في عام 1980، هاجر السوري جوزيف شحيّد مع زوجته وطفليه إلى كاليفورنيا بالولايات المتحدة أملاً في حياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً لعائلته، عمل بلا كلل ولا ملل لتحقيقها.
بعد نحو عشر سنوات، افتتح متجراً ومحطة لبيع الوقود باسم "Joe's Service Center" في "Altadena" أحد الأحياء الفقيرة بالولاية الأمريكية (يبعد نحو 15 ميلاً خارج وسط مدينة لوس أنغلوس)، بينما نمت عائلته التي أصبحت تتكون الآن من خمسة أبناء و11 حفيداً وحفيدة.
هذا الأسبوع حمل لشحيّد أخباراً سارة للغاية إذا فاز بجائزة مالية قدرها مليون دولار أمريكي، كعمولة إثر بيع متجره تذكرة يانصيب powerball الأغلى في تاريخ المراهنات بالولايات المتحدة والعالم والتي قُدرت مكاسب مالكها بـ2.04 مليار دولار أمريكي.
جاء الإعلان عن فوز التذكرة التي باعها شحيّد بعد 40 سحباً متتالياً على مدى ثلاثة أشهر لم ينتج عنها أي فائز، وهو ما ساهم في ارتفاع مبلغ الجائزة.
"رجل مجتهد"
بينما وزّع البقلاوة على المارّة خارج متجره رفقة ابنته ساندرا، قال شحيّد إنه سيتقاسم مبلغ العمولة مع أبنائه وأحفاده، منوهاً بأن "البعض منهم بحاجة إلى المال لاستكمال دراسته. والبعض الآخر بحاجة إلى توسيع أعماله".
فاز بعمولة مقدارها مليون دولار أمريكي لبيعه تذكرة يانصيب رابحة في متجره… السوري جوزيف شحيّد "دليل حي على أنك عندما تعطي، سيكافئك الله". ما قصته؟
أصرّ المهاجر السوري على أنه سيواصل عمله في محطة الوقود. علماً أن أبناءه وأحفاده طالبوه بالتقاعد والاستفادة من مبلغ الجائزة الكبير.
قال شحيّد: "كل حياتي لهم. المال لا يساوي شيئاً. أنا أمنحهم حبي".
ووصف داني شحيّد، نجل جوزيف، والده بـ"إنه حقاً رجل مجتهد. 75 عاماً (عمره) وهو يرفض أخذ إجازة ليوم واحد. يستيقظ في الساعة الخامسة صباحاً كل يوم. لا أحد يستحق ذلك الفوز بقدر ما يستحقه هو".
لأجل الفقراء
أظهر شحيّد مساعدةً أكبر لأجل الحي الذي يعيشون فيه إذ من المقرر أن تحصل المدارس الحكومية هناك على تمويل بقيمة 156.3 مليون دولار من سحب Powerball. تمنّى الرجل بشدة أن يكون الفائز أيضاً من "Altadena".
قال: "أنا سعيد من أجل كاليفورنيا. أنا سعيد من أجل لوس أنجلوس. أنا أكثر سعادة من أجل Altadena. يوجد الكثير من الفقراء هنا. إنهم يستحقونه".
وكان "بابا جو" -كما يحلو لمعارفه تسميته- قد بدأ في بيع تذاكر اليانصيب في متجره قبل 20 عاماً، وفاز البعض منها بجوائز لكن أكبر مبلغ حصلت عليها تذكرة يانصيب قام ببيعها كان 77 ألف دولار أمريكي.
يمكن القول إن شحيّد مثال للمهاجر المثالي الذي يندمج ويفيد مجتمعه. يشارك الرجل بانتظام الكنيسة المحلية في مساعدة المحتاجين عبر إعداد وتقديم الطعام للأشخاص الذين ليس لديهم مأوى، ويساعد جيرانه في بيع منتجاتهم في متجره، وفي إقراض البعض منهم وقت الحاجة أيضاً، وفق تصريحات عدد منهم لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز".
