يشترط الإعلامي المصري شريف مدكور على ضيفاته المحجبات ارتداء ملابس فضفاضة "لا تصف ولا تشف"، بعيدة عن الألوان الصارخة، واعتماد مكياج "بسيط جداً جداً" للسماح لهن بالظهور في برنامجه "شارع شريف".
صرّح شريف بذلك في فيديو عبر حسابه في فيسبوك، قبل يومين، متذرعاً بأنه يفعل هذا لأنه "يعكس صورة مصر والمصريين"، ما خلّف اتهامات عديدة له بفرض الوصاية على النساء وعدم المهنية وحتّى النفاق بتصدير صورة غير واقعية لمجتمعه.
اللافت أن شريف منذ ظهوره على الشاشة للمرة الأولى حتى الآن يتعرض بانتظام لانتقادات وتنمر بسبب مظهره الذي يعتبره منتقدوه "غير رجولي أو أنثوي/ ناعم" بالنظر إلى ملابسه الملونة وطريقة حديثه وبعض تصرفاته مثل الرقص الشرقي. وطالما رد هو على ذلك بأنه حر وتمسك بأن من لا يعجبه مظهره عليه ألا يتابعه أو يشاهد برامجه.
"أنتي محجبة ليه؟"
في بداية المقطع المصور الذي حصد نحو 30 ألف تفاعل حتى كتابة هذه السطور، نبّه شريف إلى أنه سيتناول "موضوعاً حساساً" لأن بعض الناس "بيفهموه غلط أو تابوه محدش يتكلم فيه". ثم قال: "أنا عندي في البرنامج عامل ‘دريس كود‘... يعني أي واحدة محجبة هتخش عندي تطلع تصور لازم تكون لابسة ما ‘لا يصف ولا يشف‘ لأن أنا بعرض برنامج وشاشة وبوري (أُظهِر) صورة لمصر والمصريين".
وأضاف: "ابتديت ألاحظ، ودا بلاحظه في الشارع من زمان، أن فيه ناس ضيوف محجبات، لابسين طرحة أو تربون مغطيين راسهم ولابسين بودي (تي شيرت يأخذ شكل الجسم) وهم ممتلئات شوية وكل جسمهم متفصّل… وبنطلون ضيق جداً، وجزمة بكعب أد كدا (يقصد مرتفع) وفول ميك آب (مكياج كامل) ورموش أد كدا (طويلة)".
بينما يرفض "دريس كود" حسين فهمي بذريعة أن "الفنانين مختلفين ويلبسوا اللي هم عايزينه"... المذيع شريف مدكور يفرض "دريس كود" على ضيفاته المحجبات "لا يصف ولا يشف"، قائلاً: إزاي حضرتك بتتحجبي وتلبسي مجسّم؟
واستطرد: "أنا بالنسبة لي، طبعاً كل واحد حر في لبسه وأنا عمري ما هتدخل في حد، بس أنا بالنسبة لي دا مش هيطلع على الشاشة"، متابعاً بأن قواعده لملابس المحجبات تتضمن أن يكون الرداء: "فضفاض، ومش ألوان صاخبة، وبنطلون واسع بحيث من بعيد رجليكي متبانش من بعض"، علاوة على "ميك آب بسيط جداً جداً".
برر شريف ذلك بأن "اللي اختارت تكون محجبة هي شايفة أن دا فرض وليه شكل زي معين بالنسبة لي يبقى لا يصف ولا يشف. سوري صدرها ميبقاش باين، آسف في اللفظ فخادها، الهنش (مصطلح عامي يُشير إلى الأرداف)، مش مفروض يبقى متفسّر".
وزاد أن "اللي أنا فاهمه، واللي أنا شايفه أن المحجبة بتتنازل شوية عن جزء من جمالها ومتبقاش ملفتة للنظر. صح ولا أنا غلطان؟ أنا عايز حد يفهمني. طب إزاي حضرتك بتتحجبي وشايفة أن دا فرض والمفروض تكوني مش ملفتة للنظر وتلبسي مجسّم؟".
خلال الفيديو الذي استمر 11 دقيقة، روى شريف بمزيج من السخرية والاستنكار اعتراضات ضيفاته المحجبات على قواعده واختلافهن معه في تفسير مفهوم اللبس "الواسع". وقال إنه سأل إحداهن ذات مرة: "أنتي محجبة ليه؟". كما انتقد زميلاته من المذيعات المحجبات بسبب المكياج الكامل والملابس الضيقة، والمحجبات في الأفراح.
من بين ما حكى أنه قبل نحو شهر كانت لديه فقرة رقص باليه وفوجىء أن من سيؤدينها أربع طفلات بعمر الـ14 سنة، ثلاثة منهن محجبات. قال إنه رفض بشدة أداء المحجبات للرقصة ولكن تراجع لإرضائهن بعدما بكين. "كنت ببص الناحية التانية. بغض البصر. كل حاجة باينة. مش ممكن مش ممكن. يا رب ميشوفوش الفيديو دا عشان ميزعلوش"، عقّب.
أما عن اختياره هذا التوقيت للحديث عن الأمر، فقال شريف: "مش عايز حد يزعل مني، وأنا برضو قلت أقول وأسبّق قبل ما حد من اللي جم عندي البرنامج يطلع يقول: دا مطلعناش أو اتعامل معانا بالأسلوب الفلاني".
وفي نهاية المقطع، أوضح أن مثل هذه المواقف باتت تتكرر معه أسبوعياً، واصفاً مظهر الضيفات المحجبات الذي يرفض ظهورهن بأنه "شكل استفزازي". لذا أصبح يطلب من الضيفات المحجبات أن يرسلن إليه مسبقاً صورة للمظهر الذي سيظهرن به معه.
"أستاذ شريف مدكور مش ملتزم بالدريس كود الرجولي ولا الشرعي وبيلبس باديهات ضيقة ألوانها صاخبة لا تليق برجل مصري شرقي… فقرر يمارس نفس الوصاية المجتمعية على الستات ويقولهم إيه مواصفات الحجاب"
في المقابل، دافع عن مظهره هو الذي يتعرض للانتقاد بسببه أيضاً بقوله: "أنا مش رجل دين". وختم: "يا إما هتتحجبوا فتقولوا هو فرض فهتلتزموا بيه ونبقى ماشيين صح، يا إما هتقولوا إحنا بنحتشم بس متقوليش أنه هو فرض أو هو فضيلة. اللي هتقول فرض لازم تكون ملتزمة".
أبويّة وعدم مهنية
أثار حديث شريف ضجةً واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بين فريقين أولهما محدود يدافع عنه باعتبار أن ما قاله "حاجة بديهية"، وثانيهما يرفض ذلك ويرى فيه "وصاية" وتدخل في ما لا يعنيه، واتهامه بأنه "بيطلع ع الستات اللي الناس بتعمله فيه"، في إشارة إلى الانتقادات المتكررة لمظهره.
قالت الشاعرة والمترجمة مروة مأمون: "إيه القرف اللي شريف مدكور طالع يقوله ده! إخص! إخص بجد… وأنت مالك بلبسها ومين أنت عشان تقول طالما اتحجبت يبقى تجيلي لابسة فضفاض لا يشف ولا يصف! هي داخلة الحرم!".
وأعرب كثيرون عن ندمهم للدفاع عنه في وجه الانتقادات الذكورية سلفاً. كتبت نوفي: "أنا غلطانة أني دافعت عن شريف مدكور ده في يوم من الأيام لما كانوا الرجالة بيتريقوا علي لبسه وأسلوبه وبيطلقوا عليه ألفاظ جارحة… أنا آسفة لنفسي الصراحة إني عملت كدة".
وذكّره البعض بأنه تعرض لنفس محاولات فرض الوصاية سلفاً. كتبت أمل مصطفى: "أستاذ شريف مدكور مش ملتزم بالدريس كود الرجولي ولا الشرعي وبيلبس باديهات ضيقة ألوانها صاخبة لا تليق برجل مصري شرقي وبيرقص رقص أكثر ليونة من ستات كتير والمجتمع كله بيتنمر عليه لأنه مش النموذج الذكوري اللي الأسرة المصرية تحب ولادها يقتدوا بيه… فقرر يمارس نفس الوصاية المجتمعية على الستات ويقولهم إيه مواصفات الحجاب اللي المفروض إنه لبس ديني الست بتلبسه عشان ربنا وهي اللي تقرر مدى التزامها أو عدم التزامها بيه، مش عشان تشرف بيه مصر وبرنامج أستاذ شريف!".
"شريف مدكور كان من أول الإعلاميين فى مصر اللي حطموا فكرة النمط الرجولي المقبول في المجتمع. كان بيطلع يرقص شرقي وياكل لبان ويتكلم ويهزر ويضحك بصوت أنثوي. الغريب بقى إنه هو نفسه يمارس حالياً الوصاية دي على البنات المحجبات"
ونبهت إلى أن "المحجبات اللي مبيلبسوش فضفاض جزء من صورة مصر يا أستاذ شريف ولا إنت عاوز تقدم صورة مزيفة عن المجتمع!".
الأمر نفسه لفت إليه محمد جمعة الذي قال: "شريف مدكور من أول ما ظهر أصلاً وهو بيتعرَّض لكل أنواع التنمر، حرفياً مفيش حلقة فى أي برنامج عمله كانت تعدي إلا ويتصل حد يشتمه أو يتريق عليه، وده لإن شريف كان من أول الإعلاميين فى مصر اللى حطم كمذيع فكرة ‘الـone stereotype‘ أو النمط الذكوري - الرجولي المقبول لدى المجتمع بتاعنا، إذ إنه كان بيطلع يرقص شرقي وبياكل لبان وبيتكلم ويهزر ويضحك بصوت أنثوي زي ما الناس كانت بتقول له…".
واعتبر أنه من "الغريب بقى إن شريف نفسه اللى رافض فكرة ‘التنميط‘ ومورس عليه أشكال كتيرة من الوصاية الأخلاقية والأبوية، هو نفسه بيمارس حالياً الوصاية دي على البنات المحجبات وعايزهم يلتزموا بنمط لبس ‘dress code‘"، مستخلصاً من ذلك أن "ازدواجية المعايير مش بس موجودة عند الرجعيين والمحافظين والأصوليين، بل وموجودة أيضاً عند كتير من الليبراليين زي شريف".
وختم مخاطباً شريف: "من كام سنة قلت للناس: مش عاجبكم شكلي ولبسي غيروا القناة ومتتعبوش حالكم. مبدأ عظيم يجب على الجميع أن يعمل به. فياريت أنت كمان تعمل بيه، وطالما مش عاجبك لبس المحجبات يبقى متحاولش تغيَّر لبسهم وتنَّظر عليهم أخلاقياً ودينياً... غيَّر أنت قواعد البرنامج بتاعك بحيث يكون العمل متاح فقط لغير المحجبات، ومتتعبش نفسك".
"المحجبات اللي مبيلبسوش فضفاض جزء من صورة مصر يا أستاذ شريف ولا إنت عاوز تقدم صورة مزيفة عن المجتمع!".
فريق آخر ركز على افتقار تصرف المذيع المصري إلى المهنية، في وجهة نظره، قائلاً إنه لا يملك البرنامج أو القناة ليحدد قواعد خاصة به. قالت دينا علي: "أستاذ شريف حضرتك حقك تشوف أن المحجبة وفخادها وهنشها وصدرها باينين -على حد تعبيرك وألفاظك اللائقة- مش منظر لائق وأنا كمان متفقة معاك. ومن حقك أكيد تُقصيها من برنامجك، بس ده لما يبقى برنامج عندكو في الصالون، مش في قناة عامة كل شغل حضرتك فيها ‘مذيع‘!".
وأضافت: "مش طبيعي تطلب من الضيفة تبعتلك صورتها عشان تقول إذا كانت تليق أو لا تليق! مين حضرتك أصلاً عشان تمارس عليها الوصاية الأبوية وتناقشها في اتساع بنطلونها!". وسألته: حضرتك عارف أن في بنات اتضربت واطردت لما قلعت الحجاب! هو كام واحدة أصلاً بتتحجب تقرباً إلى الله؟! كام واحدة في الدلتا والصعيد بتختار تتحجب! لما البنت تقرر تلبس حاجة نفسها فيها بشكل يرضي المجتمع مش من حق حضرتك تحاسبها!".
المثير أن شريف في الوقت نفسه الذي يفرض فيه "دريس كود" على ضيفاته المحجبات، أعلن رفضه للـ"دريس كود" الذي وضعه الفنان حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي للنساء والرجال. علماً أن فهمي لم يحدد زياً معيناً وإنما طالب الرجال بارتداء البذلة الكلاسيكية والنساء بارتداء فساتين السهرة ليكون الجميع على قدر المهرجان واسمه لا أكثر.
أما شريف، فبرر رفضه للـ"دريس كود" في المهرجان بذريعة أن "الفنانين مختلفين في كل حاجة وفي طريقة لبسهم، والمفروض يلبسوا اللي هم عايزينه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...