلاف حالة خلال السنوات الثلاث الماضية. 

لم يكن ممكناً الوصول لإحصائية كاملة لتعدد مصادر المعلومات، علماً أن كل واحد من هذه المصادر يمثل طرفاً من أطراف الصراع، وبالتالي فجمع البيانات عملية شبه مستحيلة ما لم تقم منظمة الصحة العالمية بدور جامع ومقيّم للواقع الصحي بحياد

في محافظة الحسكة الواقع مختلف نسبياً، فمع معالجة 11 مصاباً خلال العام الماضي من قبل نقاط طبية تابعة للحكومة السورية، فإن حملات الوقاية لم تأت بالنتائج المرجوة، إذ سجلت حوالي ألف حالة بالمرض الجلدي الذي يحتاج مريضه لثماني جلسات معالجة بالحقن المباشر، وسبب استمرار تسجيل المرض هو وجود مناطق لم تُنفذ فيها حملات الوقاية من قبل الإدارة الذاتية. 

ككل الأمراض التي تنتشر موسمياً في سوريا لم يكن ممكناً الوصول لإحصائية كاملة لتعدد مصادر المعلومات، علماً أن كل واحد من هذه المصادر يمثل طرفاً من أطراف الصراع الذي تشهده البلاد، وبالتالي فجمع البيانات عملية شبه مستحيلة ما لم تقم منظمة الصحة العالمية بدور جامع ومقيّم للواقع الصحي بحياد.

مع ملاحظة أن الدعم المادي واللوجستي للقطاع الصحي وبناه التحتية، وللصرف الصحي، لا توزع بعدالة في ظل احتياج سوريا الشديد لدعم هذا القطاع من قبل جهات تمتلك الحد الأدنى من الحياد والمهنية وتنظر إلى دعم القطاع الصحي على أنه ضرورة إنسانية لا ورقة دعم سياسي لطرف على حساب آخر.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image