وصف أحد أصدقاء شحيّد المهاجر السوري بأن معرفته كانت له بمثابة "يانصيب الحياة"، وأجمع آخرون على وصفه بـ"الرجل الطيب". في حين شدد الأب المسؤول عن كنيسة الحي على "أنه (أي شحيّد) مخلص جداً للكنيسة والمجتمع. لا يفكر في نفسه. الأحد القادم ستكون عظتي عنه: إنه دليل حي على أنك عندما تعطي، سيكافئك الله".
"لا يفكر بنفسه"... لا يتوانى المهاجر السوري (75 عاماً) عن العمل منذ الخامسة فجراً يومياً في متجره بأحد الأحياء الفقيرة بكاليفورنيا، ويرفض التقاعد بعد فوزه بجائزة المليون دولار، مفضلاً توزيعها على أبنائه وأحفاده
أما شحيّد، فأوضح: "يناديني الناس ‘بابا جو‘ لأنني أعامل الجميع في الحي مثل عائلتي. عندما تعامل العميل باحترام وكرامة، فسوف يستمر في القدوم إليك، وسيكون مخلصاً لك. نتعامل مع العميل مثل الأسرة".
السوريون في أمريكا
بوجه عام، يقيم بين 90 و 155 ألف مهاجر سوري في الولايات المتحدة. ويمثل السكان المهاجرون الأمريكيون من أصل سوري حالياً نحو 0.2% من إجمالي السكان المهاجرين.
وبينما لم تكن هجرة السوريين إلى أمريكا جماعية ومنظمة، بخلاف الآلاف الذين هاجروا عقب الثورة السورية عام 2011، إلا أنه يمكن رصد موجتين رئيسيتين من الهجرة السورية لأمريكا.
جاءت الأولى في أواخر القرن التاسع عشر، وتكونت بشكل أساسي من المهاجرين من قرى مسيحية، الذين هربوا من الاضطهاد الديني والاضطرابات السياسية، أو سعوا وراء التحسن الاقتصادي. أما الثانية، فكانت في القرن العشرين. وكانت غالباً من مسلمين هربوا من الحرب والاضطهاد، أو رغبوا في التعليم أو العمل أو لم شمل الأسرة. استقر هؤلاء المهاجرون على الأرجح في مدن حضرية كبيرة مثل نيويورك وبوسطن وديترويت.
وفق أحدث الدراسات والتقديرات، فإن المهاجرين السوريين "أعضاء ناجحون في المجتمع الأمريكي - يقدمون مساهمة حقيقية في الاقتصادات المحلية في جميع أنحاء البلاد" وهم بنفس القدر "مجتمع استقبال/ احتضان قوي للاجئين الجدد".
ومن أبرز الخصائص الديموغرافية للمهاجرين السوريين في أمريكا أنهم يحرصون على تعلم اللغة الإنجليزية بطلاقة، ما يسهم في سرعة اندماجهم مع المجتمع الأصلي والحصول على فرص عمل. كما أنهم حريصون على تلقي تعليم جيد، فهم لا يكتفون بالشهادة الجامعية وإنما يواصلون مرحلة الدراسات العليا عادةً.
يقيم ما بين 90 إلى 155 ألف مهاجر سوري في الولايات المتحدة (نحو 0.2% من إجمالي السكان المهاجرين). وهم أعضاء في جالية مزدهرة تقدم إسهامات مزدهرة في الاقتصادات المحلية. إليكم أبرز سماتها
ويتقاضى المهاجرون السوريون أجوراً جيدة، ويتملّكون المنازل التي يقيمون بها على الأرجح. في حين أنهم من الجاليات الريادية بامتياز (11% من المهاجرين السوريين في القوى العاملة هم أصحاب أعمال - أكثر من ضعفَيْ معدل المهاجرين بشكل عام وأكثر من ثلاثة أضعاف معدل المواطنين الأمريكيين بالولادة).
وينشط هؤلاء المهاجرون بشكل أساسي في مجال الخدمات الطبية والطعام والسيارات والبيع بالتجزئة.
كذلك يهتمون بالحصول على الجنسية الأمريكية بمعدلات عالية. من الذين استقروا في البلاد لأكثر من 20 عاماً، أصبح 91% مواطنين أمريكيين.
أما المهاجرون السوريون من طائفة السريان، التي ينتمي لها شحيّد، فتكثر أعدادهم في كاليفورنيا تحديداً وتتعدد قصص نجاحهم هناك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم