يسلّط الحراك الإيراني الضوء على سمات أصحابه، الحراكيين والحراكيات، على شجاعتهم، وفتوّتهم، وطول نفسهم، وحداثتهم، ومدنيّتهم، وعموم وطنيّتهم، وتصدّيهم لمصادر الاستبداد والعنف الدينية السياسية والإدارية العسكرية معاً. وهذا حق، وربما صدى للمفاجأة التي تسبّبها في كل مرة ولادة حركة شعبية ومدنية عريضة وجامعة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي تكبّلها أنظمة حكم وسلطة متكلّسة وهرمة. ومعظم الولادات هذه أعقبت حادثة "متفرقة" ويومية وشائعة ومتواترة، مثل تحقيق مميت مع موقوف، أو إلجاء مواطن مخنوق إلى قتل نفسه أو طعن في كرامة فرد أو جماعة.
ولا يشذّ الحراك الإيراني المديد عن الحركات السابقة، القريبة والبعيدة، العربية والإسلامية والأوروبية (ولد الاحتجاج المجري، في 1977، من حظر حفل موسيقي كان يُفترض في فرقة روك أند رول إحياؤه). والمخاض الذي أدى إلى الحركة وسبق خروجها إلى العلن، يتأخر إدراكه إلى حين ظهورها واجتيازها مراحلها إلى خاتمتها المعلقة غالباً. فتدل الحركة على أسبابها وبواعثها في أثناء حدوثها، واجتراحها الحلول والصيغ للمشكلات التي تعترض مسيرها، أو نكوصها وعجزها عن الردّ على التحدّيات الطارئة.
وعلى قدر ما اختبر الحراك الإيراني الجاري، منذ منتصف أيلول/ سبتمبر، القائمين به وأصحابه، ويختبرهم اليوم، امتحن "الدولة" الإيرانية، وهيئاتها وأبنيتها وطاقم السلطة وعلاقاتها الداخلية. وقبل هذا كله، امتحن الحراك، ويمتحن موقع السلطة أو "الدولة" من الإيرانيين والإيرانيات، أي من "شعبها".
فمعاملة السلطة المتظاهرين والمعتصمين والمضربين، وكتّاب الشعارات على الحيطان والألواح، ومعلّقي اللافتات فوق الطرق السريعة (في صيغتي التذكير والتأنيث دائماً، هذه المرة الإيرانية)، والسافرات والقاصّات شعورهن واللابسات التشادور، هذه المعاملة، على وجوهها، مرآة طبيعة لـ"طبائع" السلطة المركزية في "جمهورية إيران الإسلامية"، أو إيران ولاية الفقيه والباسدران ("الحرس الثوري")، الخمينية- الخامنئية (على مثال الماركسية- اللينينية، أو اللينينية- الستالينية، أو الماوية- الشي جينبينغية أخيراً).
قضاء قاطع
وأول طبع من طبائع هذه الجمهورية الغريبة سعي سلطاتها المتفرقة، اسمياً ودستورياً ووظيفياً أو إجرائياً، في المبدأ، في الاندماج والتجانس والوحدة الصمّاء. فلم تفتأ السلطة القضائية، وعلى رأسها قاضٍ معمّم هو غلام حسين محسني إجئي، منذ 17 أيلول/ سبتمبر، اليوم التالي وفاة مهسا أميني، ترفع صوتها الفظّ مؤيدة "تنفيذ أحكام الإعدام في حق المشاغبين".
ويسبق التأييد القضائي المعلن للأحكام القصوى والاستثنائية الإجراءات التي اختص القضاء بها، من تحقيق ومداولة وموازنة ومقارنة، ومن سهر على إيفاء الحقوق، ومنها الحق في الدفاع، وفي العلانية والشهود والنقض أو الاستئناف. فيتخلى القضاء عن اختصاصه، ووجه من وجوه هذا الاختصاص لجم نازع أجهزة الأمن التنفيذية إلى البت المباشر والميداني، وقطع الطريق على المراجعة. ويرضى قضاة السلطان الفقهي- الحرسي الانحطاط من مرتبة "العدل"، وهم أهل التوحيد والعدل على قولهم، إلى ما دون مستوى الشبهة والوشاية والظن الضعيف.
وشهر رئيس القضاء، وهو محسني إجئي نفسه، وقضاته في وجه المتظاهرين المعتقلين، تهمة الحرابة. والحرابة، وعقوبتها القتل، في صيغتها التامة هي "الحرب على الله ورسوله". ودانت الشعبة 29 بمحكمة الثورة في طهران، ثلاثة متظاهرين بالحرابة هذه، في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري. ونسب حكم المحكمة العرفية البات إلى الثلاثة تخريب المال العام، وتعطيل النظام العام، والتجمهر وشن هجمات على الدولة. وهذا نظير واقعة يرويها محامي أحد المتهمين المدانين على النحو التالي: أحرق الموكل إطارات سيارات على طريق سريع.
وجليّ أن القضاء لم يتّعظ بسابقة شرطة "الأخلاق" التي قتلت مهسا أميني عن يدها. فمساواة انزلاق غطاء رأس إلى الخلف، قيد إصبعين أو ثلاثة، بجريمة أخلاقية تدعو في الحال، إلى التأديب في مخفر والتعريض إلى القتل، على ما حصل على الأرجح، هذه المساواة قوية الشبه بحمل التظاهر، مع حرق إطارات مطاط أو من دونه، ورمي شرطة مكافحة الشغب الصارمة بالحجارة، على "حرابة الله ورسوله".
المعيار الواحد
ويعود ضعف التفريق بين الأعمال، ومراتبها وأوصافها القانونية والنوايا والعزائم التي تسبقها، إلى إرادة استئصال الخلاف وأصحابه، حال ظهور هذا الخلاف، واستوائه على علل وذرائع، وتبلوُره في صيغ ودلالات معنوية ومادية. فالإقرار بمشروعية الخلاف، على المصالح والأحكام وفقهها، وتشخيصها، على ما سمّي مجلس حاكم من مجالس السلطان الخميني الحالي، يقود إلى اعتراف بـ"الحق في المعارضة"، في صيغة أثبتها مؤتمر فيينا "الرجعي" في 1815. وتشترك الحكومات "الظالمة" و"الديكتاتورية"، والمنظمات الإرهابية القومية والدينية، والمافيات وعصاباتها على أشكالها، في إنكار هذا الحق. فهو صنو العدو والأجنبي والغريب والآخر المميت والقاتل.
والعمل بموجب هذا الإنكار يبيح التجريم قبل النظر والتحقيق، وتوحيد وصف الأفعال بواسطة معيار واحد هو المخالفة. فتقوم خصلة الشعر الظاهرة في مقدّم الرأس مقام انتهاك الشريعة والأخلاق، ويقوم التظاهر أو الإضراب مقام الخروج على "الله ورسوله". و"الله ورسوله"، في هذا المعرض، ليسا إلا أجهزة النظام الخائفة على امتيازاتها.
ومعاملة مجلس الشورى، البرلمان الإيراني، القضية لا يختلف في شيء عن معاملة القضاء. ففي اليوم السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر دعا 227 نائباً "متشدداً"، من 290 نائباً هم الطاقم البرلماني كله والسلطة التشريعية والرقابية العامة، دعوا السلطة القضائية إلى "الحزم" في معاملة المحتجّين. وجاء ذلك في اليوم الخمسين على ابتداء الحراك. ويومها كان قد قُتل 319 إيرانياً وإيرانية، واعتُقل 14 ألفاً و823، وأحيل العشرات إلى القضاء بتهمة الحرابة. وفي الإحصاء قرائن لا تدل على التهاون أو التراخي. ففي 30 أيلول/ سبتمبر قتل الحرس وأعوانه 93 مصلياً في زاهدان ببلوشستان، وفي 4 تشرين الثاني/ نوفمبر قتل 18 مصلّياً ومارّاً في مدينة خاش البلوشية، وقضى نحو 40 طفلاً...
"يسلّط الحراك الإيراني الضوء على سمات أصحابه، الحراكيين والحراكيات، على شجاعتهم، وفتوّتهم، وطول نفسهم، وحداثتهم، ومدنيّتهم، وعموم وطنيّتهم، وتصدّيهم لمصادر الاستبداد والعنف الدينية السياسية والإدارية العسكرية معاً"
وطالبت الكثرة النيابية الكاثرة القضاء "بمعاملة مرتكبي هذه الجرائم، وكل مَن يساعدون على ارتكاب الجرائم، ويحرّضون مثيري الشغب" بأشد الحزم. وقام أحد نواب مجلس الشورى، في الجلسة التي تفتقت عن التوصية النيابية، ويدعى حسين جلالي، ونبّه زملاءه "الضعفاء"، على ما رأى، إلى أن "حفظ النظام أولى من الحفاظ على روح المهدي المنتظر". و"المهدي المنتظر" هو الحصانات والريوع التي ينبغي ألا يسأل الإيرانيون عنها.
ولام جلالي أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني (الأميرال، وقائد الحرس الثوري في أثناء الحرب العراقية- الإيرانية "الظالمة"، والصقر بين الصقور)، على "صداقة" تربطه بمحمد خاتمي، الرئيس الإيراني الأسبق (1997- 2005)، وحبيس المحافظين و"الإصلاحيين"، وطريد الولي الفقيه وحرسه وشرطته. وعدَّ هذه الصداقة بسياسي اقترع له نحو 30 مليون ناخب (77 في المئة من المقترعين في انتخابات 2001، نظير 69 في المئة في انتخابات 1997) تقديماً لهوى شخصي على "أصل الجمهورية الإسلامية".
"شورى"
وغرابة موقف المجلس التشريعي من الحراك، وجموحه إلى أقاصي الإدانة، لا تقل عن غرابة موقف القضاء. فمحله من هيئات الدولة وسلطاتها وصلاحياتها يوكل إليه تمثيل الجماعات المتفرّقة والمختلفة، مهناً وأعمالاً ومصالح وروابط وتواريخ وجنساً وسنّاً، ورعاية مشتركاتها من غير التفريط بفرادة هذه الجماعات وخصوصياتها.
ولم يفُت بعض الإيرانيين، من رسميين وغير رسميين، تأثير الفروق والاختلافات في الآراء والمواقف السياسية و"الدينية" العامة. فنقل وزير السياحة والتراث الثقافي، عزت الله ضرغامي، عن زملاء له في الحكم والإدارة قولهم إنهم "ليس في مستطاعهم التفاهم مع مَن ولدوا بعد العام 2000"، كناية عن دور السن في التفريق بين الجماعات. ويروي الوزير نفسه، وهو على حدة من أمثاله، عن محقق قضائي أخبره أنه "منذ وقت طويل (يستجوب) سياسيين كباراً، وفي أثناء الأيام الأخيرة (يستجوب) المئات، وهي أصعب استجواباتـ(ـه)، لأنـ(ـه) لا (يفهم) ما يقولون، وهم لا يفهمون ماذا (يقول)".
"تشترك الحكومات ‘الظالمة’ و‘الديكتاتورية’، والمنظمات الإرهابية القومية والدينية، والمافيات وعصاباتها على أشكالها، في إنكار ‘الحق في المعارضة’. فهو صنو العدو والأجنبي والغريب والآخر المميت والقاتل"
وما يصح في المولودين بعد عام 2000 من الشبان والشبات والفتيان والفتيات، يصح في "النساء والقوميات والطوائف والأقليات (...) بعد 43 عاماً على الثورة"، على قول عبد الحميد إسماعيل زَهي، إمام جامع زاهدان، البلوشي السنّي، مندّداً بـ"التمييز وعدم المساواة" و"تهمة الانفصالية" التي يلصقها النظام بالبلوش والعرب والكرد والأذريين (صحف 10/11/2022). ومعظم نواب مجلس الشورى، أولئك الذين اقترعوا على توصية أنكروها في ما بعد وتنصّلوا منها، يحملون الفروق العميقة هذه على تلاوين طفيفة.
وسبق أن خبر الإيرانيون النتائج الوخيمة التي تترتّب على تجاوز السلطة المركزية، سلطة المرشد ومكتبه وحلقته القريبة، "الشورى" وأطرافها الكثيرة والمتنازعة، وعلى التخفّف من المناقشات البرلمانية والمجتمعية. وكان ذلك قبل أربعة أعوام تامة. ففي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 أمر علي خامنئي بزيادة سعر المحروقات ثلاثة أضعاف مرة واحدة وفي الحال. فعمّت تظاهرات الاحتجاج البلاد أسبوعاً، وهاجمت جماعات من المتظاهرين المصارف، ومحطات المحروقات ومخافر الشرطة، ومباني الإدارة والقضاء. وقتلت الأجهزة، وقُتل من أفرادها، نحو 1500 شخص. واليوم، يدعو المتظاهرون الشبان والشابات إلى "الاحتفال" بذكرى الواقعة الرابعة.
