في لقاء جمعني مع بعض الأصدقاء، احتضنتْ إحدى الفتيات صديقتنا عندما عبّرت ببعض الكلمات عن استيائها من أمر ما، وحينها نظر صديقنا إلى رفيقه قائلاً: "إحنا منقدرش نعمل زيهم كدة".
في السياق نفسه، انتشر منشور على الفيسبوك يتحدث عن الفرحة العارمة التي تعتري الفتيات عندما يحصلن على هدية، وفي المقابل كيف لا تظهر على الرجل علامات الفرح إذا مرّ في الموقف نفسه.
هذه المواقف والتجارب تعطي لمحة عن كيفية تعامل بعض الرجال مع مشاعرهم.
دور المستوى الثقافي
من ضمن العوامل التي تعرقل القدرة على التعبير عن المشاعر، هي المستوى الثقافي للأشخاص، كما يتجلّى في قصص الحب التي تقدمها الأعمال الفنية، والتي تكون أطرافها ذات مستوى ثقافي مرتفع، فيستطيع كل شخص التحدث عمّا يشعر به تجاه الآخر وتجاه الحياة أيضاً، في حين أنه عندما يكون الأشخاص من مستوى ثقافي واجتماعي أقل، فإنهم يدعمون بعضهم من خلال مواقف مادية وملموسة أكثر منها مشاركات وجدانية.
في هذا الصدد، نستذكر علاقة الحب التي قدّمها المخرج سمير سيف في فيلم "المشبوه" بين ماهر وفاطمة، بحيث كان من الصعب التعبير عن المشاعر بشكل علني، فيأتي دعم فاطمة من خلال مساندتها له أثناء سجنه، على العكس مثلاً من العلاقة التي كانت تجمع بين رجل الأعمال أحمد (أحمد مظهر) ومسؤولة وزارة التربية والتعليم منى (فاتن حمامة) في فيلم "إمبراطورية ميم" من إخراج حسين كمال، بحيث نرى أن الشخص المثقف يعرف كيف ينتقي الكلمات المناسبة ليعبّر بها عن نفسه، هذا إذا كان يرغب بالفعل في التعبير.
في لقاء جمعني مع بعض الأصدقاء، احتضنتْ إحدى الفتيات صديقتنا عندما عبّرت ببعض الكلمات عن استيائها من أمر ما، وحينها نظر صديقنا إلى رفيقه قائلاً: "إحنا منقدرش نعمل زيهم كدة"
ما يدعو للتساؤل هنا: كيف يتواصل الرجل مع مشاعره؟ لماذا يضغط المجتمع الشرقي على الرجل ويرغمه على كبت أحاسيسه؟
الأمر هنا ينقسم إلى شقين، الأول هو أن يكون الرجل من الأساس قادراً على التواصل مع مشاعره، بمعنى آخر أن يكون على دراية بأهمية الوقت الذي يمضيه مع نفسه، وأن يفكر فيما يشعر به حقيقة تجاه نفسه وتجاه من حوله، أما الشق الآخر فمرتبط برغبته في التعبير عن هذه المشاعر التي توصّل لها، وأن يجد من يمكنه البوح أمامه بكل المشاعر التي تتملكه دون القلق من أحكام قد تلاحقه.
في هذا الصدد، اعتبرت الطبيبة والمعالجة النفسية إيمان عدلي، في حديثها مع رصيف22، أن السبب بشكل عام وراء كتم الرجل لمشاعره يكمن في الخوف من الوصم المجتمعي، والتربية الخاطئة التي تجعل الرجال أقل تعبيراً عن مشاعرهم: "على الأغلب، يكبت الرجال مشاعرهم، وتحلّ محل المشاعر الأصلية مشاعر أخرى سطحية، مثل الضيق والغضب، وهذه المشاعر مفهومة وقابلة للاستيعاب أكثر من مشاعر القلق أو الخوف أو الحزن تبعاً للصورة النمطية التي تقول إن الرجل لا يبكي، وإن الاحتياج ضعف، وكذلك التعبير عن المشاعر ضعف، وإن هذه أشياء تخصّ النساء فقط".
وأضافت إيمان: "إن محاولات الرجال لفهم مشاعرهم تأتي بعد قطع شوط كبير من المشاكل في علاقاتهم بالمحيطين بهم، سواء في إطار العمل أو في إطار العلاقات الاجتماعية أو حتى في إطار علاقة الرجل بنفسه، لأننا إذا طلبنا قبل ذلك من الرجل التعبير عن مشاعره، فإنه لن يعرف كيفية وصف هذه المشاعر من الأساس، لذا لا بدّ أن يتعلم أولاً التفريق بين المشاعر وتسميتها بشكل صحيح، ثم تأتي مرحلة التعبير عنها، وهذا يتطلب مجهوداً كبيراً".
