شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
بانكسي يتسلل إلى بيروت، ومثقفوها المتعبون لا يحرّكون ساكناً

بانكسي يتسلل إلى بيروت، ومثقفوها المتعبون لا يحرّكون ساكناً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 18 نوفمبر 202204:42 م

في البداية، من هو "بانكسي"؟ على الأرجح وبإيجاز، هو رسّام الغرافيتي الأكثر غموضاً  وألمعيةً في آن، خلال عصرنا. فقد غطت جداريته الخافتة بالشِعر، والصارخة بالثورة، حيطانَ كُبرى العواصم الرئيسة حول العالم. ثم في بيروت، بين 7 آب/ أغسطس وحتى 27 من شباط فبراير 2023، ينظم متحفه بالشراكة (Art Booth) وفي أرجاء Art Space/ABC-فردان، معرضاً لنحو 70 من أعماله الأيقونية والمؤثرة.

هكذا، وتحت عنوان "التجربة العامرة"، انطلق الحدث غير العادي في العاصمة المنكوبة بلا دعاية تُذكر، بعد أن توالى بنجاح باهر على مدن ثقافية عدّة مثل دبي، باريس، براغ، ميلانو، وبروكسل، وغيرها، فجذب إليه أكثر من 600 ألف زائر/ة من مختلف الأعمار والأجيال.

أما اليوم وهنا، ومع رسم دخول قدره $10 للشخص الواحد، قد يُطرح أولًا السؤال البديهي: من يا تُرى من المواطنين أو اللاجئين سوف يتمكّن من الحصول على ترف هكذا زيارة، كي يتمارى بصرياً مع هموم ونكبات مستوحاة، في الواقع، من صلب حياته اليومية، سياسات بلاده وحروبها؟، وأسئلة أخرى.

ليس سراً أن حجّة التغطية الصحافية خوّلتني من الولوج مجاناً إلى المكان، وسط مجمّع الشراء الضخم "البرجوازي". وفي الممر المُنجز للوصول إلى الصالة الأساس والأنيقة، رُفعت أقوال كثيرة لمبدع الشارع. هي بدت بترجمة حرفية ورديئة، لكن- وبكل الأحوال- لخصّت بشكل وافٍ وكافٍ رؤيته التي ظهرت متناقضةً مع أدواتها في سياق العرض الآني. ومن تلك أن "النجاح التجاري هو علامة الفشل لفنان الكتابة على الجدران"، وأيضاً أن "فكرة أصيلة واحدة تساوي 1000 اقتباس عديم المعنى".  فهل يمكن تفسيرها عبر "عِش شريراً ومتْ  كبطل"،  و"على الفن أن يريح المُضطرب، ويزعج المُستريح"؟

70 من أعمال "بانسكي"، رسّام الغرافيتي الأكثر غموضاً وألمعية في آن، تُعرض في بيروت لغاية شباط/فبراير 2023

كما أُلصقت على الأرضية الخشبية والنظيفة صوراً تستنسخ أغطيةَ المجاري اللندنية القذرة. وهذا برمّته يحيل الرائي إلى لوحات القوارض البسيطة السوداء والحمراء على الخلفيات البيضاء، والموضوعة داخل أُطر غليظة، مُذهّبة كما في القصور؛ ما يشرحه- على الأرجح- بمقولة "الفئران، تتواجد بدون إذن. إنهم مكروهون، مطاردون، ومضطهدون. يعيشون في بؤس هادئ وسط القذارة. ومع ذلك فهُم قادرون على جعل حضارة كاملة على ركبهم".

بدون صخب وبمينيماليزم، يَسخر بانكسي بقسوة من هراوة البوليس (1. عصا الشرطة) وصولجان الحاكمة بأمرها، من ذوي النفوذ السياسي (2. الملكة فيكتوريا وحرب العشب) وصاحبات الهالات المقدسة (3. ماري السامة)، كذلك من نجوم السينما، الموضة (4. كايت موس) والوزراء والنواب (5. البرلمان المفوض) والمخادعين/ات في العلاقات العاطفية المُستهلكة (6. محبي الهواتف المحمولة)، وكأن في تعريته لحقيقة صادمة أو إثارته لفضيحة، لا يحتاج سوى لعبوّةِ رذاذ ممتلئة طلاء، ترافقها صفيحة ستانلس ستيل مفرّغة.

"على الفن أن يريح المُضطرب، ويزعج المُستريح"

ثم مُستخدماً التقنيات نفسها لكن باتجاه معاكس، يُصوِّر الشباب المنتفض على خلفيات بانورامية تأصّل الشجاعة (7. رامي الزهور - 8. صراع الوسادات: إسرائيل وفلسطين)، ويطلِّع العاملة المنهكة والفقيرة (9. خادمة لندن)، كبار السن (10. الجدّات) والأطفال بشكل خاص (11. ممنوع ألعاب الكرة - 12. الأطفال والبنادق - 13. شرطة الأطفال) ضمن مشهديات يسترق خلالها أبطالها الأمن والأمان، الدفء والحنان وبعض من الراحة واللهو أحياناً، على الرغم من المخاطر الجمّة التي تحدق بمجتمع يستوحش ويتوحش باطناً، كلمّا تمدّن وتحضّر ظاهراً. 

ولعل الطفل الداخلي هو المحرّك النشط والسري لـبانكسي المُكنى أصلًا بهذا الاسم والمتخفي دوماً عن عيون المارة والمتنزهين. لذا نرى أنه غالباً ما لا يحدّد محيا الصغير/ة في لوحاته، بل يكتفي بتظليل كتلته/ا الجسدية، مستعملاً نادراً الأكريليك على الكانفاس، أي ليس فقط عدته "الكلاسيكية" التي يلجأ إليها للتعبير السريع في الأماكن العامة، ليلاً وقبل بزوغ الفجر.

وربما لهذا السبب بالتحديد، تتربع نسخة من رائعته السهلة الممتنعة "الفتاة ذات البالون" على عرش الحامل في مركز القاعة الفسيحة، بعد أن تمّ تمزيق الأولى بين أسنة مخبأة في إطارها، إثر إعلان نهاية المزاد الشهير عليها، وقبول عرض بقيمة مليون و420 ألف جنيه إسترليني ثمناً لها، في تشرين الأول/أكتوبر 2018، في صالة "سوذبيز" ببلده الأم.

أخيراً، سوف يجد المتفرّجون أنفسهم وحيدين في جولتهم على المعرض، والتي قد تطول لغناه بالمواد المرئية، وزخمه بالأفكار المؤرقة. مع هذا، استطاع رصيف22 أن يحدث الممثل والحكواتي عبد الرحيم العوجي الذي كانت له فرصة الحضور إليه مؤخراً في لبنان، وسابقاً في برلين. وبالمقارنة بين الفضائين، ثمّن العوجي التجربةَ المحلية إلى حدّ بعيد لتوفر ثيمة قوية جامعة، ألا وهي "الصراع مع السلطة"، ولوجود عدد أكبر من المعروضات هنا، لا سيما تلك التي تتناول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إذ غابت تماماً عن  العاصمة الألمانية، حيث أصبح للسكان اهتمامات بقضايا مغايرة، حسب اعتقاده.

وأضاف أن بيروت، قبل الانهيار الاقتصادي الحاد الذي تشهده، وافتقادها لطابعها الثقافي، كانت شبيهةً بلندن من ناحية الرّوح الكوزموبوليتية النابضة فيها، وصناعة الفنون، احتضانها والترويج لها. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image