وبينما التفّ قرار خامنئي على نواب الإيرانيين خلسة، وتجاهل تحفّظاتهم وآراءهم، يُسْلم النواب أمرهم ورأيهم طوعاً إلى حلقة المرشد، وينزلون عن مقوّمات صفتهم التمثيلية، وأولها الاختلاف والكثرة، وعن قوة "القضية التشريعية" (على مثال "قوة القضية المقضية" في القانون والقضاء). فلا يحاسبون القضاء على خروجه عن وظيفته وقواعد عمله الناظمة، وأجهزة الأمن والقمع على تجاوزها حدودها أو نكوصها عن التزام هذه الحدود، على ما يفترض في جسم يسن التشريعات ويراقب العمل بها، أو التخلّف عن العمل. وهم يدعون إلى الإمعان في القتل، على ما لاحظ إمام مسجد زاهدان عبد الحميد إسماعيل زهي، وتابعه على ملاحظته أولاف شولتس، المستشار الألماني الاشتراكي- الديموقراطي.
الدمج
ولا يمضي يوم لا ينبري فيه ضابط رفيع من ضباط "الحرس" وأركانه، متوعّداً بالسحق والمحق، ومهدداً بإطلاق يد الحرسيين في قمع المتظاهرين والمتظاهرات بالرصاص الحي، وكأن مقتل المئات منهم ومنهن هو فعل رحمة وإغضاء. ومقارنة بأصوات النواب والوزراء ونواب الرئيس والقضاة، "الذائبين" في رئيس سلكهم، وكلها تدعو، على ما مر، إلى تغليظ القمع والقتل، لا يظهر صوت القادة الحرسيين ناشزاً.
"تقوم خصلة الشعر الظاهرة في مقدّم الرأس مقام انتهاك الشريعة والأخلاق، ويقوم التظاهر أو الإضراب مقام الخروج على ‘الله ورسوله’. و‘الله ورسوله’، في هذا المعرض، ليسا إلا أجهزة النظام الخائفة على امتيازاتها"
فبينما تشذّ أصوات السلطتين القضائية والتشريعية عن مثالين مفترضين من القول والكلام والاحتجاج (أو بسط الحجّة)، تماشي أصوات الأمنيين المثال الخشن والعدواني الذي يلازم دورهم في نظام "ظالم" وديكتاتوري مثل نظامهم. وغداة سبعة أسابيع على ابتداء الحراك يخرج قائد الحرس الثوري في طهران، العميد حسن حسن زاده- وهو نظير "سكرتير" منظمة الحزب الشيوعي في موسكو السوفياتية- على الطهرانيين منذراً إياهم برد "صارم" على تظاهرهم.
ويرفق العميد إنذاره، بعد طول صبر، بالإعلان عن اعتقال "الحرس الثوري" والباسيج والشرطة 14 شخصاً "متورطين" في مقتل "عضو بارز" في قوات "الباسيج"، أو الشرطة الأهلية والموازية للشرطة النظامية. ولا يريد الآمر "الحرسي"، الموازي كذلك للقوات المسلحة النظامية، الخبر الإعلامي عن مقتل قائد شريك في أعمال القمع والقتل والتفريق بواسطة الغازات والخرطوش. فهو يربط مقتل الباسيجي "البارز"- ولا يخفى المنطق العصبي والقبلي من الصفة، فالحرب القبلية كانت تتفادى مقتل "الشيوخ" خشية مقايضة القتيل بمثله مكانةً أو بعدد من "العوام"- بالحراك عموماً، ويختصر الحراك بالسعي في قتل الشرطة عمداً.
ويكذب الدمج أو توحيد أنواع الاحتجاج وجماهيره بعضها في بعض، زعم محسني إجئي، قاضي القضاء، "(الفصل) بين المحتجين الذين تأثروا بالأحاسيس والمشاعر وبين العناصر البارزة التي ارتكبت الجرائم وتلقّت الأوامر من الأعداء".
