شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
بعد عودة

بعد عودة "قوش"... أهالي الضحايا يتساءلون: بالأمس ثرنا ضد من؟!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحريات العامة

الاثنين 7 نوفمبر 202203:01 م

على وقع أنباء عودة الجنرال صلاح عبد الله "قوش"، آخر رئيس لجهاز الأمن والمخابرات، في حقبة الرئيس المعزول عمر البشير، من منفاه الاختياري إلى السودان، لم يجد حسين علي، أحد ذوي ضحايا تلك الاحتجاجات، لتوصيف ما يجري، سوى بيت شعر محلي ذائع في شكل تساؤل: "إﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺑﺎﻉ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺑﻴﻨﻨﺎ/ ﻳﻘﺘﺎﺕ ﻣﺎ ﻧﻘﺘﺎﺕ/ ﻭﻳﺴﺘﺒﻴﺢ ﻇﻠﻚ ﻳﺎ ﻭﻃﻦ/ ﻗﻞ لي إذاً: بالأمس ﺛﺮﻧﺎ ﺿﺪ ﻣﻦ"؟

مسيرة طويلة من القمع

يُعدّ "قوش"، أحد أبرز رجالات المعزول البشير، وعلى عاتقه تقع مسؤولية القمع الذي مورس ضد المحتجين في الفترة من كانون الأول/ ديسمبر 2018، وحتى نيسان/ أبريل 2019. والتي سقط فيها عشرات القتلى في سياق الاحتجاجات المناهضة لنظام الإسلاميين في السودان، 

ولم يكتفِ الجنرال، وقتذاك، بعمليات القتل، إذ ظهر في مؤتمر صحافي وهو يتهم المحتجين والقوى سياسيةً، بممارسة القتل لتشويه صورة النظام.


تمتد مسيرة "قوش" القمعية  بعيداً، إلى ما قبل ذلك التاريخ، إذ سبق له أن تولّى مقاليد الأمن في الفترة ما بين 2004 و2009، في عزِّ الصراع في إقليم دارفور، وهو ما جعله متهماً رئيساً في نظر ذوي الضحايا وقادة الحركات المسلحة المناهضة للنظام في الإقليم.

ونتيجةً لجرائم الحرب، والإبادات الجماعية التي جرت في الإقليم، بات البشير، أشهر المطلوبين لدى سلطات المحكمة الجنائية الدولية، في العام 2019.

وفي سياق الانتهاكات، يطلّ اسم "قوش" بقوة، في ملفات تعذيب المعتقلين السياسيين.

أقام النظام المعزول، مراكز لتعذيب المعارضين، معروفةً شعبياً بـ"بيوت الأشباح"، وقدّم الضحايا شهادات صادمةً تتضمن تعرّضهم للضرب، والاغتصاب، والصعق بالكهرباء، على يد ملثمين، وقال كثيرون في شهاداتهم إن ذلك كان يتم بحضور قادة أمنيين بارزين، أحدهم "قوش".

ونتيجةً لكل هذا السجل الحافل، أدرجت الولايات المتحدة "قوش"، في قوائم الممنوعين من دخول أراضيها، بتهمة ارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان.

نتيجةً لسجلة الحافل أدرجت الولايات المتحدة "قوش"، في قوائم الممنوعين من دخول أراضيها، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية 

بعد السقوط

عقب سقوط البشير، أعلن المجلس العسكري الذي تولى مقاليد السلطة وقتها، وكان "قوش" أحد عناصره البارزة، استقالة الجنرال من منصبه في 14 نيسان/ أبريل، أي بعد ثلاثة أيام من السقوط.

وبالرغم من وضعه في الإقامة الجبرية، استطاع "قوش" وحرسه، مقاومة قوات أمنية حاولت اعتقاله ضمن حملة ضد الفساد ومرتكبي الجرائم، ومن ثم ظهر خارج البلاد متنقلاً بين دول عدة.

وتحدثت أنباء في تموز/ يوليو الماضي، عن شروع النيابة العامة، في إجراءات إصدار مذكرة حمراء عن طريق البوليس الدولي (الإنتربول)، لتوقيف "قوش"، بتهم تتصل بتخريب الاقتصاد واستغلال النفوذ، ولكن لا يُعرف بعد إلى أين وصلت هذه التحقيقات.

وباتت الجارة الشمالية، مصر، مستقراً لقوش، ومحلاً لتحركاته السياسية والأمنية، ويشاع على نحو واسع، أن الرجل يقدّم مساعداته لأجهزة المخابرات المصرية في شأن التعاطي مع ملف السودان.


عائد بقوة

يتوزع مؤيدو "قوش"، بين الساسة، والأمنيين، والقبيلة. ويناصر مؤيدو النظام المعزول، عودة الجنرال، لإعادة ترتيب صفوفهم.

وأطلق مناصرون للرجل حملةً شعبيةً تنادي بعودته إلى البلاد، واختاروا لانطلاقتها مسقط رأسه مدينة "مروي" في شمال السودان.

ورحّب عضو الحركة الإسلامية، مهاب عمر، بعودة "قوش"، وقال لرصيف22، إنها من المتوقع أن تسهم في ترميم صفوف حزب المؤتمر الوطني (حزب البشير)، الذي يحتاج إلى جميع قياداته في هذه المرحلة.