وأنهت د. إيمان حديثها، بالقول: "للأسرة دور كبير في عملية التحدث عن المشاعر"، منوهة بأن المسألة تختلف وفق النشأة ومدى تواصل الأسرة مع بعضها، وعمّا إذا كان هناك المساحة المطلوبة لأفراد الأسرة للتعبير عن أنفسهم أم لا.
كيف تناولت الأفلام مشاعر الرجل؟
في موضوع بعنوان "أسرار عن الرجال يجب أن تعرفها النساء... العلم يقول كلمته"، أوضحت المعالجة النفسية كريستي أوفرستريت، "أن الرجال لديهم عاطفة قوية مثل النساء، لكنهم يفضّلون التحدث عن مشاعرهم بصورة غير مباشرة، ويتجنبون إظهار ضعفهم، بسبب نشأتهم في بيئة غرست فيهم سلوكيات معينة، بناء على قوالب نمطية محددة سلفاً للجنسين".
في فيلم "ليه يا بنفسج" الصادر في العام 1993 من إخراج رضوان الكاشف، كانت هناك علاقة صداقة بين سيد وأحمد وعباس، لم يكن من السهل أن يتوقف أحدهم مع نفسه ليفهم ماذا يشعر في أي من اللحظات، باستثناء سيد (لعب دوره أشرف عبد الباقي) الذي رسم له المخرج رضوان الكاشف عدة لحظات، سواء كانت لحظات صامتة أو حتى عن طريق الإفصاح عن مشاعره ليفهم أكثر ما يدور بداخله، ففي مشهد جمعه مع صديقه أحمد (فاروق الفيشاوي)، باح عن خوفه من عدم التمكن من الزواج وبناء أسرة، في حين جاء رد أحمد: "نام يا سيد".
أما عباس وهو الدور الذي لعبه نجاح الموجي، ففي لقطتين عبّرت عيناه عن أكثر من شعور مختلط بداخله: شعور الأسى والشعور بقسوة الحياة والخوف والندم، غير أنه لم يتفوّه بأي كلمة، ربما لأنه وجد أنه من الصعب أن تُترجم هذه المشاعر لمسميات، حتى بينه وبين نفسه.
وفي فيلم "سهر الليالي" 2003 من إخراج هاني خليفة، كان علي (خالد أبو النجا) متزوجاً من قريبته مشيرة، وهي غير سعيدة معه في حياتهما الزوجية، لكنه لم يكن يشعر بوجود المشكلة رغم عدم تجاوب الزوجة معه أثناء العلاقة، وعندما تحدثت معه بشكل صريح، ظلّ ينكر بعض الشيء وحاول أن يقنعها بالبقاء سوياً، وعندما اجتمع مع أصدقائه برّر لهم مغادرة البيت بوجود مشكلة مع زوجته على مصروف البيت، ورغم أن السبب لم يكن مقنعاً، لم يحاول أحد معرفة الحقيقة أو حتى مساندته وجدانياً إلا عندما كان على حافة الانهيار.
"الرجال لديهم عاطفة قوية مثل النساء، لكنهم يفضّلون التحدث عن مشاعرهم بصورة غير مباشرة، ويتجنبون إظهار ضعفهم، بسبب نشأتهم في بيئة غرست فيهم سلوكيات معينة، بناء على قوالب نمطية محددة سلفاً للجنسين"
في فيلم "ورقة شفرة" 2008 للمخرج أمير رمسيس، كان إسماعيل (هشام ماجد) يقيم علاقات عاطفية مع سيدات في سنٍّ متقدمة، فتارة يرتبط بدكتورة في الجامعة، وتارة أخرى بجدة صديقه، والمفارقة أنه لم يحاول أحد من الأصدقاء دعمه ومساعدته على حلّ المشكلة، وعندما سألته الفتاة التي أحبها عن سبب تقربه من هؤلاء السيدات رغم فارق السن، قال لها: "كانوا بيدوني ثقة ملقتهاش مع أصحابي اللي في سني".
باختصار، يمكن القول إن معظم الرجال يتجنبون الغوص في أعماقهم والبحث عن المشاعر الداخلية، سواء تلك التي تخصّهم أو تخص المقربين منهم، فيمكن أن يساند الرجل رجلاً آخر من الناحية المادية أو من خلال مواقف وأفعال ملموسة، إنما من الصعب تواجد مثل هذا الدعم المعنوي، ولعلّ المسألة برمتها تعود للفكر الذكوري الذي يعتبر أنه من "العيب" أن يعبّر الرجل عن مشاعره.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 4 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي