شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"دبي Bling"وشهوة الثراء الفاحش... عن تلفزيون الواقع الذي لا يشبه واقعنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 19 نوفمبر 202201:45 م

انطباعي الأول على مسلسل تلفزيون الواقع "دبي bling" كان أنني لا أستطيع الاستمرار في مشاهدة حياة الرفاهية الزائفة التي عرضت في الحلقة الأولى من العمل، إلا أن انطباعي هذا جاء غالباً بسبب مقارنتي غير العادلة وغير المنطقية بين حياة أبطال العمل وحياتي.

تابعت المسلسل الذي عرض الموسم الأول منه في ثماني حلقات في 27 تشرين الأول/ أكتوبر وأنا متشوقة لرؤية العالم الموازي لعالمنا العربي الذي أشاهده دائماً في معظم الأعمال السورية والمصرية التي ألفتها لأنها تحاكي واقعي الشخصي بكافة نواحيه، وتخليت شيئا فشيئاً عن مشاعر الغضب والحسد والشعور بالظلم.

بدا واضحاً أن العمل يحاول تسليط الضوء على إمارة دبي المانحة للفرص، والتي بوسع الأجنبي أن يحيا فيها بكامل حريته أولاً، وبفرصة أن يصبح رائد أعمال ناجح وثري، وهذا بحد ذاته يستحق التوقف قليلاً لمناقشته، إذ أن غالبية الدول العربية لا تمنح الأجنبي فرصة الاستثمار والتملك والتجارة بسهولة كما تفعل الإمارات، فالعمل قدم عشر شخصيات مختلفة من جنسيات عربية وآسيوية حققت لهم دبي فرصة أن يصبحوا من أثرياء العالم.

ما كل هذا المال؟ 

استعرضت الحلقة الأولى من العمل قصص بعض الأبطال الذين وصلوا إلى دبي بمبلغ مالي قليل جداً، وتواجدوا بعد سنوات في قائمة أصحاب الملايين وهم 26 ألف شخص، لكن هذا الاستعراض لم يكتمل، فقد قدم كل بطل لمحة بسيطة عن ظروفه حين وصل دبي، وتغاضوا عن المسيرة المؤدية إلى المليون الأول فالثاني فالعاشر... لم يذكر أي منهم كم الصعوبات والمشاكل والتي مر بها، أو إن كانت هنالك "تنازلات" وضعت على الطاولة، وتجاهلوا أهمية هذه الفكرة عند أصحاب الطموح والباحثين عن فرص، وهذا ما هدد نجاح الفكرة الظاهرية للعمل وهي مدينة الفرص.

انطباعي الأول كان أنني لا أستطيع الاستمرار في مشاهدة حياة الرفاهية الزائفة التي عرضت في الحلقة الأولى من العمل، إلا أن انطباعي هذا جاء غالباً بسبب مقارنتي غير العادلة وغير المنطقية بين حياة أبطال العمل وحياتي

في المقابل نجح "دبي bling" في إيصال حقيقة أن دبي غير عربية، ولغتها الأصلية هي الإنكليزية، وقد تجسّدت هذه الحقيقة في حوارات العمل بين أبطاله العرب بإنكليزية غير مترجمة، وكأن علي أن أتابع العمل أولاً وأبذل مجهوداً مضاعفاً في تتبع الحوار لأفهم سياق الحديث.

مشاعر طبيعية 

من الطبيعي أن تسيطر مشاعر الغيرة والحقد الطبقي على المشاهد العادي للعمل، ففكرة أن مجموعة قليلة من الأشخاص يعيشون ضمن ظروف مالية تكفي موازنة دول بأكملها في العالم الثالث تكاد تكون ضرباً من الجنون، فقد تم استعراض كمية هائلة من المجوهرات والسيارات والملابس، التي لم تظهر بهذه الكثافة في أي من الأعمال المصوّرة في العالم العربي.

أعجبت كامرأة بالأزياء التي عرضتها بطلات العمل، سواء صفا صديقي وهي ربة منزل من أصل عراقي وزوجة ملياردير، و (إل جي) أو لجين عضاضة وهي سيدة المجتمع لبنانية وأرملة ملياردير سعودي، وزينة خوري وهي سيدة أعمال لبنانية في مجال العقارات، و ريحانة وهي الفاشينيستا الهندية المعروفة، وبريانا فايد المكسيكية زوجة مقدم الرامج المشهور كريس فايد وهو لبناني أسترالي، ودانيا وهي إمراتية من أصل عراقي وزوجة الموزع الموسيقي المعروف دي جي بليس، وبالطبع لجين عمران مقدمة البرامج السعودية المعروفة.

لكن حالة من الشعور بأنني سقطت في بالوعة تفاهة من نساء اعتقدن أن بوسعهن ملامسة واقع المرأة العربية كان شعوراً ملازماً لي طيلة الوقت، ففي اللحظة التي نعاني فيها كنساء من انعدام حقنا في الإجهاض الآمن، أو في منح جنسياتنا لأبنائنا، هناك امرأة تفكر في استئجار رحم كي لا تكتسب وزناً زائداً إذا حملت بصورة طبيعية. 

في عالمنا هناك امرأة تحلم بأن يقدم لها شريكها وردة في مناسبة خاصة بينهما، وأخرى في "دبي bling" تزعجها نمطية الشاب الذي منحها طائرة خاصة توصلها لتقابله على العشاء

في عالمنا هناك امرأة تحلم بأن يقدم لها شريكها وردة في مناسبة خاصة بينهما، وأخرى في "دبي bling" تزعجها نمطية الشاب الذي منحها طائرة خاصة توصلها لتقابله على العشاء، وبينما تعاني النساء من انعدام الفرص والتمييز في الأجور في العمل، تتفق النساء اللامعات في دبي على التبرع ببعض قطع ملابسهن للنساء غير القادرات على التعلّم.

امتد العرض من نهاية شهر كانون الثاني/يناير إلى شهر آذار/مارس، مر في هذه الفترة خمس احتفالات منها احتفالات عالمية، كيوم الحب وعيد المرأة وعيد الأم، ومنها احتفالات خاصة يقوم بها الأبطال لينسوا أعباء أعمالهم المتعِبة، وقد شهدنا في هذه المناسبات كمية هائلة من البذخ في الطعام والشراب ومكان الاحتفال، ونجحوا في تعريفنا على سيارات لا نشهدها في شوارعنا، وأنواع مجوهرات توضع على الشعر والملابس، وطريقة احتفال غريبة تتمثل في أن غالبية المحتفلين متجهّمين.

أزمة أخلاق بين الأثرياء

أما الغيرة والكذب بين علية القوم كانت الظاهرة التي تطبطب على قلبي، على الرغم من سماجة الفكرة إلا أن نجاح هؤلاء الناس وصداقتهم الظاهرية لم تمنعهم من التصرفات غير الأخلاقية فيما بينهم، ولم تمنحهم رحلتهم في الوصول إلى الملايين القدرة على إدارة علاقاتهم الشخصية عبر قيم إنسانية تحد من المكائد والأفخاخ التي ينصبوها لبعضهم البعض، عن أي جزء لامع نتحدث، ونحن نسمع ذات الحديث الساخر بين الرجال عن نسائهم (قليلات العقل) وذات الحديث النمطي بين النساء حول (الشك بالشريك والغيرة من بعضهن).

من الطبيعي أن تسيطر مشاعر الغيرة والحقد الطبقي على المشاهد العادي للعمل، ففكرة أن مجموعة قليلة من الأشخاص يعيشون ضمن ظروف مالية تكفي موازنة دولة بأكملها في العالم الثالث تكاد تكون ضرباً من الجنون

من المؤكد أن العمل حمل بعض المواقف الجميلة والإنسانية، لكنها لم تكن مواقفاً بين أبطال العمل، لذا لا يمكن التعامل معها كأحداث محورية في العرض، ومن هنا بوسعي أن أصنّف العمل كأفضل عرض يجسّد الثقافة العربية الاستهلاكية بالمطلق، وإن كانت تتحدث الإنكليزية، فالعربي في هذا البرنامج لا ينتج شيئاً ليس بسبب قلة الإمكانيات، بل لأنه لا يعرف إلا الاستهلاك، بدء من استهلاكه للمواضيع والقصص اليومية، انتقالاً لاستهلاكه لما ينتجه العالم الغربي والآسيوي من صناعات وخدمات وتكنولوجيا، وأخيراً يستهلك أغنياء دبي بلينج ما بقي لدى الفقراء من عزيمة ليوم غد وأمل بأن تخف عنهم أعباء الحياة ولو قليلاً. دبي اللامعة مكان حقيقي غير مزيف، لكن بعض الحقائق في الحياة مؤلمة لدرجة أن تناسيها يبعث الراحة والطمأنينة.

مجلات المال والأعمال العربية التي تابعت العمل بدورها أكدت أن معظم من شاركوا ليسوا بالغنى والثراء الذي انعكس على الشاشة

لكن اللطيف حقاً أن مجلات المال والأعمال العربية التي تابعت العمل بدورها أكدت أن معظم من شاركوا ليسوا بالغنى والثراء الذي انعكس على الشاشة، وأن الانطباع الذي أعطوه عن ثرواتهم ليس حقيقياً بل والعديد منهم لم يصلوا إلى رقم المليون دولار، وأن أثرياء دبي الحقيقيين لم يظهروا من قريب أو بعيد في البرنامج.


ومع هذا لا يمكننا أن نحزن عليهم لأنهم ليسوا مليونيرات، وإن كانت حقيقة إنهم ليسوا كذلك تبعث على بعض الراحة والشعور المتأخر بالعدل. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard