"أنا آسفة لكل الناس اللي حبوني. آسفة من قلبي. لا تخلوش حد يتكلم عني أني كنت ضعيفة. بس اتكلمو عن كم أنه كان العالم بشع فوق طاقتي. حاولت بكل ما أوتيت من قوة. حاولت قد ما أقدر. خلو بالكم من أهلي. حبوهم مثل ما حبيتهم، خلوهم فخورين فيني. أسالكم بالله فيهم كلموهم يسامحوني، وقد إيش كنت كويسه وكيف حاولوا يدمروني".
بهذه الكلمات بدأت الناشطة المجتمعية اليمنية سارة علوان رسالتها الأخيرة قبل محاولة الانتحار بإطلاق عيار ناري على نفسها في أحد شوارع مدينة تعز (جنوب العاصمة صنعاء)، الأربعاء 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، لتُنقل إلى المستشفى حيث تجري محاولات إسعافها حتى كتابة هذه السطور.
السبب وراء محاولة علوان الانتحار هو معاناتها مع "الابتزاز الإلكتروني" و"تخاذل" السلطات الأمنية في المدينة عن التحرك لحماية سارة إثر شكوى تقدمت بها ضد المبتز قبل نحو ثمانية أشهر.
"البلاد ذي غير صالحة للعيش"
في رسالتها المنشورة عبر حسابها في فيسبوك، واصلت سارة: "أنا رايحة عند اللي أحسن مني ومنهم ومنكم. البلاد ذي غير صالحة للعيش. القوي الظالم المنافق هو اللي بيعيش بس"، مطالبةً متابعيها "خذوا حقي منهم، خذوا حقي من أمجد وأمل اللي بتسمعو قصتهم بالفيديو".
"أنا رايحة عند اللي أحسن مني ومنهم ومنكم. البلاد ذي غير صالحة للعيش"... الناشطة المجتمعية اليمنية سارة علوان تحاول الانتحار إثر أشهر من "الابتزاز الإلكتروني"، وتقاعس السلطات الأمنية في تعز عن حمايتها #أدعم_ضحايا_الابتزار #ساره_علوان_ضحية_المبتزين_والأمن
عقب هذا المنشور، حاولت سارة رفع الفيديو الذي أشارت إليه لكن سوء خدمة الإنترنت لم تُسعفها. فاكتفت في تعليقاتها باتهام شاب يُدعى "أمجد وثيق المقطري" وخالته المدعوة "أمل المقطري" بابتزازها على مدار أشهر.
وأكدت في تعليق على منشورها: "أمجد وثيق المقطري الأدلة كلها مع كثير من الناس ومع مدير الأمن القومي بنفسه. هو يتعذر ويرميها بخالته أمل بس هو كذاب. هي كانت جنبي وقت ما كان يبتزني ويراسلني".
السلطات الأمنية متهمة بـ"التقصير"
وعبر وسمي: #أدعم_ضحايا_الابتزار و#ساره_علوان_ضحية_المبتزين_
وقال أحد الناشطين، يُدعى بشير السنان، إن سارة أبلغته بأن الصور التي تعرضت للابتزاز بسببها تمت سرقتها من هاتفها الخاص، وهي "صور عادية من حفلات ومناسبات داخل البيت"، مؤكداً أنها أخبرته بأنها أبلغت والدها ووالدتها وأشقاءها بما تتعرض له.
وأضاف: "سارة موصلتش لحالة الانتحار اللي هي عليها لأنها ضعيفة، أو مجدراش تعمل حل… كل ما حاولت تكون قوية بوجه المبتز، توصلها رسالة، يوصلها تلميح، يوصلها كلام… مضايقات من ناس مقربين"، متهماً الأجهزة الأمنية في تعز بـ"التقصير" في ردع المبتز الذي استخدم "رقماً قطرياً" ومحاسبته منذ تقدمت سارة بشكوى في آذار/ مارس 2021.
فريق كبير من المعلقين اتفق على لوم السلطات الأمنية على تلكؤها في التعامل مع شكوى سارة. من بينهم الناشطة اليمنية ياسمين الناظري التي كتبت: "تقدمت سارة بشكوى للجهات الأمنية وظل المجرم حُراً طليقاً يتستر عليه المجتمع وما تبقى من الدولة حتى قررت إنهاء معاناتها".
في #اليمن، "من النادر أن يُصدَّق المجتمع فتاة تتعرض للابتزاز الإلكتروني… انتشار بعض الصور الخاصة لفتاة على شبكة الإنترنت قد يعني عملياً إعدامها معنوياً إلى الأبد، وربما جسدياً في حالات كثيرة من قِبل الأهل" #أدعم_ضحايا_الابتزار #ساره_علوان_ضحية_المبتزين_والأمن
وأردفت: "حتى قبل الحرب، لم يكن وضع المرأة أفضل ولم تكن الأجهزة الأمنية في يوم مُنصفة لقضايا النساء. وأقسام الشرطة لم تكن غالباً هي الحل الأول الذي تلجأ إليه النساء! كان الخوف من دخول أقسام الشرطة يسيطر على الأغلبية لأن المجتمع سينبذهن وسيتناول سمعة أي امرأة خاضت هذه التجربة".
وحذّرت المؤثرة على مواقع التواصل بلقيس الحميري من أن "الابتزاز الالكتروني والحسابات الوهمية أصبحا من مصادر الاسترزاق والابتزاز والاستغلال السيىء وخراب البيوت. وعلينا جميعاً تقع المسؤولية الاجتماعية وعلى الدولة ومؤسساتها المسئولية القانونية والعقابية الرادعة".
في الوقت نفسه، نبهت الناشطة النسوية فاطمة السياغي إلى أن "سارة علوان ما تستحق الشفقة. تستحق الإشادة، لأنها قوية وحاولت كل الطرق لإنصافها ودافعت عن نفسها وتكلمت بصوت عال ووصّلت قضيتها. هذا الدم الذي سال هو أطهر من أحكام وأعراف هذا المجتمع، وهو البصمة التي ستصنع التغيير".
اتفقت معها الناشطة جميلة الشرجبي التي قالت عبر تويتر: "الرصاصات التي أطلقتها #سارة_علوان لم تطلقها على جسدها بل أطلقتها على دولة ميتة ومجتمع عاجز وقانون غائب".
بدورها، رفعت الناشطة الحقوقية هدى الصراري مطلب سن "تشريع خاص بتجريم الابتزاز الإلكتروني وجرائم العنف الموجهة ضد النساء وتشديد العقوبات حتى تكون رادعة للمبتز".
الابتزاز الإلكتروني للإناث في المجتمع اليمني
وفي سلسلة تغريدات عبر تويتر، أوضحت الصحافية اليمنية نور سريب أن "قضايا الابتزاز مؤسفة في بلد لا يمتلك أي إمكانيات في مجال الأمن الرقمي أو ما يعرف عالمياً بالأمن السيبراني. لا نملك بحثاً جنائياً رقمياً مثل مصر وباقي الدول العربية والغربية، لذلك كثرت قضايا الابتزاز. فالمجرم يشعر بالأمان".
"الرصاصات التي أطلقتها #سارة_علوان لم تطلقها على جسدها بل أطلقتها على دولة ميتة ومجتمع عاجز وقانون غائب" #أدعم_ضحايا_الابتزار #ساره_علوان_ضحية_المبتزين_والأمن
وزادت بأن "بعض الضحايا ينهار ويلبي رغبات المبتز الذي لا يقنع ولا يشبع رغباته غير العقاب. وبعض الضحايا يقرر ينهي حياته خوفاً من نظرة المجتمع، وبعض الضحايا يقرر المواجهة ويبحث عن المساعدة والدعم المعنوي والتقني".
كما لفتت إلى أن الكثير من حالات الابتزاز تنتج عن "الثقة في بعض مراكز ومحلات تصليح الجوال أو أجهزة الكمبيوتر" و"سرقة الهاتف واستغلال محتواه وقضايا" و"جهل في استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي" و"جهل في استخدام التطبيقات التي بلا مصدر"، متابعةً "الضحية ليست امرأة أو شابة فقط، ثمة رجال أيضاً يقعون في فخ الابتزاز والأبشع أن هنالك أطفالاً يقعون في فخ الابتزاز".
وفي تقرير نُشر نهاية شباط/ فبراير 2022، أفاد موقع "سوث 24" المحلي بأن "الابتزاز الإلكتروني للنساء والفتيات في اليمن، على غرار الدول العربية، أكثر ضرراً ودماراً بالنسبة للضحايا إذ يقف المجتمع - المحكوم بالتقاليد والعار- والسلطات أحياناً، إلى جانب الجاني والمبتز ضدَّ الضحية".
وشدد التقرير المحلي على أنه "من النادر أن يُصدَّق المجتمع اليمني فتاة تتعرض للابتزاز الإلكتروني بصورها الخاصة أو أي بيانات شخصية أخرى، وتحديداً أهل وأقارب الضحية"، مردفاً "انتشار بعض الصور الخاصة لفتاة على شبكة الإنترنت قد يعني عملياً إعدامها معنوياً إلى الأبد، وربما جسدياً في حالات كثيرة من قِبل الأهل".
واعتبر أن هذا "ما يُعقّد كثيراً أوضاع الفتيات عند تعرضَّهن للابتزاز الإلكتروني، ويجعلهن فرائس سهلة ضعيفة للمبتزين" بحيث قد يحاولن إيذاء النفس أو الانتحار.
ووفق ما صرحت به للموقع المحلي نفسه القاضية والأستاذة السابقة في كلية الحقوق بجامعة عدن، ضياء محيرز، فإنَّه "لا يوجد نص قانوني صريح ينص على عقوبة محددة للابتزاز الإلكتروني، ولكنَّ المُشرع يجرم الابتزاز بشكل عام".
غير أنه يمكن الاستناد إلى المادة (313) من قانون الجرائم والعقوبات في حالات الابتزاز الإلكتروني. تنص المادة: "يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات، أو بالغرامة، كل من يبعث قصداً في نفس شخص الخوف من الإضرار به، أو بأي شخص آخر يهمه أمره، ويحمله بذلك وبسوء قصد على أن يسلمه أو يسلم أي شخص آخر أي مال أو سند قانوني أو أي شيء يوقع عليه بإمضاء أو ختم يمكن تحويله إلى سند قانوني".
مع ذلك تبقى "السلطة التقديرية" للقاضي وسيلة لإفلات المُدانين في العديد من هذه الجرائم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه