شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
إلى شريف مدكور بعد إصابته بمرض السرطان: تحية واعتذار… ومحبة متأخرة

إلى شريف مدكور بعد إصابته بمرض السرطان: تحية واعتذار… ومحبة متأخرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 29 أبريل 201907:08 م

شريف مدكور ينام على فراش صغير في المشفى… لا ينظر إلى الكاميرا، بينما تنظر الممرضة الواقفة بجواره إليها - سعيدة ربما بخدمة مذيعها المفضل.

كانت هذه هي الصورة التي حوّلت صفحات التواصل الاجتماعي إلى وصلات للدعاء؛ دعوات من القلب، حقيقية ومتعجّلة… بعدما أعلن المذيع المعروف إصابته بمرض السرطان في مداخلة هاتفية مع أحد البرامج.

ولكن لماذا انتفضت مواقع التواصل رغم وجود الكثير من الشخصيات العامة المصابة بالمرض نفسه؟

إنه الإحساس بالذنب الذي يُحركنا. لقد ظلمنا شريف مدكور كثيراً حينما تركناه يواجه التهم الذكورية الكثيرة بمفرده. كان من هذا النوع من البشر الذي اختار الابتسامة، ترك لنا التجهم في وجه الحياة وابتسم. طعنوه في رجولته كثيراً، فلم يتساءل ما الخطأ الذي ارتكبه سوى هذه الطريقة المختلفة التي يختار بها ملابسه أو الطريقة التي يتعامل بها!

في برنامجه الترفيهي الأخير يهتم بكل ما يخص المرأة، يتوجه إليها هي، يعاملها بالرقة التي تستحق، فتنهال الاتصالات - وهو مؤشر عن النجاح على القنوات الفضائية- من الأمهات اللواتي يقتل لهن ملل منتصف النهار... يُخفّف عليهن روتين "ستات البيوت" اليومي، بينما يشرح أدق ما يؤرقهن وكأنه يعلم تماماً ما بداخل قلب الأنثى.

كانت هذه هي التهمة. قالوا إنه "ليس رجلاً"، إذ هناك مقاييس ثابتة يجب أن يمتلكها الجميع في مجتمعنا الذكوري... إن تغيّرت، سيكون هذا التغيير هو الإهانة التي سأوجهها إليك، سأفضحك بها.

لماذا لم تتزوج يا شريف!؟ يسألون بخبث حين أعلن أنه عَبَر الأربعين. يريدونه أن يتزوج حتى يدحض شكوكهم الملتصقة به مهما تجاهلها، مصرين على السؤال اللئيم الذي يقضي على حرية الإنسان في اختيار مصيره من الأساس، كأن يبقى دون زواج أو أن ينتظر شخصاً مناسباً، أن يستمتع بوحدته ونجاحه، أن يسافر، أن يهاجر وأن يبكي وحيداً في غرفته ويبتسم على الشاشة.

الآن تمتلئ الصفحات بمواقف "رجولية" يقوم بها شريف يومياً: إنه يفعل الخير دائماً، متطوع منذ سنوات في غسيل الموتى... لكن ما الذي تحاولون إثباته؟ وهل نحن مطالبون بأن تمتلئ "صفحتنا" بفعل الخير كي نحترم إنسانًا؟ أو أن ننتظر مرضاً خطيراً لنتراجع عن الظلم ونعتذر عما بدر منا؟

قرأنا كثيراً عن اقتراب هذا المرض اللعين من صديق، قرأنا وعرفنا متى يستسلم الجسد لجنون الخلايا. يفعل ذلك في لحظات القهر والألم الشديد، في اللحظات التي نتعرض فيها للظلم من بشر لم نفكر في إيذائهم أبداً... لكنهم وضعونا في منتصف الكون وأطلقوا الرصاص، والأسباب غير معروفة وربما لن نعرفها أبداً. 

أعتقد أننا لم نكن نستحق كل مساحات التعبير التي أُتيحت لنا لنستغلها في القتل، الاغتيال المعنوي الذي نمارسه بهدوء وبقلب بارد، رغم أننا كلنا معرضون أن يأتي الدور علينا، كلنا في مرمى الرصاص، سنُصوّب اليوم ونموت غداً. قصيرة جداً هذه الحياة المهدورة.

لماذا لم تتزوج يا شريف!؟ يسألون بخبث حين أعلن أنه عَبَر الأربعين. يريدونه أن يتزوج حتى يدحض شكوكهم الملتصقة به... قالوا إنه "ليس رجلاً"، إذ هناك مقاييس ثابتة يجب أن يمتلكها الجميع في مجتمعنا الذكوري
نعتذر عن كل هؤلاء الذين لن يستطيعوا الاعتذار. ستشفى قريباً وستجد وجهنا الآخر بانتظارك: وجهنا المحب فقط... هنا رسالة تحية واعتذار إلى شريف مدكور 

أتذكر أنني شاهدت أحد اللقاءات التلفزيونية مع شريف، عندها سألته المذيعة ما أصعب موقف واجهه في حياتك؟ قال شريف - وهو لا يزال مبتسماً - إنه في إحدى الإشارات المرورية، توقفت عربته بجوار عربة أحدهم وقبل أن تفتح الإشارة المرورية مرة أخرى، فتح الرجل نافذته وبصق على شريف وهو يسبّه بالكلمة المعتادة: الكلمة التي تُداري نقصاً دفيناً. ثم انطلق بالعربة، قالها شريف وهو يضحك. كان قد اختار الابتسام منذ البداية في مواجهة الألم. 

ولكن هل نام شريف في تلك الليلة؟ هل تساءل عن ذنبه في ما يناله من أذى؟ إنه يبتسم في وجهنا لكنه يتألم في مكان آخر. ربما تألمت أمعاءه في ذلك اليوم فتوطن بها المرض. ربما ساهم صمتنا على التنمّر الذي واجهه في ما وصل إليه. الآن تنهمر الدعوات بالشفاء. يجب أن نصدقها كلها حتى وإن كانت مغموسة بالذنب، لأنها صادقة ومن القلب.

لن أشير الى بعض الشامتين لأن حالتهم هنا تستعصي على الفهم، حتى أن دار الافتاء المصرية نشرت بياناً تُعلن فيه أن الشماتة فعل مناف للفطرة وللأخلاق النبوية، مع استشهادها بحديث شريف... ربما كي لا يستفحل الأمر في أمور مشابهة قادمة، وخاصة أنهم يربطون فرحتهم بفكرة الثواب والعقاب الدينية.

دعنا نعتذر لك عنهم، نعتذر لك إن تألمت يوماً من الجهل والظلم. نعتذر عن كل هؤلاء الذين لن يستطيعوا الاعتذار. ستشفى قريباً وستجد وجهنا الآخر بانتظارك: وجهنا المحب فقط.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image