شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أموال

أموال "الصحة العالمية" في سوريا تُنفَق على "الرقص والحفلات الفارهة والنظام"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 3 نوفمبر 202202:50 م

يبدو أن الأزمات الملتهبة في بلدان العالم الفقير قد فتحت شهية الكثيرين للارتزاق، وبناء علاقاتهم الخاصة، على أجساد ضحايا الحروب وفقراء الشعوب المحكومة بالسياسات المنزوعة الإنسانية والرحمة.

في سوريا، اندلعت حرب يسجلها التاريخ اليوم على أنها من أبشع الحروب، وبالرغم من أن واجب المنظمات الأممية التواجد حيث المعاناة والمآسي والحروب والكوارث والتخفيف من آثارها على سكانها، وإنفاق الأموال المخصصة لتلك الغايات، إلا أن ما يجري اليوم في كثير من المواقع مخالف تماماً لكُل هذه القيم. ولعلّ ما تكشفه التحقيقات في ما يتعلق بمكتب منظمة الصحة العالمية في دمشق، خير دليل على ما وصلت إليه الأمور.

خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن، دُمّر نظام الرعاية الصحية في سوريا، وتالياً صار الاعتماد بشكل شبه حصري على المساعدة الصحية الدولية، وغالباً ما أثار وجود منظمة الصحة العالمية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، انتقادات مفادها أن مساعداتها يتم توجيهها من قبل دمشق، التي تخضع لعقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

نزح ما يقرب من 7 ملايين شخص بسبب الحرب في سوريا، ويعيش معظمهم في مخيمات في مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة، كما تسبب تفشي وباء الكوليرا، في وفاة 75 شخصاً على الأقل حتى الآن، في وقت لا يزال فيه النظام الصحي يعاني من تأثيرات جائحة كورونا من جهة، ونتائج المعارك في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة من جهة أخرى، بالإضافة إلى النتائج الكارثية لهجمات سلاح الجو الروسي وذاك التابع لنظام الأسد، على المرافق الصحية والطبية هناك. كل ذلك ترافقه أخبار مؤسفة عن فساد منظمات أممية، فيما السوريون في أمسّ الحاجة إلى تلك المساعدات مع التدمير الممنهج لنظامهم الصحي.

اتّهم 12 موظفاً ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماكتيموفا، بأنها ضغطت عليهم لتوقيع عقود مع كبار المسؤولين السوريين

اتهامات وتحقيقات

وفي تقرير مطول نشرته وكالة "أسوشيتد برس"، اتّهم 12 موظفاً من موظفي المنظمة، ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، أكجمال ماكتيموفا، بأنها ضغطت عليهم لتوقيع عقود مع كبار المسؤولين لدى الحكومة السورية بشكل يخالف غايات الإنفاق، وتشير الاتهامات إلى سوء إدارة أموال المنظمة والجهات المانحة والتي تستهدف 12 مليون سوري يستفيدون من خدمات المنظمة الصحية والطبية المقدمة لهم، ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى فتح واحد من أكبر تحقيقاتها الداخلية منذ سنوات في الاتهامات الموجهة إلى ممثلتها في سوريا.

ويستند تقرير الوكالة إلى أكثر من 100 وثيقة قُدمت ضد ماكتيموفا، ووصلت ميزانية المنظمة في سوريا العام الماضي، إلى 115 مليون دولار لمعالجة القضايا الصحية في بلد مزّقته حرب طويلة متواصلة منذ أكثر من عشر سنوات، بلد يعيش فيه ما يقارب من 90% من السكان في فقر مدقع، ويحتاج أكثر من نصفهم بشدة إلى مساعدات إنسانية. وكان المحققون يحققون في مزاعم بأن السوريين تلقوا خدمات سيئةً، وقد تعرّض موظفو منظمة الصحة العالمية لسوء المعاملة.

انحياز وقلّة مسؤولية

عرّضت ماكتيموفا، حياة ملايين السوريين للخطر، ولم تكن منظمة الصحة العالمية تقدّم مساعدات كافيةً للسوريين، فقد" كانت الإمدادات الطبية" تُركّز عادةً على دمشق فقط، ولا تغطي مناطق أخرى في سوريا، حسب تصريح أحد موظفي المنظمة لوكالة "الأسوشيتد برس"، حيث كان هناك نقص حاد في الأدوية والمعدات.

وخلال جائحة كورونا، لم تحرص ماكتيموفا، على تطبيق إجراءات التباعد والوقاية، ولم تلتزم بارتداء الكمامة، وتسببت في انتقال العدوى إلى آخرين بعد إصابتها بالفيروس، ولم تتخذ أي إجراء لتخفيف عدد الموظفين في مكاتب المنظمة، ولم تشجع العمل عن بعد حينها، بل في بداية الوباء في كانون الأول/ ديسمبر 2020، أصدرت تعليمات إلى موظفيها في مكتب سوريا بتعلّم رقصة "global flash mob dance".

وبالرغم من تتّبع الفيديو المنشور في التحقيق، والذي يظهر فيه موظفو المنظمة وهم يرتدون سترات منظمة الصحة العالمية ويؤدون رقصات "the Jerusalema challenge"، في المكاتب والمستودعات المجهزة بالإمدادات الطبية، إلا أننا لم نتمكن من العثور عليه لإزالته بأمر من مديرين في منظمة الصحة العالمية، بسبب الانتقادات الشديدة.

خلال فترة تفشي وباء كورونا في سوريا، قامت ماكتيموفا، بتوظيف موظف خاص للرقص، وتعاقدت مع شركة لإنتاج فيديوهات خاصة بتلك الرقصات، شاركت بها في الاحتفال بيوم الأمم المتحدة، في حفلة صاخبة من دون إجراءات التباعد ومن دون أقنعة، بينما كان الوباء يفتك بالشعب السوري، والمشافي تعاني من نقص حاد في التجهيزات والأدوات والأدوية.

هدر فاضح

وتشير الوثائق التي حصلت عليها "أسوشيتد برس"، إلى أن ماكتيموفا، عاشت في جناح مستقل وفسيح وذي إطلالة بانورامية في فندق الفورسيزن في دمشق، وأقامت في الفندق منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وما زالت فيه إلى اليوم، وتبلغ كلفة الإقامة في الجناح في الليلة الواحدة، 940 دولاراً.

خلال فترة تفشي وباء كورونا في سوريا، قامت ماكتيموفا، بتوظيف موظف خاص للرقص، وتعاقدت مع شركة لإنتاج فيديوهات خاصة بتلك الرقصات، بينما كان الوباء يفتك بالشعب السوري

وتشير الوثائق والتحقيقات إلى أن فواتير الاستقبال في الفندق، تشمل أنواع المأكولات والحلويات والمشروبات الفاخرة وذات الأسعار المرتفعة، وكانت الأمم المتحدة قد أنفقت في هذا الفندق ما يصل إلى 70 مليون دولار منذ العام 2014، بالرغم من أن الفندق قد تعرّض للعقوبات الدولية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب ارتباط مالكه بتمويل نظام الأسد وبالمسؤولين السوريين ذوي الصلة بجرائم الحرب.

وبحسب خبراء الصحة العامة في منظمة الصحة العالمية في سوريا، كانت ماكتيموفا، تصف الموظفين بـ"الجبناء" و"المتخلفين"، في مناسبات عدة، كما أخبر مسؤولون في الأمم المتحدة محققي الوكالة بأن "ماكتيموفا قدّمت خدمات"، لكبار السياسيين في النظام السوري، والتقت خلسةً مع الجيش الروسي، وهو ما يمثل انتهاكاً محتملاً لحياد منظمة الصحة العالمية كمنظمة تابعة للأمم المتحدة".

توظيف متّهمين بارتكاب انتهاكات

وقامت ماكتيموفا، بتوظيف أقارب مسؤولين في حكومة نظام الأسد، غير أكفاء، منهم أشخاص متهمون بارتكاب انتهاكات وجرائم لا حصر لها لحقوق الإنسان، وربما مشاركون في المجازر. وبسبب عدوانية ماكتيموفا، والاحتيال والفساد والفضائح، قد تخسر منظمة الصحة العديد من الداعمين لقضايا الشعب السوري. ومن الاتهامات الموجهة إلى ممثلة المنظمة في سوريا أنها قد أنفقت أكثر من 10 آلاف دولار على حفل أقامته يتعلق بإنجازاتها الخاصة، بينما كانت سوريا تعاني للحصول على لقاحات كورونا.

ومن الأخطار التي تهدد عمل منظمة الصحة العالمية، عدم قدرة الوكالة على تتبّع دعمها للمرافق الصحية في سوريا. ففي مراسلات داخلية سابقة، كشف "تفتيش مفاجئ" على مشروع صحي في شمال سوريا، بأنه مقلق، ويُظهر التناقضات بين ما دفعته منظمة الصحة العالمية وما تم العثور عليه.

قامت ماكتيموفا، بتوظيف أقارب مسؤولين في حكومة نظام الأسد، غير أكفاء، منهم أشخاص متهمون بارتكاب انتهاكات وجرائم

ومن بين القضايا التي تم كشفها أيضاً، "كميات الأدوية التي تم فحصها ولم تكن مطابقةً للفواتير"، ولم يكن الموظفون حاصلين على تدريبات طبية، وكان هناك نقص كبير في المواد الطبية بما في ذلك الكراسي المتحركة والعكازات وأجهزة السمع، وكان المبنى المستأجر لتخزين هذه الإمدادات، فارغاً.

موقف المانحين

وانتقد الدكتور أحمد المندري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في شرق البحر المتوسط، والرئيس المباشر لماكتيموفا، فشل مكتب سوريا في حساب إنفاقه. وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني، أخبرها بأن هناك العديد من مشكلات التدقيق والامتثال التي لم يتم حلها، وقال المندري، إن ماكتيموفا لم تكمل التقارير التي طال انتظارها، والتي توضح بالتفصيل كيفية إنفاق الأموال في سوريا، والتي تحتاج إلى تركيز خاص واهتمام عاجل، وأضاف أن المانحين لن يتمكّنوا من التأكد من أن منظمة الصحة العالمية قامت بالاستخدام الأمثل لأموالهم ومواردهم على النحو المنشود من دون هذه التقارير.

هدايا للمسؤولين

وكشفت التحقيقات مع ثلاثة من مسؤولي منظمة الصحة العالمية المشاركين في المشتريات، أن ماكتيموفا، كانت متورطةً في العديد من العقود المشكوك فيها، بما في ذلك مناقصة النقل التي تقدَّر بملايين عدة من الدولارات، ومنحت عقداً آخر لشراء أدوية بقيمة 20 ألف دولار لمورّد تربطها به علاقات قرابة، بالرغم من عدم وجود طلب من وزارة الصحة في الحكومة السورية بهذا الاحتياج، وتلك كانت وثيقةً مهمةً ومطلوبةً لإتمام هذه العملية، ولشراء الأدوية.

وتضمنت التحقيقات قيام ماكتيموفا، باستخدام أموال منظمة الصحة العالمية لشراء هدايا لوزارة الصحة وغيرها، بما في ذلك "خوادم وأجهزة كمبيوتر محمولة جيدة جداً"، وعملات ذهبية وسيارات باهظة الثمن، ووجّه موظفو المنظمة اتهامات إليها بأنهم تعرضوا لضغوط لإبرام صفقات مع مسؤولين كبار في الحكومة السورية، من أجل منح امتيازات الإمدادات الأساسية مثل الوقود بأسعار مرتفعة جداً، وتعرّضوا لتهديدات بأن يتم تهميشهم إذا لم يلتزموا بذلك.

