شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
سودانيون يشاهدون كأس العالم مجاناً... شكراً

سودانيون يشاهدون كأس العالم مجاناً... شكراً "حميدتي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 16 نوفمبر 202205:47 م

ينتظر يحيى التيجاني، العامل في قطاع بناء المنازل في مدينة الحصاحيصا وسط السودان، المساء بفارغ الصبر ليذهب إلى نادي المشاهد، ليشاهد مباريات الدوريات العالمية، ويدفع 200 جنيه (45 سنتاً)، مقابل مشاهدة بضع ساعات يروّح خلالها عن نفسه بعد عمل شاق.

وبالرغم من أن التيحاني من عشاق الساحرة المستديرة، إلا أنه في الآونة الأخيرة، وبسبب الغلاء المستشري في البلاد، غدا يشاهد فقط المباريات التي يعدّها مهمةً.

لا يستطيع التيجاني، وربما ملايين السودانيين، شراء جهاز بث القنوات المحتكرة لحقوق بث مباريات كأس العالم. يقول إنه ينتظر الفعالية الدولية أربع سنوات، لكن لا يدري كيف يشاهدها الآن.

لذلك كان الارتباك هو رد فعله الأول ، حين أخبره زميله في العمل عن مبادرة أطلقها قائد قوات الدعم السريع (شبه العسكرية)، محمد حمدان دقلو، تُمكّن الشباب من مشاهدة المباريات مجاناً.

لا يمكن فصل مبادرة المسؤول الثاني في الحكومة، عن سياق مساعيه لتحسين صورته الملطخة بدماء المتظاهرين السلميين

كأس العالم مجاناً

بدأ فريق يعمل مع دقلو المُلقب بـ"حميدتي"، بتوزيع 200 جهاز بث لقنوات (bein sports)، على الأندية الرياضية والاجتماعية في السودان، ليتمكن الشباب من مشاهدة كأس العالم الذي تُلعب مبارياته في الفترة من 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري إلى 18 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، مجاناً.

 كثيرين من السودانيين في حاجة إلى أجهزة بث مباريات كأس العالم مجاناً،

ويبلغ سعر الجهاز الواحد 240 ألف جنيه (416 دولاراً)، وهو مبلغ غير متاح لمعظم السودانيين لصرفه على الرفاهية.

برز اسم دقلو، في الساحة السياسية، في أعقاب معركة قوز دنقو، عندما استطاعت قواته إلحاق هزيمة بمقاتلي حركة العدل والمساواة، التي كانت قد رفعت السلاح ضد نظام الحكم السوداني السابق.

على صعيد آخر، ساهمت مشاركة جنوده في "عاصفة الحزم" التي أطلقتها السعودية على اليمن، في تمكينه بفعل الدعم الخليجي، من أن يكون الرجل الثاني في الدولة، بعد عزل الرئيس عمر البشير، ليظل محتفظاً بهذه المكانة بالرغم من تقلبات الأوضاع السياسية إلى اليوم.

شاشات ملطخة بالدم

لا يمكن فصل مبادرة المسؤول الثاني في الحكومة، عن سياق مساعيه لتحسين صورته الملطخة بدماء المتظاهرين السلميين التي أريقت على يد قواته، وفي ظل قيادته، في 3 حزيران/ يونيو 2019، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

وعلى الرغم من ذلك عدّ مستشار قائد قوات الدعم السريع، محمد مختار، المبادرة بمثابة اهتمام بالشباب، كونهم فئةً حيويةً ومستقبل البلاد، بحكم أن الرياضة جسر للتواصل والمحبة وعامل مهم لإزالة الجمود في العلاقات؛ إلا أنها لم تحظَ بترحيب كبير في مواقع التواصل الاجتماعي، لتزامن إطلاقها مع احتجاجات حاشدة نُظّمت ضد الحكم العسكري.



وجاءت معظم الردود سلبيةً تماماً، وتراوحت بين الإشارة إلى متاجرته بعوز الشعب، وتنبيهه إلى أن تلك هي أموال الناس لا أمواله.

كما تداول ناشطون صوراً وفيديوهات تُظهر تلقّي بعض المصابين العلاج في السيارات والعراء، بعد اكتظاظ المراكز الطبية وسط مخاوف من انهيار النظام الصحي.

وبعد ساعات من هذه التغريدة، طالب "حميدتي" الدائرة الطبية التابعة لقوات الدعم السريع، بإرسال قافلة طبية وصحية متكاملة إلى ولاية شمال كردفان، للمساعدة في التصدي للوباء.

يقول الصحافي الرياضي عثمان الأسباط، إن كثيرين من السودانيين في حاجة إلى أجهزة بث مباريات كأس العالم مجاناً، لكن لا أتوقع أن يقبل كُثر هذا الأمر لاعتراضهم على الشخصية التي تُثار ضدها اتهامات عديدة، خاصةً حول ما جرى بعد عملية فض الاعتصام في 3 حزيران/ يونيو 2019، زيادةً على أن كل حيّ في العاصمة الخرطوم والمدن الكبرى يُوجد فيه ناديان للمشاهدة على الأقل. وفي المقابل، يُفضّل يحيى التيجاني المشاهدة المجانية لتوفير ما كان يدفعه سابقاً لشراء قليل من الحليب لطفله البالغ من العمر ثلاث سنوات.

ويبدو أن إصرار دقلو، على تحسين صورته بهذه الأنشطة، يضيع هباءً، إذ نظّم العشرات من "إثنية النوبة" احتجاجات في محيط القصر الرئاسي للتنديد بأعمال العنف الأهلي التي جرت في منطقة لقاوة في ولاية جنوب كردفان، جنوب الخرطوم، منتصف تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، موديةً بحياة 20 شخصاً وتشريد الآلاف، وشملت مطالبهم إبعاد قوات الدعم السريع عن البلدة. وسبق أن وُجهت اتهامات إلى القوة شبة العسكرية، بالضلوع في النزاع القبلي.


دقلو يتكفل بألف طالب

لم تقتصر أنشطة "حميدتي"، على توزيع أجهزة بث قنوات تحتكر حقوق بث كأس العالم وإرسال القوافل الطبية، وإنما توسعت إلى تحمّله كلفة إعاشة ألف طالب وطالبة من أبناء الفقراء، الذين أحرزوا درجات متقدمةً في امتحانات الشهادة السودانية. وهذا يالإضافة إلى تأسيسه إدارةً داخل القوات التي يسيطر عليها أطلق عليها "لجنة السلم والمصالحات"، وهي تنشط في إجراء اتفاقيات صلح بين القبائل المتقاتلة.

وقد بدأت أولى محاولات قائد القوة شبه العسكرية إلى تحسين صورته عقب سقوط نظام الرئيس عمر البشير، في نيسان/ أبريل 2019.

فوفقاً لصحيفة "غلوب آند ميل" الكندية، وفي تقريرها المنشور في حزيران/ يونيو 2019، فإن دقلو وقّع عقداً، بعد أقل من شهر من سقوط البشير، مع شركة "ديكنز آند مادسون"، ومقرّها في مونتريال، ويديرها الضابط الإسرائيلي السابق آري بن ميناشي، للترويج له وتلميع صورته مقابل 6 ملايين دولار، بالإضافة إلى مساعدته في إضفاء شرعية دولية على المجلس العسكري الحاكم آنذاك.

سعي دقلو إلى تحسين صورته الشعبية يأتي بالتوازي مع سعيه الدائم إلى تدعيم موقفه العسكري وتعزيز تسليح قواته

سعياً إلى الرئاسه أم تكفيراً عن الذنوب

سعيُ دقلو إلى تحسين صورته الشعبية يأتي بالتوازي مع سعيه الدائم إلى تدعيم موقفه العسكري وتعزيز تسليح قواته،

فقد قام "حميدتي" بمضاعفة أعداد جنوده في السنوات الثلاث الأخيرة، حتى تجاوز عددهم الـ100 ألف جندي، بالتزامن مع شرائه أسلحةً عالية التقنية، كشف عنها تقرير لوكالة أسوشيتد برس.

ويقول مركز دراسات الدفاع المتقدمة، إن قوات الدعم السريع تطورت لتصبح قوةً حقيقيةً تُمارس نفوذاً سياسياً واقتصادياً خارج صلاحيات الدولة، فضلاً عن أن شبكة الأعمال التابعة لـ"حميدتي"، تمتلك ما يقرب من 28.35% من بنك الخليج الذي لديه علاقات مصرفية مع بنوك في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى، كما تمتلك الشبكة أيضاً شركات عدة، من بينها "تريدف للتجارة العامة"، و"جي إس بي أدفانس" و"الجنيد".

التوسع في أعمال "حميدتي"، "الخيرية" إذا جاز التعبير، والتي تشمل إرسال قوافل المساعدات الإنسانية إلى مناطق العنف القبلي، والتوسط بين الأطراف المتقاتلة ودعم الرياضة والمعلمين وبناء مراكز صحية، وأخيراً شراء أجهزة استقبال المباربات وتوزيعها بالمجان، أثارت تساؤلات حول نوايا الرجل.

فبينما يرى البعض أن الرجل يُمهّد الطريق للوصول إلى المنصب الأول في الدولة، يرى آخرون أنه جاد في بحثه الدائم عن ترجمة قراره بالابتعاد عن الشأن السياسي بمجرد التوصل إلى اتفاق في المفاوضات التي يُتوقَّع أن تُجرى هذا الشهر بين العسكريين والمدنيين.

فهل نحن أمام قاتل يسعى إلى الحكم، أم عرّاب يعمل للصلح؟ هذا ما سيتبيّن قريباً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image