ولكن هذه الأحاديث تصطدم بوجود آراء في صفوف الإسلاميين، تعدّ "قوش" أحد أبرز المتآمرين على نظام البشير، كونه ضمن أعضاء اللجنة الأمنية التي انحازت إلى المعتصمين أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني.

تهمة يردّ عليها مهاب، بقوله إن مؤتمراً عُقد قبل أيام للإسلاميين في الخرطوم، تم التوافق خلاله على عدم تحميل "قوش" وزر سقوط النظام، والترحيب بعودته، ليكون عضواً مساهماً في المرحلة المقبلة.

أما الخبير الأمني، اللواء سيد حمد الطاهر، فيرى أن خروج "قوش" من البلاد، منذ البداية، كان خطأً لا يُغتفر.

وقال الطاهر، لرصيف22، إن قوش عبارة عن صندوق أسود، يعرف الكثير من المعلومات التي تهمّ مخابرات خارجيةً، وعلى رأسها ملفات أعضاء تنظيم القاعدة الذين لجأوا إلى السودان نهاية تسعينيات القرن الماضي.

وتابع: كذلك فإن قوش يعرف الكثير من الخفايا ذات التأثير القوي على المسار الداخلي.

وختم بالقول، إن على الدولة الاستفادة من كل هذه المعلومات، وتوظيفها في ملفات تمتين العلاقات مع المخابرات الخارجية، ومحاربة الفساد، وملاحقة المجرمين في الداخل.


أما آخر المرحّبين بعودة الجنرال، فهم أهله وقبيلته. يقول سيد أحمد خالد، المنتمي إلى قبيلة "قوش"، "الشايقية"، إن الخطاب العنصري والجهوي بات سمةً وعلامةً بارزةً، إذ نجد أن رئيس مجلس السيادة، وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، يستقوي بأهله في نهر النيل، ونائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تناصره قبيلة الرزيقات، وقادة الحركات الدارفورية يجدون السند من قبائلهم، وأهالي جبال النوبة يرفضون أي انتقادات لمدير شركة الموارد المعدنية، مبارك أردول، ويصفونه بأنه خطّ أحمر.

وتابع: في شرق السودان، تم الترحيب بعودة محمد طاهر أيلا، آخر رئيس للوزراء، بالرغم من صدور أوامر بالقبض عليه من النيابة العامة.

وختم بالقول: لماذا لا نخرج لاستقبال ابننا، وهو الذي جنّب بتعاونه مع الـ"سي. آي. آي"، السودان، ضربةً أمريكيةً في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وأسهم في فتح الطريق أمام المحتجين لدخول القيادة العامة في 6 نيسان/ أبريل، بشهادة قيادات سياسية معارضة للبشير، وفي تسليم السلطة من البشير ونقلها إلى المحتجين السلميين.

وكان القيادي في تحالف الحرية والتغيير سابقاً، وعضو حزب البعث السوداني، محمد وداعة، زعم بوجود توافقات مسبقة مع "قوش"، فُتح بمقتضاها الطريق أمام المحتجين للدخول إلى محيط القيادة العامة، وإقامة الاعتصام الذي أطاح بالبشير، وهو أمر سارع التحالف إلى نفيه بشدة، عازياً وصول المحتجين إلى إيمانهم العميق بالثورة، وإرادتهم القوية بالرغم من آلة العنف الحكومي.

الرافضون

ترفض قوى الاحتجاجات، والقوى السياسية المطالبة بالحكم المدني، عودة "قوش"، ما لم تكن في سياق توقيفه بلائحة طويلة من التهم.

ويقول حسين علي، وهو أحد أقرباء معاوية بشير، الذي سقط برصاص الأمنيين في منطقة بري، في شرق الخرطوم: "عودة قوش إلى البلاد كأنه بطل قومي، تمثل إهانةً للثورة وشهدائها الكرام".

وأضاف في حديثه إلى رصيف22: أسر شهداء الثورة سيعملون على ملاحقة الرجل في المحاكم الداخلية، وفي حال استمر في الخارج، فإنهم سيواصلون الضغط على النيابة العامة لتوقيفه عبر الإنتربول.

باتت مصر، مستقراً لقوش، ومحلاً لتحركاته السياسية٫ ويشاع أنه يقدّم مساعداته لأجهزة المخابرات المصرية في شأن التعاطي مع ملف السودان.

أما القيادي الشاب في تحالف الحرية والتغيير، مالك خليفة، فيرى أن عودة "قوش"، تأتي في سياق "استعانة سلطة الانقلاب، بكل من هو خصيم للثورة".

وقال لرصيف22، إن البرهان، ومع تزايد الضغوط عليه، يتعمد إعادة كل كيانات وعناصر النظام المعزول، ضمن محاولاته البقاء في السلطة.

وتابع: "مصير هذا النظام إلى زوال، وقريباً سيأتي وقت محاسبة كل من أجرم في حق السودانيين".

وواصل: "مؤكد أن قوش لن تنفعه علاقاته بنظام البرهان، ولا قبيلته في الإفلات من العقاب، فالعدالة الانتقالية لا بد آتية".

أُطلق لقب "قوش"، وهو عالم رياضيات هندي، على الجنرال صلاح عبد الله، لتميّزه في الرياضيات، إبّان دراسته الهندسة في جامعة الخرطوم، فهل تراه تحسّب لموضوع عودته بشكل جيد؟ ام انها نقلة خاطئة جديدة لرجل النظام القديم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image