وقال خافيير غوزمان، وهو مدير الصحة العالمية في مركز التنمية العالمية في واشنطن، إن التهم الأخيرة المتعلقة بماكتيموفا، كانت "مزعجةً للغاية، ومن غير المرجح أن تكون استثناءً". وأضاف: "من الواضح أن هذه مشكلة منهجية. هذه الأنواع من الادّعاءات لا تحدث فقط في أحد مكاتب منظمة الصحة العالمية، ولكن في مناطق متعددة."

ودعا غوزمان، العالم، إلى ألا ينخدعوا بمدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدحانوم غيبرييسوس، بالرغم من أدائه الجيد خلال أزمة كورونا، وانتقد مراراً عدم المساواة في اللقاحات، ودعا الدول إلى التصرف بتضامن، وقال إن مصداقية الوكالة تضررت بشدة بسبب تقارير سوء السلوك.

الاعتداءات الجنسية

وكانت "أسوشيتد برس"، قد نشرت تحقيقاً العام الماضي، تتحدث فيه عن تورط منظمة الصحة العالمية في قضايا اعتداء جنسي، خلال تفشي فيروس كورونا، في إيبولا في الكونغو، بين عامي 2018 و2020، وكشفت لجنة تحقيق أن أكثر من ثمانين عاملاً كانوا يعملون تحت إشراف منظمة الصحة العالمية، متورطون في قضايا استغلال النساء جنسياً.

ماكتيموفا متورطةً في العديد من العقود المشكوك فيها، بما في ذلك مناقصة النقل التي تقدَّر بملايين عدة من الدولارات، ومنحت عقداً آخر لشراء أدوية بقيمة 20 ألف دولار لمورّد تربطها به علاقات قرابة

وكشفت لجنة كُلّفت بالتحقيق في قضايا الاعتداء الجنسي، عن إهمال الإدارة العليا في المنظمة لبلاغات الاعتداء الجنسي، كما قامت بترقية أحد المعنيين بتلك الاتهامات إلى مناصب رفيعة سابقاً، وعن 80 حالة اعتداء جنسي.

وكذلك اتُهم الدكتور تاكيشي كاساي، مدير المنطقة غرب المحيط الهادئ، التابع لمنظمة الصحة العالمية، بممارسة العنصرية وتوبيخ الموظفين وتبادل معلومات لقاح فيروس كورونا الحساسة مع بلده، بشكل مخالف للقوانين والأنظمة المعمول بها في المنظمة، على إثر ذلك أقالت المنظمة كاساي، بعد التحقق من صحة الادّعاءات الموجهة إليه.

مواقف وتحرّك

واستنكر رئيس الائتلاف السوري المعارض أنس العبدة، تصرفات ماكتيموفا، وقال إن "مقطع الفيديو كان مخزياً، وكان على المنظمة (بدلاً من ذلك) تصوير الحالة الكارثية لشعبنا والمطالبة بالعدالة، وبعث برسالة إلى مدير منظمة الصحة العالمية، طالب فيها المنظمة بتحمّل مسؤولياتها وتقديم الدعم المتفق عليه لاتخاذ كافة الاحتياطات والإجراءات التي تمنع تفشي الفيروس القاتل، وركَّز على منطقة الشمال السوري بسبب خصوصيتها ودمار المنشآت الصحية والطبية فيها.

ورفضت مكتيموفا، أن تفسر موقفها، مكتفيةً بالقول إنها "لا تستطيع أن تتقاسم المعلومات بسبب الالتزامات التي يفرضها عليها منصبها". كما قررت إدارة منظمة الصحة العالمية تأسيس لجنة لتقصّي الحقائق في هذه القضية، تضم عشرين شخصاً.

وقالت المنظمة في بيان: "التحقيق معقّد وطويل وتواجهنا صعوبات جمة للوصول إلى مصادر الخبر والحديث مع موظفين في المكتب"، مشيرةً إلى أنه "بسبب صعوبة الوضع الأمني ووجوب احترام مبدأ السرّية، لا يمكن الإدلاء بمعلومات أكثر".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image