نقل وزير السياحة والتراث الثقافي عن زملاء له في الحكم والإدارة قولهم إنهم "ليس في مستطاعهم التفاهم مع مَن ولدوا بعد العام 2000"، وروى أن محققاً قضائياً أخبره أن استجوابات الشباب والشابات "هي أصعب استجواباته، لأنه لا يفهم ما يقولون، وهم لا يفهمون ماذا يقول"
فالقاضي يحيل الكتلة الراجحة والكبرى من الحراكيين، وهم النساء والشبان والطلاب و"المثقفون" والتنسيقيات المهنية والنقابية و"القوميون والطوائف والأقليات"، إلى جماعة ثانوية، "تحس" و"تشعر"، على قوله قاصداً الحط منها، ويزعم أن الصدارة تعود إلى "العملاء" و"المجرمين" و"المرتشين". وذلك جرياً على لازمة آلية يردّدها النظام المتعامي عن حكمه مجتمعاً كبيراً وحياً. ويغفل عن أن بين هؤلاء فوق خمسين ولداً قُتلوا بالرصاص، ومثل هذا العدد نساءً معظمهنّ صبايا في العشرين أو أقل.
الاستئصال... أيها الغبي!
ويحاكي ضعف تمييز الضباط جماعات المحتجين، وعزوفهم المتعمّد عن التفريق بين عصابات محترفة، تربط بعض أفرادها بأجهزة الأمن علاقات ملتبسة، وبين الجمهور الأعظم، اختصارَ القضاء مهمته في التلفّظ بأحكام الإعدام، وبالدعوة إلى القتل من غير إجراءات القضاء. ويأخذ بعض الضباط على الشرطة والباسيج، وربما على بعض الحرسيين ضمناً، تراخيهم في القمع.
فيصف قائد القوات البرية في الجيش (وليس في "الحرس")، كيومرت حيدري، المحتجين بـ"الذباب"- وكان أمثالهم في ليبيا معمّر القذافي "فئراناً"- ويتهدّدهم بنفيهم من "الجمهورية الإسلامية"، شرط أن يأمر المرشد علي خامنئي "بحملة أكثر صرامة على الاحتجاجات". وإذ ذاك "لن يبقى لمثيري الشغب مكان في البلاد".
ولا يبعد أن يكون كلام الضابط الرفيع في سلك الجيش الذي يتّهم بـ"الاعتدال"، كناية عن تهمة يقصد بها... المرشد علي خامنئي! ولا ريب في أن الآراء والمواقف هذه، ويُدْلى بها عشية بلوغ الحراك مدة الشهرين على ابتدائه، تعبّر عن نفاد صبرٍ وبرمٍ شديدين، وتنمّ بعدم فهمٍ ذريع.
فإذا كان الحراك من صنع السياسات الخارجية العدائية، وإذا كان أصحابه وأهله دمىً غبيّة في مخططات ومؤامرات مدفوعة الثمن، وكانت التظاهرات بذريعة الحجاب و"العمائم" تمهيداً لعمليات إرهابية على طرز عملية شيراز في 26 تشرين الأول/ أكتوبر، وإذا لم ينفع تحريض الإيرانيين على الإيرانيين على نحو التظاهر تنديداً بالتظاهر في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، "يوم الشهيد"- ماذا يبقى؟
يبقى أمر "السيد علي"، على قول الهتافات المتوعّدة "الديكتاتور" علي خامنئي بالسقوط في "سنة الدم" هذه، قبل أربعة أعوام تامة بالقضاء على احتجاج المحروقات في غضون أسبوع واحد، من غير احتساب عدد القتلى والضحايا. وتترتّب سياسة "سنوات الدم" الإيرانية الخامنئية على طبائع نظام "توحيدي"، على المعنى الذي سبق وصفه. فإذا كانت أدوار أبنية الدولة المتفرقة تُختصر إلى دور واحد هو التسلّط والقهر، وحفظ "النظام"، عمدت الأبنية هذه، القضاء ومجلس الشورى وأجهزة القوة (على تسمية روسية)، إلى التسابق في حلبة واحدة، والمزاودة في سوق رتيبة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...