شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
منذ أن قصصت شعري، لا أسمع سوى كلمة

منذ أن قصصت شعري، لا أسمع سوى كلمة "مجنونة"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

السبت 12 نوفمبر 202211:38 ص

منذ أن قصصت شعري، لا أسمع سوى كلمة "مجنونة"، حتى من أولئك الذين أعجبتهم تسريحة الشعر علي، ولكن الجميع بلا استثناء يرى أن قصي لشعري بعد أن كاد يصل طوله إلى نهاية ظهري هو جنون، وبخاصة أنني لم أقصه لنصفه أو أي قصه بهدف التغيير، بل قصصته على الطريقة الفرنسية أو ما بُعرف بالـ "boy cut" 
لم يزعجني وصفهم لي بالجنون لتصرفي كما يحلو لي في شعري. فكلمة "شعري" تحمل ياء المتكلم. لذا، سبب كتابتي اليوم عن علاقتي بشعري نابع عن ردي على القريبين وعلى دائرتي الصغيرة وأهل منزلي قبل الدائرتين الكبيرة والمجتمع. 

كيف أشرح للنساء قبل الرجال أننا لسنا بحاجة لتاج مادي أو شعر طويل أو قصير لنكن ملكات أو أميرات؟

هذه هي المرة الثالثة التي أقص فيها شعري بهذه الطريقة، في أول مرتين كنت بالجامعة. في المرة الأولى، فاجأت من في المنزل لدى عودتي من الكنيسة، وكان شعري قد أصبح قصيراً. لم أخبرهم أنني سأعرج على مصفف الشعر لأقصه، فكانت مفاجأة. وإلى الآن، لم أخبر أحداً أن هذه التسريحة كانت اقتراح الشاب الذي مسك المقص بالكوافير، بالطبع بعد طلبي أن يكون قصيراً جداً. لم أخبر أحداً أن اقتراحه هذا لم يعجبني، أمام الاستياء والرفض والاندهاش لم أملك رفاهية التعبير عن استيائي من هذه التسريحة أو أنها لا تشبهني، فهو أراد أن يقص لي تبعاً للموضة.
وكانت الموضة الشعر آنذاك عبارة عن جانب "boy cut" والجانب الآخر طويل نسبياً، وأنا شخص لا يتبع الموضة كثيراً. كانت حالة شعري تعبر عن حالتي وصحتي سواء الجسدية أو النفسية، وتعبر عن السقطات والعلاقات العاطفية التي يشوبها الألم النفسي. وكان ردي بعد صمت طال لأشهر هو أني أريد قص شعري.
ليس عاطفتي وعلاقاتي وحدها ما أثرت على شعري، ففي ستة وعشرين عاماً، مررت بالكثير مما أوصل شعري لأن يشيب، ولكني سأكذب كذبة تُصدق وأقول إنه وراثة. فوالدتي أيضاً طالها الشعر الأبيض مبكراً منذ عشريناتها. صحيح أن "الشعر يعتبر مرآة المرء" - لا أذكر من الطبيب النفسي الذي قال هذا، وإن لم يكن هناك قائل للعبارة فألصقها بي عن تجربة شخصية - فليس هناك مرآة أصدق من شعر رأسك ليُريك حالتك الداخلية. 
أما عن المرة الثانية لقص شعري فهي الأكثر تأثيراً، وربما سيعاتبني بل ويلومني البعض عما سأحكيه في السطور القادمة، بالأخص أمي التي سترى أنني حكيت خصوصيات المنزل على الملأ، ولكني سأحكي فربما بالكتابة أسامح أبي وأمي على ما فعلاه وقتها.
حين أخبرت أمي و ألححت كثيراً أن نذهب لقص شعري، أخبرتني أن أقصه بأي طريقة غير "boy cut". وافقت ولم يكن في بالي أن شكله لن يعجبني فهو قصير ولكن ليس كما في خيالي، فأشرت للرجل في المرآة أن يُكمل قص شعري. لم أتخيل وصول الأمور للحد الذي يجعل أمي تطلق الدعوات علي، وأن تهتز يد الرجل وهو يقص شعري، بل ويصل الأمر لأن يغضب أبي ويرفع يده - حين وصلنا منزل خالتي- ليصفعني ليس مرة بل اثنتين.

 لم أتخيل وصول الأمور للحد الذي يجعل أمي تطلق الدعوات علي، وأن تهتز يد الرجل وهو يقص شعري، بل ويصل الأمر لأن يغضب أبي ويرفع يده - حين وصلنا منزل خالتي- ليصفعني ليس مرة بل اثنتين

إلى الآن أندهش من ردة فعلهما هذه، فأنا لم أرتكب خطأ، بل أردت عقد بداية جديدة في حياتي وظننت أني سأبدأ هذه البداية عبر شعري. لم أسىء لهما، ولم أعبر عما كان يضيق أنفاسي. لم أرغب في الكلام الكثير والبكاء أمام أشخاص ربما لن يفهموا أو يشعروا بتفاهة الأمر. ولا أخفي سراً أن هذه التسريحة تبهرني رغم أن الشعر الطويل جذاب أيضاً.
لم أحمّل قصة الشعر معاني أكثر، فلم أرغب بقصي لشعري أن أتشبه بالرجال، لم أحمّلها تأويلات نسوية أو قوة ليست فيّ أو فيها، ولكني تأملت وفكرت كثيراً عن سبب حبي لها. لم أجد سوى أنني حين كنت صغيرة أبلغ خمس سنوات تقريباً، تم قص شعري بهذه الطريقة. لا أذكر من تلك الفترة سوى أنني تذمرت على أمي على أن شعري أصبح قصيراً جداً، ولكن حين أنظر للصور الموجودة من تلك الفترة، أعتقد أنها أحلى صور التُقطت لي دون مبالغة. 
لم يشعر أحد بأنني فقدت مع قصي لشعري ثقتي بنفسي، فقد كنت أستطيع التمثيل أنني شخص واثق وقوي ويعجبه شكله، في حين أن الأمر داخل المنزل وخارجه لم يقف عند الصفع ووجع فك أسناني وقتها، فكلما مررت من أمام أخي، كان ينظر لي باشمئزاز. وفي مرات يبصق علي. آراء لم أطلبها من أحد تندد بأن فعلي خاطئ ولا يجب أن أكرره، ولكن بما أنكم وصمتوني بالجنون، وهو فيكم وليس في، فها أنا أقص شعري للمرة الثالثة دون خوف من رد فعل أي حد.
وعدت نفسي بعدم الإنصات لآراء أي شخص مهما كانت صفته لي، بل الوعد الأهم هو ألا أخطئ في حق نفسي وأُصدق كلماتهم الواهية "نحن نريدك أفضل شخص بل وأفضل منا"، حقاً؟ 

لم أحمّل قصة الشعر معاني أكثر، فلم أرغب بقصي لشعري أن أتشبه بالرجال، لم أحمّلها تأويلات نسوية أو قوة ليست فيّ أو فيها، ولكني تأملت وفكرت كثيراً عن سبب حبي لها

لمْ تسألوني إذا أصبح حالي أفضل قبل قصي لشعري أو حتى بعده. لم تسألوني إن كنت سعيدة الآن. بل سخرت أمي بي قائلةً: "ها عاجبك شكلك؟ وشك صغير وبقا شكله أصغر بحجم لقمة العيش". 
في وقت من الأوقات، كنت أفكر كباقي الفتيات، حين تتم خطبتي سيكون شكلي كذا وأرتدي كذا. أما في عرسي، فسيكون شكلي غير تقليدي. لن أرتدي فستاناً ثقيلاً أو منسدلاً على الأرض. أرغب في أن يعبر رقصي عن فرحتي. أما شعري، فسيكون طويلاً كأميرة ديزني "Rapunzel". ولكن، كلما تقدمت بي السن، أدركتُ ليست كل الأحلام تصلح للواقع، بل أدركتُ أنني أستطيع أن أفرح وأكون نفسي دون انتظار تحقيق ما تنتظره كل فتاة عادية. لستُ من العاديات، وأعتبر نفسي بطلة أغنية كاظم الساهر حين غنى:
                  "حبيبتي إن يسألوكِ لماذا قصصت شعرك الحريرا؟ 
                    قولي لهم أن من أحبه يحبه قصيرا " 

فعلى الرغم من عدم وجود حبيب لدي يخبرني بهذه الكلمات، بل والأدهى رجال كثيرون يرددون عبارة: "تاج المرأة هو شعرها". بالطبع، المقصود شعرها الطويل، ولكني تخيلتُ أن الكلمات كُتبت لي. في صغري، كنت أعترض على هذه العبارة. ولكن الآن، لن أجادل وأدخل شجاراً سوى بقلمي. فكيف أشرح للنساء قبل الرجال أننا لسنا بحاجة لتاج مادي أو شعر طويل أو قصير لنكن ملكات أو أميرات؟ بإمكان كل منا خلق الشعور لنفسها دون أن تستمده من حب حبيب أو أهل. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard